دائرة توحيد المبادىء :ترجيح الاتجاه الذي من مقتضاه إعمال أحكام وقواعد التقادم الخمسى عند صرف مستحقات مالية من مرتبات وبدلات ومكافآت وغيرها من الحقوق الدورية المتجددة والصادر بها أحكام قضائية على الرغم من عدم الإشارة الى مراعاة أحكام التقادم الخمسى صراحة أو ضمنا سواء في المنطوق أو الأسباب المرتبطة به

الطعن رقم 50498 لسنة 66 بتاريخ :2023/11/27
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
دائرة توحيد المبادئ
بالجلسة المنعقدة علنًا برئاسة السيد الأستاذ المستشار / عادل فهيم محمد عزب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ إبراهيم محمد إسماعيل عبد الله نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / منير محمد عبد الفتاح غطاس نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / فوزي عبد الراضي سليمان نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / أسامة يوسف شلبي يوسف نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / محمد صبحي عطية علي نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / مختار علي جبر حسن نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / عمر ضاحي عمر ضاحي نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / هشام محمود طلعت الغزالي نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / عبد السلام عبد المجيد عبد السلام النجار نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / محمد أحمد أحمد ضيف نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / محمد عبد المحسن إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد / أسعد سيد عمر سكرتير المحكمة
أصدرت الحكم الآتي
في الطعن رقم 50498 لسنة 66 قضائية. عليا
المقام من
….
ضد
1- شيخ الأزهر بصفته
2- وكيل الأزهر بصفته
3- أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بصفته
في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة (الدائرة الرابعة عشر)
في الدعوى رقم 56697 لسنة 73 ق. بجلسة 23/2/2020
الإجراءات
بتاريخ 22/4/2020 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن الماثل، قيد بجدولها العام بالرقم المسطر عاليه ، وذلك طعناً فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة (الدائرة الرابعة عشر) في الدعوى رقم 56697 لسنة 73 ق. بجلسة 23/2/2020، والقاضى منطوقه بقبول الدعوى شكلاً ، ورفضها موضوعاً ، وألزمت المدعى المصروفات.
وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن – وللأسباب الواردة به – الحكم بقبول الطعن شكلاً ، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه ، والقضاء مجدداً بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر في الطعن 38037 لسنة 56 ق. عليا تنفيذاً كاملاً غير منقوص مع ما يترتب على ذلك من آثار ، أخصها أحقية الطاعن في صرف الفروق المالية المترتبة على الحكم المشار إليه من مرتب وبدلات وغيرها أولاً: من تاريخ سفره للخارج وحتى انتهاء مدة ابتعاثه (عن كامل مدة ابتعاثه بالخارج) . ثانياً: التي تصرف لنظرائه من رجال السلك الدبلوماسي والقنصلى أو الملحقين الفنيين ، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وقد جرى إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق .
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فى ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً ، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ، والقضاء مجدداً بقبول الدعوى شكلاً ، وفي الموضوع بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لصالح الطاعن من المحكمة الإدارية العليا – الدائرة السابعة – في الطعن رقم 38037 لسنة 56 ق. عليا بجلسة 12/7/2014 تنفيذاً كاملاً وفقاً لما جاء بمنطوقه وأسبابه وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية أخصها أحقيته فى صرف مستحقاته المالية عن كامل مدة بعثته بالخارج ، وذلك على النحو المبين بالأسباب، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ونظر الطعن امام الدائرة السابعة عليا (فحص) بالمحكمة الإدارية العليا ، وبجلسة 29/8/2021 قررت إحالته الى الدائرة الثانية عليا (فحص) للاختصاص ، وبجلسة 28/3/2022 قررت إحالته إلى الدائرة الثانية (موضوع) لنظره بجلسة 3/7/2022 ، فنظرته بهذه الجلسة والجلسات التالية لها وفقا للثابت بمحاضر الجلسات ، وبجلسة 25/3/2023 قررت وقف الطعن تعليقًا وإحالته إلى الدائرة المشكلة طبقًا لنص المادة (54 ) مكررا من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 ، والمضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 ، و ذلك لترجيح أحد اتجاهي المحكمة الإدارية العليا التاليين:
الأول : يتمثل فيما إذا كان الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بأحقية الطاعن في معاملته مالياً طيلة مدة ابتعاثه بالخارج طبقاً لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 579 لسنة 1992 دون الإشارة سواء في حيثيات الحكم أو منطوقه إلى مراعاة أحكام التقادم الخمسى عند صرف مستحقاته المالية عن كامل مدة ابتعاثه للخارج، ففي هذه الحالة يتعين على جهة الإدارة المبادرة إلى تنفيذ ذلك الحكم طبقاً لما ورد بمنطوقه والأسباب المرتبطة بهذا المنطوق، دون أن يحتج في مواجهتها بأى دفع يكون من شأنه التأثير على هذا التنفيذ، ولا يجوز الاحتجاج بأن هذا الحكم لم يطبق أحكام التقادم الخمسى المنصوص عليها في القانون المدنى، أو المادة (29) من القانون رقم 127 لسنة 1981 بشأن المحاسبة الحكومية ، إذ أن قوة الأمر المقضى التي اكتسبها الحكم تعلو على اعتبارات النظام العام، مما يمتنع معه على الخصوم العودة إلى مناقشة المسألة التى فصل فيها الحكم سواء أكان ذلك بأدلة قانونية، أو واقعية لم يسبق إثارتها ولم يبحثها الحكم الصادر في هذا الشأن.
الثاني: والذي سايرته العديد من أحكام المحكمة الإدارية العليا ، فيتمثل فى أن إعمال قواعد التقادم الخمسي على الحقوق الدورية المتجددة من النظام العام وتقضى به المحكمة من تلقاء نفسها دون حاجة لدفع من أحد من الخصوم – وذلك على خلاف ما جرى عليه قضاء محكمة النقض من استلزام الدفع بالتقادم للقضاء به – ويتعين على القضاء الادارى أن يطبق قواعد القانون المدنى بما يتلاءم مع روابط القانون العام، نظراً لأن فكرة التقادم المسقط لا تتعارض في طبيعتها ومفهومها مع روابط القانون العام. وإذا كان للتقادم المسقط للمطالبة بالحقوق في نطاق روابط القانون الخاص حكمته التشريعية المتعلقة باستقرار الحقوق، فإن حكمته في مجال روابط القانون العام تجد تبريرها في استقرار الأوضاع الإدارية والمراكز القانونية لعمال المرافق العامة استقراراً تمليه المصلحة العامة وحسن سير المرفق، فضلاً عن أن جهة الإدارة تلتزم قانوناً بإعمال أحكام التقادم الخمسي على الحقوق الدورية المتجددة مثل المرتبات والعلاوات والمكافآت والبدلات أياً كان نوعها طبقاً لحكم المادة (29) من القانون رقم 127 لسنة 1981 بشأن المحاسبة الحكومية، وأن عدم المطالبة بهذه الحقوق لمدة خمس سنوات يسقط الحق في المطالبة بها، وأن عدم إيراد الحكم لعبارة مع مراعاة أحكام التقادم الخمسى أو عدم تطبيق أحكامه سواء في أسباب الحكم أو منطوقه لا يحول بين الجهة الإدارية وتطبيق قواعد التقادم الخمسي عند تنفيذ ذلك الحكم حرصاً على المال العام الملتزمة بالحفاظ عليه تطبيقاً لصحيح حكم القانون، ولا يعد ذلك من قبيل المساس بقوة الأمر المقضي التي تدثر بها الحكم.
ونفاذاً لذلك، ورد الطعن الماثل إلى دائرة توحيد المبادئ وتحدد لنظره أمامها جلسة 17/6/2023 ، حيث أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً ارتأت فيه عدم العدول عن الاتجاه المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا وحاصله أن الأحكام النهائية الحائزة قوة الأمر المقضى به تعلو على النظام العام في حالة السكوت عن تطبيق أحكام التقادم الخمسى ، وتنفيذ الحكم وفقاً لما ورد بمنطوقه والأسباب المرتبطة به وإن خالف قاعدة قانونية آمرة متعلقة بالنظام العام ، وذلك على النحو المبين تفصيلاً بالأسباب ، مع إعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فى موضوعه فى ضوء ما انتهينا إليه في المسألة المعروضة.
وبجلسة 9/10/2023 قدم الحاضر عن الأزهر الشريف مذكرة بدفاعه ، وبذات الجلسة قررت الدائرة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 13/11/2023 ، وتم تأجيل جلسة النطق بالحكم إدارياً لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع الإيضاحات ، وبعد المداولة قانوناً.
حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – فى أن الطاعن سبق أن أقام دعواه بصحيفة أودعت ابتداءً قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 17/10/2018 وقيدت بجدولها برقم 2173 لسنة 65 ق . عليا ، وطلب فى ختامها الحكم بالاستمرار فى تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 38037 لسنة 56 ق . عليا تنفيذاً كاملاً غير منقوص طبقاً لما ورد بمنطوقه والأسباب المرتبطة به مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام الجهة الإدارية بالاستمرار فى صرف الفروق المالية المترتبة على الحكم المشار إليه من مرتب ورواتب إضافية وبدلات التى تصرف لنظرائه من رجال السلك الدبلوماسي وليس
الإداريين إعتباراً من تاريخ سفره للخارج حتى تاريخ انتهاء مدة بعثته ، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وذكر شرحاً لدعواه ، أنه بجلسة 12/7/2014 صدر حكم لصالحه من الدائرة السابعة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 38037 لسنة 56 ق . عليا بأحقيته فى معاملته مالياً طبقاً لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 579 لسنة 1992 وذلك طيلة مدة ابتعاثه للخارج مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. وأضاف أنه عند تقديم هذا الحكم إلى الجهة الإدارية لتنفيذه فوجىء بقيامها بتنفيذه تنفيذاً منقوصاً ، وذلك بأن قامت بتطبيق قواعد التقادم الخمسى على مستحقاته المالية، ولم تقم بصرف هذه المستحقات من تاريخ سفره للخارج وحتى تاريخ عودته بالمخالفة لمنطوق الحكم والأسباب المرتبطة به ، الأمر الذي حدا به إلى إقامة
دعواه بغية الحكم له بالطلبات سالفة الذكر.
وبجلسة 24/2/2019 قضت المحكمة الإدارية العليا بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى ، وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى للاختصاص.
ونفاذاً لهذا الحكم فقد أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء (الإدارى الدائرة الرابعة عشر) وقيدت بجدولها برقم 56697 لسنة 73 ق ، وبجلسة 23/2/2020 قضت بقبول الدعوى شكلاً ، ورفضها موضوعاً، وألزمت المدعى المصروفات.
وشيدت المحكمة قضائها – بعد استعراضها نص المادة (29) من قانون المحاسبة الحكومية الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1981 – تأسيساً على أن المحكمة الإدارية العليا قضت بجلسة 12/7/2014 في الطعن رقم 38037 لسنة 56 ق . عليا بأحقية المدعى فى معاملته مالياً طبقاً لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 579 لسنة 1992 وذلك طيلة مدة ابتعاثه للخارج بدولة أندونيسيا مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية . وإذ قامت الجهة الإدارية بتنفيذ ذلك الحكم وصرف المستحقات المالية للمدعى المترتبة على الحكم مع مراعاة التقادم الخمسي، وكانت هذه المستحقات من الحقوق الدورية التى تتقادم بمرور خمس سنوات ، فمن ثم فإن ما قامت به جهة الإدارة من تنفيذ للحكم بمراعاة أحكام التقادم الخمسى يكون متفقاً وأحكام القانون ، الأمر الذي تضحى معه الدعوى غير قائمة على سند من القانون خليقة بالرفض.
وإذ لم يرتض الطاعن هذا القضاء فقد أقام طعنه ناعياً على الحكم المطعون عليه صدوره مشوباً بعيب مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ، تأسيساً على أن قوة الأمر المقضى التي اكتسبها الحكم تعلو على اعتبارات النظام العام وتمنع الخصوم من العودة إلى المناقشة في المسألة التي فصل فيها بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى، أو لم يبحثها الحكم الصادر فيها ، أو أن يكون الحكم قد حسمها بصورة صريحة أو ضمنية . ولما كان الحكم الصادر في الطعن رقم 38037 لسنة 56 ق . عليا لم يشر إلى تطبيق أحكام التقادم الخمسى على مستحقاته المالية ، ومن ثم كان يتعين على جهة الإدارة المبادرة إلى تنفيذه وفقاً لما ورد بمنطوقه والأسباب المرتبطة به دون إعمال تلك الأحكام.
وحيث إن جوهر الاحالة إلى هذه الدائرة ينحصر في الترجيح بين اتجاهين بالمحكمة الإدارية العليا فيما صدر عنها من أحكام بشأن مدى إعمال أحكام وقواعد التقادم الخمسى عند صرف المستحقات المالية المقررة للمبتعثين طيلة مدة ابتعاثهم للخارج والصادر بها أحكام قضائية على الرغم من عدم الإشارة الى مراعاة أحكام التقادم الخمسى صراحة أو ضمنا سواء في الحيثيات أو المنطوق.
ومن حيث أن المادة (29) من القانون رقم 127 لسنة 1981 بشأن المحاسبة الحكومية – قبل إلغائه بالقانون رقم 6 لسنة 2022 بإصدار قانون المالية العامة الموحد -كانت تنص على أن تؤول الى الخزانة العامة مرتبات ومكافآت وبدلات العاملين بالدولة التى لم يطالب بها خلال خمس سنوات من تاريخ استحقاقها.
وتنص المادة (46) من قانون المالية العامة الموحد الصادر بالقانون رقم 6 لسنة 2022 على أن يندرج ضمن إيرادات الجهة أجور ومكافآت وبدلات العاملين بها التى لم يطالب بها خلال خمس سنوات من تاريخ استحقاقها .
ومن حيث أن القاعدة العامة أن الالتزام يتقادم بانقضاء خمس عشرة سنة طبقًا لنص المادة (374) من القانون المدني، وقد قرر المشرع استثناءات محددة لأنواع مختلفة لحقوق تتقادم بمدد أخرى أقصر من المدة المشار إليها، ومن هذه الاستثناءات الحقوق الدورية المتجددة المنصوص عليها في المادة (375) من هذا القانون، وتشمل أجرة المباني والأراضي الزراعية ومقابل الحكر والفوائد والإيرادات المرتبة والمهايا والأجور والمعاشات، ويُشترط لإعمال هذه الاستثناءات أن يكون الحق دورياً متجدداً ، ويُقصد بالدورية أن يكون الحق مستحقاً في مواعيد دورية كل شهر أو سنة أو أقل أو أكثر ، ويُقصد بالتجدد أن يكون الحق بطبيعته مستمرًا لا ينقطع.
وحيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن المرتبات وما في حكمها من المبالغ التي تكون مستحقة قبل الحكومة، تصبح حقا مكتسبا إذا لم تتم المطالبة بها قضائيا أو إداريا خلال خمس سنوات من تاريخ نشوء الحق في اقتضائها، ومناط تطبيق هذا الحكم رهين بأمرين: (الأول) نشوء حق مالي في ذمة الدولة نتيجة قرار تنظيمي عام أو قرار إداري فردي، (والثاني) تخلف المطالبة بهذا الحق قضائيا أو إداريا مدة خمس سنوات من نشوء الحق رغم علم صاحب الشأن بقيامه علما حقيقيا لا افتراضيا، إلا إذا قام مانع قانوني يستحيل مع وجوده المطالبة قانونا بهذا الحق، ففي هذه الحالة لا يبدأ ميعاد التقادم إلا من التاريخ الذي يزول فيه هذا المانع .كما أن مقتضى ذلك أنه بمضي المدة دون مطالبة، تصبح المستحقات المذكورة من أموال الدولة، ولهذا لا يجوز لجهة الإدارة التنازل عنها أو الإقرار بها، إلا طبقا لأحكام التنازل عن أموال الدولة أو التصرف فيها، وهذا يختلف عن أحكام التقادم في القانون المدني التي تسري على الحقوق الخاصة التي يجوز لصاحبها التنازل عنها أو التصرف فيها، فيجوز له عدم التمسك بالتقادم وسداد الدين طواعية، أما جهة الإدارة فإنها لا تملك قانونا الإقرار بالحقوق الدورية أو صرفها بعد مضي خمس سنوات من تاريخ استحقاقها، بل تؤول هذه الحقوق إلى الخزانة العامة بقوة القانون وإلا كان تصرفا في مال من أموال الدولة في غير الأحوال وبغير القواعد التي نص عليها القانون.
وحيث إنه من المسلم به أنه إذا كانت عبارة النص واضحة الدلالة فلا يجوز الأخذ بما يخالفها أو تقييدها، لما في ذلك من استحداث لحكم مغاير لمراد الشارع عن طريق التأويل، كما أنه متى كان النص العام مطلقا فلا محل لتخصيصه أو تقييده، إذ في ذلك استحداث لحكم مغاير لم يأت به الشارع عن طريق التأويل. ولما كانت عبارة كل من نص المادة رقم (29) من القانون رقم 127 لسنة 1981 بشأن المحاسبة الحكومية ، والمادة (46) من قانون المالية العامة الموحد الصادر بالقانون رقم 6 لسنة 2022 سالفتى البيان واضحة الدلالة ولا تثير لبساً ولا غموضا، وإنما جاءت عامة ومطلقة لتشمل المرتبات والعلاوات والمكافآت والبدلات، أيا كان نوعها، سواء باعتبارها حقوقا مالية وظيفية أم حقوقا دورية متجددة، فإن عدم المطالبة بهذه الحقوق لمدة خمس سنوات يسقط الحق في المطالبة بها. وحيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد جرى على أنه إذا كان الأصل في التقادم في القانون المدني أنه لا يترتب على اكتمال مدته سقوط الالتزام من تلقاء نفسه، بل لا بد أن يتمسك به المدين، إلا أن هذا الأصل لا يتسق مع روابط القانون العام إلا بالقدر الذي يتفق مع طبيعتها ، بحيث يكون سقوط الالتزام باكتمال مدة التقادم أمرا حتميا، لا يتوقف على دفع من جهة الإدارة، بل يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ، حيث إن التقادم في مجال القانون العام يعد جزءا من النظام العام لتعلقه باعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة، تستهدف استقرار الأوضاع الإدارية، وعدم تعريض ميزانية الدولة للمفاجآت والاضطرابات التي تعجزها عن الوفاء بمتطلبات إشباع الحاجات العامة، وتسيير المرافق العامة بانتظام واضطراد.
وفي ضوء ما تقدم، فإنه إذا ما صدر حكم بالأحقية فى صرف مستحقات مالية من مرتبات وبدلات ومكافآت وغيرها من الحقوق الدورية المتجددة ، وذلك دون الإشارة إلى مراعاة أحكام التقادم الخمسى صراحة أو ضمنا سواء في المنطوق أو الأسباب المرتبطة به، أى ان الحكم قد سكت عن إعمال قواعد التقادم الخمسى ولم يتطرق لها من الأساس ، وقضى فقط بأصل الحق المطالب به، فإنه ووفقا لنص المادة (29) من القانون رقم 127 لسنة 1981 بشأن المحاسبة الحكومية ، وكذا المادة (46) من قانون المالية العامة الموحد الصادر بالقانون رقم 6 لسنة 2022 سالفي الذكر، وما تضمنتاه من أحكام والتى تمثل خطاباً تشريعياً موجها للكافة، فإن جهة الإدارة ملزمة قانوناً بإعمال أحكام التقادم الخمسى – متى توافرت شروط تطبيقها – حتى لو لم يتضمن الحكم الإشارة لعبارة مع مراعاة احكام التقادم الخمسى ، فضلاً عن أن إعمال قواعد التقادم الخمسى من النظام العام، نظراً لأن التقادم المسقط فى مجال روابط القانون العام يجد حكمه في استقرار الأوضاع الإدارية والمراكز القانونية لعمال المرافق العامة استقراراً تمليه المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام.
وحيث إنه بناء على ماسلف بيانه، فإنه يغدو الاتجاه الثاني الذي نهجته بعض أحكام المحكمة الإدارية العليا بإعمال أحكام وقواعد التقادم الخمسى عند صرف مستحقات مالية من مرتبات وبدلات ومكافآت وغيرها من الحقوق الدورية المتجددة والصادر بها أحكام قضائية على الرغم من عدم الإشارة إلى عبارة مع مراعاة أحكام التقادم الخمسى صراحة أو ضمنا سواء في المنطوق أو الأسباب المرتبطة به هو الأولى بالترجيح، فعدم إيراد الحكم لهذه العبارة لا يحول بين جهة الإدارة وإعمال قواعد التقادم عند قيامها بتنفيذ الحكم.
– فلهذه الأسباب –
حكمت المحكمة: – بترجيح الاتجاه الذي من مقتضاه إعمال أحكام وقواعد التقادم الخمسى عند صرف مستحقات مالية من مرتبات وبدلات ومكافآت وغيرها من الحقوق الدورية المتجددة والصادر بها أحكام قضائية على الرغم من عدم الإشارة الى مراعاة أحكام التقادم الخمسى صراحة أو ضمنا سواء في المنطوق أو الأسباب المرتبطة به – وذلك على النحو المبين بالأسباب – وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فيه على ضوء ما تقدم.
صدر هذا الحكم وتلي علنًا بالجلسة المنعقدة يوم الاثنين 14 من شهر جمادى الأول سنة 1445 هجرية، الموافق 27 من نوفمبر 2023 ميلادية وذلك بالهيئة المبينة بصدره.

اترك تعليقاً