باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 3 يونيه سنة 2000 الموافق 30 صفر سنة 1421ه
برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين / حمدى محمد على والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله •
وحضور السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 151 لسنة 20 قضائية “دستورية “.
المقامة من
السيدة / ماجدة ينى بنايوتى
ضد
1 – السيد رئيس الجمهورية
2 – السيد رئيس مجلس الوزراء
3 – السيد بطريرك الأقباط الارثوذكس
4 – السيد / عطيه عيسى باسيلى
5 – السيدة / نرجس اسكندر ساويرس
” الإجراءات “
بتاريخ الثانى والعشرين من يوليه سنة 1998، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طلباً للحكم بعدم دستورية نص المادة (72) من لائحة الأقباط الأرثوذكس فيما تضمنته من أن حضانة الأولاد تكون للزوج الذى صدر حكم الطلاق لمصلحته.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة فوضت فيها الرأى للمحكمة .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
” المحكمة “
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى ، وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى عليه الرابع كان قد أقام ضد المدعية الدعوى رقم 113 لسنة 1998 ملى جزئى أمام محكمة بندر الجيزة ، ابتغاء القضاء بضم صغيرهما البالغ من العمر خمس سنوات إلى حضانته، قولاً منه بأنه صدر لصالحه حكم نهائى بتطليقه من المدعية لاستحكام الخلاف والنفور بينهما، وهجرها منزل الزوجية مدة تزيد على ثلاث سنوات. وأثناء نظر الدعوى ، دفعت المدعية بعدم دستورية نص المادة (72) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التى تقضى بأن تكون الحضانة للزوج الذى صدر حكم الطلاق لمصلحته، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقامتها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرّع وقد أحال فى شأن الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين إلى شرائعهم مستلزماً تطبيقها دون غيرها فى كل ما يتصل بها؛ فإنه يكون قد ارتقى بالقواعد التى تتضمنها هذه الشرائع إلى مرتبة القواعد القانونية من حيث عموميتها وتجريدها؛ وتمتعها بخاصية الإلزام لينضبط بها المخاطبون بأحكامها؛ ويندرج تحتها فى نطاق الأحوال الشخصية للأقباط الارثوذكس، لائحتهم التى أقرها المجلس الملى العام فى 9 مايو سنة 1938، وعمل بها اعتباراً من 8 يوليه سنة 1938، إذ تعتبر القواعد التى احتوتها هذه اللائحة – وعلى ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية التى حلت محل الفقرة الثانية من المادة (6) من القانون رقم 462 لسنة 1955 – شريعتهم التى تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية ، بما مؤداه: خضوعها للرقابة الدستورية التى تتولاها هذه المحكمة .
وحيث إن المادة (127) من اللائحة المشار إليها تنص على أن “الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعدها؛ وبعد الأم تكون الحضانة للجدة لأم ثم للجدة لأب…” وتنص المادة (128) من ذات اللائحة على أنه “إذا لم يوجد للصغير قريبة من النساء أهل للحضانة تنتقل إلى الأقارب الذكور ويقدم الأب …”.
كما تنص المادة (72) – المطعون عليها – فى فقرتها الأولى على أن:
“حضانة الأولاد تكون للزوج الذى صدر حكم الطلاق لمصلحته مالم يأمر المجلس بحضانة الأولاد أو بعضهم للزوج الآخر أو لمن له حق الحضانة بعده”.
ومؤدى هذه النصوص مجتمعة ، ثبوت الحق فى الحضانة للمحارم من النساء أولاً؛ وفى الصدارة منهن أم الصغير سواء حال قيام علاقة الزوجية أو بعد انفصامها، ولا ينتقل هذا الحق إلى أقارب الصغير من الرجال، بمن فيهم الأب، إلا عند عدم وجود قريبة له من النساء تتوافر فيها الأهلية للحضانة ؛ بيد أن اللائحة استثنت من هذا الحكم – بالنص الطعين- “الأم المطلقة ” إذا كان حكم الطلاق صادراً لمصلحة أب الصغير؛ ناقلة الحضانة إليه؛ وفى هذا الاستثناء، وبقدر ارتباطه بمصلحة المدعية فى النزاع الموضوعى ، ينحصر نطاق الدعوى الماثلة .
وحيث إن المدعية تنعى على النص الطعين – فى إطاره المتقدم – تمييزه بين أبناء الوطن الواحد فى مسألة لا تتعلق بجوهر العقيدة ، وإخلاله بالمساواة – فى شأن الحضانة – بين المطلقات المسلمات وأزواجهن وصغارهن من جهة ، وبين المطلقات المسيحيات وأزواجهن وصغارهن من جهة أخرى ؛ فضلاً عن إهداره مصلحة الأسرة المسيحية ؛ بالمخالفة لحكم المادتين (10، 40) من الدستور.
وحيث إن الحضانة فى أصل شرعتها -وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – ولاية للتربية غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته التى لايستغنى فيها عن عناية النساء ممن لهن الحق فى تربيته شرعاً، والأصل فيها هو مصلحة الصغير، وهى تتحقق بأن تضمه الحاضنة إلى جناحها باعتبارها أحفظ عليه وأحرص على توجيهه، وأقدر على صيانته، ولأن انتزاعه منها طفلاً -وهى أشفق عليه وأوفر صبراً- مضرة به فى هذه الفترة الدقيقة من حياته التى لا يستقل فيها بأموره. ولاتُقدّم الشريعة الإسلامية -فى مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها- على الأم أحداً فى شأن الحضانة ؛ فبذلك قضى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح لامرأة احتكمت إليه فى أمر مطلقها؛ وقد أراد أن ينتزع منها صغيرهما: “أنت أحق به مالم تنكحى “.
وحيث إن قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين؛ وإن حفلت بتحديد سن الحضانة ؛ وترتيب الحاضنات – ومن بعدهم الحاضنين – مقدمة أم الصغير على من عداها من النساء؛ إلا أنها خلت من نص ينظم أحكام الأهلية للحضانة ؛ فوجب الرجوع فى شأنها إلى أرجح الأقوال فى فقه المذهب الحنفى ؛ عملاً بالفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه. وأهم ما دل عليه فقه هذا المذهب – فضلاً عما يشترط فى الحاضنة من حيث البلوغ والعقل والكفاءة ، والأمانة على المحضون وعدم إمساكه عند غير ذى رحم محرم منه – أن طلاق أم الصغير من أبيه، حتى ولو كان الطلاق راجعاً إليها؛ لا ينفى بذاته أهليتها لحضانته. وهذا الحكم وإن تعلق بالمسلمين؛ إلا أنه – طبقاً للاعتبارات التى تقدم بيانها – أكفل تحقيقاً لمصلحة الصغير – ذكراً كان أم أنثى – وإن افترق أبواه.
وحيث إن تحديد قواعد الأهلية للحضانة لا تعد فى الديانة المسيحية من أصول العقيدة التى وردت بشأنها – فى مجال الأحوال الشخصية – نصوص قاطعة – كواحدية الزوجة وحظر الطلاق إلا لعلة الزنا – فتعتبر بالتالى شأنا اجتماعياً خالصاً، بما يجعل تحديدها على نحو موحد يشمل كل أبناء الوطن الواحد، أقرب إلى واقع ظروف المجتمع، وأدنى إلى تحقيق المساواة بين أفراده فى مجال الحقوق التى يتمعون بها بما يكفل الحماية التى يقررها الدستور والقانون للمواطنين جميعاً بلا تمييز بينهم. فالأسرة القبطية -فيما خلا الأصول الكلية لعقيدتها- هى ذاتها الأسرة المسلمة ، إلى مجتمعها تفئ؛ وبقيمه وتقاليده تستظل؛ وبالتالى يجب أن يسقط هذا الشرط المُتحيّف بصغارها؛ لا إعراباً عن الندّيّة بين أبناء الوطن الواحد فحسب؛ بل وتوكيداً لانضوائهم فى نسيج واحد تحت لوائه. يؤيد ذلك أن الدستور، قد أو رد الأحكام التى تكفل رعاية الأسرة المصرية ، فى المواد (9،10، 11، 12) منه، وقد دل بها على أن الحق فى تكوين الأسرة -أياً كان معتقدها الدينى – لا ينفصل عن الحق فى وجوب صونها على امتداد مراحل بقائها، وإقامة الأمومة والطفولة على أسس قويمة تكفل رعايتها، وتنمية ملكاتها.
لما كان ذلك، وكان النص الطعين قد نقض هذا الأصل – بتمييزه بين صغار المصريين تبعاً لمعتقداتهم الدينية ، مقيماً بينهم تفرقة غير مبررة بسبب ديانتهم – مقتلعاً الطفولة من جذورها، مباعداً بينها وبين تربتها، فلاتتخلف من بعدها إلا أجساد هزيلة ، ونفوس سقيمة أظمأها الحرمان، بدلاً من أن يرويها الحنان لتشب سوية نافعة لمجتمعها؛ فإنه بذلك يكون مخالفاً لأحكام المواد (9، 10، 40) من الدستور.
وحيث إنه، وقد خلصت المحكمة ، إلى إبطال النص الطعين فإن عجزه؛ وقد أجاز تخويل الحق فى الحضانة للزوج الآخر؛ أو لمن يليه، يغدو ساقطاً فى النطاق المتقدم لوروده على غير محل.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (72) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس فيما تضمنه من نقل حضانة الصغير من أمه إلى أبيه إذا كان حكم الطلاق صادراً لمصلحته، وبسقوط عجز هذه الفقرة ، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .