الطعن رقم ۱٥۸۲۸ لسنة ۹۲ ق
جلسة ۱٥ / ۱۰ / ۲۰۲۳ – دائرة الاثنين (ج)
باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية
دائرة الأحد ( ج )
المؤلفة برئاسة السيد المستشار / ضياء الدين جبريل زيادة نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين / محمد قطب وعبد القوي حفظي
وضياء شلبي ومحمود البمبي
” نواب رئيس المحكمة “
وحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد / حسام سمحي .
وأمين السر السيد / هشام موسى إبراهيم .
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بمدينة القاهرة .
في يوم الأحد 30 من ربيع الأول سنة 1445 ه الموافق 15 من أكتوبر سنة 2023 م .
أصدرت الحكم الآتي :
في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 15828 لسنة 92 القضائية.
محكمة النقض
الدائرة الجنائية
دائرة الأحد ( ج )
المؤلفة برئاسة السيد المستشار / ضياء الدين جبريل زيادة نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين / محمد قطب وعبد القوي حفظي
وضياء شلبي ومحمود البمبي
” نواب رئيس المحكمة “
وحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد / حسام سمحي .
وأمين السر السيد / هشام موسى إبراهيم .
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بمدينة القاهرة .
في يوم الأحد 30 من ربيع الأول سنة 1445 ه الموافق 15 من أكتوبر سنة 2023 م .
أصدرت الحكم الآتي :
في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 15828 لسنة 92 القضائية.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً .
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر قانوناً.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمتي التعامل في النقد الأجنبي على خلاف الشروط المقررة في القانون ومباشرة عمل من أعمال البنوك حال كونهم من غير المسجلين بمباشرة هذا العمل طبقاً للقانون قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون والبطلان، ذلك بأنه حُرر في عبارات غامضة مبهمة ومجملة خلت من بيان واقعة الدعوى والظروف التي وقعت فيها بياناً تتحقق به أركان الجريمتين اللتين دانهم بهما ومؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة، ولم يستظهر توافر القصد الجنائي في حق الثالث ملتفتاً عن دفعه في هذا الشأن، وعن طلبه رد المبلغ المضبوط لكونه خاصاً بنجله القادم من المملكة العربية السعودية، وعن دفاع الأول من أن حيازة العملة الأجنبية غير مؤثمة ولها ما يبررها، فضلاً عن تناقض الحكم في أسبابه لشواهد عددها الأول، وتمسك دفاع الطاعنين ببطلان القبض والتفتيش وما تلاهما من إجراءات لانتفاء حالة التلبس ولعدم استصدار إذن من النيابة العامة، وعدم قبول الدعوى الجنائية وبطلان تحقيقات النيابة العامة لخلوها من طلب من محافظ البنك المركزي بتحريك الدعوى الجنائية، وعدم انطباق مواد الاتهام الواردة بأمر الإحالة، وبطلان كلٍ من إقرار الثاني بمحضر الضبط لكونه وليد إكراه مادي ومعنوي، ومواجهة الأول بما أسفر عنه الضبط بمعرفة مأمور الضبط القضائي بالمخالفة لنص المادة ٢٩ من قانون الإجراءات الجنائية، وعدم معقولية تصوير الواقعة، كما صورها محرر محضر الضبط لانفراده بالشهادة وحجبه باقي القوة المرافقة له عنها، وتناقض أقوال شاهدي الإثبات لشواهد عددوها، وخلو الأوراق من دليل يقيني على إدانة الأول، وتلفيق الاتهام، وقصور تحقيقات النيابة العامة، بيد أن الحكم رد على بعض هذه الدفوع بما لا يسوغ، وأغفل الرد على البعض الآخر، ولم يعرض للمستندات المقدمة من الأول تدليلاً على صحة دفوعه مما ينبئ عن أنه قد تولدت في نفس المحكمة الرغبة المسبقة للإدانة، وأورد في مدوناته أن باقي المتهمين أقروا أنهم حضروا إلى حانوت المتهم الأول لاستبدال ما بحوزتهم من عملة أجنبية بما يقابلها من العملة الوطنية بسعر السوق الموازي للاستفادة بفرق قيمته عن السعر المتداول وهو ما لم يثبت بالأوراق لخلو محضر الضبط من تلك العبارة، وأضاف لنص المادة 233/1 التي دان الأول بها كلمة “أو به” رغم عدم شموله لها، وقضى بتغريم كلٍ من المتهمين بمبلغ مليون جنيه مع أن هذه الغرامة لا تتعدد بتعدد المتهمين باعتبارها من الغرامات النسبية المشار إليها في المادة 44 من قانون العقوبات، وأخيراً أن الحكم صدر من ثلاثة قضاة من أربعة هم الذين سمعوا المرافعة ودفاع المتهمين وحضروا إجراءات المحاكمة، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
حيث إن الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما، وأورد على ثبوتهما في حقهم أدلة سائغة -أورد مؤداها في بيان جلي ومفصل- من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة وظروفها حسبما استخلصها المحكمة- كما هو الحال في الحكم المطعون فيه – فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ويكون منعى الطاعنين على الحكم بالقصور ولا محل له. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة التعامل في النقد الأجنبي على خلاف أحكام القانون هو من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، وكان ما ساقه الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وأدلة ثبوتها في حق الطاعن الثالث يتوافر به القصد الجنائي في هذه الجريمة والتي دانه بها، ومن ثم فإن نعى الطاعن الثالث على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المادة ٣١٢ من القانون رقم 194 لسنة ٢٠٢٠ قد أباحت لكل شخص طبيعي أو اعتباري الاحتفاظ بكل ما يؤول إليه أو يملكه أو يحوزه من نقد أجنبي سواء داخل البلاد أو خارجها إلا أنه حظر القيام بأية عملية من عمليات النقد الأجنبي بما في ذلك التحويل للداخل أو الخارج أو التعامل داخلياً إلا عن طريق البنوك أو المصارف المعتمدة للتعامل في النقد الأجنبي والجهات الأخرى المرخص لها بالتعامل طبقاً لأحكام القانون، لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان الأول والثالث في أسباب طعنهما من تبريرهما لحيازتهما النقد الأجنبي المضبوط – بفرض صحته – لا يصلح سنداً لإباحة الفعل المنسوب إليهما، ومن ثم يضحى منعاهما في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يُعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لكيفية ارتكاب الجريمة وساق على ثبوتها في حق الطاعنين أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن ذلك ما يكفي لحمل قضائه بالإدانة على الوجه الذي انتهى إليه مما تنتفي معه قالة التناقض ويكون ما يثيره الطاعن الأول في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة، كما أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه – بمدوناته – تدليلاً على توافر حالة التلبس ورداً على ما دفع به الطاعنون من عدم توافر هذه الحالة ومن بطلان القبض والتفتيش كافياً وسائغاً في الرد على الدفع ويتفق وصحيح القانون، كما أنه لما كان الطاعنون قد أوجدوا أنفسهم طواعية في أظهر حال من حالات التلبس، فإن قيام الضابط بضبطهم وتفتيشهم يكون صحيحاً منتجاً لأثره ولا عليه إن هو لم يسع للحصول على إذن من النيابة العامة بذلك إذ لم يكن في حاجة إليه، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لعدم الحصول على طلب من محافظ البنك المركزي بتحريك الدعوى الجنائية واطرحه بردٍ سائغ، وكانت المادة 238 من القانون رقم ١٩٥ لسنة ٢٠٢٠ بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي قد نصت على أن ” في غير حالات التلبس لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذاً له وفى الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات في نطاق تطبيق أحكام هذا القانون إلا بناءً على طلب كتابي من المحافظ”، وكانت واقعة الدعوى تمت بتاريخ 30/3/2022 وفى ظل سريان القانون ١٩٥ لسنة ٢٠٢٠ والمعمول به بتاريخ 15/٩/2020 وخاضعة للتأثيم الوارد بنص المادة ٢٣٨ سالفة البيان، وكان المشرع وطبقاً لتلك المادة قد استن طريقين لمباشرة إجراءات الدعوى الجنائية استدلالاً وتحقيقاً وإحالة، إذ أورد طريقاً أول حالما تكون الواقعة قد ضُبطت في حالة من حالات التلبس، وقرر طريقاً ثانياً في حالة حدوث الواقعة في غير حالة من حالات التلبس، ورفع كل قيد عن مباشرة الدعوى الجنائية حتى إحالتها والقضاء فيها ما دامت الواقعة نتاج حالة من حالات التلبس، وقيدها بطلب من محافظ البنك المركزي في غيرها من حالات الضبط فلا تباشر الدعوى استدلالاً وتحقيقاً وإحالة وقضاءً إلا بالطلب سالف الذكر، وبإنزال ذلك على واقعات الدعوى وكانت حالة الضبط بها نتاج تلبس أساغته محكمة الموضوع وأقرته هذه المحكمة – محكمة النقض -، فإنه لا حاجة لطلب من محافظ البنك المركزي، وتكون النيابة العامة ومن بعدها محكمة الموضوع غير مقيدتين بقيد فيما يباشرانه من إجراءات وقضاء، وتكون إجراءات الدعوى كلها قد تمت وفقاً لصحيح القانون وسلمت من كل عوار أو بطلان ويكون ما أورده الحكم طرحاً لدفع الطاعن الأول سائغاً ويكون منعاه في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان البيِّن من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أن الحكم لم يستند في الإدانة إلى دليلٍ مستمد من الإقرار المدعى ببطلانه وإنما أقام قضاءه على الدليل المستمد من أقوال شاهدي الإثبات، فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الصدد يكون في غير محله، ولا يجوز التحدي في ذلك بما ورد بأقوال الضابط – حسبما حصّلها الحكم – من أن الطاعن الثاني أقر له أنه حضر إلى حانوت المتهم الأول لاستبدال ما بحوزته من عملة أجنبية بما يقابلها من العملة الوطنية بسعر السوق الموازي للاستفادة بفرق قيمته عن السعر المتداول، إذ هو لا يعدو إقراراً من الطاعن الثاني بما أسند إليه ومجرد قول للضابط يخضع لتقدير محكمة الموضوع التي أفصحت عن اطمئنانها إليه في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمأمور الضبط القضائي عملاً بالمادة ٢٩ من قانون الإجراءات الجنائية أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه، وكان الاستجواب المحظور هو الذي يواجه فيه المتهم بأدلة الاتهام التي تساق عليه دليلاً ليقول كلمته فيها تسليماً بها أو دحضاً لها، وكانت أقوال الضابط علاء الدين مصطفى كما أوردها الحكم تفيد أنه واجه الطاعنين بما أسفر عنه الضبط فأقر له الأول بصحة ما ورد من معلومات وما أسفرت عنه التحريات والضبط وأن المبالغ المالية المضبوطة طرفه حصيلة نشاطه الإجرامي، وأقر باقي المتهمين له حضروهم إلى حانوت المتهم الأول لاستبدال ما بحوزتهم من عملة أجنبية بما يقابلها من العملة الوطنية بسعر السوق الموازي للاستفادة بفرق قيمته عن السعر المتداول وهو ما لا يُعد استجواباً محظوراً عليه، ومتى كان لا بطلان فيما قام به الضابط فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عوَّلت على أقواله ضمن ما عوَّلت في إدانة الطاعنين، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد على غير أساس من القانون ولا تلتزم المحكمة بالرد عليه، لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بالرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها اصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان تناقص الشاهد – بفرض حصوله – لا يعيب الحكم ما دام استخلص الإدانة من أقواله بما لا تناقص فيه، وأن إمساك الضابط عن ذكر أسماء أفراد القوة المرافقة له عند الضبط لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهدي الإثبات- ضابطي الواقعة – وصحة تصويرهما للواقعة، فإن ما يثيره الطاعنون من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال شاهدي الإثبات أو محاولة تجريحها بمقولة عدم معقولية تصويرهما للواقعة ومن عدم انطباق مواد القيد عليها ينحل إلى جدلٍ موضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في استنباط معتقدها واستخلاص صورة الواقعة، كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل به بغير معقب ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر إن الدفع بتلفيق الاتهام وما يثيره الطاعن الأول في شأن خلو الأوراق من دليل على اقترافه الجريمة كل ذلك لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بمتابعته في مناحيها المختلفة، إذ الرد عليها يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، فإن ما يثيره الطاعن الأول في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان البيِّن من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه أن الطاعن الأول اقتصر على القول بقصور تحقيقات النيابة العامة في عبارة عامة مرسلة لا تشتمل على بيان مقصده منها ودون أن يطلب إلى المحكمة اتخاذ إجراء معين في هذا الشأن، فإن النعي على الحكم إغفال الرد على هذا الدفاع يكون غير قويم، هذا فضلاً عن أن قصور التحقيقات لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، إذ من المقرر أن تعييب التحقيق الذي تجريه النيابة لا تأثير له على سلامة الحكم، والأصل أن العبرة عند المحاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها، وما دام لم يطلب الدفاع إليها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب، فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لمنعاه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا ينال من سلامة الحكم اطراحه المستندات التي تساند إليها الطاعن الأول، ذلك إن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية، وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل والمنطق أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى كما هو الحال في الدعوى الماثلة، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليه من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره وترك أمر تقدير الأدلة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن الأول من خطأ الحكم فيما أثبته بمدوناته من أن باقي المتهمين أقروا بمحضر الضبط أنهم حضروا إلى حانوت المتهم الأول لاستبدال ما بحوزتهم من عملة أجنبية بما يقابلها من العملة الوطنية بسعر السوق الموازي للاستفادة بفرق قيمته عن السعر المتداول وهو ما لم يثبت بالأوراق لخلو محضر الضبط من تلك العبارة – فإنه بفرض صحة ذلك – فإن ما أورده الحكم لم يكن قوام جوهر الواقعة التي اعتنقها ولم يكن له أثرٌ في منطقة وسلامة استدلاله على ارتكاب الطاعن الأول للجريمة التي آخذه بها، ومن ثم فإن دعوى الخطأ في الإسناد لا تكون لها محل. لما كان ذلك، وكان البيِّن من الاطلاع على نص المادة 233/2 من القانون رقم ١٩٤ لسنه 2020 شموله كلمة “أو به” خلافاً لما يزعمه الطاعن الأول في أسباب طعنه، فإن منعاه في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان نص المادة ٤٤ من قانون العقوبات قد جرى على أنه ” إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يُحكم بها على كل منهم على انفراد خلافاً للغرامات النسبية فإنهم يكونون متضامنين في الإلزام بها ما لم ينص في الحكم على خلاف ذلك”، فالغرامات العادية هي عقوبة أصلية يحكم بها القاضي على كل مجرم فيلزم وحده بأدائها سواءً كان فاعلاً أو شريكاً في جريمة واحدة، وهذا هو معنى قول المشرع ” الغرامات يحكم بها على كل متهم على انفراد”، ذلك أن عقوبة الغرامة في هذه الحالة شخصية مرتبطة بمسئولية الجاني لا بحسب عدد المشتركين معه في الفعل أو حسب عمرهم، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الأول من أن الحكم لم يُلِزم المتهمين متضامنين بالغرامة المقضي بها يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان البيِّن من مطالعة محضر جلسة المرافعة والحكم المطعون فيه أن هيئة المحكمة التي سمعت المرافعة في الدعوى هي بذاتها التي أصدرت الحكم، وأن ورود اسم العضو الرابع تزيداً في محضر الجلسة لا يمكن عده وجهاً من أوجه البطلان ما دام الحكم في ذاته صحيحاً صدر من ثلاث قضاة سمعوا المرافعة وتداولوا فيه، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون قويماً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر قانوناً.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمتي التعامل في النقد الأجنبي على خلاف الشروط المقررة في القانون ومباشرة عمل من أعمال البنوك حال كونهم من غير المسجلين بمباشرة هذا العمل طبقاً للقانون قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون والبطلان، ذلك بأنه حُرر في عبارات غامضة مبهمة ومجملة خلت من بيان واقعة الدعوى والظروف التي وقعت فيها بياناً تتحقق به أركان الجريمتين اللتين دانهم بهما ومؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة، ولم يستظهر توافر القصد الجنائي في حق الثالث ملتفتاً عن دفعه في هذا الشأن، وعن طلبه رد المبلغ المضبوط لكونه خاصاً بنجله القادم من المملكة العربية السعودية، وعن دفاع الأول من أن حيازة العملة الأجنبية غير مؤثمة ولها ما يبررها، فضلاً عن تناقض الحكم في أسبابه لشواهد عددها الأول، وتمسك دفاع الطاعنين ببطلان القبض والتفتيش وما تلاهما من إجراءات لانتفاء حالة التلبس ولعدم استصدار إذن من النيابة العامة، وعدم قبول الدعوى الجنائية وبطلان تحقيقات النيابة العامة لخلوها من طلب من محافظ البنك المركزي بتحريك الدعوى الجنائية، وعدم انطباق مواد الاتهام الواردة بأمر الإحالة، وبطلان كلٍ من إقرار الثاني بمحضر الضبط لكونه وليد إكراه مادي ومعنوي، ومواجهة الأول بما أسفر عنه الضبط بمعرفة مأمور الضبط القضائي بالمخالفة لنص المادة ٢٩ من قانون الإجراءات الجنائية، وعدم معقولية تصوير الواقعة، كما صورها محرر محضر الضبط لانفراده بالشهادة وحجبه باقي القوة المرافقة له عنها، وتناقض أقوال شاهدي الإثبات لشواهد عددوها، وخلو الأوراق من دليل يقيني على إدانة الأول، وتلفيق الاتهام، وقصور تحقيقات النيابة العامة، بيد أن الحكم رد على بعض هذه الدفوع بما لا يسوغ، وأغفل الرد على البعض الآخر، ولم يعرض للمستندات المقدمة من الأول تدليلاً على صحة دفوعه مما ينبئ عن أنه قد تولدت في نفس المحكمة الرغبة المسبقة للإدانة، وأورد في مدوناته أن باقي المتهمين أقروا أنهم حضروا إلى حانوت المتهم الأول لاستبدال ما بحوزتهم من عملة أجنبية بما يقابلها من العملة الوطنية بسعر السوق الموازي للاستفادة بفرق قيمته عن السعر المتداول وهو ما لم يثبت بالأوراق لخلو محضر الضبط من تلك العبارة، وأضاف لنص المادة 233/1 التي دان الأول بها كلمة “أو به” رغم عدم شموله لها، وقضى بتغريم كلٍ من المتهمين بمبلغ مليون جنيه مع أن هذه الغرامة لا تتعدد بتعدد المتهمين باعتبارها من الغرامات النسبية المشار إليها في المادة 44 من قانون العقوبات، وأخيراً أن الحكم صدر من ثلاثة قضاة من أربعة هم الذين سمعوا المرافعة ودفاع المتهمين وحضروا إجراءات المحاكمة، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
حيث إن الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما، وأورد على ثبوتهما في حقهم أدلة سائغة -أورد مؤداها في بيان جلي ومفصل- من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة وظروفها حسبما استخلصها المحكمة- كما هو الحال في الحكم المطعون فيه – فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ويكون منعى الطاعنين على الحكم بالقصور ولا محل له. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة التعامل في النقد الأجنبي على خلاف أحكام القانون هو من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، وكان ما ساقه الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وأدلة ثبوتها في حق الطاعن الثالث يتوافر به القصد الجنائي في هذه الجريمة والتي دانه بها، ومن ثم فإن نعى الطاعن الثالث على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المادة ٣١٢ من القانون رقم 194 لسنة ٢٠٢٠ قد أباحت لكل شخص طبيعي أو اعتباري الاحتفاظ بكل ما يؤول إليه أو يملكه أو يحوزه من نقد أجنبي سواء داخل البلاد أو خارجها إلا أنه حظر القيام بأية عملية من عمليات النقد الأجنبي بما في ذلك التحويل للداخل أو الخارج أو التعامل داخلياً إلا عن طريق البنوك أو المصارف المعتمدة للتعامل في النقد الأجنبي والجهات الأخرى المرخص لها بالتعامل طبقاً لأحكام القانون، لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان الأول والثالث في أسباب طعنهما من تبريرهما لحيازتهما النقد الأجنبي المضبوط – بفرض صحته – لا يصلح سنداً لإباحة الفعل المنسوب إليهما، ومن ثم يضحى منعاهما في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يُعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لكيفية ارتكاب الجريمة وساق على ثبوتها في حق الطاعنين أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن ذلك ما يكفي لحمل قضائه بالإدانة على الوجه الذي انتهى إليه مما تنتفي معه قالة التناقض ويكون ما يثيره الطاعن الأول في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة، كما أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه – بمدوناته – تدليلاً على توافر حالة التلبس ورداً على ما دفع به الطاعنون من عدم توافر هذه الحالة ومن بطلان القبض والتفتيش كافياً وسائغاً في الرد على الدفع ويتفق وصحيح القانون، كما أنه لما كان الطاعنون قد أوجدوا أنفسهم طواعية في أظهر حال من حالات التلبس، فإن قيام الضابط بضبطهم وتفتيشهم يكون صحيحاً منتجاً لأثره ولا عليه إن هو لم يسع للحصول على إذن من النيابة العامة بذلك إذ لم يكن في حاجة إليه، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لعدم الحصول على طلب من محافظ البنك المركزي بتحريك الدعوى الجنائية واطرحه بردٍ سائغ، وكانت المادة 238 من القانون رقم ١٩٥ لسنة ٢٠٢٠ بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي قد نصت على أن ” في غير حالات التلبس لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذاً له وفى الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات في نطاق تطبيق أحكام هذا القانون إلا بناءً على طلب كتابي من المحافظ”، وكانت واقعة الدعوى تمت بتاريخ 30/3/2022 وفى ظل سريان القانون ١٩٥ لسنة ٢٠٢٠ والمعمول به بتاريخ 15/٩/2020 وخاضعة للتأثيم الوارد بنص المادة ٢٣٨ سالفة البيان، وكان المشرع وطبقاً لتلك المادة قد استن طريقين لمباشرة إجراءات الدعوى الجنائية استدلالاً وتحقيقاً وإحالة، إذ أورد طريقاً أول حالما تكون الواقعة قد ضُبطت في حالة من حالات التلبس، وقرر طريقاً ثانياً في حالة حدوث الواقعة في غير حالة من حالات التلبس، ورفع كل قيد عن مباشرة الدعوى الجنائية حتى إحالتها والقضاء فيها ما دامت الواقعة نتاج حالة من حالات التلبس، وقيدها بطلب من محافظ البنك المركزي في غيرها من حالات الضبط فلا تباشر الدعوى استدلالاً وتحقيقاً وإحالة وقضاءً إلا بالطلب سالف الذكر، وبإنزال ذلك على واقعات الدعوى وكانت حالة الضبط بها نتاج تلبس أساغته محكمة الموضوع وأقرته هذه المحكمة – محكمة النقض -، فإنه لا حاجة لطلب من محافظ البنك المركزي، وتكون النيابة العامة ومن بعدها محكمة الموضوع غير مقيدتين بقيد فيما يباشرانه من إجراءات وقضاء، وتكون إجراءات الدعوى كلها قد تمت وفقاً لصحيح القانون وسلمت من كل عوار أو بطلان ويكون ما أورده الحكم طرحاً لدفع الطاعن الأول سائغاً ويكون منعاه في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان البيِّن من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أن الحكم لم يستند في الإدانة إلى دليلٍ مستمد من الإقرار المدعى ببطلانه وإنما أقام قضاءه على الدليل المستمد من أقوال شاهدي الإثبات، فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الصدد يكون في غير محله، ولا يجوز التحدي في ذلك بما ورد بأقوال الضابط – حسبما حصّلها الحكم – من أن الطاعن الثاني أقر له أنه حضر إلى حانوت المتهم الأول لاستبدال ما بحوزته من عملة أجنبية بما يقابلها من العملة الوطنية بسعر السوق الموازي للاستفادة بفرق قيمته عن السعر المتداول، إذ هو لا يعدو إقراراً من الطاعن الثاني بما أسند إليه ومجرد قول للضابط يخضع لتقدير محكمة الموضوع التي أفصحت عن اطمئنانها إليه في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمأمور الضبط القضائي عملاً بالمادة ٢٩ من قانون الإجراءات الجنائية أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه، وكان الاستجواب المحظور هو الذي يواجه فيه المتهم بأدلة الاتهام التي تساق عليه دليلاً ليقول كلمته فيها تسليماً بها أو دحضاً لها، وكانت أقوال الضابط علاء الدين مصطفى كما أوردها الحكم تفيد أنه واجه الطاعنين بما أسفر عنه الضبط فأقر له الأول بصحة ما ورد من معلومات وما أسفرت عنه التحريات والضبط وأن المبالغ المالية المضبوطة طرفه حصيلة نشاطه الإجرامي، وأقر باقي المتهمين له حضروهم إلى حانوت المتهم الأول لاستبدال ما بحوزتهم من عملة أجنبية بما يقابلها من العملة الوطنية بسعر السوق الموازي للاستفادة بفرق قيمته عن السعر المتداول وهو ما لا يُعد استجواباً محظوراً عليه، ومتى كان لا بطلان فيما قام به الضابط فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عوَّلت على أقواله ضمن ما عوَّلت في إدانة الطاعنين، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد على غير أساس من القانون ولا تلتزم المحكمة بالرد عليه، لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بالرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها اصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان تناقص الشاهد – بفرض حصوله – لا يعيب الحكم ما دام استخلص الإدانة من أقواله بما لا تناقص فيه، وأن إمساك الضابط عن ذكر أسماء أفراد القوة المرافقة له عند الضبط لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهدي الإثبات- ضابطي الواقعة – وصحة تصويرهما للواقعة، فإن ما يثيره الطاعنون من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال شاهدي الإثبات أو محاولة تجريحها بمقولة عدم معقولية تصويرهما للواقعة ومن عدم انطباق مواد القيد عليها ينحل إلى جدلٍ موضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في استنباط معتقدها واستخلاص صورة الواقعة، كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل به بغير معقب ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر إن الدفع بتلفيق الاتهام وما يثيره الطاعن الأول في شأن خلو الأوراق من دليل على اقترافه الجريمة كل ذلك لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بمتابعته في مناحيها المختلفة، إذ الرد عليها يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، فإن ما يثيره الطاعن الأول في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان البيِّن من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه أن الطاعن الأول اقتصر على القول بقصور تحقيقات النيابة العامة في عبارة عامة مرسلة لا تشتمل على بيان مقصده منها ودون أن يطلب إلى المحكمة اتخاذ إجراء معين في هذا الشأن، فإن النعي على الحكم إغفال الرد على هذا الدفاع يكون غير قويم، هذا فضلاً عن أن قصور التحقيقات لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، إذ من المقرر أن تعييب التحقيق الذي تجريه النيابة لا تأثير له على سلامة الحكم، والأصل أن العبرة عند المحاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها، وما دام لم يطلب الدفاع إليها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب، فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لمنعاه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا ينال من سلامة الحكم اطراحه المستندات التي تساند إليها الطاعن الأول، ذلك إن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية، وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل والمنطق أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى كما هو الحال في الدعوى الماثلة، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليه من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره وترك أمر تقدير الأدلة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن الأول من خطأ الحكم فيما أثبته بمدوناته من أن باقي المتهمين أقروا بمحضر الضبط أنهم حضروا إلى حانوت المتهم الأول لاستبدال ما بحوزتهم من عملة أجنبية بما يقابلها من العملة الوطنية بسعر السوق الموازي للاستفادة بفرق قيمته عن السعر المتداول وهو ما لم يثبت بالأوراق لخلو محضر الضبط من تلك العبارة – فإنه بفرض صحة ذلك – فإن ما أورده الحكم لم يكن قوام جوهر الواقعة التي اعتنقها ولم يكن له أثرٌ في منطقة وسلامة استدلاله على ارتكاب الطاعن الأول للجريمة التي آخذه بها، ومن ثم فإن دعوى الخطأ في الإسناد لا تكون لها محل. لما كان ذلك، وكان البيِّن من الاطلاع على نص المادة 233/2 من القانون رقم ١٩٤ لسنه 2020 شموله كلمة “أو به” خلافاً لما يزعمه الطاعن الأول في أسباب طعنه، فإن منعاه في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان نص المادة ٤٤ من قانون العقوبات قد جرى على أنه ” إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يُحكم بها على كل منهم على انفراد خلافاً للغرامات النسبية فإنهم يكونون متضامنين في الإلزام بها ما لم ينص في الحكم على خلاف ذلك”، فالغرامات العادية هي عقوبة أصلية يحكم بها القاضي على كل مجرم فيلزم وحده بأدائها سواءً كان فاعلاً أو شريكاً في جريمة واحدة، وهذا هو معنى قول المشرع ” الغرامات يحكم بها على كل متهم على انفراد”، ذلك أن عقوبة الغرامة في هذه الحالة شخصية مرتبطة بمسئولية الجاني لا بحسب عدد المشتركين معه في الفعل أو حسب عمرهم، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الأول من أن الحكم لم يُلِزم المتهمين متضامنين بالغرامة المقضي بها يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان البيِّن من مطالعة محضر جلسة المرافعة والحكم المطعون فيه أن هيئة المحكمة التي سمعت المرافعة في الدعوى هي بذاتها التي أصدرت الحكم، وأن ورود اسم العضو الرابع تزيداً في محضر الجلسة لا يمكن عده وجهاً من أوجه البطلان ما دام الحكم في ذاته صحيحاً صدر من ثلاث قضاة سمعوا المرافعة وتداولوا فيه، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون قويماً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.