الطعن رقم ۳٦ لسنة ۲٦ ق
جلسة ۱٥ / ۳ / ۱۹٥٦ – دائرة الاثنين (ج)
برياسة السيد مصطفى فاضل – وكيل المحكمة، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل، ومحمد محمد حسنين، وأحمد زكي كامل – المستشارين.
(107)
القضية رقم 36 سنة 26 القضائية
( أ ) تحقيق. إجراءات. بطلانها. الدفع ببطلان التحقيق وما تلاه من إجراءات لعدم تمكين النيابة لمحامي المتهم قبل التصرف في التحقيق من الإطلاع على ملف الدعوى وعدم السماح له بالاتصال بالمتهم. لا محل له. الحالات التي يرتب القانون البطلان فيها.
(ب) إجراءات. أثر بطلان الإجراء طبقاً للمادة 336 إجراءات.
(جـ) مسئولية. خطأ المضرور. أثره. متى يعفى المسئول؟
(د) قتل عمد. تعويض. القضاء بالتعويض للزوج عن قتل زوجته التي لم ترفع عليها دعوى الزنا ولم يصدر حكم يدينها. لا مخالفة فيه للآداب والنظام العام.
1 – دفع محامي المتهم ببطلان التحقيق وما تلاه من إجراءات استناداً إلى عدم تمكين النيابة له قبيل التصرف في التحقيق من الاطلاع على ملف الدعوى وعدم السماح له بالاتصال بالمتهم. هذا الدفع لا محل له إذ أن القانون لا يرتب البطلان إلا على عدم السماح بغير مقتض لمحامي المتهم بالاطلاع على التحقيق في اليوم السابق على استجواب المتهم أو مواجهته بغيره أو بالاطلاع على التحقيق أو الإجراءات التي أجريت في غيبته.
2 – إن البطلان – طبقاً للمادة 336 من قانون الإجراءات الجنائية – لا يلحق إلا بالإجراء المحكوم ببطلانه والآثار المترتبة عليه مباشرة، وهو لا يعلق بما سبقه من إجراءات، كما أنه لا يؤثر في قرار النيابة بإحالة الواقعة إلى غرفة الاتهام أو قرار غرفة الاتهام بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات، ولا يمكن أن يترتب على مثل هذا البطلان إن صح إعادة القضية إلى النيابة بل يكون للمحكمة أن تصحح الإجراء الباطل طبقاً للمادة 335 إجراءات.
3 – الأصل أن خطأ المضرور لا يرفع مسئولية المسئول وإنما يخففها إن كان ثمت خطأ مشترك بمعناه الصحيح، ولا يعفى المسئول استثناء من هذا الأصل إلا إذا تبين من ظروف الحادث أن خطأ المضرور هو العامل الأول في إحداث الضرر الذي أصابه وأنه بلغ من الجسامة درجة بحيث يستغرق خطأ المسئول.
4 – للزوج أن يبقى على الزوجة التي لم ترفع عليها دعوى الزنا ولم يصدر ضدها حكم يدينها وليس في القضاء له بالتعويض عن قتلها ما يخالف الآداب والنظام العام.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: (أولاً) قتل وداد عثمان حمدي عمداً بأن عقد العزم على قتلها واستدرجها إلى غرفته بالفندق الذي ينزل فيه بعد أن أعد لذلك طبنجة أوتوماتيكية محشوة بذخيرة ثم غافلها بإطلاق النار قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وكان ذلك مع سبق الإصرار. (ثانياً): أحرز بغير ترخيص طبنجة أوتوماتيكية وذخيرة مما تستعمل فيها، وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للمادتين 230 و231 من قانون العقوبات والمواد 1 و6 و26/ 2 و30 من القانون رقم 392 لسنة 1954 في شأن الأسلحة وذخائرها المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 فقررت بذلك. وادعى بحق مدني السيد إبراهيم فرج زوج القتيل عن نفسه وبصفته بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وألزمته بأن يدفع للمدعي بالحقوق المدنية بصفتيه قرشاً صاغاً على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض… الخ.
المحكمة
وحيث إن مبنى الطعن الخطأ في القانون والإخلال بحق الدفاع، والقصور في التسبيب، ذلك بأن الطاعن دفع أمام المحكمة ببطلان إجراءات التحقيق وما تلاها من تقديم القضية لغرفة المشورة ومن إحالتها إلى محكمة الجنايات بعد أن تمسك بهذا الدفع لدى النيابة وأمام غرفة الاتهام مستنداً إلى حرمانه من حقه في الاتصال بمحاميه وعدم التصريح للمحامي بالاطلاع على أوراق التحقيق مما يعد إخلالاً بإجراء جوهري يتعلق بحرية الدفاع وبالضمانات الأصلية لكفالة حقوق المتهم، فردت المحكمة على ذلك بما يخالف القانون بمقولة إن القانون لم يرتب البطلان على مخالفة هذه الإجراءات، وبأن الطاعن تقدم إلى غرفة الاتهام بهذا الدفع، ولم يطعن على قرارها الصادر برفضه، ثم أردفت بأن المحكمة تعتمد أول ما تعتمد في قضائها على ما يتم أمامها من تحقيقات بالجلسة، مع أنها لم تهمل تحقيقات النيابة، بل عولت عليها في أسبابها القاضية بالإدانة، مما رتب عليه الطاعن طلب إعادة القضية للنيابة لتحقيقها من جديد، كما أبدى الدفاع عنه أنه كان فاقد الشعور وقت ارتكاب الحادث، وطلب فحص حالته العقلية طبياً، معززاً هذا الطلب بشهادة طبية، وبما وصف به الشاهد ما تولى حالة الطاعن عقب وقوع الحادث من أنه كان كالمجنون، لكن المحكمة ردت بما لا يصلح دليلاً على أن الطاعن لم يكن فاقد الشعور عند ارتكاب الحادث وفي وقت ارتكابه بالذات مع ما هو معروف من أن الجنون قد يكون متقطعاً، وهي إلى ذلك قد رفضت فحص الطالب طبياً، دون أن ترد على ما أبداه تأييداً لحالته العقلية وكان مما أثاره الدفاع أن الطاعن مصاب بمرض نفسي تنعدم به المسئولية، فردت المحكمة على ذلك بما يخرج بالأمراض النفسية عن نطاق المادة 62 عقوبات، في حين أنها تدخل في عموم عبارة العاهات العقلية الواردة بهذا النص وإذا كان الدفاع قد ذهب إلى أن حالة الطاعن النفسية قد بلغت درجة تعدم المسئولية فكان لزاماً على المحكمة أن تبحثها، وهي لم تفعل، فخالفت بذلك القانون، وأخلت بحق الدفاع، وأخيراً فإن الحكم فيما تضمنه من القضاء بالتعويض كان فوق مخالفته للقانون قاصر البيان، فهو لم يرد على ما دفع به الطاعن من أنه لا محل للمسئولية المدنية إذا كان طالب التعويض قد ساهم بنصيب كبير في الأسباب التي أدت إلى ارتكاب الحادث وهو ما أثبته الحكم في حق المدعي المدني، وأن تكافؤ السيئات بعدم المسئولية المدنية، وإذ كان الزوج على حد تعبير الحكم قد سهل لزوجته ما حرمه الله فإن تعويضه عن قتلها يكون منافياً للآداب والنظام العام.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصر الجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها – لما كان ذلك، وكان ما دفع به محامي الطاعن بجلسة المحاكمة من بطلان التحقيق وما تلاه من إجراءات استناداً إلى عدم تمكين النيابة له قبيل التصرف في التحقيق من الإطلاع على ملف الدعوى وعدم السماح له بالاتصال بالطاعن مردوداً بأن القانون لا يرتب البطلان إلا على عدم السماح بغير مقتض لمحامي المتهم بالإطلاع على التحقيق في اليوم السابق على استجواب المتهم أو مواجهته بغيره (المادة 125 إجراءات) أو بالإطلاع على التحقيق أو الإجراءات التي أجريت في غيبته (المادة 77 إجراءات) ولم يزعم الطاعن أنه كان في إحدى هذه الحالات، على أن البطلان طبقاً للمادة 336 إجراءات لا يلحق إلا بالإجراء المحكوم ببطلانه والآثار المترتبة عليه مباشرة، وهو لا يعلق بما سبقه من إجراءات، كما أنه لا يؤثر في قرار النيابة بإحالة الواقعة إلى غرفة الاتهام أو قرار غرفة الاتهام بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات، ولا يمكن أن يترتب على مثل هذا البطلان إن صح إعادة القضية إلى النيابة كما طلب الطاعن، لأن في ذلك إهداراً لحجية أمر الإحالة، بل يكون للمحكمة أن تصحح الإجراء الباطل طبقاً للمادة 335 إجراءات، مما لم ينسب الطاعن إلى محكمة الموضوع أنها قصرت فيه – لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على هذا الدفع بقوله “إنه لو صح وشابت إجراءات النيابة شائبة من هذا القبيل، فإن القضية بعد إحالتها إلى محكمة الجنايات تكون هذه المحكمة مختصة بتحقيق وقائعها، وهي تعتمد أول ما تعتمد في قضائها على ما يتم أمامها من التحقيقات بالجلسة” وهي إذ قالت ذلك فقد أصابت ولا يغض من قيمة هذا القول أنها استندت في حكمها إلى تحقيقات النيابة لأن البطلان لا يلحق بما تم قبل الإجراء الباطل، لما كان ما تقدم، وكانت المحكمة قد ردت على الدفاع القائل بأن الطاعن ارتكب فعلته وهو فاقد الشعور للجنون، وأنه مصاب بمرض نفسي يصل إلى مرتبة العاهة العقلية التي تمتنع معها المسئولية الجنائية وبرر رفضه لطلب فحص الطاعن طبياً بقوله “إن حالة المتهم العقلية كما تبينتها المحكمة من المناقشات التي تمت معه وإجاباته الواضحة المطولة في التحقيقات لا تدع مجالاً للاشتباه في إصابته بجنون أو عته أو أي مرض من الأمراض العقلية، بل إن كتاباته المطولة في مذكراته المضبوطة وكونه موظفاً في وظيفة حكومية لأعمالها خطرها ومسئوليتها وكان لا يزال يباشرها حتى وقوع الحادث، كل ذلك يدل دلالة واضحة على أنه متمالك لقواه العقلية، مسئول عن أعماله، ولا حاجة بالمحكمة مع إقناعها بذلك إقناعاً له أسانيده ومبرراته أن تلجأ إلى أهل الخبرة فيما هو ظاهر لها. أما القول بأن المتهم مصاب بمرض نفسي أو عقدة نفسية، فإنه لو صح لا تأثير له على مسئوليته عما يرتكبه من أفعال، إذ أن هذه الحالة ليست من بين الأحوال التي نص عليها قانون العقوبات كسبب من أسباب الإباحة وموانع العقاب” وهذا الذي أثبته الحكم هو تقدير للوقائع المعروضة على المحكمة في حدود حقها، وما دامت قد رأت أن هذا الدفاع لا يستقيم للأسباب المعقولة التي أوردتها، فما كان بها من حاجة إلى أن تستعين برأي طبيب في الأمراض العقلية أو أخصائي في الأمراض النفسية في أمر تبينته من عناصر الدعوى وما باشرته بنفسها من إجراءات في الجلسة، وهي على حق فيما قررته من أن الإصابة بمرض نفسي لا ترتفع إلى درجة العاهة العقلية، ولا يترتب عليها انعدام المسئولية، لما كان ما تقدم، وكان الأصل أن خطأ المضرور لا يرفع مسئولية المسئول، وإنما يخففها، إن كان ثمت خطأ مشترك بمعناه الصحيح، ولا يعفي المسئول استثناء من هذا الأصل إلا إذا تبين من ظروف الحادث أن خطأ المضرور هو العامل الأول في إحداث الضرر الذي أصابه، وأنه بلغ من الجسامة درجة بحيث يستغرق خطأ المسئول. لما كان ذلك وكان التعويض مقتضياً به للمدعي بالحق المدني عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على أولاده القصر، وكان ما نسبه الحكم إليه من خطأ في “مراقبته زوجته القتيل وتركه الحبل لها على الغارب وتشجيعها على البعد عن منزله هي وأولادها في ضيافة شاب أعزب مع ما في ذلك من خطر وغواية مما أدى إلى وقوع النكبة التي حلت به” ما ذكره الحكم عن ذلك إن صح أن يكون سبباً للغواية مما لم يكن محلاً لمطالبة بتعويض، فهو لم يكن في ذاته سبب الحادث، فضلاً عن أنه لم يكن العامل الأول في وقوعه، ولا هو استغرق خطأ المسئول الذي يتمثل في فعل القتل العمد الذي وقع على غير المألوف. على أن هذا الفعل العمدي هو الذي من شأنه أن يستغرق خطأ المضرور غير المتعمد بفرض التسليم بأنه ساهم في إحداث الضرر مما تتحقق به مسئولية الطاعن. هذا إلى أن الحكم أثبت أن الزوج كان “مبقياً على زوجته آملاً في أن تعيش لترعى أولاده وتحوطهم بحنانها وحدبها وقد حرم الأولاد من هذا العطف وذلك الحنان، فضلاً عما يستتبعه فقد الزوجة من تكاليف يتحملها المدعي بالحق المدني في تدبير من يشرفون على خدمة هؤلاء القصر من خدم لم يكن في حاجة إليهم مع وجود الأم” وإذ أثبت الحكم ذلك، وكان للزوج أن يرضى بمعاشرة زوجته التي ثبت زناها، فإن فعل كان له أن يوقف تنفيذ حكم الحبس الصادر ضدها عملاً بالمادة 274 ع لاعتبارات قدرها المشرع، فإن حق المدعي المدني يكون أظهر في الإبقاء على هذه الزوجة التي لم ترفع عليها دعوى، ولم يصدر ضدها حكم يدينها، ومتى تقرر ذلك، كان القضاء له بالتعويض عن قتلها ليس فيه ما يخالف الآداب والنظام العام كما قال الدفاع، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه لم يخالف القانون، ولم يخل بدفاع الطاعن، ولم يكن قاصراً في أسبابه كما جاء بأوجه الطعن مما يتعين معه رفضه موضوعاً.