إطلالة عامة حول الحماية الدستورية لمبدأي المساواة و تكافؤ الفرص

إطلالة عامة حول الحماية الدستورية لمبدأي المساواة و تكافؤ الفرص

بقلم المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان

نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا

imag

تمهيد وتقسيم:

ارتبطت منذ القدم أفكار الحرية بفكرة المساواة، و بفكرة المساواة فى تقديم الفرص ” تكافؤ الفرص ” ارتباطًا وثيقًا، بحيث غدت كلمة “الحرية” مرادفة لكلمة المساواة، وقد جاءت الثورة الفرنسية بنظرية الحقوق الفردية التي تقوم على فكرة رئيسية مؤداها، أن للفرد حقوقًا معينة وجدت بوجوده، ونشأت له منذ ميلاده، وقد استمدت حقوق الأفراد وجودها فى البداية من القانون الطبيعي، فظلت مرتبطة به حينًا من الدهر، ثم انفصلت عنه عندما ظهرت نظرية العقد الاجتماعي التياستبدلت الحقيقة الواقعية، وهي عدم المساواة بين الأفراد بفكرة نظرية غير واقعية، وهي المساواة بين الأفراد، وذلك في المرحلة البدائية التيأطلق عليها ” روسو ” في كتابة العقد الاجتماعي ” الحالة الطبيعية” و قد انتهى الأمر بنظرية الحقوق إلى خروجها من نطاق الفلسفة إلى حيز العمل و التطبيق، إذ سجلها إعلان حقوق الإنسان الصادر فى فرنسا غداة ثورتها المشهودة التي قامت فى سنة 1789، فقد نصت المادة الأولى من الإعلان المذكور على ما يأتي: “يولد الأفراد و يعيشون أحرارًا و يتساوون في الحقوق “.

” و الغرض من قيام كل جماعة سياسية هو المحافظة على حقوق الإنسان التي لايمكن التنازل عنها و هذه الحقوق الطبيعية لكل فرد لا تقيد، ولا تحد إلا بالقدر الضروري الذي يضمن لأفراد الجماعة الآخرين التمتع بنفس هذه الحقوق “

• وقد وجدت هذه النظرية حمايتها حماية لها و تفعيلاً للحقوق التي قررتها من اعتناق الدستور لها، فأصبحت حماية دستورية، فقد جاء في مقدمة دستور سنة 1791 ” لا يجوز للسلطة التشريعية أن تضع أي قوانين من شأنها أن تضر أو تعرقل ممارسة الحقوق الطبيعية والمدنية المنصوص عليها فيالباب الأول من الدستور التى يضمن الدستور حمايتها.

– لمن أراد الاستزادة يراجع: د/ عبد الحميد متولي: الحريات العامة ” نظرات في تطويرها وضمانات مستقبلها” منشأة المعارف بالإسكندرية ( ص65 ) وما بعدها. د. محمد كامل ليلة: النظم السياسية 1979 (ص 224 ومابعدها)، دار الفكر العربي.

– لمن أراد الاستزادة يراجع: د/ عبد الحميد متولي: الحريات العامة ” نظرات في تطويرها وضمانات مستقبلها” منشأة المعارف بالإسكندرية ( ص65 ) وما بعدها. د. محمد كامل ليلة: النظم السياسية 1979 (ص 224 ومابعدها)، دار الفكر العربي.

• و من المسلم به أن حقوق الأفراد التي أخذت بها الثورة الفرنسية نتيجة لنظرية العقد الاجتماعي يرجع إلى حقين أساسيين تتفرع منهما عدة حقوق، والحقان الأساسيان هما: المساواة المدنية والحرية الفردية، و المساواة تتضمن:

 المساواة أمام القانون، أي وجوب تطبيق القانون على جميع المواطنين بلا تمييز.

 المساواة أمام القضاء، ويقصد بها عدم اختلاف المحاكم تبعًا لاختلاف شخصية المتقاضين.

 المساواة أمام الضرائب.

 المساواة أمام وظائف الدولة، ويراد بها أن تقلد الوظائف حق لجميع المواطنين مادامت تتوافر لديهم المؤهلات والشروط التي يتطلبها القانون.

– د. محمد كامل ليلة: النظم السياسية، المرجع السابع ص2372 وما بعدها.

 و بطبيعة الحال لن نستعرض كل هذه الجوانب من جوانب مبدأ المساواة أو صداها بالنسبة لمبدأ تكافؤ الفرص وإنما سنتعرض لجوهر كلا المبدأين، تحديدًا لمدلوله وضوابط تطبيقه والإطار الدستوري العام لكل مبدأ أو كيفية حمايته دستوريًا، ومفهوم هذه الحماية وكيفية إعمالها، وتحديد المدلول الدقيق لمبدأ تكافؤ الفرص، والعلاقة بين هذا المبدأ ومبدأ المساواة. وذلك من خلال ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: الحماية الدستورية لمبدأ المساواة

المبحث الثانى:الحماية الدستورية لمبدأ تكافؤ الفرص

المبحث الثالث: دور المحكمة الدستورية العليا فى حماية مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص.

المبحث الأول

الحماية الدستورية لمبدأ المساواة

– ماذا نعني بفكرة الحماية الدستورية؟

– هل مجرد إدراج الحق ضمن أحكام الدستور يكفي لإسباغ هذه الحماية؟ أم أن لهذه الحماية إطار عام ومتكامل تدور فيه؟ وبغير هذا الإطار المتكامل لا تكون فكرة الحماية الدستورية لأي حق من الحقوق متوافرة. بداية نستطيع أن نقرر أن للحقوق والحريات أنواع عديدة من أوجه الحماية، وتعد الحماية الدستورية هى أهم شكل من أشكال الحماية.

– ولئن كان البعض من الفقه قد عول على وسائل أخرى في حماية الحقوق والحريات، فإن اختبار هذه الوسائل في الواقع أكد على عدم صلاحيتها، وفشلها في حماية أي حق أو حرية ومنها على سبيل المثال:

1) الحق في مقاومة طغيان السلطة الحاكمة، وهي وسيلة محفوفة بالمخاطر، وهي بطبيعتها طريق غير عادي للاستخدام في كل الأوقات، وقد لايكون في كثير من الحالات طريقًا سلميًا ومن ثم فهذه الوسيلة لا تعد من الوسائل الأساسية أو الطبيعية أو الدائمة لحماية حقوق الأفراد و حرياتهم.

2) الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية و التي تمثل في المسئولية الوزارية، وحق الحل ونتناول أهم آليات هذه الرقابة:

 مظاهر رقابة السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية، وهي:

1) حق السؤال.

2) حق طرح موضوع عام للمناقشة.

3) حق إجراء تحقيق.

4) حق الاستجواب.

5) المسئولية الوزارية.

 مظاهر رقابة السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية، وهي:

1) دعوة المجلس للانعقاد.

2) فض دور الانعقاد

3) تأجيل اجتماعات البرلمان.

4) حل البرلمان: وهذه الوسيلة أيضا لاتصلح لحماية الحقوق لأنها ليست في متناول الأفراد،فضلاً عن غموضها.

3) الرأي العام ومدى صلاحيته:

الرأي العام يمكن تعريفه بأنه ” اجتماع كلمة أفراد الشعب على أمر معين تجاه مشكلة معينة أو حادث ما في حالة انتمائهم إلى مجموعة اجتماعية واحدة” ووفقًا لهذا التعريف لابد من معطيات معينة لكي يتوافر رأى عام يصلح لحماية الدستور،منها أن يتوافر لدى هذا الشعب التعليم العام. أي أن تكون نسبة الأمية في أقل مستوى لها. تأتي بعد ذلك الأغلبية المطلوبة بشأن المسألة الدستورية.

ونستطيع أن نقرر- ونحن مطمئنون – أنه إذا توافر مطلب من هذه المطالب فلن يتوافر المطلب الآخر. فلا يوجد شعب فى مجموعة أو فى معظمه ذو ثقافة قانونية رفيعة يستطيع الحكم بها على ما إذا كان قد حدث إنتهاك لحق من الحقوق أم لاوأى من الحقوق أجدر بالحماية من غيره عند التعارض كما أنه من الصعب جدًا أن يتوافر رأى عام سليم مكون تكوينًأ بعيدًا عن التأثرات الخارجية والداخلية التى تؤثر عليه و تغير من مساره، والتي من أبرزها الأحزاب السياسية والجماعات الضاغطة ووسائل الإعلام المضللة أحيانًا. وعلى فرض توافر مثل هذا الرأي العام السليم، فمن المؤكد أنه لا يستطيع أن يتابع القوانين الصادرة من السلطة التشريعية، وخاصة تلك التي تنظم الحقوق والحريات وكيفية حمايتها، وأن يكتشف مخالفة القوانين للدستور وسط متاهات النصوص و الإصطلاحات القانونية التي تستلزم دراية قانونية خاصة، ومما يؤكد هذه الحقيقة زيادة التشريعات وتشعبها وتضخمها. فالرأي العام- أن تكون تكوينًا سليمًا – فمن الممكن أن يدرك المخالفة الصريحة والواضحة، بل المخالفة المؤثرة تأثيرًا مباشرًا على أفراد الشعب والسلطة التشريعية – لم تعد بالسذاجة التي تضع بها نصًا يكون مخالفًا للدستور مخالفة صريحة ومباشرة، بل إن لديها من الوسائل الفنية ما تستطيع بها إخفاء مخالفتها للدستور دون أن يستطيع حتى الفنيون اكتشافه في بعض الأحيان، فالقول بأن اتجاهات الرأي العام تعد ضمانة أساسية ضد كل استبداد من السلطة الحاكمة وخروج أى منها على الأحكام الأساسية الدستورية قول لايمكن قبوله، فالرأي العام كضمانة دستورية تحد منافتراءات بعض سلطات الدولة على حقوق الأفراد و حرياتهم وخاصة إذا كنا بصدد حق المساواة ودقائقه. وليس أدل من صدق ما نقول به من أن الدساتير التي عولت على الرأي العام وجعلت منه رقيبًا على حسن تطبيقها، و مراعاة عدم مخالفتها قد انتهكت انتهاكات عديدة، ولم يستطع الرأي العام حمايتها.

ومن تلك الدساتير دستور فرنسا سنة 1791. قد أخذت الجمعية التأسيسية بوسيلة الرأي العام لحماية الدستور حين اكتفت بتسليم الوديعة إلى ” أمانة الهيئة التشريعية و إلى الملك و القضاة و إلى رعاية الآباء و الزوجات و الأمهات و إلى محبة المواطنين الصغار وشجاعة جميع الفرنسيين ” وتكررت نفس الصيغة في دستور السنة الثالثة للجمهورية؛ وكذلك إعلان حقوق الإنسان حين نص على حق مقاومة الظلم وجعله الجزاء الشرعي لعدم الشرعية، و من باب أولى لعدم الدستورية، لكن مثل هذه النصوص لم تستطع حماية الدستور، فقد صدرت قوانين غير دستورية في ظلها و حاولت بعض المحاكم الفرنسية الامتناع عن تطبيق بعض القوانين غير الدستورية، اعتمادًا على تلك النصوص فألغت محكمة النقض الفرنسية أحكامها بدعوى أن تلك النصوص لايمكن تطبيقها قضائيًا.

د. علي الباز: الرقابة على دستورية القوانين في مصر- رسالة دكتوراه ص 1978 ،ص677، ص678

نعود إلى التساؤل كيف تتحقق الحماية الدستورية للحق في المساواة؟

لعل أول وأهم خطوات الحماية الدستورية للحق في المساواة هو إدراجه في نصوص الدستور ثم إيجاد وسيلة فعالة لحماية الدساتير ، نتناولها تباعًا في مطالب ثلاثة:

المطلب الأول: الحق في المساواة في الدساتير المصرية

المطلب الثاني: الوسيلة الفعالة لحماية الدساتير في مصر

المطلب الثالث: ماهية المساواة وأنواعها وكيف تحقق المطلب الأول

المطلب الأول

الحق في المساواة في الدساتير المصرية

احتفت الدساتير المصرية منذ أن عرفت مصر الدساتير الحديثة بمبدأ المساواة وإعتبرته حقًا من حقوق المواطن، بل وحقًا من حقوق الإنسان في مرحلة لاحقة:

– دستور 1923: يجرى نص المادة (3) على أن “المصريون لدى القانون سواء. وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين. وإليهم وحدهم يعهد بالوظائف العامة مدنية كانت أو عسكرية ولا يولي الأجانب هذه الوظائف إلا في أحوال استثنائية يعينها القانون”.

– دستور 1930: يجرى نص المادة (3) على أن “المصريون لدى القانون سواء. وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية و السياسية و فيما عليهم من الواجبات و التكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين. وإليهم وحدهم يعهد بالوظائف العامة مدنية كانت أو عسكرية ولا يولى الأجانب هذه الوظائف إلا في أحوال استثنائية يعينها القانون”.

– مشروع دستور 1954: يجري نص المادة (3) على أن “المصريون لدى القانون سواء. وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية و فيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين. وإليهم وحدهم يعهد بالوظائف العامة مدنية كانت أو عسكرية ولا يولى الأجانب هذه الوظائف إلا في أحوال استثنائية يعينها القانون”.

– دستور 1956: المصريون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.

– دستور 1958المؤقت: المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.

– دستور 1964: لم يورد شيئًا عن المساواة.

– دستور 1971: المادة (11) ” تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية و الثقافية والاقتصادية، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية”.

– المادة (40) ” المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة).

– دستور 2012: المادة 33 “المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك.

– دستور 2014: يعد دستور 2014 أكثر الدساتير تعرضًا للحق في المساواة، إذ جعل من هذا الحق أحد أهم القيم العليا التي تحكم فلسفة هذا الدستور و التي على أساسها، و استنادًا إليها يحمي بقية الحقوق و الحريات الفردية، وذلك باعتباره حقًا طبيعيًا للإنسان. ففي المقدمة ” ديباجة الدستور ” جاء النص: ” نكتب دستورًا يحقق المساواة بيننا في الحقوق و الواجبات دون تمييز”.

– في المادة 4: السيادة للشعب وحده،يمارسها و يحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة و العدل و تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك على الوجه المبين في الدستور.

– في المادة 11: تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية وفقًا لأحكام الدستور.

و تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبًا في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل.

كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة و المرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا.

– في المادة 53: المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي، أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر.

التمييز و الحض على الكراهيه جريمة يعاقب عليها القانون.

تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.

– و هكذا نرى أن مبدأ المساواة كحق من الحقوق الأساسية قد حاز الشق الأول من شقي الحماية الدستورية بأن أدرجته جميع الدساتير في صلبها و نظمته تنظيمًا واضحًا، وخصوصًا دستور 2014 الذي كان له قصب السبق في هذا الشأن.

– بقي الكلام عن شق حماية الحقوق والحريات التي أوردها الدستور، وماهية الوسيلة المثلى في هذا الشأن؟ بعد أن بينا أن كثير من الوسائل التي قال بها الفقه لا تصلح لحماية الحقوق والحريات ومنها الحق في المساواة من الاعتداء عليه، ورد المعتدي إلى حظيرة الدستورية وخصوصًا إذا جاء الاعتداء من جانب المشرع سواء كان بقصد أو بغير قصد وهذا هو الغالب في كثير من صور الاعتداء.

– فلا يمكن- إلا فيما ندر- أن يقصد المشرع الوطنيالاعتداء على حق من الحقوق أو حرية من الحريات إنما قد ينزلق إليها دون قصد. ومع ذلك فلابد من رده عن هذا الاعتداء.

– و قد أثبت التاريخ والتجارب الدولية المختلفة أن الضمان الحقيقي لحماية الدستور ولضمان الشرعية وتدعيم سيادة القانون، وجعله حقيقة واقعة، لا مبدأ نظري فحسب يكمن في وجود رقابة فعالة على دستورية القوانين، رقابة جدية تقوم عليها جهه مستقلة تتوافر فيها الضمانات الكافية بالإضافة إلى التخصص الفني.ولا نعني بذلك غير الرقابة القضائية.

– وقد قامت بهذه المهمة خير قيام المحكمة الدستورية العليا في مصر، ومن قبلها المحكمة العليا على نحو ماسنرى.

المطلب الثاني

الوسيلة الفعالة لحماية الحقوق في مصر

” رقابة دستورية القوانين “

تعد الرقابة القضائية على دستورية القوانين أهم مبتكرات العلم الدستوري لحماية الدساتير، ولحماية الحقوق والحريات التي تحتويها الدساتير، و لحماية كيان الدولة وسلطاتها التي تنتظمها أحكام الدساتير.

– و الحماية الدستورية لها عنصران متكاملان لا غنى لأحدهما عن الآخر:

 حماية وقائية: تنصرف إلى أن جميع الحقوق والحريات ينص عليها في الدستور لإبعادها عن أن يتناولها المشرع العادى بالتنظيم الذى قد ينقص منها أو يحدد مضمونًا ضيقًا لهاأو يحيط تنظيم الحق بالكثير من الشروط والضوابط التى تحد من كيفية ممارستها.والحق أو الحرية البعيدة عن الدستور تعتبر حرية عارية عن الغطاء أو الحماية إلى حد كبير.فإذا وقع اعتداء على حق دستوري ظهر الجانب الآخر من الحماية.

 الحماية العلاجية: حين يقع الاعتداء على الحق أو على الحرية تتحرك الوسائل الفنية المخصصة لحماية الحقوق والحريات لرد هذا الاعتداء وخاصة إذا وقع هذا الاعتداء من جانب قانون أو لائحة.

وفى مقدمة هذه الوسائل تأتي الرقابة القضائية على دستورية القوانين التي يترتب عليها إلغاء النص الذي اعتدى علي الحق أو الحرية أو على الأقل شل فاعليته واستبعاده من التطبيق. ولاشك أننا لا نقصد أن الرقابة على الدستورية تفقد كل دور لها فى حالة عدم وجود اعتداء، بل العكس ربما يكون في وجودها الردع الكافي الذي يحول دون وقوع المخالفة أو الاعتداء من الأصل.

و قصر الحماية الدستورية على حالة وقوع اعتداء فعلاً ، فيه تقويض لقيمة النصوص الدستورية التي تمنع الاعتداء على الحرية الشخصية، والتمييز بين المواطنيين، وفرض العمل جبرًا عليهم، فكل هذه النصوص، وغيرها من النصوص التي تحمي الحقوق و الحريات، تعمل وقد قصد بها ابتداء فرض حماية سابقة لمنع وقوع الاعتداء، فإذا ما حدث ووقع الاعتداء على الحقوق والحريات بالمخالفة للحظر الوارد بشأنها أخذت الحماية صورة أخرى وانتقلت من الجانب النظري التقديري إلى الجانب العلاجي ذي الطابع العملي ولاشك أن الحماية الدستورية، بل نظام الرقابة على دستورية القوانين والتنظيم الدستوري في جملته يصبح مجرد أدوات شكلية لا أثر حقيقي لها في الواقع مالم يكن هذا كله فى إطار ترسيخ سيادة القانون وسريان روح الديمقراطية الحقيقية والشاملة في وعاء البيان الدستوري والسياسي و الثقافي في الدولة، وهو ما أكده الأستاذ الدكتور ” أحمد كمال أبو المجد ” في رسالته حين قال ” إن رقابة القضاء على دستورية القوانين -بالغة مابلغت- ليست إلا وسيلة وقائية أو علاجية لحماية الحقوق والحريات، أما الوسيلة الطبيعية الأصلية لضمان هذه الحماية فإنها لا تتحقق بهذه الرقابة ولا بأية وسيلة فنية أخرى يقدمها العلم الدستوري إنما تتحقق تدريجيًا مع تأصل روح الحرية واحترام القانون لدى الحكام والمحكومين على حد سواء، وحينئذ يبقى نظام الرقابة وسيلة احتياطية أو رمزية تعالج الحالات الشاذة التي لم تفلح في علاجها هذه الروح المتحررة الأصلية، ولعل هذا ما عبر عنه القاضي و الفقيه الشهير ” ليرندهاند ” حين قال ” إن روح الحرية إذا خمدت في قلوب الرجال والنساء فلن تجدي في إحيائها دساتير ولا قوانين ولا محاكم، أما إذا عاشت حقيقة في تلك القلوب، فإنها لن تحتاج إلى هذه الدساتير ولا القوانين ولا المحاكم.

يراجع: د. أحمد كمال أبو المجد: الرقابة على دستورية القوانين بين الولايات المتحدة والإقليم المصري– رسالة دكتوراه سنة 1958- جامعة القاهرة ص622،ص623. و د. حسام فرحات أبو يوسف: الحماية الدستورية للحق فى المساواة سنة 2004 دار النهضة.

– خلاصة الأمر: أن مفهوم الحماية الدستورية ينصرف إلى تلك الحماية التي يكفلها التنظيم الدستوري ذاته، وكذلك الحماية التي يكفلها القاضي الدستوري حال وقوع الاعتداء على الحقوق والحريات، و إذا كان وقوع الاعتداء على الحقوق والحريات أمر لايمكن تجنبه، فهو باق ما بقي الصراع بين الفرد والمجتمع من ناحية، أو الفرد والمجتمع و السلطة من ناحية أخرى، فإن أهمية وجود الرقابة على دستورية القوانين تتأكد باعتبارها الوسيلة الفنية التي اخترعها الإنسان لحمايه حقوقه و حرياته حال الاعتداء عليها.وهى رقابة تفترض وجود دستور، و الإيمان بمبدأ المشروعية وسيادة القانون ووجود القضاء المستقل .

– و د. حسام فرحات أبو يوسف: المرجع السابق ص 6.

المطلب الثالث

الحق فى المساواة

ماهية المساواة- تصنيفاتها- كيف تتحقق

الفرع الأول: مدلول المساواة: إذا تتبعنا كيف – تحدد مدلول مبدأ المساواة- سواء في مصر أو خارجها، وكيف تطور مضمونه نجد أنه في البداية كان شرط العمومية والتجريد هو الأساس أو اللبنة الأولى التي يقوم عليها ” مبدأ المساواة” لكن لا يمكن الاقتصار على هذه المبدأ لأنه أحد شروط القاعدة القانونية لافرق في ذلك بين قاعدة تنتظم مبدأ المساواة، وقاعدة قانونية تنتظم مبادئ أخرى. فلا يمكن أن يكون شرط العمومية والتجريد هو الشرط الوحيد لإعمال مبدأ المساواة، فتوجد بالضرورة عناصر أخرى.

ويراد بالمساواة عدم التفرقة بين الأفراد في التمتع بمختلف الحقوق والواجبات العامة، فلا يصح أن يكون للأصل أو اللغة أو الدين أو الجنس أو أيعامل آخر من عوامل الاختلاف و التمييز بين الأفراد أثر في تمتعهم بالحقوق وتحملهم بالواجبات. والنصوص الدستورية منذ دستور 1923 أخذت بهذا المعنى فالتفرقة- بوجه عام- مرفوضة، سواء كان استنادًا إلى هذه الأسباب التي أوردتها النصوص الدستورية أو لأية أسباب أخرى.

– لكن ما هو الضابط في التعداد الذي أوردته النصوص الدستورية ؟

– من خلال الأعمال التحضيرية لأول نص دستورى أورد مبدأ المساواة يمكن أن يتضح المعيار في التعداد الذي أوردته غالبيه الدساتير المصرية ويتمثل في:

أن كافة الأمور المفروضة على الإنسان والتي لا خيار له فيها، يمتنع التمييز على أساسها حتى ولو لم تكن من العناصر التى تتضمنها نصوص الدستور المتعلقة بالمساواة، كاللون والإنتماء الأسرى …. إلخ أما الأمور المكتسبة، أي التي يكتسبها الفرد خلال حياته كالتعليم فيجوز التمييز على أساسها.

– يراجع في تفاصيل أخرى: تقرير هيئة المفوضين فى الدعوى رقم 106 لسنة 6 قضائية “دستورية” الذى أعده المستشار الدكتور: أحمد الحفني رئيس هيئة المفوضين

– فعوامل التفرقة التى أوردتها النصوص الدستورية بما فيها الدستور الحالى الذى زاد من العناصر التى تمنع من خلالها التمييز تأتى دائمًا على سبيل المثال وليس الحصر، و هو ماسبق أن أكده فقيه مصر الكبير الأستاذ الدكتور/ عبد الرزاق السنهوري في بحثه القيم ” مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية- الذي نشرته مجلة مجلس الدولة- السنة الثالثة يناير 1952.

فقد دافع في ظل دستور 1923 الذى كان يتناول مبدأ المساواة في المادة الثالثة السالف ذكرها والتي كانت تضم عناصر ثلاثة لاينبغي أن يقوم التمييز على أساسها وهي الأصل أو اللغة أو الدين، فقد أكد سيادته أن تلك العناصر ليست على سبيل الحصر بل على سبيل المثال، وأن التفرقة مثلا بسبب الجنس- بين الرجل و المرأة- غير دستورية كذلك لا يكفي في هذا الشأن أن يقال أن المساواة قد تحققت بحرمان النساء جميعًا من حق معين، فإن المساواة في الحرمان إمعان في الحرمان، وهي إخلال بالغ بالمساواة بين الجنسين، كذلك لايكفي القول بأن الدستور لم يحظر، في الإخلال بالمساواة، إلا أن يكون ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين، فإن هذه الأسباب لم ترد على سبيل الحصر، ولاشك في أن كلاً من الجنس، و الأصل، واللغة، و الدين، لايصح أن يكون سببًا للإخلال بالمساواة في الحقوق والواجبات .وقد أعملت المحكمة الدستورية العليا هذا المنطق في ظل الدساتير المتعاقبة.

فقد قضت “إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساساً للعدل والسلام الاجتماعى ، غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها، أو تقيد ممارستها، وباعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة للحقوق جميعها؛ إلا أن مجال إعماله لا يقتصر على ما كفله الدستور من حريات وحقوق وواجبات، بل يمتد – فوق ذلك – إلى تلك التى يقررها التشريع. وإذا كانت صور التمييز المجافية للدستور يتعذر حصرها؛ إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها.

وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة ، أن مناط دستورية أى تنظيم تشريعى ألا تنفصل نصوصه أو تتخلف عن أهدافها؛ ومن ثم، فإذا قام التماثل فى المراكز القانونية التى تنتظم بعض فئات المواطنين، وتساووا بالتالى فى العناصر التى تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التى ينبغى أن تنتظمهم، ولازم ذلك، أن المشرع عليه أن يتدخل دوماً بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوى المراكز القانونية المتماثلة ، أو لمداركة ما فاته فى هذا الشأن .

– يراجع المستشار الدكتور/ أحمد الحفنى- التقرير السابق ص77

– وهذا الفهم فى العديد من أحكامها تذكر على سبيل المثال حكمها الصادر فى الدعوى رقم 193 لسنة قضائية طدستوريةط جلسة 6 مايو سنة 2000 – الجريدة الرسمية – العدد 20 فى 18/5/2000.

الفرع الثاني

تصنيفات المساواة

تتنوع المساواة إلى أنواع عديدة منها مايسمى بالمساواة الرافعة، والمساواة الخافضة، المساواة القانونية، المساواة الفعلية، المساواة الحسابية، المساواة المطلقة، المساواة النسبية،…. إلخ التصنيفات التي يمكن أن تثار و نستعرض في إيجاز هذه الأنواع:

المساواة الرافعة والمساواة الخافضة:

• المساواة الرافعة: هي تلك التيتتضمن من الإجراءات ما يسعى إلى ارتقاء الفئات الضعيفة اقتصاديًا و اجتماعيًا كي ترتفع هذه الفئات إلى مستوى يشبه أو يقترب من مستوى الفئات القوية اقتصاديًا واجتماعيًا ولاشك أن هذا النوع من المساواة هو من الأمور المنشودة والمرغوب فيها، إذ أنها تحقق مساعدة الضعفاء على رفع مستوى معيشتهم دون المساس بميسورى الحال أو الأغنياء، إذ أن تكلفة رفع المستويات لن تكون على حسابهم بأى شكل و إنما تتكفل بها الدولة.ومن ثم فإن هذا النوع من المساواة هى من الأمور صعبة المنال لأنها تستلزم جهودًا وأموالاً تتكبدها السلطات العامة و قد لاتساعد ظروف موازنة الدولة على تنفيذ إجراءاتها. وهى لاتصلح إلا فى الدولة قليلة العدد كسويسرا و بعض الدول الإسكندنافية.

• المساواة الخافضة: وهي التي تتضمن إجراءات تسعى للنزول بالفئات القوية اقتصاديًا واجتماعيًا إلى مستوى الفئات الضعيفة أو إلى مستوى قريب من مستواهم.وهذه النوعية من المساواة من السهل تنفيذها لأنها لا تحتاج من الدولة لجهد أو مال. و قد حذر الفقه الدستوري من هذا النوع الأخير من المساواة لأن النزول بالأغنياء إلى مستوى الفقراء ضرره أكبر بكثير من نفعه إن كان فيه نفعًا، لأنه لايرفع من مستوى الضعفاء أو الفقراء ولايفيدهم فى شىء، ولايفيد الاقتصاد القومي في شىء ولا يؤدي إلا إلى زيادة عدد الفقراء والنزول بمستوى الجميع اقتصاديًا وماليًا ولاشك أن خرافة المساواة الخافضة أمر خطير للغاية، إذ يستغلها أصحاب الهوى و تفتح أمامهم الباب -بغير حق- للتنكيل بخصوصهم، والعدوان على حقوق الأفراد التي حصلوها ثمرة جهدهم.

– د/ حسام فرحات: المرجع السابق ص95

– يراجع المستشار الدكتور/ عبدالعزيز سالمان فى بحث له حول “مبدأ المساواة” منشور بمجلة الدستورية العدد الرابع عشر أكتوبر 2008.

– المساواة الفعلية و المساواة القانونية: هذا التقسيم يكون النظر فيه إلى مدى اتساع المساواة.

– المساواة الفعلية أو المطلقة أو الحسابية:

 المساواة المطلقة أو مايمكن أن تسمى فعلية أو مادية وهي تتعلق بالنواحي الاقتصادية فهي مساواة اقتصادية يقابلها المساواة النسبية التي تتعلق بالحقوق المدنية أو يمكن أن تسمى المساواة القانونية على اختلاف درجاتها.

 فالمساواة الفعلية هي المساواة المطلقة أو الإقتصادية وهى تلك التى تستهدف ” التطابق” لا مجرد التساوي بين الأفراد.وهى أمر تأباه الفطرة البشرية التى تقتض الإختلاف بين البشر في مجالات عديدة، وقد حاولت في بعض النظريات تطبيقها أو القول بها إلا أنها لم تفلح، وقد سار الاتجاه المعاصر إلى القول بهجر المساواة الحسابية و الاتجاه إلى المساواة القانونية.

و المساواة المطلقة هى ذاتها المساواة الحسابية التي أكدت المحكمة الدستورية العليا في الكثير من أحكامها أنها لا تعول عليها ولا تعتد بها. أن ” المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم … ” باعتبار أن ذلك الحق يمثل أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى ، وعلى تقدير أن الغاية التى يتوخاها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وتأمين حرياتهم فى مواجهة صور من التمييز تنال منها ، أو تقيد ممارستها .

وحيث إن مبدأ المساواة ليس مبدأ تلقينيًا جامدًا منافيًا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التى تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير ، لتنظيم موضوع محدد ، وأن تغاير من خلال هذا التنظيم – وفقًا لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها أو تتباين فى الأسس التى تقوم عليها ، إلا أن ما يصون مبدأ المساواة ، ولا ينقض محتواه هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها بالأغراض المشروعة التى يتوخاها. فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها ، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًا .

وقد غدا هذا المبدأ فى جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة ، والتى لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها إلى تلك التى يقررها القانون ويكون مصدرًا لها ، وكانت السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التى تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون ، وكان الأصل فى الأحكام هو استلهام مقاصدها .

– حكم المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 119 لسنة 30 قضائية ” دستورية ” بجلسة 7 ابريل سنة 2013.

وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفته لأحكام الدستور بوضعه حدًّا أقصى لحساب معاشات عمال القطاع الخاص – يتمثل فى 140% من متوسط أجورهم الأساسية فى الخمس سنوات السابقة على انتهاء مدة اشتراكهم فى التأمين – دون النص على هذا الحد الأقصى بالنسبة للعاملين بالحكومة والقطاع العام ، فضلاً عن حساب متوسط أجور الأخيرين الأساسية – التى يربط وفقًا لها معاشاتهم – على أساس المتوسط الشهرى لأجورهم خلال السنتين الأخيرتين فقط من مدة اشتراكهم – وليس خمس سنوات كحال المدعى وغيره من العاملين بالقطاع الخاص – وهو ما أدى إلى التمييز بين الفريقين رغم تماثلهما فى المركز القانونى بما يخالف مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص ، وكذا حقهم فى الأجر العادل ويناقض أحكام المواد ( 8 و 1/13 و 23 و 40 و 122 ) من الدستور الصادر سنة 1971 .

الحق في المساواة القانونية أصل الحريات و أساس الحقوق:

يعد مبدأ المساواة- بحق- أصل الحريات و أساس الحقوق، فقد أضحى هذا المبدأ منذ فترة بعيدة من المبادئ العامة فى القانون التى أصبحت قانونًا للضمير الإنسانى، حيث تضمنه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان و الذى وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة- وقبل ذلك نص عليه إعلان حقوق الإنسان الذى جاءت به الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789م و قد حدد مضمونه وارتباطه بالحرية في نص المادة الأولى على أن الأفراد يولدون ويظلون أحرارًا و متساويين في الحقوق، وأن التمييز الاجتماعي لايمكن أن يبنى إلا على أساس المنفعة المشتركة. كما نص فى المادة السادسة على أن: القانون يجب أن يكون واحدًا بالنسبة للجميع سواء وهو يحمي، وسواء وهو يعاقب، وكل المواطنين- وهم سواء أمام ناظريه- متساوون فى التمتع بكل ميزة، وفي تولي الوظائف العامة طبقًا لكفاءتهم ودون تمييز سوى ما يتمتعون به من فضائل و مواهب. كما سجله القانون الأمريكى للحقوق المدنية سنة 1866، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية سنة 1966. و تأتي أهمية مبدأ المساواة في اعتباره من المبادىء العامة للقانون التي تلتزم الدولة بتطبيقه حتى ولو لم يوجد نص في دستورها يقرر ذلك.و ترتكز هذه الأهمية وتتأسس على الديموقراطية والفلسفة السياسية باعتبار أن الحرية لاتوجد مالم تكن متاحة للجميع، فلا ديموقراطية بغير حرية.

وقد استخدم مبدأ المساواة كمقياس لتطبيق جميع الحقوق والحريات. ولهذا قيل بحق أن هذا المبدأ يعد حجر الزاوية للقضاء الدستورى بوصفه إحدى الدعائم الرئيسة لدولة القانون نظرًا لأن سيادة القانون لا تعلو مالم تطبق على قدم المساواة. وبناء على ذلك، فإنه على الرغم من الإقرار الصريح للحق في المساواة في الدساتير إلا أنه يستخلص ضمنًا من مجموعة المبادئ التي تقوم عليها دولة القانون وعلى رأسها مبدأ سيادة القانون، ومبدأ الديموقراطية.ومن ثم فإن إهدار الحق فى المساواة بين المتماثلين لايعني غير إخلال بحقهم في حياة يؤمنها العدل ويسودها السلام الاجتماعي، فضلًا عن أنه يعد إنكارًا للحق في صون كرامتهم من صور العدوان عليها و هي أصل لحقوقهم جميعًا، فلا يؤاخذون بغير جريمة ارتكبوها، ولايغمطون حقًا ثابتًا لهم، ولاتقيد حريتهم الشخصية دون مقتضي، ولايعذبون أو تمتهن آدميتهم، ولايكرهون على فعل أو قول؛ ولايصبون فى أشكال جامدة لا يريمون عنها ولا يفصحون عما يريدون إخفاءه، ولا يقهرون بغيًا ولايحملون على ما يبغضون ولا يساقون إلى أعمال لايرضونها ولا يعاقبون عن أفعال كانوا غير منذرين بها. ولا تنحط إنسانيتهم من خلال عقوبة تناقض قسوتها موازين الاعتدال أو تكون بطبيعتها مجافية لآدميتهم بما يسىء إلى كرامتهم.

يراجع المستشار الدكتور/ عبد العزيز سالمان فى بحث له حول ” مبدأ المساواة ” منشور بمجلة الدستورية العدد الرابع عشر أكتوبر 2008

المقصود بالمساواة:

يقصد بالحق في المساواة ( وعلى وجه التحديد المساواة أمام القانون ): خضوع جميع المراكز القانونية المتماثلة لمعاملة قانونية واحدة على نحو يتناسب بطريقة منطقية وفقًا للهدف الذي توخاه القانون. ومع ذلك يتحقق المبدأ بتقرير معاملة قانونية مختلفة للمراكز القانونية المختلفة، أو بسبب يستند إلى المصلحة العامة إذا كان ذلك كله متفقًا مع الهدف الذى توخاه القانون. وقد ظهرت عدة اصطلاحات للتعبير عن مبدأ المساواة، فذهب البعض إلى التمييز بين المساواة أمام القانون، و المساواة داخل القانون، والمساواة بواسطة القانون.

وقيل إن المساواة أمام القانون هي المعنى الذي استهدفته الثورة الفرنسية، و أريد به وضع حد لنظم عدم المساواة العميقة بين المواطنين. وقد قصد به أن القانون يجب تطبيقه بالطريقه نفسها على الجميع مهما كانت مستوياتهم، باعتبار أن القانون بقواعده العامة المجردة ينطبق على الجميع بغير استثناء.

أما المساواة داخل القانون: فيقصد بها أن القانون يجب أن يكون عادلًا أي يقرر معاملة واحدة للمراكز القانونية الواحدة، بينما يقرر معاملة مختلفة للمراكز المختلفة، وقد عبر بعضهم عن ذلك بأن فكرة المساواة تتحقق بالاختلاف، مما مقتضاه تحقق المساواة حين وضع المشرع قواعد متمييزة لكل مجموعة من المواطنين يندرجون تحت مراكز قانونية مختلفة. ويقصد بالمساواة بواسطة القانون: إمكان تقرير معاملة واحدة لمراكز واحدة أو العكس بالعكس إذا اقتضى ذلك سبب منطقى.

و الواقع من الأمر أن هذه المعاني الثلاثة متساوية متكاملة تعطي مضمونًا متكاملًا للمساواة يتمثل في ثلاث ركائز لهذه المعان على التوالي، وهي مساواة الجميع في المعاملة القانونية دون أن تكون مساواة حسابية مع إمكان التمييز في المعاملة وفقًا لأسباب موضوعية منطقية وكل هذه الركائز جميعًا تسهم في تحديد مضمون المساواة القانونية أي المساواة أمام القانون، فهي مساواة لا تتحقق إلا بداخل القانون وبواسطته.

يراجع: د/ أحمد فتحى سرور: فى بحث حول ” مبدأ المساواة فى القضاء الدستورى” – مجلة الدستورية السنة الأولى

المساواة المقررة للأفراد بمعناها هي المساواة القانونية، وليست المساواة الحسابية، بمعنى أن من حق كل مواطن أن يحصل على ذات المعاملة إذا استوفى الشروط المقررة، وبالتالي فإن المساواة في المعاملة مشروطة بالمساواة في توافر الشروط، ومن ثم فإن، من حق المشرع أن يقيد التمتع بحق معين بتوافر حد أدنى من الشروط الجسدية كالطول أو العرض أو حدة الإبصار. فلا نستطيع أن نملي على المشرع وهو بصدد التشريع أن يسوي بين الناس جميعًا مهما اختلفت العناصر القانونية والواقعية المحيطة بهم، فلا يمكن مثلًا أن نطلب منه أن يسوى في الالتحاق بالجامعة بين الحاصلين على الثانوية العامة والذين لم يحصلوا عليها، ولا أن يسوي في الالتحاق بالوظائف العامة بين هذا الذي أدين في جريمة مخلة بالشرف وهذا الذي لم يرتكب مثل هذه الجريمة، فمبدأ المساواة لا يؤدي بنا أن نكفل لكل الناس تطابقًا في المعاملة، بل إنه يعني أن يتعامل بالطريقة نفسها الأشخاص الذين يوجدون في المركز نفسه.

و قد أكد المجلس الدستوري الفرنسي على هذه المعاني حيث انتهى إلى عدم دستورية نص تشريعي يجعل لرئيس المحكمة الابتدائية أن يحدد الجنح التي تختص بها المحكمة في كل حالة على حدة وما إذا كانت محاكمة المتهم سوف تتم أمام قاض فرد أو دائرة مكونة من ثلاثة قضاة. لقد وجد المجلس أن فى هذا النص إخلالًا بمبدأ المساواة أمام العدالة ومبدأ العدالة أمام القانون.فقد يحاكم متهم ما أمام قاض فرد و يحاكم آخر ربما فى التهمة نفسها أمام دائرة مكونة من ثلاثة قضاة. ومبدأ المساواة كان يحتم محاكمة المتهمين بالجرائم نفسها أمام محكمة لها بالنسبة لهم جميعًا التشكيل نفسه. فالمتهمون بإرتكاب جنحة معينة يعدون جميعًا في المراكز القانونية نفسها، ومع ذلك فإن النص التشريعي السابق أجاز لرئيس المحكمة أن يغاير بينهم في سلطة تقديرية كاملة في تشكيل الهيئة المختصة بمحاكم كل واحد منهم.

مظاهر وتطبيقات المساواة أمام القانون:

ونحن فى مجال الكلام حول المساواة أمام القانون أو فى القانون أو بواسطة القانون، فإن الأمر لا يتضح تمام الوضوح إلا عند تناول تطبيقات هذا المبدأ.

1- المساواة أمام القضاء .

– يراجع فى التفصيلات: المستشار الدكتور عبدالعزيز سالمان حق التقاضى فى الفقه والقضاء الدستورى سنة 2023 دار الأهرام للنشر والتوزيع والاصدارات القانونية ص 295 ومابعدها.

إعتنى الدستور فى المادة (97) منه بالحق فى التقاضى وكفالته للجميع، الوطنى والأجنبى، حاظرًا فى الوقت ذاته تحصين أى عمل أو قرار من رقابة القضاء.

والمساواة حق أمام القضاء بجهاته المختلفة ودرجاته وأساس هذه المساواة ، وعدم التمييز بين الأفراد من حيث القضاء، كما لو تم تحديد قاضي بعينه لنظر قضية بذاتها أمام محكمة بذاتها، أو من حيث الأحكام التى يصدرها هؤلاء القضاة طالما تشابهت وتماثلت الدعاوى فى المحل والسبب. لكن لاينافى هذه المساواة تفريد العقوبة مثلاً فى الأحكام الجنائية تبعًا لاختلاف ظروف المجرمين ولو كانت الجريمة واحدة . الأمر الهام فى هذا المجال تكافؤ أوجه الدفاع وإتاحة ذات الأسلحة لدى الخصوم، مساواتهم فى حق الدفاع وما يلحق به دون تمييز.

ولا يجافى مبدأ المساواة أمام القضاء وجود محاكم خاصة كالمحكمة العسكرية ومحكمة القيم،ومحاكم الأحداث ومحاكم أمن الدولة، والمحكمة المختصة بمحاكمة الوزراء شريطة أن يتم تحديد اختصاص هذه المحاكم وفق ضوابط موضوعية تتفق مع الغاية من القانون الصادر بإنشائها وهى فعالية العدالة الجنائية بالنظر إلى ذاتية الجريمة أو ذاتية المجرم أو ذاتية الاثنين معًا .

– يراجع: د. أحمد فتحى سرور الحماية الدستورية للحقوق والحريات – دار الشروق . الطبعة الثانية سنة 2000 ص 714.

– وفى ذلك تؤكد المحكمة الدستورية العليا على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى اللجوء إلى قاضيهم الطبيعى ، ولا فى نطاق القواعد الموضوعية والإجرائية التى تحكم الخصومة القضائية عينها، ولا فى فعالية ضمانة الدفاع التى يكفلها الدستور للحقوق التى يطلبونها، ولا فى اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا فى طرق الطعن التى تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق ذاتها، قواعد موحدة سواء فى مجال التداعى بشأنها أو الدفاع عنها أو استئدائها أو الطعن فى الأحكام الصادرة فصلاً فيها. ولايجوز بالتالى أن يعطل المشرع إعمال هذه القواعد فى شأن فئة بذاتها من المواطنين، ولا أن يقلص دور الخصومة القضائية التى يعتبر ضمان الحق فيها، والنفاذ إليها، طريقًا وحيدًا لمباشرة حق التقاضى المنصوص عليه فى المادة (68) من الدستور، ولا أن يجرد هذه الخصومة من الترضية القضائية التى يعتبر إهدارها أو تهوينها، إخلالا بالحماية التى يكفلها الدستور للحقوق جميعها .

– حكم المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 64 لسنة 17 قضائية “دستورية” بجلسة 7/2/1998.

2- المساواة أمام المرافق العامة:

تعد المرافق العامة أحد أهم أوجه نشاط الإدارة، والمرافق العامة يحكمها مبادئ ثلاثة:- مبدأ الاستمرارية، ومبدأ القابلية للتطوير، ومبدأ المساواة للمتنفعين بها، وهى تعنى أن يؤدى المرفق العام خدماته لكل من يطلبها من الجمهور بذات الشروط ودون تمييز بين أفراد الجمهور بسبب اللون أو الجنس أو المركز الاجتماعى أو الاقتصادى، وتقديم الخدمة لكل من يطلبها مستوفيًا شروط الانتفاع بها، ولا يتنافى مع المساواة أمام المرافق العامة إقتضاء رسوم متفاوته من الجمهور على أن يقابل هذا التفاوت، تفاوت آخر فى درجة الخدمة ذاتها مثال ذلك تعدد الدرجات فى وسائل النقل ودور الخدمات الصحية، ويقرر القضاء فى وضوح وحسم ضرورة مراعاة مبدأ المساواة فى تقديم الخدمات بواسطة المرافق العامة، حيث أوجب على السلطة الإدارية أن تسوى فى المعاملة بين الناس إذا اتحدت ظروفهم فيما أعطاها المشرع من سلطات فى تصريف الشئون، فلا تعطى حقًا لأحد من الناس ثم تحرم غيره منه متى كانت ظروفهم متماثلة .

– يراجع: د. حسام فرحات : المرجع السابق ص 105.

3- المساواة فى الأعباء العامة:

إذا كان الأفراد يتمتعون بالحقوق والحريات، وهم متساوون فى ذلك، فإن الدستور يوجب أيضًا المساواة فى الواجبات العامة، فكل حق يقابله واجب، فالتساوى أمام الوجبات (أو الأعباء العامة) واجب أيضًا، فلا يجوز تحمل فئة دون أخرى بواجبات أو أعباء معينة وطالما فرضت الدولة الأعباء العامة على عاتق الجميع، فيقع إذن على الكافة الالتزام بتحمل هذه الأعباء، ولا يجوز أن يتحمل فردًا بذاته العبء العام وحده دون سائر أفراد المجتمع، ولعل أهم ا أعباء العامة هى الضرائب، والخدمة العسكرية.

– المساواة أمام الضرائب.

تمثل الضرائب أحد أهم مصادر الايرادات العامة التى يتم من خلالها تمويل النفقات العامة للدولة.

والمساواة أمام الضرائب لها جانبان متكاملان:

أولهما: المساواة بين الخاضعين للضريبة وفى قاعدة فرضها وفق قواعد العدالة ومبدأ التناسب بين المال الخاضع للضريبة وسعر الضريبة المفروضة عليه، وبذلك يؤدى كل ممول الضريبة على قدر ثروته، ومن ثم يختلف سعر الضريبة باختلاف مصدر الدخل الخاضع لها فيما يعرف بالضرائب التصاعدية,

ثانيهما: هو المساواة بين المستفيدين من الاعفاءات الضريبة، وآلا يتقرر الاعفاء لأشخاص محددين بذواتهم. فإذا ما توافر هذا العنصران. المساواة فى الخضوع والمساواة فى الاعفاء تحققت المساواة أمام الضريبة .

– د. حسام فرحات : المرجع السابق ص 100.

– المساواة أمام الخدمة العسكرية:

– يعد أهم وأقدس الواجبات الوطنية “أداء الخدمة العسكرية” وهو يقوم على مبدأ المواطنة وما تكفله من حقوق وحريات ويقابلها الأداء للواجبات وأهمها الدفاع عن الوطن والحفاظ عليه. والواجبات يجب أن تؤدى على قدم المساواة، تفرض على الجميع بدون تمييز، ودون إعفاء لفرد أو لطبقة ما من أداء الخدمة العسكرية وتكون المدد متساوية لمن هم فى ذات المركز القانونى، ولا ينافى المساواة تقرير إعفاء من أداء الخدمة العسكرية لبعض الفئات، الذين لا يقوون على أداء الخدمة كالمرضي والمعاقين، ويجوز ايضًا تقرير اعفاءات لدفعات بكاملها من أداء الخدمة.

– ولاشك أن هذا يختلف تمامًا عما كان قائمًا من قبل فى ظل قانون القرعة العسكرية الصادر فى 4 نوفمبر سنة 1902، والذى أعفى العربان، والبدو من أداء هذا الواجب، وكذلك الحال فى إقراره التمييز على أساس الثروة، إذ كان يمكن التخلص من التجنيد إذا دفع الشخص مبلغًا معينًا من المال، وهما مظهران من مظاهر التمييز بالمخالفة لمبدا المساواة.

– ولقد كانت هذه الاعفاءات فضلاً عن كونها مخالفة لمبدا المساواة، فهى تعتبر وصمة عار فى جبين القومية وفهمًا سيئًا لمعنى الجندية، فالجندية يجب أن يفهمها المشرع قبل أن يفهمها العامة على أنها شرف يسعى إليه، وليست شرًا يرجى التخلص منه .

– د. عثمان خليل : القانون الدستورى – الكتاب الأول فى المبادئ الدستورية العامة. مطبعة مصر سنة 1956 ص 142.

المساواة أمام الوظيفة العامة:

طبقًا للمادة (14) من دستور 2014 تعد الوظيفة العامة حقًا للمواطنين على أساس الكفاءة ودون محاباه أو وساطة. والوظيفة العامة يجب أن تكون متاحة للجميع على قدم المساواة بين المؤهلين لها، وأن يكون التعيين فى الوظيفية العامة رهنا بشروط وقواعد موضوعية تطبق على كل من يتقدم للحصول عليها، دون إعتبار لتمييز شخصي أو دينى او فكرى أو لنوع المتقدم للحصول على الوظيفة رجلاً كان أو إمرأة . ومن ثم فإن اشتراط الجنسية والسن واللياقة الصحية والصلاحية الأدبية فضلاً عن استيفاء مواصفات الوظيفة المراد شغلها واجتياز الامتحان المقرر لها لا يجافى مبدأ المساواة فى تقلد الوظائف العامة طالما جاء تطبيقه على المتقدمين دون تمييز ولمصلحة الوظيفة ذاتها. ولا يجافى مبدأ المساواة فى تقلد الوظائف تقرير أولوية لبعض الفئات بتقرير نسبة محددة من الوظائف طالما تمت وفقًا لأسس موضوعية واضحة.

-كيفية قياس المساواة:

من النقاط الدقيقة في التعرض للحق في المساواة مسألة كيفية قياس المساواة.إذ أن الإنسان يمكن أن يتكلم برصانة عن المساواة في وضع تنعدم فيه المساواة تمامًا. ولنفرض مثلًا أن هناك قانونًا يجعل دخول بعض الوظائف العامة المتمييزة مقصورًا على أبناء فئة معينة من الناس، فمثل هذا القانون نقول فيه لأول وهلة وبلا تفكير عميق أنه ينطوي على إخلال بمبدأ المساواة، لكنه أيضًا يمكن القول بأن كل من ينسبون إلى أبناء هذه الفئة المتمييزة متساوون في الالتحاق بهذه الوظيفة و أن النص التشريعي الذي كفل لهم هذه الميزة قد توافرت له صفة العمومية و التجريد فهو إذ ساوى بينهم فى هذه الميزة فقد إحترم مبدأ المساواة، و هذه نتيجة خاطئة بلا شك، و قد ولد الخطأ فيها من النقطة الأولى التى بدأ فيها القياس. فالقياس يجب أن يكون على المجموع الكبير، وليس على الفئة التي تمثل في ذاتها خروجًا على مبدأ المساواة.

فإذا جعلت امتيازًا خاصًا لأبناء أعضاء هيئة التدريس في الجامعات عند التحاقهم بالجامعة، فإننا عند قياسنا للمساواة يجب أن نقيس هؤلاء بالنسبة لأبناء الدولة جميعًا لجميع الحاصلين على الثانوية العامة، فنجد أن النص التشريعي قد أخل بالنسبة لهم بمبدأ المساواة، فلا يصح على الإطلاق أن نقيس أبناء أعضاء هيئة التدريس في جامعة أخرى لنقول بعد ذلك أن النص قد ساوى بينهم، و أن القاعدة التي قررت هذا الامتياز قاعدة عامة مجردة. و الخلاصة أن القياس يجب أن يكون على المجموع الكبير ( مجموع أبناء البلد ) فهو يضع الأمور في نصابها الصحيح فيكشف عن الإخلال بمبدأ المساواة إن وجد. أما القياس على المجموع الصغير الذي تقرره المصلحة إهدار مبدأ المساواة فإنه قياس مضل يقودنا إلى نتيجة دستورية ومنطقية بعيدة عن الصواب.

يراجع د/ مصطفى أبو زيد فهمى: النظام الدستورى المصرى سنة 1994 ص165

للمشرع مخالفة مبدأ المساواة:

يكون للمشرع في بعض الحالات أن يخالف مبدأ المساواة فيغاير في المعاملة بين المراكز القانونية المتساوية، وذلك إذا استند التمييز إلى معايير موضوعية تبرره أو كان التمييز لتحقيق مصلحة مشروعة يبتغي المشرع تحقيقها، كما أن له أن يخرج على مبدأ المساواة إذا وجدت مصلحة عامة تبرر الخروج على هذا المبدأ. و لنتخيل مثلًا خدمة معينة تقدم للطلبة جميعًا مقابل رسم يؤدى، فإن للمشرع أن يستثنى من هذه الرسوم نوابغ الطلبة، ويجعل لهم الحق أن يتمتعوا بهذه الخدمة بلا مقابل. فعدم المساواة – هنا – و استثناء النوابغ من دفع الرسوم هو استثناء مقبول لأن هناك مصلحة عامة تبرره، و هى تشجيع الطلبة على التفوق.

و إذا كان الحق في التصويت هوحق عام يجب أن يتمتع به كل من بلغ سنًا معينة، فإن للمشرع أن يخرج على مبدأ المساواة، و يحرم من هذا الحق طوائف من المواطنين كالمحكوم عليه في خيانة أمانة أو رشوة أو هتك عرض أو انتهاك حرمة الآداب أو المحكوم عليه في جناية، أو جنحة سرقة أو إخفاء أشياء مسروقة أو نصب. فهؤلاء على خلاف سائر المواطنين يحرمون من حق التصويت، وليس فى ذلك إخلال بمبدأ المساواة لأن إفراد هؤلاء بمعاملة خاصة تتم لدواعي المصلحة العامة. وفي مجال الضرائب مثلًا فإن القاعدة أن المواطنين جميعًا أمام القانون سواء و مع ذلك فإن المشرع يستطيع الخروج على مبدأ المساواة، فيجعل الضريبة على الأرباح التجارية و الصناعية أثقل عبئًا من الضريبة على المرتبات، وليس للأولين أن يدفعوا بوجود إخلال بمبدأ المساواة، فإن الوضع قد تم لدواعي المصلحة العامة.

الضوابط الدستورية لتحقيق مبدأ المساواة من خلال التشريع:

الأصل العام أن المشرع يملك سلطة تقديرية واسعة فى مجال تنظيم الحقوق و تحديد مجال الحريات التى تقبل تحديد الأطر و الضوابط وهى الغالب من الحريات. و جوهر هذه السلطة التقديرية يكمن فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لإختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة و أكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله التنظيم و ذلك كله مالم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر تخومًا لها و حدودًا لا يجوز تخطيها. و بوجه عام فلا يجوز للسلطة التشريعية ان تباشر إختصاصاتها التى ناطها الدستور بها بما يخل بالحماية المتكافئة التى كفلها الدستور للحقوق جميعها. غير أننا يمكن أن نرصد مجموعة من الضوابط أو القواعد التى يتعين على المشرع مراعاتها حتى يكون التشريع الصادر عنه متفقًا مع مبدأ المساواة و متفقًا بالتالى مع الدستور. وتتمثل هذه الضوابط فى الآتى:

1. ينبغى ألا تنفصل النصوص التشريعية عن الأغراض المرصودة لها: يفترض فى المشرع و هو يتولى المفاضلة بين البدائل المختلفة أن يتم ذلك وفق أسس منطقية و بين بدائل تزاحم جميعها على تقديم حلول مختلفة فى الموضوع الواحد، و أن جميع هذه البدائل يدور حول المصلحة و يتغيا تحقيقها، فلا تطرح هذه البدائل غير حلول منطقية و قانونية ينظر المشرع فيها ويختار أقلها تقييدًا للحقوق التى تنظمها و أكثرها إتصالًا بالأغراض التى يريد تحقيقها بالتشريع.

و من ثم يتعين أن يكون لدى المشرع أمران واضحان غاية الوضوح: أولهما: الأغراض النهائية التى يريد الوصول إليها عن طريق التشريع. ثانيهما: الوسائل التى يراها تحقق هذه الأغراض و يجب أن تكون هناك علاقة منطقية و مفهومة بين النصوص التشريعية و الأهداف المرجو تحقيقها.

_ و قد أكدت المحكمة الدستورية العليا على هذه المعاني بقولها أن الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون يتحقق بأى عمل يهدر الحماية القانونية المتكافئة، تتخذه الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أو عن طريق سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أى من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض مغايرة فى المعاملة مالم يكن ذلك مبررًا بفروق منطقية يمكن ربطها عقلًا بالأغراض التى يتوخاها العمل التشريعى الصادر عنهما، و كان لا صحة للقول بأن كل تقسيم تشريعى يعتبر تصنيفًا منافيًا لمبدأ المساواة، بل يتعين دومًا أن ينظر إلى النصوص القانونية بإعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعية تلك الأغراض، و إتصال هذه الوسائل منطقيًا ولا يتصور بالتالى أن يكون تقييم التقسيم التشريعى منفصلًا عن الأغراض التى يتغياها المشرع.

2. وجوب أن تكون للحقوق قواعد موحدة سواء فى مجال التداعى بشأنها أو الدفاع أو الطعن فى الأحكام التى تتعلق بها أو استئداها:

و فى ذلك تقرر المحكمة الدستورية العليا أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعى، ولا فى نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التى تحكم الخصومات القضائية المتماثلة، ولافى فاعلية ضمانة حق الدفاع التى يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التى يدعونها، ولا فى إقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها ولا فى طرق الطعن التى تنتظمها، بل يجب أن تكون للحقوق عينها قواعد موحدة سواء فى مجال القواعد بشأنها أو الدفاع عنها أو استئدائها أو الطعن فى الأحكام التى تتعلق بها

3. ألا يكون التمييز – إن وجد- تحكميًا:

يفترض بداءة فى المركز القانونى الذى ينظمه المشرع أن يكون متوافقًا مع الدستور حتى يكون مشروعًا، فإذا تجاوزنا هذه الخطوة الأولى فيلزم- إن أراد المشرع أن يباين بين المراكز القانونية المتكافئة- أن يستند فى ذلك إلى أسس موضوعية تبرره و يكون فى ذلك متفقًا مع الغاية المرتجاه من التشريع. فقد إستقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن مبدأ المساواة فى الحقوق بين المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها. ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة ( 40) من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًا ذلك أن كل تنظين التشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم. فإذا كان النص التشريعى- بما انطوى عليه من تمييز- مصادمًا لهذه الأغراض بما يستحيل منطقيًا ربطه بها أو اعتباره مدخلًا إليها فإن التمييز يكون تحكميًا و غير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية.

21- حكم المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 2 لسنة 22 قضائية دستورية بجلسة 14/4/2002.

4. لايجوز إنكار أصل الحق أو تعطيله أو الإنتقاص منه:

من مقتضيات مبدأ المساواة أنه وسيلة تقرير حماية متكافئة لجميع الحقوق سواء فى ذلك التى كفلها الدستور أو التى تقررها و التشريعات ومن ثم فلا يجوز من خلال اعمال هذا المبدأ أن ينكر المشرع أصل حق من الحقوق أو يعطل جوهرة أو ينقص منه. و قد جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن مبدا مساواة المواطنين أمام القانون رددته الدساتير المصرية جميعها بحسبانه ركيزه أساسية للحقوق و الحريات على اختلافها و أساسًا للعدل والسلام الإجتماعى، غايته صون الحقوق و الحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها و بإعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة للحقوق جميعها إلا أن مجال إعماله لا يقتصر على ما كفله الدستور من حريات و حقوق وواجبات بل يمتد- فوق ذلك- إلى تلك التى يقررها التشريع و إذا كانت صور التمييز المجافية للدستور يتعذر حصرها إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو إستبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق و الحريات التى كفلها الدستور أو القانون سواء بإنكاره أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونًا لللإنتفاع بها.

– الحكم فى الدعوى رقم 56 لسنة 24 قضائية دستورية جلسة 11/5/2003

5. التباين فى المراكز القانونية يجب أن يستند إلى واقع صحيح- الواقعة المنعدمة لايقوم بها تمايز يبرر الخروج على المساواة:

يفترض التباين فى المراكز القانونية تغايرها ولو فى بعض جوانبها، إلا أن مجرد التغاير المجرد لايعتد به إلا إذا استند إلى واقعة صحيحة لا تتصادم مع الدستور وهى تكون كذلك إذا كان من شأنها الإنتقاص من الحماية التى كفلها الدستور للحقوق و الحريات. و فى هذه الخصوص تقرر المحكمة الدستورية العليا أن التمييز بين المراكز القانونية بعضها البعض، يفترض تغايرها- ولو فى بعض جوانبها- تغايرًا يقوم فى معناه على عدم اتحاد هذه المراكز فى العناصر التى تكونها متى كان ذلك، وكان المقرر قانونًا أن كل واقعة منعدمة ليس لها وجود إذ هى ساقطة فى ذاتها، و الساقط لايعود، بما مؤداه أن إنعدامها زوال لها و اجتثاث لها من منابتها و إفناء لذاتيتها، فإن مثل هذه الواقعة- وهى فى إطار النزاع الراهن واقعة فرض الحراسة على أموال الأشخاص الطبيعيين و ممتلكاتهم استنادًا إلى قانون الطوارىء- لا يمكن أن يقوم بها التباين بين مركزين قانونيين، ولايعتد بالآثار المصادمة للدستور التى رتبها المشرع عليها خاصة ما تعلق منها بالإنتقاص من الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية، وهى حماية يفرضها مبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه فى المادة ( 65) من الدستور بما يتضمن هذا المبدأ من إستقامه المعنى عند إقرار النصوص التشريعية، و ذلك بالتقيد بالضوابط التى فرضها الدستور فى شأن الحقوق و الحريات التى كفلها. و متى كان ذلك وكان النص المطعون عليه قد خص المخاطبين بأحكامه- وهم من أخضعتهم الدولة لتدابير الحراسة المنعدمة فى ذاتها على ما سلف البيان- بمعاملة استثنائية مايز فيها- فى مجال دعاوى الإستحقاق- بينهم و بين غيرهم ممن يملكون منقولًا أو عقارًا غير محمل بهذه التدابير و يقيمون هذه الدعاوى لطلبه، و دون أن يستند التمييز بين هاتين الفئتين إلى أسس موضوعية، و ذلك لإرتكازه فى مبناه على واقعة الحراسة المنحدرة إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونًا والتى لايقوم بها التباين فى المراكز القانونية على ما تقدم، و كان من غير المتصور أن تؤول الحراسة فى أثرها إلى الإنتقاص من حقوق هؤلاء الذين نادوا بعبئها، فإن النص المطعون فيه. و قد قيد دعاوى الإستحقاق- التى يقيمها المخاطبون بأحكامه- بزمن معين خلافًا للأصل فيها، و إخلالًا من جهته بالمعاملة القانونية المتكافئة التى يقتضيها التماثل فى المراكز القانونية- يكون قد ناقض جوهر الملكية، و أهدر مبدأ المساواة أمام القانون بالمخالفة للمادتين (40,34) من الدستور.

حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 130 لسنة 5 قضائية دستورية جلسة 6/2/1993

– مبدأ المساواة ووحدة المرحلة الزمنية :

– مبدأ المساواة يستقى أحد أهم مقوماته من وحدة المرحلة الزمنية التى يطبق خلالها النص القانوني الخاضع لضوابط المبدأ، فإذا تباينت النصوص التشريعية فى معالجتها لموضوع واحد، وكان كل منها قد طبق فى مرحلة زمنية مختلفة فإن ذلك لا يعد بذاته إخلالاً بمبدأ المساواة، وإلا تحول هذا المبدأ من ضابط لتحقيق العدالة إلى سد حائل دون التطور التشريعى.

فقد قضت المحكمة الدستورية العليا بأن النعى بأن المشرع بعد إصداره القانون الذى تضمن النص الطعين – القانون رقم 43 لسنة 1974 – عاد فى قانون لاحق وألزم الشركات الخاضعة لقوانين الاستثمار بصرف نسبة لا تقل عن (10%) من أرباحها للعاملين لديها، وهو ما يعنى الإخلال بمبدأ المساواة بين الذين خضعوا للقانون الأول، والذين يطبق عليهم القانون الأخير، فإنه نعى مردود، ذلك أنه فى الدائرة التى يجيز فيها الدستور للمشرع أن يباشر سلطتة التقديرية لمواجهة مقتضيات الواقع، وهى الدائرة التى تقع بين حدى الوجوب والنهى الدستوريين، فإن الاختلاف بين الأحكام التشريعية المتعاقبة التى تنظم موضوعًا واحدًا، تعبيرًا عن تغير الواقع عبر المراحل الزمنية المختلفة، لا يعد إخلالاً بمبدأ المساواة الذى يستقى أحد أهم مقوماته من وحدة المرحلة الزمنية التى يطبق خلالها النص القانونى الخاضع لضوابط المبدا، فإذا تباينت النصوص التشريعية فى معالجتها لموضوع واحد، وكان كل منها قد طبق فى مرحلة زمنية مختلفة، فإن ذلك لا يعد بذاته إخلالاً بمبدأ المساواة، وإلا تحول هذا االمبدأ من ضابط لتحقيق العدالة، إلى سد حائل دون التطور التشريعى. إذ كان ذلك، وكان النص الطعين قد جعل تحديد نسبة أرباح العاملين من سلطة مجلس إدارة الشركة، وفى مرحلة زمنية لاحقة صدر نص تشريعى آخر محددًا هذه النسبة بما لا يقل عن (10%) من الأرباح، وكان كل من النصين قد صدر فى دائرة السلطة التقديرية للمشرع، وليس انصياعًا لوجوب دستورى، فإن النصين يكونان فى تعاقبهما قد عبرا عن مرحتلين زمنيتين مختلفتين تتأبى معهما المقارنة اللازمة لإعمال مبدا المساواة، ويكون النعى بالإخلال بهذا المبدأ خليقًا بالرفض .

– حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 9 ديسمبر سنة 2001 فى القضية رقم 5 لسنة 22 قضائية “دستورية” – الجريدة الرسمية – العدد 51 0مكرر) فى 25 ديسمبر سنة 2001.

المبحث الثانى

الحماية الدستورية لمبدأ تكافؤ الفرص

الكلام حول مبدأ تكافؤ الفرص يكون- فى الغالب- كلامًا غامضًا و غير محدد، ولا يتناول مدلولًا مجردًا لهذا المبدأ بما يبعد به عن مبدأ المساواة، و يقيم حدودًا واضحة بينهما. و الكثيرون يتفقون على أن تكافؤ الفرص هى الوجه الاجتماعى لمبدأ المساواة، فالمساواة لها ميادين عديدة من أبرزها المساواة فى المنافع الإجتماعية، وهى مجموعة من الخدمات أو السلع أو فرص العمل تطرحها السلطة العامة أمام الأفراد كافة، و هناك من الأفراد من قد يرغب فيها كما أن هناك منهم من يرغب عنها. و المنافع الإجتماعية بهذا المعنى ماهى إلا فرص أمام الأفراد إن شاءوا تمسكو بها، و إلا فلا. وكل ما على السلطات العامة حتى تبرأ ذمتها أن تعرض هذه الفرص بطريقة متكافئة، لا تمييز فيها. و من ذات المنطلق يجىء تبنى الدستور لمبدأ تكافؤ الفرص. فهذا المبدأ لايخرج عن كونه ” مساواة فى الفرص “

فهو وجه للمساواة القانونية لاشك، و هو الوجه الإيجابى للمساواة أمام القانون.

– يراجع: المستشار الدكتور/ أحمد الحفنى التقرير السابق الإشارة إليه – د/ سليمان الطماوى: تعليق على حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلة العلوم الإدارية 13 لسنة 1971 ص269

و لعل هذا التحليل هو الذى يوضح مدلول تكافؤ الفرص، وهو الذى إرتكزت إليه المحكمة العليا فى بداية أحكامها على نحو ما سيتضح أكثر فيما بعد. _ و يذهب جانب من الفقه أن مبدأ تكافؤ الفرص من المبادىء الأساسية فى النظام الدستورى الحديث، و هو فى أوسع معانيه يقصد به أن تتاح ذات المعاملة التى يكفلها القانون لكل من إستوفى شروطها. و بهذا المعنى تعتبر المساواة شرطًا من شروط تكافؤ الفرص، ولكن من الناحية العملية قد يغدو تكافؤ الفرص أمرًا وهميًا إذا كانت الشروط التى يفرضها القانون لإقتضاء الخدمة لا يستطيع أن يحققها إلا أفراد قلائل، فالمساواة أمام التوظف التى أصبحت مقررة فى معظم الدساتير لايمكن أن تحقق عملًا إلا إذا كانت فرص التعلم متاحة لجميع أفراد الشعب بغض النظر عن أوضاعهم الإجتماعية و إمكانياتهم المادية.

وقد تراوحت الآراء بشأن المقصود بتكافؤ الفرص إلى ثلاثة آراء:

1) يقوم على مجرد غياب التمييز، فإذا غاب التمييز كان تكافؤ الفرص مكفولاً.

2) يذهب البعض الآخر إلى ماهو أبعد من ذلك فيرى أن تكافؤ الفرص ليس فقط الوضع القائم بالنسبة للأفراد و حال غياب التمييز بينهم لكن عند غياب أى شكل من أشكال الإنتقاص أو الإعاقة الذى تسأل عنه الحكومة أو المجتمع.

3) رأى ثالث يتجاوز هذا وذاك، إلى الاعتراف بحقيقة أن بعض الأفراد يعانون من معوقات لا هم مسئولون عنها ولا أى شخص آخر، فقط أنهم لم يكن لهم ” حظ” فيما يطلقون عليه ” اليناصيب الطبيعى” ذلك المصطلح الذى تبناه ” جون رولز ” فى نظريته عن العدالة، فهؤلاء الأطفال الذين ولدوا بمواهب أقل من الآخرين أو مهارات متواضعة، أو ولدوا لأسر فقيرة إقتصاديًا و ثقافيًا، فإن لهم أن يتمتعوا بتكافؤ الفرص، و هنا يطرح أنصار التعريف الثالث الإجابة بأن على الدولة ” الحكومة و المجتمع ” أن يتدخلوا لمساعدة هؤلاء الذين لم يكن لهم يد فيما هم عليه.

يراجع: د/ حسام فرحات: المرجع السابق ص136

وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا على هذا المعنى الأخير حيث ذهبت إلى أن المشرع حرص على تأهيل المعوقين بتدريبهم على المهن والأعمال المختلفة لقربهم من بيئتهم، وليمكنهم من النفاذ إلى حقهم فى العمل، لا يعتمدون فى ذلك على نوازع الخير عند الآخرين، ولا على تسامحهم، بل من خلال حمل هؤلاء على أن تكون الفرص التى يقدمونها للمعوقين مناسبة لاحتياجاتهم، مستجيبة لواقعهم، وأن يكون هدفها مواجهة أثار عجزهم، ومباشرة مسئولياتهم كأعضاء فى مجتمعاتهم، تمنحهم عونها، وتقيلهم من عثراتهم، وليس ذلك تمييزًا جائرًا منهيًا عنه دستوريًا، ذلك أن النصوص المطعون عليها لاتفاضل بين المعوقين وغيرهم لتجعلهم أشد بأسًا، وأفضل موقعًا من سواهم، ولكنها تجد لهم تلك الحقوق التى يقوم الدليل جليًا على عمق اتصالها بمتطلباتهم الخاصة، وارتباطها بأوضاعهم الاستثنائية، لتعيد إليها توازنًا اختل من خلال عوارضهم، وتلك هى العدالة الاجتماعية التى حرص الدستور على صونها لكل مواطن توكيدًا لجدارته بالحياة اللائقة، وانطلاقًا من أن مكانة الوطن وقوته وهيبته ينافيها الإخلال بقدر الفرد ودوره فى تشكيل بنيانه .

– القضية رقم 8 لسنة 16 ق “دستورية” جلسة 5 أغسطس 1995، الجزء السابع ص 139 وما بعدها.

والسؤال الآن: ماهو الحد الفصل بين تكافؤ الفرص و المساواة: هل هما بالفعل وجهان لعملة واحدة ؟ أم أن تكافؤ الفرص أحد جوانب مبدأ المساواة؟

الواقع أن صيغة نص المادة 9 من الدستور تلزم الدولة تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنيين دون تمييز و من قبلها المادة 8 من دستور 1971التى حظيت بتطبيقات عديدة من جانب المحكمة الدستورية العليا يوضح أن ثمة نطاقًا محددًا لمبدأ “تكافؤ الفرص”، لايزاحمه فيه مبدأ المساواة. ذلك أن مبدأ تكافؤ الفرص رهين دائمًا بوجود فرص تقدمها الدولة أو حتى تتعهد بتقديمها. فهو يوجب إلتزامًا إيجابيًا على الدولة بأن تحقق فرص متكافئة بين المواطنين. وزيادة فى الإيضاح وضع نص المادة (9) عبارة “دون تمييز ” إلا أن مبدأ تكافؤ الفرص ليس وجهًا لعملة واحدة مع المساواة لأن المساواة متطلبة حين يحدث تزاحم على الفرص المتاحة فيفض هذا التزاحم وفقًا لمبدأ المساواة لمن توافرت فيه شروط الحصول على الفرصة دون أدنى تمييز لأى سبب. فى حين أن مبدأ المساواة يجرى إعماله بالنسبة لجميع الحقوق والحريات فهو أساس لممارستها جميعًا، فنطاق تكافؤ الفرص ضيق بينما يتسع كثيرًا نطاق مبدأ المساواة.

– ولقد أكدت المحكمة الدستورية العليا على أنه لا تداخل بين مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة أمام القانون إلا أن لكل من هذين المبدأين دائرة يعمل فيها.

إن النص المطعون فيه – المادة (22) من لائحة شئون العاملين بهيئة قناة السويس – يتعلق بالتطبيق المباشر لمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه فى المادة (8) من الدستور، ولا يتداخل بالتالى ومبدأ المساواة أمام القانون المقرر بمقتضى المادة (40) منه، تقديرًا بأن لكل من هذين المبدأين – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – دائرة يعمل فيها. وفى مجال تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، فإن النص لا يقيم تمييزًا غير مبرر بين المتزاحمين على الترقية إلى الوظائف الرئيسية بهيئة قناة السويس، بل يردهم جميعًا إلى قواعد موحدة تقتضى أن يكون شغلها حقًا للأجدر بتوليها، وهم بذلك يتساوون فى طلبها على ضوء كفايتهم. وفوق ذلك، فإن المراكز القانونية التى يتعلق بها تطبيق مبدأ المساواة أمام القانون – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة * هى تلك التى تتحد فى العناصر التى تكون كل منها – لا باعتبارها عناصر واقعية – بل بوصفها عناصر أدخلها المشرع فى اعتباره مرتبًا عليها أثرًا قانونيًا، فلا يكون ترابطها إلا منشئًا لذلك المركز القانونى الذى يضمها. متى كان ذلك، وكانت المدعية تشغل إحدى الوظائف الرئيسية بهيئة قناة السويس، وتتطلع إلى الترقية إلى الوظيفة الأعلى محل طلب الإلغاء الموضوعى، فإن مركزها بالنسبة إلى هذه الوظيفة يغاير مركز شاغل إحدى الوظائف العليا بالجهاز الإدارى للدولة فلكل تبعاتها ومسئولياتها، وأسس الاختيار التى تحكمها بما يلائم بيئتها، ومن ثم، فلا يخول المدعية – من زاوية دستورية – التحدى بالمعيار الذى ارتسمه قانون العاملين المدنيين بالدولة أساسًا للمفاضلة بين المتزاحمين على الترقية إلى وظيفة رئيس قسم وما يعلوها حال اتحادهم فى مرتبة الكفاية، أو معيارًا يتعين على النظم الوظيفية الخاصة احتذاؤة ، وعدم الخروج عليه بما يناسب طبيعة العمل لديها .

– حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 13 مارس سنة 2005 فى القضية رقم 276 لسنة 24 قضائية “دستورية” – الجريدة الرسمية – العدد 14 (تابع) فى 7 ابريل سنة 2005.

المبحث الثالث

دور المحكمة الدستورية العليا فى حماية مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص

حظى مبدأ المساواة إهتمامًا بالغًا فى مختلف المحاكم الدستورية فى العالم، وعلى مستوى المحكمة الدستورية العليا المصرية بصفة خاصة، إذ أن كثيرًا ما تستند الطعون الدستورية المقامة أمامها إلى الإخلال بمبدأ المساواة و كذلك تكافؤ الفرص. ولايستهدف هذا البحث رصد كل مايتعلق بمبدأ المساواة فى قضاء المحكمة الدستورية العليا، وإنما نستعرض مجرد ملامح لما قضت به هذه المحكمة بخصوص المساواة و تكافؤ الفرص. _ فقد قضت المحكمة الدستورية العليا بأن فى أحدث حكم صدر عنها “وحيث إن مانعاه المدعى من إخلال النصين المطعون عليهمابمبدأ المساواة بين المواطنين، المنصوص عليه فى المادة ( 53) من دستور سنة 2014، فمردود بأن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) من الدستور مبدأ المساواة، بإعتباره إلى جانب مبدأى العدل و تكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع و صيانة وحدته الوطنية، و تأكيدًا لذلك حرص الدستور فى المادة ( 53) منه، على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، فى الحقوق والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى- وفقًا لما إستقر عليه قضاء هذه المحكمة- أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها مايستند إلى أسس موضوعية، ولاينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادتين ( 4 و 53 ) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًا، و أساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لايعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه- بما إنطوى عليه من تمييز- مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقيًا ربطه بها أو إعتباره مدخلًا إليها، فإن التمييز يكون تحكميًا وغير مستند إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة، كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبدأ المساواة أمام القانون لايعنى معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعى قد ينطوى على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سواء من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض أو من خلال المزايا التى يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل النصوص التى ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها، ليكون إتصال الأغراض التى توخى تحقيقها بالوسائل التى لجأ إليها منطقيًا، وليس واهنًا، أو منتحلًا، بما يخل بالأسس التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًا.

– حكم المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 124 لسنة 36 قضائية دستورية بجلسة 11/2/2023

وقضت بأن مبدأ المساواة أمام القانون، ليس مبدأ تلقينيًا جامدًا منافيًا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلًا لتلك الدقة الحسابية التى تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. و إذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير، لتنظيم موضوع محدد، أو توقيًا لشر تقدر ضرورة ردة، إلا أن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفًا عن نزواتها، ولا منبئًا عن إعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقادًا تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولا عدوانًا معبرًا عن بأس سلطانها، بل يتعين أن يكون موقفها إعتدالًا فى مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاء أو عسفًا. و من الجائز بالتالى أن تغاير السلطة التشريعية- ووفقًا لمقاييس منطقية- بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها فى الأسس التى تقوم عليها، على أن تكون الفروق بينها حقيقة لا اصطناع فيها.

و أكدت على أن مبدأ المساواة أمام القانون، الذى رددته الدساتير المصرية جميعها، بدءًا بدستور 1923، و إنتهاء بالدستور القائم، يستهدف حماية حقوق المواطنين و حرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وهو بذلك يعد وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة، التى لا يقتصر تطبيقها على الحقوق و الحريات العامة المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها إلى الحقوق التى يقررها القانون العادى و يكون مصدرًا لها، ومن ثم فلا يجوز للقانون أن يقيم تمييزًا غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التى تتماثل فى عناصرها .

– ( االدعوى رقم 81 لسنة 25 قضائية ” دستورية” بجلسة 13/2/2005ج 11/1 ” دستورية ” ص1429)

وأكدت المحكمة على أن حظر الدستور التمييز بين المواطنين على أساس من الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة- بإيراد الدستور لصور بعينها، لايدل البتة على انحصارها فيها، بل يمتد الحظر إلى كل أشكال التمييز غير المبررة تحت رقابة المحكمة الدستورية العليا.

فقد “أوردت بأن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءًا بدستور 1923، و إنتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، و كفلت تطبيقه على المواطنين كافة، بإعتباره أساس العدل والحرية و السلام الإجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلًا فى صون حقوق المواطنين و حرياتهم، فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تحد ممارستها، و أضحى هذا المبدأ- فى جوهرة- وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة، التى لايقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق و الحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى الحقوق التى يكفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية، و على ضوء ما يرتئيه محققًا للمصلحة العامة. ولئن نص الدستور فى المادة ( 40) على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بينتها، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس من الجنس أو الأصل أو اللغةأو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بعينها يكون التمييز محظورًا فيها، مردًا أنها الأكثر شيوعًا فى الحياة العملية، ولايدل البتة على إنحصاره فيها دون غيرها، إذ لو صح ذلك، لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزًا دستوريًا، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور، ويحول دون تحقيق الأغراض التى قصد إليها من إرسائها. و آية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة ( 40 ) من الدستور مالا تقل فى أهميتها- من ناحية محتواها وخطورة الآثار المترتبة عليها- عن تلك التى عينتها بصريح نصها؛ كالتمييز بين المواطنين- فى مجال الحقوق التى يتمتعون بها وفقًا لأحكام الدستور أو فى نطاق حرياتهم التى يمارسونها بمراعاة قواعدة- لإعتبار مرده إلى الملكية أو المولد أو الإنتماء إلى أقلية عرقية أو عصبية قبلية، أو مركز إجتماعى معين أو الإنحياز إلى آراء بذاتها، أو الإنضمام إلى جمعية، أو مساندة أهدافها، أو الإعراض عن تنظيم تدعمه الدولة، و غير ذلك من أشكال التمييز غير المبررة، مما يؤكد أن صوره المختلفة التى تناقض مبدأ المساواة و تفرغه من محتواه، يتعين إخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية .

– ( االدعوى رقم 6 لسنة 13 قضائية ” دستورية ” بجلسة 16/5/1992ج5/1 ” دستورية” ص344)

وفى حكم آخر أكدت على أن الأصل فى كل تنظيم تشريعى يكون منطويًا على تقسيم، أو تصنيف، أو تمييز من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض، أو عن طريق المزايا، أو الحقوق التى يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن إتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التى نظم بها المشرع موضوعًا محددًا، عن أهدافها، ليكون إتصال الأغراض التى توخاها، بالوسائل إليها منطقيًا، وليس واهيًا أو واهنًا، بما يخل بالأسس الموضوعية التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًا، ومرد ذلك، أن المشرع لاينظم موضوعًا معينًا تنظيمًا، مجردًا أو نظريًا، بل يتغيا بلوغ أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا لمصلحة عامة لها إعتبارها‘ يقوم عليها هذا التنظيم، متخذًا من القواعد القانونية التى أقرها، مدخلًا لها، فإذا إنقطع إتصال هذه القواعد بأهدافها، كان التمييز بين المواطنين فى مجال تطبيقها، تحكميًا، ومنهيًا عنه بنص المادة( 40 ) من الدستور .

– ( الدعوى رقم 5 لسنة 8 قضائية ” دستورية” بجلسة 6/1/1996ج7 ” دستورية ” ص347 )

– الحماية الدستورية لمبدأ تكافؤ الفرص فى قضاء المحكمة الدستورية العليا:

– من أوضح الأحكام التى تناولت تكافؤ ما أوردته المحكمة “إن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم، تفترض تكافؤها؛ وتدخل الدولة إيجابيًا لضمان عدالة توزيعها على من يتزاحمون عليها ويتسابقون للفوز بها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعني أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطه تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها فلا تنفصل عنها. ولا يجوز بالتالي حجبها عمن يستحقها، ولا إنكارها لاعتبار لا يتعلق بطبيعتها، ولا بمطالبتها. وحيث إن من المقرر أن عمل المرأة في مجتمعها – وأيًا كانت الصورة التي يتخذها- هو من الحقوق التي كفلها الدستور لها بمراعاة التوفيق بين هذا العمل وواجباتها قِبَل أسرتها. فإذا منعها المُشَّرِّع – بغير سند موضوعي مبرر- من الحصول على حصة كاملة من الأراضي الزراعية- شأنها شأن العاملين من الرجال- فإن القول بتكافئهما في الفرص التي أتاحتها هذه الجهة، لنيلها، أو بتساويهما في شروط النفاذ إليها، ينحل بهتانًا يؤيده القرار رقم 324 لسنة 1991 المشار إليه، ما كفل للعاملين ميزة الحصول على أراضٍ زراعيةٍ تملكها جهة عملهم، وتقوم بتوزيعها عليهم، بعيدًا عن الأغراض التي ربطها بها، وأخصها استثارة اهتمامهم بالتنمية الزراعية تطويرًا لها. ولا يلتئم وهذه الأغراض، إنكار حق المرأة كاملاً في تلك الميزة، ولو كانت مستوفيةً شرائطها، وإلا كان هذا الحرمان عدوانًا مبينًا.

وحيث إن ضمان الدستور للحق في الملكية الخاصة – على ما تقضي به المادتان 32 و34 من الدستور- لا يقتصر على صون ما يكون قائمًا فعلاً من مصادرها، وإنما تمتد الحماية التي كفلها لهذه الملكية إلى فرص كسبها – والأصل فيها هو الإطلاق- فلا يجوز تقييدها دونما ضرورة تقتضيها مصلحة مشروعة، ويندرج تحتها قيد الحد الأقصى المقرر في شأن الملكية الزراعية عملاً بنص المادة 37 من الدستور التي قصد بها أن يؤمن الفلاح والعامل الزراعي من صور الاستغلال على اختلافها. والعاملون بجهاتٍ التمليك من الكادحين غالبًا، وفرصهم التي أتاحها المشرع للحصول منهم على أراضٍ زراعية، هي الطريق لتملكها وتنميتها، فإذا أغلق اعتسافًا دون أحدهم، كان ذلك إخلالاً بفرص كسبها.

وحيث إن القول بأن الفرص التي أتاحها المشرع للحصول على أرضٍ زراعية محدودة بطبيعتها، فلا يكون مخالفًا للدستور تنظيم استحقاقها، مردود أولاً: بأن تأسيس المواطنين لمجتمعهم على قاعدة التضامن الاجتماعي وفقًا لنص المادة 7 من الدستور، مؤداه تداخل مصالحهم لا تصادمها، وأمكن التوفيق بينهما ومزاوجتها ببعض عن تعارضها بما يرعى القيم التي يؤمنون بها، فلا يتقدم على ضوئها فريق على غيره انتهازًا، ولا ينال قدرًا من الحقوق يكون بها-دون مقتضً- أكثر امتيازًا من سواه، بل يتمتعون جميعًا بالحقوق عينها- التي تتكافأ مراكزهم القانونية قبلها- وبالوسائل ذاتها التي تعينهم على ممارستها.

ومردود ثانيًا: بأن الفرص التي هيأها المشرع للعاملين في التنمية الزراعية – وأيًا كان عددها- ينبغي دومًا أن تتحد وفقًا لأسس موضوعية لا تتباين تطبيقاتها. وما جرى بها النص الطعين من ألا يخص العاملة من الأرض الزراعية سوى نصف الحصة المقررة من العاملين من الرجال، إذا كان زوجها ممن لا يعملون بجهات التمليك، مؤداه انتقاص حصتهم دون أن يكون ذلك راجعًا إلى ضوابط موضوعية، بل إقصائها تمامًا عن فرص الحصول على حصة كاملة، فلا يكون الحرمان منها متصلاً بقواعد منطقية تطبقها جهة العمل في شأن من يطلبونها، بل إهدار دائم للحق فيها.

وحيث إنه متى كان ذلك، فإن النص المطعون فيه- وفي حدود المصلحة في الدعوى الماثلة- يكون مخالفً لأحكام المواد 7و 8و 11و 33و 34 من الدستور.

فلهذه الأسباب : حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من البند (ب) من المادة الأولى من قرار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي رقم 324 لسنة 1991.

– حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 163 لسنة قضائية دستورية في جلسة 5/8/2000.

– النص على معاملة استثنائية فى القبول بالتعليم يخالف تكافؤ الفرص:

– أن الحق فى التعليم – الذى أرسى الدستور أصله – فحواه أن يكون لكل مواطن الحق فى أن يتلقى قدراً من التعليم يتناسب مع مواهبه وقدراته، وأن يختار نوع التعليم الذى يراه أكثر اتفاقاً وميوله وملكاته، وذلك كله وفق القواعد التى يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذا الحق بما لا يؤدى إلى مصادرته أو الانتقاص منه، وعلى ألا تخل القيود التى يفرضها المشرع فى مجال هذا التنظيم بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون الذى تضمنهما الدستور وعليه فإن المعاملة الاستثنائية فى القبول بالتعليم العالى التى تضمنتها نصوص التشريعية وأياً كان وجه الرأى فى الاعتبارات التى دعت إلى تقريرها تستتبع أن يحل أفراد الفئات المستثناه محل من يتقدمونهم فى درجات النجاح فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها فى الانتفاع بحق التعليم فى مرحلته العالية المحدودة فرصها، بعد أن كانت قد انتظمتهم جميعاً الأسس الموحدة التى تقررت لإجراء تلك المسابقة ، ورغم ما أسفرت عنه نتيجتها من أولويتهم دون المستثنين فى التمتع بذلك الحق، الأمر الذى يتعارض مع طبيعة التعليم العالى وأهدافه ومتطلبات الدراسة فيه على ما سلف بيانه، وينطوى على المساس بحق المتقدمين فى درجات النجاح فى هذا التعليم، والإخلال بمبدأى المساواة تكافؤ الفرص .

– حكم المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 106 لسنة 6 قضائية “دستورية” جلسة 29 يونية 1985 – الجريدة الرسمية العدد (28) فى 11/7/1985.

– حرمان طائفة من المواطنين من الحق فى الترشح إخلال بمبدأ تكافؤ الفرص:

أكدت المحكمة على أن “مؤدى المواد الخامسة مكرراً والسادسة “فقرة 1″ والسابعة عشر ” فقرة 1″ من القانون رقم 38 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 114 لسنة 1983 أن المشرع حين نص على أن يكون إنتخاب أعضاء مجلس الشعب عن طريق الإنتخاب بالقوائم الحزبية وما استتبع ذلك من النص على اعتبار صورة قائمة الحزب الذى ينتمى إليه المرشح المثبت بها إدراجه فيها شرطاً حتمياً لقبول طلب ترشحه يكون قد قصر حق الترشح لعضوية مجلس الشعب على المنتمين إلى الأحزاب السياسية المدرجة أسماؤهم بقوائم هذه الأحزاب وحرم بالتالى غير هؤلاء من ذلك الحق دون مقتضى من طبيعته ومتطلبات مباشرته. لما كان حق الترشح من الحقوق العامة التى كفلها الدستور للمواطنين فى المادة (62) منه وفقاً لما سبق بيانه، ومن ثم فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق على ما سلف ينطوى على إهدار لأصله وإخلال بمبدأى المساواة تكافؤ الفرص .

-حكم المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 131 لسنة 6 قضائية “دستورية” جلسة 16 مايو 1987- الجريدة الرسمية العدد (22) فى 31/5/1987 .

اترك تعليقاً