باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر مــــن يناير سنة 2023م، الموافق الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدة المستشار / شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 120 لسنة 36 قضائية “دستورية”
المقامة من
1- عماد عبد الكريم أحمد الشباسي 2- علاء خضر يوسف إسماعيـــــل
3- هاني صلاح الدين عبدالعزيــــــــــز 4- محمود محمد محمود أبو طاحون
5- سليمان فــــــلاق خيــــــرالله أحمــــــــــــــد 6- فايــــــز فتوحــــــــه فنوش شعيـــــــــــــب
7-صبحي عبد الســــــلام محمد الجندي 8- أوسامة حلمي عبد المؤمـــن محمد
9- محمد ســــــــــالم أحمــــــــــــــــد السيـــــــــــــــــــــد
ضد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- وزيـــــــــــــــــر الاستثمـــــــار
3- وزيــــــــــــــر الزراعـــــــــــــــــــة واستصلاح الأراضي
4- الممثل القانوني للشركة القومية للتشييد والتعمير
5- الممثل القانوني للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية
6- الممثل القانوني للشركة المصرية السعودية للاستثمار الصناعي والعقاري
7- الممثل القانوني لشركة التجارة والتسويق السعودية الدولية المحدودة
الإجراءات
بتاريخ السابع من يوليو سنة 2014، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين الحكم بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 32 لسنة 2014 بتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى بجلسة 6/5/2017، وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى. واحتياطيًّا: برفضها. وبتلك الجلسة قررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين لاستكمال التحضير، فأودعت الهيئة تقريرًا تكميليًا برأيها.
وأعيد نظر الدعوى بجلسة 5/11/2022، وفيها قدَّم المدعون مذكرتين صمموا فيهما على الطلبات، وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق – في أن المدعين، وآخرين، كانوا قد أقاموا أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة الدعوى رقم 52137 لسنة 66 قضائية، ضد المدعى عليهم في الدعوى المعروضة، طلبًا للحكم بوقف تنفيذ، ثم إلغاء قرار اللجنـة الوزارية للخصخصة الصادر بتاريخ 7/2/1999، فيما تضمنه من بيع 100% من أسهم شركة النوبارية لإنتاج البذور (نوبا سيد)، وقرار الجمعية العامة غير العادية للشركة القابضة للتنمية الزراعيــــــة الصادر بتاريخ 27/2/1999، بالموافقــــــة على البيع، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها: بطلان عقد بيع الأسهم المؤرخ 14/3/1999، المبرم بين الشركة القابضة للتنمية الزراعية، والشركتين المدعى عليهما السادسة والسابعة، وبطلان التسجيلات التي تمت لأراضي الشركة نفاذًا لهذا العقـــد، وإعادة الحـــــال إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، واسترداد الدولة لجميع الأملاك والأموال مطهرة من أي حقوق عينية. وذلك على سند من أن القرارين المطعون عليهما، اللذين تم البيع استنادًا إليهما، شابهما عيوب جسيمة تنحدر بهما إلى درجة الانعدام. وبجلسة 3/5/2014 – وعلى إثر صدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 32 لسنة 2014 بتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة – دفعت الشركتان المدعى عليهما السادسة والسابعة، بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه، ودفع المدعون بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية من القرار بقانون المار ذكره. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية، أقاموا الدعوى المعروضة، ناعين على نص المادتين الأولى والثانية من القرار بقانون المشار إليه، مخالفتهما المواد (4 و32 و34 و53 و94 و97 و100 و190 و225) من الدستور.
وحيث إنه عما دفع به المدعون من عدم صلاحية أعضاء المحكمة الدستورية العليا لنظر الدعوى المعروضة، لما يجمعهم من وشائج، وعلاقة زمالة، برئيس الجمهورية المؤقت، الذي أصدر القرار بقانون المطعون عليه، وتقاعد من وظيفته كرئيس للمحكمة الدستورية العليا، اعتبارًا من اليوم التالي لتاريخ 30/6/2016، فإنه مردود بأن المادة (146) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، لم تورد الحالة المتمحل بها بين حالات عدم صلاحية القضاة المحددة حصرًا بها، الأمر الذى يضحى معه هذا الدفع غير قائم على سند من القانون، متعينًا رفضه.
وحيث إن نصي المادتين الأولى والثانية من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 32 لسنة 2014 بتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، يجريان على أنه:
المادة الأولى: ” مـــــع عـــــدم الإخـــــلال بحـــــق التقاضي لأصحـــــاب الحقـــــوق الشخصية أو العينية على الأموال محل التعاقد، يكون الطعن ببطلان العقود التي يكون أحد أطرافها الدولة أو أحد أجهزتها من وزارات، ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة، ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات والمؤسسات العامة، والشركات التي تمتلكها الدولة أو تساهم فيها، أو الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التي أبرمت هذه العقود استنادًا لها، وكذلك قرارات تخصيص العقارات من أطراف التعاقد دون غيرهم، وذلك ما لم يكن قد صدر حكم بات بإدانة طرفي التعاقد أو أحدهما في جريمة من جرائم المال العام المنصوص عليها في البابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وكان العقد قد تم إبرامه بناءً على تلك الجريمة”.
المادة الثانية: ” مع عدم الإخلال بالأحكام القضائية الباتة، تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون والمقامة أمامها بغير الطريق الذي حددته هذه المادة بما في ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية المعروضة على هذه المحكمة لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطـــــــة بهـــــــا، المطروحـــــــة أمام محكمة الموضوع. متى كان ما تقدم، وكانت الطلبات الختامية للمدعين في الدعوى الموضوعية، لم تتضمن الحكم بحق شخصي أو عيني لهم، على أموال الشركة المباعــــة – أيًّا كان وجه الرأي في ثبوت أو نفي هذه الحقوق – وإنما أقاموها على سند من أن رابطة العمل التي كانت تربطهم بها، تخولهم الحق فى الطعن على التصرفات التي تنقل ملكية الشركة إلى الغير، وكان نص المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 32 لسنة 2014 – المطعون فيه – قد قصر الحق في الطعن ببطلان العقود التي يكون أحد أطرافها الشركات التي تمتلكها الدولة، على أطرافها، ومن لهم حق شخصي أو عيني على الأموال محل التعاقد، دون غيرهم، ما لم يكن قد صدر حكم بات بإدانة طرفي التعاقد أو أحدهما في جريمة من جرائم المال العام، وكان العقد قد تم إبرامه بناء على تلك الجريمة، وكان نص المادة الثانية من القرار بقانون ذاته، قد أوجب على المحكمة، القضاء مـــــــن تلقـــــــاء نفسهــا، بعـــــــدم قبــول الدعــاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في المادة الأولى من القرار بقانون المشار إليه، والمقامة بغير الطريق الذى حددته هذه المادة، بما في ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون. ومن ثم، فإن القضاء في دستورية النصين المطعون عليهما سيكون له أثر مباشر وانعكاس أكيد على قبـــــــــول الدعـــــــــوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتتوافر تبعَا لذلك، المصلحة الشخصية المباشرة للمدعين في الطعن عليهما بعدم الدستورية، الأمر الذى يغدو معه الدفـــــع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبــــــــــــول الدعوى المعروضة، لا سند له، متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إنه ترتيبًا على ما تقدم، يتحدد نطاق هذه الدعوى فيما نصت عليه المادة الأولى من القرار بقانون المطعون عليه، من أنه ” يكون الطعن ببطلان العقود التي يكون أحد أطرافها الشركات التي تمتلكها الدولة أو تساهم فيها، أو الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التي أبرمت هذه العقود استنادًا لها من أطراف التعاقد دون غيرهــــــم”، وما نصت عليـــــــه المادة الثانية من القـــــــرار بقانون ذاتـــــــه، مـــــــن أنه
” تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون والمقامة أمامها بغير الطريق الذى حددته هذه المادة بما في ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون “.
وحيث إن المدعين ينعون على القرار بقانون المتضمن النصين المطعون فيهما، انتفاء حالة الضرورة المبررة لإصداره في غيبة السلطة التشريعية، وإهداره مبدأ المشروعية وسيادة القانون، لانطوائه على أثر رجعي، دون اتباع الإجراءات الدستورية اللازمة لذلك، والإخلال بحق التقاضي؛ بقصر الحق في الطعن ببطلان تلك العقود والإجراءات التي أبرمت استنادًا إليها على أطرافهـــــا، وتحصين أعمال إداريـــــة لا يجوز تحصينها، وتسليط القضاء الجنائي على القضاء الإداري؛ بتعليق دعوى الإلغاء على صدور حكم في الدعوى الجنائية، وإهدار مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص؛ بحرمان المنافسين لأطراف التعاقد من الطعن على القرارات السابقة على إبرامه، وغل يد المجتمع عن دوره في الدفاع عن الملكية العامة، وصدور القرار بالقانون المطعون فيه مشوبًا بعيب الانحراف التشريعي.
وحيث إنه عما نعى به المدعون على القرار بالقانون المطعون فيه، صدوره من رئيس الجمهورية المؤقت، قبل انعقاد البرلمان، في غير حالة الضرورة، بالمخالفة لنص المادة (156) من دستور 2014، فإنه مردود؛ بأن مفاد ذلك النص، أنه وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصًا بإصدار قرارات تكون لها قوة القانون، إذا كان مجلس النواب غير قائم، فقد رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودًا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية؛ منها ما يتعلق بشروط ممارسة ذلك الاختصاص، فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس النواب غير قائم، وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر معها حالة الضرورة التي تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس النواب، باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه السلطة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعي الاستثنائي، فقد تغيا بهما ألا يتحول هذا الاختصاص إلى سلطة تشريعية كاملة مطلقة لا قيد عليها.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن حالة الضرورة التي يجوز بمقتضاها لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين – طبقًا للشطر الثاني من المادة (156) من الدستور – إنما ينضبط مفهومها بالتماهي مع الاحتياجات التي يوجبها صون مقومات المجتمع الأساسية، وتتقيد حدودها بالمسائل التي ترتبط بمسئولية الدولة قِبل مواطنيها، وتلتزم تخومها بضمان سير المرافق العامة على نحو يتوخى الصالح العام، ويقارنها حتمًا الاستجابة لما تمليه الاستحقاقات الدستورية في الدولة المدنية، وذلك كله بمراعاة أن تتخذ التشريعات الصادرة في ظل حالة الضرورة من كفالة الحقوق والحريات العامة سياجًا لأهدافها، ومن سيادة القانون ملاذًا يعصمهـا من الخروج على مقتضيـــات الشرعية الدستورية. ولا يعزب عن نظر أن تَحَقُّقَ حالة الضرورة تلك، مع لزوم ما تقدم من ضماناتها، رهن بوجود واقع دستوري مؤقت، ينشأ عن كون السلطة التشريعية الأصلية غير قائمة – مهمــــا كان سبب ذلك أو مدته – فلا يكتمل في غيبتها البناء الدستوري لنظام الحكم، بالمفهوم الموافق لأحكام الباب الخامس من الدستور، مما يستنهـض تدخلاً استثنائيًّا من رئيس الجمهورية، بإصدار قرارات بقوانين، تلازمها شرعية دستورية مؤقتة، حتى تخضع لرقابة مجلس النواب الجديد، فـــــي المواعيد وبالإجـــــراءات المقـــــررة فـــــي نص المادة (156) من الدستور، ولا يحول إقرارها منه، دون خضوعها لرقابة قضائية على دستورية الأوضاع الشكلية، والأحكام الموضوعية للقرارات بالقوانين المشار إليها، التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، طبقًا للأوضاع المقررة في قانونها، وليغدو التنظيم الدستوري لإصدار رئيس الجمهورية قرارات بقوانين – وفق السياق الفائت بيانه – محققًا الفصل بين سلطات الدولة، مقيمًا التوازن بينها، ضامنًا قوامًا ديمقراطيًّا لنظام الحكم فى الدولة ، وذلك على ما تجرى به أحكام المادتين (1 و 5) من الدستور ذاته.
متى كان ذلك، وكان الاقتصاد القومي، في تاريخ إصدار القرار بقانون المطعون عليه، قد مر بمرحلة دقيقة، احتاج فيها إلى العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، وتشجيع ضخ رأس المــــــال الأجنبي لتعزيــــــز قدرة اقتصــــــاد البــــــلاد على مواجهة التحديات في تلك المرحلة، وحجب كل ما يزعزع الثقة في سلامة البناء الاقتصادي للدولة، مما يقيم حالـــــة الضرورة المبررة لإصـــــدار القــــرار بقانــــون المطعــــون فيــــه، والــــــذى يدخــــــل – بهذه المثابــــــة – في مدلـول تدابير الضــــرورة التي لا تحتمل التأخير، وقــــد صادف احتياجًا حــــالًّا، قدر رئيس الجمهورية، بما له من سلطة تشريعية استثنائية، ضرورة إصداره، وكان تقديره محمــــــــولاً على أسباب سائغة تبرره. وإذ عُرِض القرار بقانون المشار إليه على مجلس النواب خلال المواعيد المقررة، وتمت مناقشته والموافقة عليه. ومن ثم فلا يكون في إصدار هذا القرار بقانون تجاوز للضوابط المحددة بنص المادة (156) من الدستور.
وحيث إن المدعين ينعون على القرار بالقانون المطعون عليه، إهدار مبدأ سيادة القانون، لانطوائه على أثر رجعي، بتقرير سريان أحكامه على الدعاوى والطعون التي رفعت قبل العمل به – ما لم يكن قد صدر فيها حكم بات- دون توفر أغلبية ثلثي أعضائه، المنصوص عليها في المادة (225) من الدستور.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن النطاق الذي يمكن أن يرتد إليه الأثر الرجعي للقانون، هو ذلك الذى يعدل فيه التشريع من مراكز قانونية لم تتكامل حلقاتها، وبالتالي لم تبلغ غايتها النهائية، متمثلة في حقوق تم اكتسابها وصار يحتج بها في مواجهة الكافة، تساندًا إلى أحكام قانونية كانت نافذة، إذ في هذا النطاق يبقى المركز القانوني قابلاً للتدخل التشريعي، تدخلاً قد يزيد أو يزيل من آمال يبني عليها صاحب المركز توقعاته.
وحيث إن من المقرر قانونًا أن الصفة، مندمجة في المصلحة الشخصية المباشرة، من بين شروط قبول الدعوى، ويتعين على محكمة الموضوع أن تتحراها، فإذا ما عدَّل المشرع في شروط قبول الدعوى، قبل أن ينحسم أمرها بصدور حكم بات فيها، فلا يكون بذلك قد ارتد بالقاعدة القانونية إلى الماضي، بل أعمل حكمها بأثر مباشر.
متى كان ما تقدم، وكان المشرع بنص المادة الأولى من القرار بقانون المطعون عليه، قد باشر سلطته التقديرية في تحديد عناصر المركز القانوني الذي يتيح لفئات بعينها مصلحة شخصية مباشرة في إقامة الدعاوى والطعون ببطلان العقود التي تبرمها الدولة في شأن أملاكها الخاصة، والقرارات والإجراءات التي أبرمت تلك العقود استنادًا إليها، ورتب بمقتضى نص المادة الثانية من القرار بقانون ذاته، على تخلف الصفة التي عينها في المادة الأولى، أو انحسارها خلال نظر الخصومة القضائية المتعلقة بهذه العقود، وجوب القضاء بعدم قبــــــول تلك الدعاوى والطعــــــون، ما لم يكن قد صدر فيها حكم بات، بما مؤداه: أن نص المادة الثانية المار ذكره، إنما ينظم مراكز قانونية تقبل بطبيعتها التعديل والتغيير، مادامت أنها لم تستقر بقضاء بات، ومن ثم فإن سريان النصين المطعون عليهما على ما لم يفصل فيه من الدعاوى والطعون، يلازمه أثر مباشر، ولا يكون متضمنًا أثرًا رجعيًّا، ويغدو النعي عليهما، في هذا الشأن غير سديد، متعينًا رفضه.
وحيث إنه عما نعى به المدعون على نص المادة الأولى من القرار بقانون المطعون عليه، مِن مخالفة مبدأ المشروعية وسيادة القانون، والإخلال بحق التقاضي، والانتقاص من اختصاص مجلس الدولةـ على سند من أن هذا التنظيم قد صادر حق العاملين في الشركات المملوكة للدولة في الطعن على العقود التي تتضمن تصرفًا في أموال هذه الشركات، وحال بين مجلس الدولة ومراقبة تصرفات جهة الإدارة، فإنه مردود؛ إذ إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق – ومن بينها الحق في التقاضي المنصوص عليه بالمادة (97) من الدستور- هو إطلاقها، ما لم يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة، باعتبار أن جوهر هذه السلطة هو المفاضلة بين البدائل التي تتصل بالموضوع محــــــل التنظيم، موازنًا بينهــــــا، مرجحًا مــــــا يراه أنسبها لمصالح الجماعة، وأدناها إلى كفالة أثقل هذه المصالح وزنًا، وليس ثمة تناقض بين الحق في التقاضي كحق دستوري أصيل وبين تنظيمه تشريعيًا، بشرط ألا يتخذ المشرع من هذا التنظيم وسيلة إلى حظر هذا الحق أو إهداره، ونتيجة لذلك فإن المشرع – في مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضـــــاء – لا يتقيد بأشكال محـــــددة تمثل أنماطًا جامـــــدة لا تقبـــــل التغيير أو التبديل، بل يجوز أن يختار من الصور والإجراءات – لنفاذ هذا الحق- ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقًا مع طبيعة المنازعة التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي؛ دونما إخلال بضماناتها الرئيسية التي تكفل إيصال الحقوق لأصحابها، وفق قواعد محددة تكون منصفة في ذاتها وغير متحيفة.
وحيث إن تحقق الصفة والمصلحة في رفع دعاوى إبطال العقود التي يكون محلها أموالاً مملوكة للدولة، والطعن على الأحكام غير الباتة الصادرة فيها، إنما يتحدد على ضوء ما نصت عليه المادة (34) من الدستور من أن ” للملكية العامة حرمة، لا يجوز المساس بها، وحمايتها واجب وفقًا للقانون”. وكانت الأعمال التحضيرية للدستور – ومن بينها المناقشات التي دارت في الاجتماع الثالث للجنة الخبراء بجلستها المعقودة في 24 يوليو سنة 2013 – قد أفصحت عن توافق واضعي الدستور على أن صفة المواطنة وحدها، لا تقيم لصاحبها الحق في المخاصمة القضائية للتصرفات التي ترد على أملاك الدولة الخاصة، وأن تحديد من له حق إقامة الدعاوى والطعون القضائية لمواجهة تلك التصرفات، منوط بالمشرع وحده، وذلك على نحو يغاير ما كان يجري به نص المادة (33) من دستور 1971، من أن ” للملكية العامة حرمة، وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن وفقًا للقانون…”، مما مؤداه: تخويل الدستور القائم المشرع سلطة تنظيم شروط قبول الدعاوى والطعون المشار إليها، بما لا يمس المصلحة العامة، أو ينال من جوهر الحقوق التي كفلها الدستور.
متى كان ذلك، وكان نص المادة الأولى من القرار بقانون الفائت ذكره، في مقام تعيين من له الحق في إقامة الدعاوى المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة، – في النطاق المبين سلفًا- قد حدد حصرًا الأشخاص ذوي المصلحة الذين يجوز لهم إقامة تلك الدعاوى طعنًا عليها، وتضمن نص المادة الثانية منه، أن تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى والطعون التي يقيمها غير من عينهم النص الأول، الذي اتخذ من معيار المصلحة الشخصية أساسًا له، حاجبًا عن تلك المنازعة من ليس لهم مصلحة شخصية مباشرة تعود عليهم بالنفع من القضاء فيها، قاصرًا الحق في إقامة هذه الدعـاوى على الأطراف المتعاقدة، وكل من لـــــه حـــــق شخصي أو عيني على الأموال محل التعاقد، واستثنى من هذا القيد حالة صدور حكم بات في جريمة من جرائم المال العام المنصوص عليها في البابين الثالث والرابـــع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، إذا أُبرم العقد بناء على تلك الجريمة، فأجاز – في هذه الحالة- إقامة الدعوى أمام القضاء المختص، من غير من عينهم نص المادة الأولى السالف البيان. ومن ثم، فإن المشرع بهذا التنظيم المتكامل، يكون قد أعمل سلطته التقديرية في تنظيم الحق في التقاضي، على نحو لا يخل بكفالة هذا الحق في جوهره، دافعًا عن مجال التقاضي، في هذه الطائفة من الدعاوى، أولئك الذين ليس لهم مصلحة شخصية مباشرة تعود عليهم من القضاء في موضوعها، صارفًا بذلك عن الخصومة القضائية من توهم ضــــررًا أراد دفعــــه، وغيرهــــم ممن توســــل بتلك الخصومة لفرض سياســــات اقتصاديــــة لا تتفق مع توجهات الدستور القائم. وكان المشرع فيما أجازه لغير من عينهم نص المادة الأولى من القرار بقانون السالف البيان، من الطعن على القرارات والعقود التي يكون محلها أموالاً لإحدى الشركات المملوكة للدولة أو تساهم فيها، إذا صدر حكم جنائي بات بإدانة طرفيها أو أحدهما في جريمة من جرائم العدوان على المال العام، ارتبطت بالأموال محل التعاقد، قد سعى إلى تحقيق التزام الدولة بمكافحة الفساد، الذى نص عليه الدستور في المادة (218) منه، وكان النص ذاته لم يتضمن تسليطًا من جهة القضاء العادي على جهة القضاء الإداري، وإنما جاء توزيعًا للولاية بين جهات القضاء المختلفة، وفق ما وسده الدستور لكل منها، فأولى لمجلس الدولة اختصاصًا أصيلًا بمراجعة مشروعات العقود التي يحددها ويحدد قيمتها القانون وتكون الدولة أو إحدى الهيئات العامة طرفًا فيها، على نحو ما أوجبته المادة ( 190 ) من الدستور بعد تعديلها سنة 2019، بما لازمه بسط رقابة سابقة من مجلس الدولة على تلك العقود قبل انعقادها وترتيب آثارها، فضلًا عن اختصاصه بنظر الطعن ببطلان تلك العقود والإجراءات السابقة عليها، فى الأحوال التي ينعقد فيها اختصاصه الولائي بنظرها، لتكوّن أحكام النص المطعون عليه في مجموعها، تنظيمًا قانونيًّا لم ينتقص من اختصاص محاكم مجلس الدولة، ولم ينل من حق التقاضي، ولازمه أن يكون النعي السالف بيانه غير سديد، متعينًا رفضه.
وحيث إنه عما نعى به المدعون من مخالفة نصي القرار بالقانون المطعون عليهما، لنصوص المواد ( 32 و 33 و 34 ) من الدستور، بافتئاتهما على أحكام حماية الملكية العامة في الدستور، التي جعلت موارد الدولة الطبيعية ملكًا للشعب، يلتزم بالحفاظ عليها، بما مفاده عدم جواز التصرف فيها، كما خالف هذان النصان مبادئ الشريعة الإسلامية التي تخرج المال محل الملكية العامة من دائرة التعامل، فإن هذا النعي مردود في جميع أوجهه:
فهو مردود أولًا: بأن نص المادة (32) من الدستور، قد مايز في مجال ملكية الشعب بين عناصر ثلاثة، هي: الموارد الطبيعية، وأملاك الدولة العامة، وأملاكها الخاصة. فألزم الدستور الدولة بالحفاظ على الموارد الطبيعية، وحسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها. أما أملاك الدولة العامة، فإن الدستور لم يجز التصرف فيها، فيما أجاز التصرف في أموال الدولة الخاصة وفق القواعد والإجراءات المنظمة لذلك، بما يكون معه سريان حكم عدم جواز التصرف في أملاك الدولة الخاصة، لا سند له من الدستور. فضلاً عما تقدم، فإن القرار بقانون المطعون في مادتيه الأولى والثانية، لم يتضمن أحكامًا موضوعية تتعلق بالتصرف في أملاك الدولة الخاصة، وإنما جاء تنظيمًا لإجراءات الطعن على العقود المبرمة بشأنها أو القرارات أو الإجراءات السابقة عليها.
ومردود ثانيًا: بأن الدستور الحالــــــي- في مقــــــام ترسيم معالــــــم النظــــــام الاقتصادي للدولة-؛ حدد في المادتين (27 و 28) منه، هدفًا أسمى للنظام الاقتصادي للبلاد، حاصله تحقيق الرخاء، متخذًا من التنمية المستدامة، التي تكفل رفع معدل النمو الحقيقي المتوازن جغرافيًّا، وقطاعيًّا، وبيئيًّا للاقتصاد، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، وتشجيع الاستثمار وتوفير المناخ الجاذب له، وآليات وسبل بلوغ غايته النهائية، وحماية سائر الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية. وكان الاستثمار بوصفه قاطرة التنمية الاقتصادية، يتسع لمساهمة الوحدات الإنتاجية للدولة وللقطاع الخاص، بما مؤداه: أن لكل من الاستثمارين العام والخاص دوره في التنمية، وليس لازمًا أن يتخــــــذ هــــــذا الاستثمار شكل وحدة اقتصادية تنشئها الدولــــــة أو توسعها، ولا عليها أن تبقيها كلما كان تعثرها باديًا، أو كانت الأموال المستثمرة فيها لا تغل عائدًا مجزيًا، أو كان ممكنًا إعادة تشغيلها تحت يد القطاع الخاص، لتحقيق عائد أفضل، فكلما رأت الدولة مصلحة عامة في ذلك، فلا مخالفة في توجهها لدعم الاستثمار من خلال القطاع الخاص لنصوص الدستور، بل هو تكريس للقيم الاقتصادية التي يدعو إليها، وفى مقدمتها أن الاستثمار الأفضل والأجـــــدر بالحمايـــــة، يرتبط دومًا بالدائـــــرة التي يعمـــــل فيها، وعلى تقديـــــر من أن الاستثمارين العام والخاص شريكان متكاملان، لا يتزاحمان أو يتعارضان، بل يتولى كل منهما مهامًا يكون مؤهلاً لها وأقدر عليها. وإذ تغيا القرار بقانون المطعون فيه وضع ضوابط للتقاضي بشأن تلك العقود، مستهدفًا إضفاء الاستقرار على معاملات الدولة، وحماية الاستثمارين العام والخاص، فإنه يكون واقعًا في إطار التزام الدولة بتوفير المناخ الجاذب للاستثمار.
ومردود ثالثًا: بأن القول بأن الشريعة الإسلامية جعلت يد الحاكم على المال العام يد أمين، مما يحول دون مكنة تصرفه فيه، هو قول عارٍ من السند، ذلك أن الشريعة الإسلامية الغراء قد خلت من نص قطعي الثبوت والدلالة، يمنع ولي الأمر من التصرف في المال العام، إذا ما تغيا تحقيق مصلحة عامة، أو منفعة فضلى للمجتمع. وغاية الأمر تقرير مسئوليته الشرعية أمام الله عن حسن تصرفه فيه، وأمام المجتمع وفقًا لقواعـد المسئولية المقــــــررة في الدستور والقانون. الأمر الذي يكون معه هذا النعي، في جميع أوجهه، غير قائم على سند صحيـح، مما يتعين معه عدم الاعتداد به.
وحيث إنه عما نعى به المدعون على القرار بالقانون المطعون في مادتيه، مِنْ إهداره مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، إذ حظر الطعن على القرارات السابقة على إبرام التعاقد، وتلك اللاحقة على إبرامه على السواء، بما يتضمن حرمان المتنافسين ممن لم يتم التعاقد معهم من الطعن على القرارات السابقة على إبرامه، فإنه مردود، بأن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا؛ أن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأ تكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه، تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ: أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعني أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها. وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه، على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبـــــــــات العامــــــــــــــــة، دون تمييز بينهـــم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4 و 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه – بما انطوى عليه من تمييز – مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
لما كان ذلك، وكان المشرع قد نظم الحق في رفع دعاوى إبطال عقود الدولة – في النطاق المحدد سلفًا – في إطار موضوعي، يرتبط بتحقق مصلحة المدعي الشخصية من إقامتها، ولا يتضمن هذا التنظيم في مجال تطبيقه تمييزًا من أي نوع بين المخاطبين بأحكامه المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليه، وكانت الفئات التي عينها النص، حاصرًا فيها المصلحة الشخصية المباشرة، في مركز قانوني تختلف عناصره عن غيرهم ممن ليس لهم حقوق شخصية أو عينية على الأموال محل التعاقد، مما يبرر للمشرع أن يغاير في الأحكام المنظمة للتداعي بشأنها، دون أن يكون في ذلك إخلال بالحق في المساواة، أو إهدار لمبدأ تكافؤ الفرص.
وحيث إنه عما نعى به المدعون على القرار بالقانون المطعون عليه، من عيب الانحراف في استخدام السلطة، لصدوره بقصد الحيلولة دون الفصل في الدعاوى المرفوعة أمام مجلس الدولة، وتحصين أعمال وعقود جهة الإدارة من الطعن عليها، على نحو أدى لمصادرة حق التقاضي وإنكار العدالة؛ فإنه مردود، بأن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن للسلطة التشريعية، ولا سيما عند تصديها لتنظيم المصالح القانونية التي تنعكس بآثارها على المصالح الاقتصادية الجوهرية للدولة، الحق في سن القوانين التي تستهدف الدفاع عن المصالح التي تتبناها، وأن تقرر لها حماية خاصة، تدرأ بها عن الدولة المخاطر التي تحيق بها جراء عدم التدخل بتنظيمها، مستهدفة بذلك تحقيق المصلحة العليا للبلاد. واختصاص السلطة التشريعية في هذا الشأن لا يقيده إلا الالتزام بأحكام الدستور، ولا تمتد ولاية هذه المحكمة إلى مناقشة ملاءمة إصدار التشريع ولا وزن البواعث التي حملت السلطة التشريعية على إقراره، مادامت تشريعاتها لا تتعارض مع أحكام الدستور، كون ذلك كله مما يدخل في صميم اختصاص السلطة القائمة على التشريع وتقديرها المطلق.
متى كان ذلك، وكانت الغاية من إصدار التشريع المطعون على مادتيه، رغبة الدولة في استعادة الثقة في العقود التي تبرمها، وطمأنة المستثمرين الممولين وغيرهم من الراغبين فى التعاقد مع الدولة باستقرار معاملاتهم وحمايتهم، في إطار من المشروعية وسيادة القانون، عن طريق تنظيم قانوني يحكم العقود التي تبرم قبل وبعد العمل بالقانون، من خلال تحديد كيفية الطعن على هذه العقود، دون مصادرة أو منع للحق في التقاضي. ولازم ما تقدم: أن التشريع المطعون فيه يكون قد توخى تحقيق اعتبارات الأمان القانوني للتصرفات التي تبرمها الدولة، بما يعصمها من زعزعة مراكز قانونية استقرت، ويحفظ لها استمرارها في أداء واجبها في التنمية الاقتصادية، الأمر الذي يغدو معه النعي على النصين المطعون عليهما بقالة الانحراف التشريعي لغوًا، متعينًا الالتفات عنه.
لما كان ذلك جميعه، فإن النصين المطعون عليهما قد جاءا في حدود السلطة الدستورية المنوطة برئيس الجمهوريــــــة في إصدار قرارات لهــــــا قــــــوة القانــــــون، إذا كان مجلس النواب غير قائم، ولـــــــم ينطويـــــــا على أثر رجعي، أو يخلا بسيادة القانـــــــون، ولا بالحق في التقاضي، أو يهدرا مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، ولم ينتهكا الحماية الواجبة للملكية العامة، كما لم يخالفا أي حكم آخر من أحكام الدستور، ومن ثم فإن المحكمة تقضي برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعين المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.