عدم دستورية لائحة العاملين بالمجلس الاعلى للصحافة الصادرة بقرار رئيس المجلس الاعلى للصحافة رقم 5 لسنة 1987 وتعديلها الصادر بقرار مكتب المجلس الأعلى للصحافة رقم 5 لسنة 1993 ، و بسقوط الفقرة الثانية من المادة (82) من قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام الصادر بالقانون رقم 92 لسنة 2016 .

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر مــــن مايو سنة 2023م، الموافق الثالث والعشرين من شوال سنة 1444 هـ.

برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر                      رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس             نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري       رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع                            أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 57 لسنة 43 قضائية “دستورية”، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية العليا بحكمها الصادر بجلسة 16/12/2020، ملف الطعن رقم 57369 لسنة 66 قضائية “عليا”.

المقام من

مصطفى مصطفى حافظ الدري

ضد

رئيس الهيئة الوطنية للصحافــة

الإجـراءات

بتاريخ العاشر من يونيه سنة 2021، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الطعن رقــــم 57369 لسنة 66 قضائية “عليا”، نفاذًا لحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 16/12/2020، الذي قضى بوقف الطعن، وإحالة الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (52) من لائحة العاملين بالمجلس الأعلى للصحافة الصادرة بقرار رئيس المجلس الأعلى للصحافة رقم 5 لسنة 1987 المعدلة بالقرار رقم 5 لسنة 1993، فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز ستة أشهر.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

المحكمــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكـــم الإحالـــة وســـائـــر الأوراق – في أن المدعي في الدعوى الموضوعية، أقام أمام محكمة القضاء الإداري الدعـــــــوى رقم 26734 لسنة 73 قضائية، ضد الهيئة المدعى عليها، طالبًا – من بين طلباته – الحكم بأحقيته في صرف المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية بواقع 709 أيام على أساس أجره الأساسي الذي كان يتقاضاه، مضافًا إليه البدلات الأساسية والعلاوات بما فيها علاوة الترقية، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية وغيرها من الحقوق المالية. وقال شرحًا لدعواه: إنه كان يعمل بالهيئة المدعى عليها وانتهت خدمته اعتبارًا من 1/8/2018، وقد امتنعت تلك الهيئة عن صرف المقابل النقدي لرصيد إجازاته بالمخالفة لنص المادة (52) من لائحة العاملين بالمجلس الأعلى للصحافة، وبجلسة 7/6/2020، قضت المحكمة، أولاً: ….. ثانيًا: …….. ثالثًا: بأحقية المدعي في صرف المقابل النقدي لرصيده من الإجازات الاعتيادية بما لا يجاوز ستة أشهر محسوبًا على الأجر الأساسي مضافًا إليه البدلات الأساسية، ورفض ما عدا ذلك من طلبات. لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى المدعي في الدعوى الموضوعية، فطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 57369 لسنة 66 قضائية “عليا”، طالبًا الحكم، أصليًّا: بإحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا بغير رسوم للفصل في دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (52) من لائحة العاملين بالمجلس الأعلى للصحافة المعدلة بقرار هيئة مكتب المجلس الأعلى للصحافة رقم 5 لسنة 1993، فيما تضمنته من حرمان العامل من المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز ستة أشهر. واحتياطيًّا: بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمانه من الحصول على كامل رصيد إجازاته الاعتيادية. وبجلسة 16/12/2020، قضت المحكمة بوقف الطعن وإحالة الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (52) من لائحة العاملين بالمجلس الأعلى للصحافة الصادرة بقرار رئيس المجلس الأعلى للصحافة رقم 5 لسنة 1987 المعدلة بالقرار رقم 5 لسنة 1993، فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز ستة أشهر. وأقامت حكمها استنادًا إلى أن النص المحال قد حرم العامل من حقه في اقتضاء كامل البدل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز ستة أشهر، ولو كان عدم حصوله على الإجازة راجعًا إلى جهة العمل، أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه، يكون مشوبًا بشبهة عدم الدستورية، لمخالفة الحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة.

وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى؛ لخلو حكم الإحالة من البيانات التي تطلبها نص المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فمردود بأن ما تغياه نص المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا، هو ألا تكون صحيفة الدعوى الدستورية أو قرار الإحالة الصادر من محكمة الموضوع مجهلاً بالمسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة، ضمانًا لتعيينها تعيينًا كافيًا، فلا تثير خفاءً في شأن مضمونها أو اضطرابًا حول نطاقها، ليتمكن ذوو الشأن جميعًا من إعداد دفاعهم، ابتداءً وردًّا وتعقيبًا، في المواعيد التي حددتها المادة (37) من ذلك القانون، ولتتولى هيئة المفوضين بعد انقضاء تلك المواعيد تحضير الدعوى، ثم إعداد تقرير يكون محددًا للمسائل الدستورية المثارة ورأيها فيها مسببًا، ومن ثم يكفي لتحقيق تلك الغاية أن يكون تعيين هذه المسائل ممكنًا، ويتحقق ذلك كلما كان بنيان عناصرها منبئًا عن حقيقتها. لما كان ذلك، وكان قرار الإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا قد تضمن تحديد النص المحال، ونص الدستور المدعى مخالفته، ووجه المخالفة الدستورية؛ الأمر الذي تتوافر به البيانات التي تطلبتها المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا المار ذكره.

وحيث إن الفقرة الأخيرة من المادة (52) من لائحة العاملين بالمجلس الأعلى للصحافة الصادرة بقرار رئيس المجلس الأعلى للصحافة رقم 5 لسنة 1987، المستبدلة بقرار مكتب المجلس الأعلى للصحافة رقم 5 لسنة 1993 بتعديل بعض أحكام لائحــــــة العاملين بالمجلس الأعلى للصحافــــــة، تنص على أنه ” فإذا انتهت خدمة العامل قبل استنفاد رصيده من الإجازات الاعتيادية استحق عن هذا الرصيد أجره الأساسي الذي كان يتقاضاه عند انتهاء خدمته مضافًا إليه البدلات الأساسية وذلك بما لا يجاوز ستة أشهر”.

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التي ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي المردد أمام المحكمة الإدارية العليا، قد طلب فيه الطاعن احتياطيًّا إلغاء حكم القضاء الإداري المطعون فيه فيما قضى به من حرمانه من الحصول على المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية البالغ 709 أيام، ومن ثم فإن النزاع الموضوعي يدور في شق منه حول أحقية الطاعن في الحصول على ذلك المقابل كاملاً بما يجاوز الحد الأقصى لذلك الرصيد الذي حدده النص المحال بستة أشهر. ومن ثم، فإن الفصل في دستورية هذا النص يكون ذا أثر مباشر وانعكاس أكيد على الدعوى الموضوعية، وقضاء تلك المحكمة فيها، وتكون المصلحة المباشرة متحققة في هذه الدعوى بالنسبة للنص المحال.

ولا ينال من ذلك ما دفعت به هيئة قضايا الدولة من عدم قبول الدعوى لاتحاد محل الدعويين الموضوعية والدستورية، فذلك مردود بأن المدعي وإن كان قد أقام طعنه أمام المحكمة الإدارية طالبًا إحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا لبحث دستورية النص المحال، فإنه ضمَّن صحيفة طعنه – على ما سلف ذكره – طلبًا احتياطيًّا بإلغاء الحكم المطعون عليه فيما قضى به من حرمانه من الحصول على كامل المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية البالغ 709 أيام، لتفصل المحكمة الإدارية العليا في هذا الطلب على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا بشأن دستورية النص المحال.

ولا ينال من ذلك أيضًا صدور قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام بالقانون رقم 92 لسنة 2016 – قبل انتهاء خدمة المدعي في 1/8/2018 – الذي ألغى المجلس الأعلى للصحافة وأحل الهيئة الوطنية للصحافة محله، وذلك بموجب نص الفقرة الأولى من المادة (82) من القانون المشار إليه، كما ألغى الباب الرابع من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة بموجب المادة الثانية من مواد إصداره. وأُلغى الباب الرابع من لائحته التنفيذية الصادرة بقرار المجلس الأعلى للصحافة رقم 10 لسنة 1998، بموجب المادة الثالثة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2315 لسنة 2017 بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون الأول، المنظمين للمجلس الأعلى للصحافة، ذلك أن الفقرة الثانية من المادة (82) من قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام المشار إليه، قد نصت على أنه ” ويستمر العمل بالنظــــم واللوائــــح الساريــــة عليهم إلــــى أن تصدر اللوائــــح والقانــــون المنظــــم لشئون العاملين بالهيئة”، وقد ظل العمــــل باللائحــــة المطعــــون فيهــــا إلــــى أن تم إلغاؤهــــا فــــي 17/7/2019 – بعد انتهاء خدمة الطاعن في 1/8/2018 – بموجب المادة الثانية من مواد إصدار لائحة الموارد البشرية للعاملين بالهيئة الوطنية للصحافة الصادرة بقرار رئيس الهيئة الوطنية للصحافة رقم 11 لسنة 2019.

كما لا ينال من ذلك أخيرًا إلغاء القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة، والقانون رقم 92 لسنة 2016 بشأن التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، بموجب المادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 2018 بإصدار قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، إذ إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الإلغاء التشريعي للقانــــــون – الذي لم يــــــرتد أثره إلى الماضي – لا يحول دون النظر والفصل في الطعن بعدم الدستورية من قبل من طبق عليهم ذلك القانون، وبالتالي توافرت لهم مصلحة شخصية في الطعن بعدم دستوريته. ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسري على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا أُلغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين القانونيتين. ومن ثم، فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أي من القانونين – القديم أو الجديد – تخضع لحكمه، فما نشأ منها وترتبت آثاره في ظل القانون القديم يظل خاضعًا له، وما نشأ من مراكز قانونية وترتبت آثاره في ظل القانون الجديد يخضع لهذا القانون وحده.

وعلى مقتضى ما تقدم، فإنه لما كان النص المحال قد طُبق على الطاعن وأُعملت أحكامه في مواجهته، وظلت آثاره بالنسبة إليه قائمة طوال مدة نفاذه، وكانت الدعوى الموضوعية لا تزال مطروحة أمام المحكمة الإدارية العليا، وكانت طلباته ترتكز في شق منها على النص المحال. فمن ثم، فإن المصلحة المباشرة تظل قائمة في الدعوى الدستورية المعروضة.

وحيث إن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص التشريعية المطعون فيها لا يحول دون ردها إلى أصولها التي أنبتتها، كلما كان إبطالها يؤدي إلى زوال ما تفرع عنها، أو اتصل بها اتصال قرار. متى كان ذلك، وكان النص المحال من بين المواد التي تم تعديلها بقرار مكتب المجلس الأعلى للصحافة رقم 5 لسنة 1993 بتعديل بعض مواد لائحة العاملين بالمجلس الصادرة بقرار رئيس المجلس الأعلى للصحافة رقم 5 لسنة 1987. فمن ثم، فإن قرار رئيس المجلس الأعلى للصحافة المشار إليه، يُعد بمثابة الأصل الذي أنبت النص المحال، ويغدو بذلك مطروحًا حكمًا على هذه المحكمة ومحلاً لرقابتها الدستورية في هذه الدعوى، لارتباطه الذي لا يقبل الفصل أو التجزئة بالقرار المحال.

وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التحقق من استيفاء النصوص التشريعية لأوضاعها الشكلية، يعتبر أمرًا سابقًا بالضرورة على الخوض في عيوبها الموضوعية، كما أن الأوضاع الشكلية – سواء في ذلك تلك المتعلقة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها أو شروط نفاذها – إنما تتحدد في ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها، ومن ثم فإن نصوص دستور سنة 1971، الذي صدر النص المحال في ظل العمل بأحكامه، تكون واجبة التطبيق في الدعوى المعروضة .

وحيث إن قضاء هـــــذه المحكمة قد جـــــرى على أن الدولة القانونيـــــة، وعلى ما تنص عليه المادتان (64 و65) من دستور سنة 1971، هي التي تتقيد في ممارستها لسلطاتها، أيًّا كانت وظائفها أو غاياتها، بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها إن هي جاوزتها، فلا تتحلل منها، ذلك أن سلطاتها هذه، وأيًّا كان القائمون عليها، لا تعتبر امتيازًا شخصيًّا لمن يتولونها، ولا هي من صنعهم، بل أسستها إرادة الجماهير في تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لا يجوز النزول عنها، ومن ثم تكون هذه القواعد قيدًا على كل أعمالها وتصرفاتها، فلا تأتيها إلا في الحدود التي رسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها.

وحيث إن مضمون القاعدة القانونية التي تعتبر إطارًا للدولة القانونية تسمو عليها وتقيدها، إنما يتحدد – من منظور المفاهيم الديمقراطية التي يقوم نظام الحكم عليها، على ما تقضي به المواد (1 و3 و4) من دستور سنة 1971- على ضوء المعايير التي التزمتها الدول الديمقراطية في ممارستها لسلطاتها، واستقر العمل فيما بينها على انتهاجها باطراد في مجتمعاتها، فلا يكون الخضوع لها إلا ضمانًا لحقوق مواطنيها وحرياتهم، بما يكفل تمتعهم بها أو مباشرتهم لها دون قيود جائرة تنال من محتواها أو تعطل جوهرها.

وحيث إن إخطار المخاطبين بالقاعدة القانونية بمضمونها، يعتبر شرطًا لإنبائهم بمحتواها، وكان نفاذها، تبعًا لذلك، يفترض إعلانها من خلال نشرها، وحلول الميعاد المحدد لبدء سريانها. وكان ذلك مؤداه أن دخول هذه القاعدة مرحلة التنفيذ مرتبط بواقعتين تجريان معًا وتتكاملان – وإن كان تحقق ثانيتهما معلقًا على وقوع أولاهما – هما نشرها وانقضاء المدة التي حددها المشرع لبدء العمل بها، وكان من المقرر أن كل قاعدة قانونية، سواء تضمنها قانون أو لائحة، لا يجوز اعتبارها كذلك، إلا إذا قارنتها صفتها الإلزامية التي تمايز بينها وبين القاعدة الخلقية، فإن خاصيتها هذه تعتبر جزءًا منها، فلا تستكمل مقوماتها بفواتها.

وحيث إن ما تقدم مؤداه أن نشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول بالجهل بها، وكان هذا النشر يعتبر كافلاً وقوفهم على ماهيتها ومحتواها ونطاقها، حائلاً دون تنصلهم منها، ولو لم يكن علمهم بها قد صار يقينيًّا، أو كان إدراكهم لمضمونها واهيًا . وكان حملهم قبل نشرها على النزول عليها، وهم من الأغيار في مجال تطبيقها، متضمنًا إخلالاً بحرياتهم أو بالحقوق التي كفلها الدستور، دون التقيد بالوسائل القانونية التي حدد تخومها وفصل أوضاعهـــا، فقـــد تعين القـــول بأن القاعـــدة القانونيـــة التي لا تنشر، لا تتضمن إخطارًا كافيًا بمضمونها ولا بشروط تطبيقها، فلا تتكامل مقوماتها التي اعتبر الدستور تحققها شرطًا لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق والحريات على اختلافها.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن لائحة العاملين بالمجلس الأعلى للصحافـــــة الصادرة بقـــــرار رئيس المجلس الأعلى للصحافة رقـــــم 5 لسنة 1987، وكذا تعديلها الصادر بقرار مكتب المجلس الأعلى للصحافة رقم 5 لسنة 1993 لم يتم نشرهما في الجريدة الرسمية ” الوقائع المصرية”، وذلك بالمخالفة للنصوص المتقدمة ونص المادة ( 188) من دستور سنة 1971، ومن ثم فإن تطبيقها على المدعي قبل نشرها، يزيل عن القواعد التي تضمنتها صفتها الإلزامية، فلا يكون لها قانونًا من وجود.

وحيث إن مؤدى ما تقـــــدم، مخالفـــــة أحكـــــام اللائحـــــة السالفة الذكـــــر، جميعها – قبل وبعد تعديلها – لنصوص المواد (1 و3 و4 و64 و65 و188) من دستور سنة 1971، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم دستوريتها برمتها.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة بعدم دستورية لائحة العاملين بالمجلس الأعلى للصحافة المشار إليها، مؤداه: إبطال النصوص التي احتوتها، وكذلك سقوط ما ارتبط بها من أحكام لا تقبل التجزئة، وإذ كان مقتضى نص الفقرة الثانية من المادة (82) من قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام الصادر بالقانون رقم 92 لسنة 2016 المشار إليه، استمرار العمل بأحكام اللائحة المشار إليها، حتى تم إلغاؤها بصدور قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المار ذكره، فإن تقرير سقوط الفقرة المشار إليها لتعلقها بلائحة قُضي بعدم دستوريتها، يغدو متعينًا.

فلهـذه الأسبـاب

حكمت المحكمة:

أولاً : بعدم دستورية لائحة العاملين بالمجلس الأعلى للصحافة الصادرة بقرار رئيس المجلس الأعلى للصحافة رقم 5 لسنة 1987، وتعديلها الصادر بقرار مكتب المجلس الأعلى للصحافة رقم 5 لسنة 1993.

ثانيًا:    بسقوط الفقرة الثانية من المادة (82) من قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام الصادر بالقانون رقم 92 لسنة 2016.

اترك تعليقاً