الطعن رقم ۷٤٦ لسنة ۲۹ ق
جلسة ۲ / ۱۱ / ۱۹٥۹ – دائرة الاثنين (ج)
برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل المستشار, وبحضور السادة: أحمد زكي كامل, والسيد أحمد عفيفي, ومحمد عطيه اسماعيل, وعادل يونس المستشارين.الطعن رقم 746 لسنة 29 القضائية
تزوير المحررات. المسئولية والعقاب. الإرادة الجانية. ما يعدم القصد الجنائي.
الجهل بالواقع المختلط بالجهل بقاعدة مقررة في غير قانون العقوبات. إعتبار الجهل في جملته جهلا بالواقع ينتفي به القصد الجنائي. مثال في الجهل بأحكام قانون الأحوال الشخصية في شأن موانع الزواج.
متى كانت الواقعة الثابتة بالحكم هى أن المتهمين حين مباشرة عقد النكاح – وهو عمل مشروع في ذاته – قررا بسلامة نية أمام المأذون – وهو يثبته لهما – عدم وجود مانع من موانعه كانا في الواقع يجهلان وجوده, وكانت المحكمة – بناء على وقائع الدعوى وأدلتها المعروضة عليها – قد اطمأنت إلى هذا الدفاع وعدّتهما معذورين يجهلان وجود ذلك المانع, وأن جهلهما في هذه الحالة لم يكن لعدم علمهما بحكم من أحكام قانون العقوبات, وإنما هو جهل بقاعدة مقررة في قانون آخر هو قانون الأحوال الشخصية, وهو جهل مركب من جهل بهذه القاعدة القانونية وبالواقع في وقت واحد مما يجب قانونا – في المسائل الجنائية – اعتباره في جملته جهلا بالواقع, وكان الحكم قد اعتبر الظروف والملابسات التي أحاطت بهذا العذر دليلا قاطعا على صحة ما اعتقده المتهمان من أنهما كان يباشران عملا مشروعا – للأسباب المعقولة التي تبرر لديهما هذا الاعتقاد – مما ينتفي معه القصد الجنائي الواجب توافره في جريمة التزوير, فإن الحكم إذ قضى ببراءة المتهمين يكون قد طبق القانون تطبيقا سليما.
الوقائع
إتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما. بأنهما: اشتركا بطريق المساعدة مع موظف عمومي حسن النية هو المأذون……… في ارتكاب تزوير محرر رسمي هو وثيقة الزواج رقم……… الموصوفة بالمحضر حال تحريرها المختص بوظيفته وذلك بجعلهما واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهما بتزويرها بأن أبدى له المتهمان الأول بصفته الزوج والثاني بصفته والد الزوجة ووكيلها على خلاف الحقيقة ما يفيد خلو الزوجين من الموانع الشرعية مع أن الزوجة……… من المحرمات شرعا على المتهم لجمعه في الزواج بينها وبين خالتها……… فضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال وتمت الجريمة بناء على تلك المساعدة – المتهم الثاني أيضا أبدى أمام السلطة المختصة بضبط عقد الزواج “المأذون سالف الذكر” أقوالا غير صحيحة مع علمه بذلك بقصد إثبات بلوغ ابنته……… السن المحددة قانونا لعقد الزواج وقد تم ضبط عقد الزواج على أساس تلك الأقوال, وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة جنايات بنها لمحاكمتهما بالمواد 40/ 3, 41, 42, 211, 313, 227/ 1 من قانون العقوبات. فقررت بذلك, ومحكمة جنايات بنها قضت حضوريا عملا بالمادتين 304/ 1, 381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية. ببراءة كل من المتهمين مما أسند إليه. فطعنت النيابة في هذا الحكم بطريق النقض… الخ.
المحكمة
… وحيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله ذلك أنه قضى ببراءة المتهمين المطعون ضدهما من جريمة الإشتراك مع المأذون الحسن النية في ارتكاب تزوير في وثيقة زواج إذ قررا على خلاف الحقيقة أمام الموظف المذكور الأول بوصفه الزوج والثاني بصفته وكيلا عن الزوجة “ابنته” خلو الزوجين من الموانع الشرعية – قولا من الحكم بأن جهل المتهمين تحريم الجمع بين الزوجة وابنة أختها لزوج واحد ليس جهلا بقاعدة من قواعد قانون العقوبات بل هل جهل بواقعة حال هى ركن من أركان جناية التزوير يرجع إلى عدم علمهما بحكم من أحكام قانون الأحوال الشخصية فهو خليط مركب من جهل بالواقع ومن عدم علم بحكم ليس من أحكام قانون العقوبات مما يتعين معه اعتباره في جملته جهلا بالواقع. وتقول الطاعنة أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه ينطوي على خطأ في تأويل القانون إذ أن حظر الجمع بين الزوجة وابنة أختها هو من القواعد الشرعية التي لا تخفي على مسلم ولا يقبل من المتهمين الاعتذار بجهل قاعدة من قواعد قانون الأحوال الشخصية ذلك لأن عدم قبول الاعتذار بجهل القانون قاعدة عامة مطلقة وما ذهب إليه الحكم من التفرقة بين القوانين الجنائية وغيرها لا أساس له, ولو صح ما قاله في هذا الصدد لما احتاج المشرع إلى النص في المادة 63 من قانون العقوبات على الحالة الاستثنائية التي يقبل فيها من الموظف العمومي الدفع بجهل القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله “إن المتهم الأول تزوج من زوجته……… ومضي على زواجهما حين من الدهر كان شيئا مذكورا رزق منها خلاله بأولاد ماتوا جميعا وكانت الزوجة قد بلغت سن اليأس وانقطع عنها الحيض بينما هفت نفس الزوج إلى ذرية وألح به الشوق إليها فتشاور مع زوجته في هذا الأمر مقترحا أن يتزوج زوجة أخرى تحقق له الأمل في الذرية وخشيت زوجته وقد بلغت من الكبر عتيا أن تشغله الزوجة الجديدة عنها وأن يتركها لوحدتها وشيخوختها فاقترحت عليه أن يتزوج ابنة أختها المدعوة……… ابنة المتهم الثاني وقبل المتهمان ذلك جهلا منهما بأن الشريعة الإسلامية تحرم الجمع بين الزوجة وخالتها في عصمة واحدة, فلما كان يوم 25 مارس سنة 1955 قصد المتهمان ومعهما اللأستاذ…… و…… إلى مأذون……… وطلب منه المتهمان توثيق زواج الأول من ابنة المتهم الثاني ووكيلها في عقد الزواج وبشهادة كل من……… و……… فأجرى المأذون توثيق هذا الزواج على هذا النحو بالوثيقة رقم……… المرفقة بأوراق الدعوى وقد وقعها المأذون والشاهدان كما وقعها المتهم الأول بإمضائه وبصمها المتهم الثاني ببصمة ختمه بوصفه وكيل الزوجة وأثبت المأذون فيها خلو الزوجين من الموانع الشرعية وذلك رغم أن……….. من المحرمات شرعا على المتهم الأول لجمعه في الزواج بينها وبين خالتها……… وتم دخول المتهم الأول بابنة المتهم الثاني على أساس هذا العقد وتنبه أحد أصدقائه إلى تحريمها عليه فأخبره بذلك وما كاد يعلم حتى سارع إلى طلاقها بتاريخ 29 مايو سنة 1955 دون أن تتحقق له الذرية التي استهدفها بالزواج منها وعلم المتهم الثاني أمر هذا الطلاق كما علم ما كان يجهله من تحريم ابنته على المتهم الأول فأسقط في يده وهالته الخسارة التي لحقت به من ذلك الزواج وحمل المأذون تبعة ضبطه كما حمل معه المتهم الأول تلك المسئولية وكذلك تقدم أخوه………… بتاريخ 16/ 6/ 1955 ببلاغ إلى وكيل النيابة يشكو فيه ذلك المأذون والمتهم الأول ويتهمهما بالخروج عن حدود القانون في إجراء عقد الزواج” – واعتمد الحكم في قضائه ببراءته المتهمين على قوله “إن تحريم الجمع بين الزوجة وخالتها أو عمتها مؤسس على حديث نبوي صحيح وهو بهذا واجب الاتباع لاستناده إلى أحد مصادر الشريعة الإسلامية وإن لم تنص عليه آية من آيات الذكر الحكيم غير أنه من القواعد الشرعية التي قد تغيب عن مثل المتهمين وهما قرويان جاهلان يقيم أحدهما في……………. والآخر في……… فإذا ما أجرى المأذون وهو جار أولهما المقيم معه بقرية……… ضبط ذلك الزواج وشهده وشهد على وثيقته محام لدى المحاكم وهو الأستاذ……… كان من حق المتهمين الاعتقاد لأسباب معقولة أنهما يباشران عملا مشروعا – وتطمئن المحكمة من ذلك إلى أن المتهمين كانا في الواقع يجهلان تحريم الجمع بين الزوجة وخالتها لزوج واحد.
وحيث إن جهل المتهمين ذلك التحريم ليس جهلا بقانون العقوبات بل هو جهل بواقعة حال هى ركن من أركان جناية التزوير المرفوعة بها الدعوى يرجع إلى عدم علمهم بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات وهو قانون الأحوال الشخصية, فهو خليط مركب من جهل بالواقع ومن عدم علم بحكم ليس من أحكام قانون العقوبات مما يجب قانونا في صدد المساءلة الجنائية اعتباره في جملته جهلا بالواقع ومعاملة المتهمين بمقتضاه على هذا الاعتبار…… والمحكمة ترى من ضبط المأذون ذلك الزواج دون سؤال المتهمين عن الموانع الشرعية وجودا وعدما ومن حضور محام بمجلسه وشهادته بوثيقته بالإضافة إلى جهل المتهمين وظروف المعيشة التي يعيشان فيها ما ينهض سببا معقولا يجيز لهما الاعتقاد بأنهما يباشران عملا مشروعا, ويؤكد حسن قصدهما مبادرة أولهما إلى إيقاع الطلاق بمجرد علمه بذلك التحريم وتقدم أخ المتهم الثاني بشكوى المأذون والمتهم الأول……” ثم انتهى الحكم إلى القول بأن التهمة المسندة للمتهمين يعوزها الركن المعنوي ومن ثم يتعين براءة المتهمين منها.
وحيث إنه متى كانت الواقعة الثابتة بالحكم المطعون فيه هى أن المتهمين حين مباشرة عقد النكاح – وهو عمل مشروع في ذاته – قررا بسلامة نية أمام المأذون وهو يثبته لهما عدم وجود مانع من موانعه كانا في الواقع يجهلان وجود هذا المانع, وكانت المحكمة بناء على وقائع الدعوى وأدلتها المعروضة عليها قد اطمأنت إلى هذا الدفاع وعدتهما معذورين يجهلان وجود ذلك المانع وأن جهلهما في هذه الحالة لم يكن لعدم علمهما بحكم من أحكام قانون العقوبات وإنما هو جهل بقاعدة مقررة في قانون آخر هو قانون الأحوال الشخصية وهو جهل مركب من جهل بهذه القاعدة القانونية وبالواقع في وقت واحد مما يجب قانونا في المسائل الجنائية اعتباره في جملته جهلا بالواقع – ولما كان الحكم قد اعتبر الظروف والملابسات التي أحاطت بهذا العذر دليلا قاطعا على صحة ما اعتقده المطعون ضدهما من أنهما كانا يباشران عملا مشروعا وذلك للأسباب المعقولة التي تبرر لديهما هذا الاعتقاد مما ينتفي معه القصد الجنائي الواجب توافره في جريمة التزوير, ومن ثم يكون الحكم إذ قضى ببراءة المتهمين قد طبق القانون تطبيقا سليما, ويكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه.