الفتوى رقم 1615 لسنة 2023 بتاريخ فتوى : 2023/12/05 و تاريخ جلسة : 2023/11/08 و رقم الملف : 86/4/2215
موضوع الفتوى:
بطلب الرأي بخصوص مدى صحة مسلك الهيئة القومية للبريد في صرف مقابل غلاء معيشة سنويًّا للعاملين بها إعمالا لحكم المادة (46) من لائحة الموارد البشرية بالهيئة.
نص الفتوى:
بسم اللــــه الرحمـــن الرحيــــم
رقم التبليغ:
بتاريــخ: / /2023
الملف رقم: 86/4/2215
السيد الدكتور/ رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد
تحية طيبة، وبعد،
فقد اطلعنا على كتابكم الوارد إلى إدارة الفتوى لوزارات النقل والاتصالات والطيران المدني برقم (1086) بتاريخ 3/8/2022، بطلب الرأي بخصوص مدى صحة مسلك الهيئة القومية للبريد في صرف مقابل غلاء معيشة سنويًّا للعاملين بها إعمالا لحكم المادة (46) من لائحة الموارد البشرية بالهيئة.
وحاصل الوقائع – حسبما يبين من الأوراق– أن الهيئة القومية للبريد هيئة عامة اقتصادية منشأة بموجب القانون رقم (19) لسنة 1982 الذي تنص أحكامه على أن يكون للهيئة موازنة خاصة يتم إعدادها طبقًا للقواعد التي تحددها اللوائح الداخلية للهيئة دون التقيد بالقوانين واللوائح المنظمة لإعداد الموازنة العامة للدولة، كما أن مجلس إدارة الهيئة هو السلطة المهيمنة على شئونها وتصريف أمورها، وله أن يتخذ ما يراه لازمًا
من قرارات لتحقيق الأغراض التي أُنشئت من أجلها دون التقيد بالقواعد والنظم الحكومية وما قد تقتضيه
من الرجوع إلى أية جهة خارج الهيئة، ومن بين ذلك اقتراح وضع اللائحة المتعلقة بتعيين العاملين بالهيئة وتحديد رواتبهم وبدلاتهم وسائر شئونهم الوظيفية دون التقيد بنظم العاملين المدنيين بالدولة، على أن تصدر اللائحة بقرار من وزير المواصلات، وقد صدرت لائحة الموارد البشرية بالهيئة القومية للبريد بموجب قرار
وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات رقم (937) لسنة 2021 وتضمنت النص في المادة (46) منها
على أن تضع السلطة المختصة بناء على عرض اللجنة العليا للموارد البشرية وبعد موافقة مجلس الإدارة، نظامًا للمزايا المادية والعينية يتضمن مقابل غلاء معيشة سنويًّا، وتنفيذًا لذلك وافقت اللجنة العليا للموارد البشرية بالهيئة بتاريخ 14/6/2022 على منح العاملين بالهيئة حافز مقابل غلاء معيشة سنويًّا ضمن بند (5/5) حوافز اعتبارًا من 1/7/2022 بتكلفة سنوية مقدارها (650) مليون جنيه بتمويل ذاتي دون تحميل الموازنة العامة للدولة أي أعباء، وقامت الهيئة بمخاطبة وزارة المالية بتاريخ 15/6/2022 بطلب الموافقة على زيادة البند المشار إليه بمشروع موازنة الهيئة للعام المالي 2022/2023 مقابل تحقيق زيادة مماثلة بإيرادات النشاط الجاري، إلا أن وزارة المالية أفادت بوجوب استيفاء الهيئة الإجراءات المقررة بحكم المادة (2) من التأشيرات العامة للهيئات الاقتصادية للعام المالي 2021/2022 والتي تحظر صدور أي قرارات مالية من شأنها زيادة نظم الحوافز والمكافآت أو أية مزايا مالية أخرى عن المعتمدة والمعمول بها بالجهة إلا بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على دراسة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وموافقة وزارة المالية، ومن ثم أُثير التساؤل حول مدى صحة مسلك الهيئة في صرف مقابل غلاء معيشة سنوي للعاملين بالهيئة إعمالا لأحكام لائحة الموارد البشرية بالهيئة دون اتباع الإجراءات المقررة وفقًا لأحكام التأشيرات العامة للهيئات الاقتصادية؛ الأمر الذي حدا بكم
إلى طلب الرأي القانوني في الموضوع الماثل من إدارة الفتوى المشار إليها، فأحالته إلى اللجنة الثالثة من لجان قسم الفتوى بمجلس الدولة والتي قررت إحالته إلى الجمعية العمومية؛ لما آنسته فيه من أهمية وعمومية.
ونفيد أن الموضوع عُرض على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بجلستها المعقودة
بتاريخ 8 من نوفمبر عام 2023م الموافق 24 من ربيع الآخر عام 1445هـ، فتبين لها أن الدستور ينص
في المادة (124) على أن: تشمل الموازنة العامة للدولة كافة إيراداتها ومصروفاتها دون استثناء،
ويُعرَض مشروعها على مجلس النواب قبل تسعين يومًا على الأقل من بدء السنة المالية، ولا تكون نافذةً
إلا بموافقته عليها، ويتم التصويت عليها بابًا بابًا. ويجوز للمجلس أن يُعدل النفقات الواردة في مشروع الموازنة، عدا التي ترد تنفيذًا لالتزام محدد على الدولة. وإذا ترتب على التعديل زيادة في إجمالي النفقات، وجب أن يتفق المجلس مع الحكومة على تدبير مصادر للإيرادات تحقق إعادة التوازن بينهما، وتصدر الموازنة بقانون يجوز
أن يتضمن تعديلا في قانون قائم بالقدر اللازم لتحقيق هذا التوازن. وفى جميع الأحوال، لا يجوز أن يتضمن قانون الموازنة أيّ نص يكون من شأنه تحميل المواطنين أعباء جديدة. ويحدد القانون السنة المالية،
وطريقة إعداد الموازنة العامة، وأحكام موازنات المؤسسات والهيئات العامة وحساباتها. وتجب موافقة المجلس على نقل أيّ مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة، وعلى كل مصروف غير واردٍ بها، أو زائد
على تقديراتها، وتصدر الموافقة بقانون. وأن القانون رقم (6) لسنة 2022 بإصدار قانون المالية العامة المُوحد ينص في المادة (الأولى) منه على أن: يُعمل بأحكام القانون المرافق في شأن المالية العامة. ومع عدم الإخلال بالأحكام والضمانات التي قررها الدستور والقوانين المنظمة لموازنات بعض الجهات، والهيئات المستقلة، والأجهزة الرقابية، والمجالس القومية، ومجلسي النواب والشيوخ، تسري أحكام القانون المرافق علي الجهات
التي تتضمنها الموازنة العامة للدولة من وحدات الجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية وما يتبع هذه الجهات من وحدات ذات طابع خاص، والصناديق والحسابات الخاصة، والمشروعات الممولة من الحسابات الخاصة. كما تسري أحكامه علي الهيئات العامة الاقتصادية…، وفي المادة (الثالثة) على أن: يلغي القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة… كما يُلغي كل حكم يخالف أحكام القانون المرافق. وأن قانون المالية العامة الموحد المشار إليه ينص في المادة (1) على أن: يُقصد في تطبيـق أحكـام هذا القانون بالكلمـات والعبــارات التــالية المعني المُبين قـرين كـل منهـا: … الـوزارة: الوزارة المختصة بالشئون المـالية. الـوزير: الوزير المختص بالشئون المـالية. السلطة المختصة: الوزير أو المحافظ أو رئيس الهيئة بحسب الأحوال. الجهات الإدارية: الجهات التي تتضمنها الموازنة العامة للدولة، والهيئات العامة الاقتصادية. الجهة المستقلة: الجهات والهيئات والأجهـزة التي ينص الدسـتور أو القانون علي أنهـا مستقـلة…، وفي المادة (3) على أن: تتضمن الموازنة العامة للدولة المخصصات المـالية للبرامج التي يقوم بها كل من الجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية، وما يتبعها من وحدات ذات طابع خاص والصناديق والحسابات الخاصة، والمشروعات الممولة من الحسابات الخاصة. ولا تتضمن الموازنة العامة للدولة المخصصات المـالية للبرامج ما يأتي: 1- الهيئات العامة الاقتصادية وصناديق التمويل ذات الطابع الاقتصادي التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء والتي تعد بشأنها موازنات تقدم من الوزير إلي مجلس الوزراء لإحالتها إلي مجلس النواب لاعتمادها. وتقتصر العلاقة بين موازنات هذه الهيئات والصناديق وبين الموازنة العامة للدولة علي الفائض الذي يئول إلي الخزانة العامة، وما يتقرر لهذه الموازنات من قروض ومساهمات. 2-…، وفي المادة (25) على أن: تصدر الموازنة العامة للدولة بقانون، ويجوز أن يتضمن قانون ربط الموازنة العامة للدولة تعديلا في قانون قائم بالقدر اللازم لتحقيق التوازن بين إجمالي الموارد والاستخدامات. كما تصدر موازنات الهيئات العامة الاقتصادية والهيئة القومية للإنتاج الحربي بقوانين،
وفي المادة (27) على أن: التأشيرات العامة الملحقة بقانون ربط الموازنة العامة للدولة جزء لا يتجزأ منه ويكون لها قوة القانون، وفي المادة (30) على أن: يتعين أخذ رأي الوزارة في مشروعات القوانين التي من شأنها ترتيب أعباء مالية إضافية علي الموازنة العامة للدولة. كما يتعين علي الجهات الإدارية أخذ موافقة الوزارة
علي مشروعات القرارات التي من شأنها ترتيب أعباء مـالية إضافية علي المـوازنـة العامة للدولـة قبـل إصــدارها من السلطة المختصة. وفي حالة عدم موافقة الوزارة علي مشروع القرار يتعين عليها إخطار الجهة خلال ثلاثين يومًا من تاريخ تسلم المشروع كتابة بأسباب عدم الموافقة، علي أن يعرض مشروع القرار علي مجلس الوزراء لتقرير ما يراه بشأنه، وفي المادة (52) على أن: تختص الوزارة بالرقابة المالية قبل الصرف علي تنفيذ موازنات الجهات الإدارية وتتم الرقابة عن طريق ممثليها، ولهم في سبيل ذلك حق الاطلاع علي جميع المستندات
التي تتطلبها طبيعة عملهم…، وفي المادة (74) على أنه: مع عدم الإخلال بما ورد في شأنه نص خاص،
لا يجوز للجهة الإدارية إصدار أو تعديل لوائح خاصة يترتب عليها آثار مالية علي الخزانة العامة للدولة إلا بعد الحصول علي موافقة كتابية من الوزارة، ولا تلتزم الخزانة العامة بتدبير أي أعبـاء مالية تخـص لوائح خاصة
غير معتمدة من الوزارة حاليًّا أو مستقبلا.
كما تبين للجمعية العمومية أن القانون رقم (19) لسنة 1982 بإنشاء الهيئة القومية للبريد ينص
في المادة (الأولى) على أن: تنشأ هيئة قومية لإدارة مرفق البريد تسمى (الهيئة القومية للبريد) وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتتبع وزير المواصلات وتدار بطريقة مركزية موحدة… وتخضع هذه الهيئة للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون، وفي المادة (السادسة) على أن: يكون للهيئة موازنة خاصة يتم إعدادها طبقًا للقواعد التي تحددها اللوائح الداخلية للهيئة دون التقيد بالقوانين واللوائح المنظمة لإعداد موازنة الدولة. كما يكون للهيئة حساب خاص تودع فيه مواردها، ويرحل الفائض من موازنة الهيئة من سنة إلى أخرى. وتبدأ السنة المالية للهيئة مع بداية السنة المالية للدولة وتنتهي بنهايتها، وفي المادة (الثانية عشرة) على أن: يتولى إدارة الهيئة: 1- مجلس الإدارة. 2- مجلس المديرين. 3- رئيس مجلس الإدارة، وفي المادة (السادسة عشرة) على أن: مجلس إدارة الهيئة هو السلطة المهينة على شئونها وتصريف أمورها، وله أن يتخذ ما يراه لازمًا من قرارات لتحقيق الأغراض التي أُنشئت من أجلها دون التقيد بالقواعد والنظم الحكومية وما قد تقتضيه من الرجوع إلى أية جهة خارج الهيئة، ويباشر المجلس اختصاصاته على الوجه المبين بهذا القانون، وله على الأخص: 1-…
5- وضع اللوائح الداخلية للهيئة المتعلقة بالشئون الفنية والمالية والإدارية ولوائح المشتريات والمخازن وغير ذلك من اللوائح التنظيمية العامة المتعلقة بتنظيم نشاط الهيئة. 6- اقتراح وضع اللائحة المتعلقة بتعيين العاملين بالهيئة وترقيتهم وتحديد رواتبهم وبدلاتهم ومكافآتهم وتأديبهم وسائر شئونهم الوظيفية دون التقيد بنظم العاملين بالدولة، وتصدر اللائحة بقرار من وزير المواصلات. 7-… 9- إقرار مشروع الموازنة السنوية للهيئة ومشروع حسابها الختامي. 10-…، وفي المادة (الخامسة والعشرين) على أن: يكون إصدار اللوائح المنصوص عليها في المادة السادسة عشرة بقرار من وزير المواصلات بعد موافقة مجلس إدارة الهيئة دون التقيد بالنظم
واللوائح الحكومية…. وأن لائحة الموارد البشرية للهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير الاتصالات
وتكنولوجيا المعلومات رقم (937) لسنة 2021 بتاريخ 11/10/2021 تنص في المادة (1) منها على أن: يقصد في تطبيق أحكام هذه اللائحة بالكلمات والعبارات التالية المعنى المبين قرين كل منها: الوزير:
وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. الهيئة: الهيئة القومية للبريد. مجلس الإدارة: مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد. السلطة المختصة: رئيس مجلس الإدارة…، وفي المادة (43) على أن: يصدر بتحديد الأجور والعلاوات والبدلات والحوافز، وشروط وضوابط استحقاقها، قرار من مجلس الإدارة، بناء على عرض اللجنة العليا للموارد البشرية…، وفي المادة (46) على أن: تضع السلطة المختصة، بناء على عرض اللجنة العليا للموارد البشرية، وبعد موافقة مجلس الإدارة، نظامًا للمزايا المادية والعينية، تشمل على الأخص ما يأتي:
1-… 3- مقابل غلاء معيشة سنوي. 4-…، وفي المادة (97) على أن: يُعمل بأحكام هذه اللائحة
في الموارد البشرية على كافة العاملين بالهيئة سواء الدائمون أو المتعاقدون بعقود مؤقتة أو المنتدبون
أو المعارون، وتعتبر جزءًا مُكملا لأحكام هذه اللائحة كافة القرارات الصادرة عن مجلس الإدارة ورئيس
مجلس الإدارة ومجلس المديرين التي تصدر نفاذًا لها وبما لا يتعارض مع أحكامها. وتسري أحكام قانون
الخدمة المدنية بالدولة ولائحته التنفيذية فيما لم يرد بشأنه نص فيها وبما لا يتعارض مع أحكامها.
وتبين كذلك للجمعية العمومية أن القانون رقم (98) لسنة 2021 بربط موازنة الهيئة القومية للبريد للسنة المالية 2021/2022 نصّ في المادة (السابعة) على أن: تعتبر أحكام التأشيرات الملحقة بهذا القانون جزءًا لا يتجزأ منه وتسرى على هذه الهيئة بما لا يتعارض مع قانون إنشائها، وهو الحكم ذاته الذي ردَّدَته المادة (السابعة) من القانون رقم (110) لسنة 2022 بربط موازنة الهيئة القومية للبريد للسنة المالية 2022/2023. وأن التأشيرات العامة للهيئات الاقتصادية للعام المالي 2021/2022 تنص في المادة (2) منها على أن:
… يحظر صدور أي قرارات مالية من شأنها زيادة نظم الحوافز والمكافآت أو أية مزايا مالية أخرى
عن المعتمدة والمعمول بها بالجهة إلا بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على دراسة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وموافقة وزارة المالية، وفي المادة (3) على أن: لوزير المالية أو من يفوضه زيادة اعتمادات الهيئات مقابل زيادة موازية في الإيرادات بما تستخدمه مما يرد لها أو يخصص لها من مساعدات ومنح وهبات
وتبرعات محلية وأجنبية وإيرادات مجنبة لأغراض محددة أو قروض… وتعدل الموازنات المعنية تبعًا لذلك وتظهر في الحساب الختامي ضمن التنفيذ الفعلي مصروفًا وإيرادًا…، وهما الحكمان اللذان رددتهما المادتين (2) و (3) من التأشيرات العامة لموازنات الهيئات الاقتصادية للعام المالي 2022/2023.
واستظهرت الجمعية العمومية مما تقدم- وعلى ما جرى به إفتاؤها- أن الدستور أوجب على الحكومة عرض مشروع الموازنة العامة للدولة على مجلس النواب لمناقشته، وإجراء ما يرى من تعديلات عليه، توطئةً للموافقة عليه، وتصدر هذه الموافقة بقانون هو في حقيقة الأمر قانون من الناحية الشكلية فحسب لكونه صادرًا عن السلطة التشريعية في هيئة قانون، أما من حيث موضوع هذا القانون وطبيعته والقصد منه، فإنه لا يخرج عن كونه عملا إداريًّا حَظِيَ بتأييد السلطة المختصة له، وهو ما لا يُسبغ عليه وصف القانون من الناحية الموضوعية، ذلك أن ثمة خلافًا جوهريًّا بين القانون الذي يصدر بربط الموازنة العامة للدولة وغيره من القوانين في طبيعتها وفي أغراضها، فقانون ربط الموازنة العامة للدولة قانون مؤقت يقف عند حد إقرار تقدير إيرادات الدولة في عام واحد وإجازة أوجه صرف هذه الإيرادات، في حين أن غيره من القوانين تتناول أحكامًا موضوعية عامة ومجردة تُطبق على عدد لا محدود من الحالات التي تدخل في نطاقها، ومن ثمّ فإنه يتعين عند إصدار قانون ربط الموازنة العامة للدولة- كأصل عام- مراعاة القوانين القائمة فعلًا بمقتضى الأداة التشريعية اللازمة بحيث لا تجوز مخالفتها أو التعديل فيها إلا في الأحوال التي يُجيز فيها الدستور ذلك، ومن ثمَّ لا يعتد
– في غير تلك الأحوال- بقانون ربط الموازنة فيما خالف فيه تلك القوانين الموضوعية، وذلك التزامًا بقواعد التدرج التشريعي التي تُعلي القانون الموضوعي على القانون الشكلي، وما ينطبق على طبيعة قانون ربط الموازنة العامة للدولة ينطبق على طبيعة التأشيرات الملحقة بالموازنة العامة للدولة من باب أوْلى.
واستظهرت الجمعية العمومية كذلك أن الدستور الحالي ناط بالقانون تنظيم طريقة إعداد الموازنة العامة للدولة، وتحديد السنة المالية، وأحكام موازنات المؤسسات والهيئات العامة وحساباتها، وتنفيذًا لذلك صدر القانون رقم (6) لسنة 2022 بشأن المالية العامة الموحد الذى أخضع لسلطانه الجهات التي تتضمنها الموازنة العامة للدولة، من وحدات الجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية وما يتبع هذه الجهات من وحدات ذات طابع خاص، والصناديق والحسابات الخاصة، والمشروعات الممولة من الحسابات الخاصة، كما أخضع لسلطانه الهيئات العامة الاقتصادية، منتهجًا بذلك نهجًا مغايرًا لما كان مقررًا إبان العمل بالقانون رقم (53) لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة من عدم سريان أحكامه– كأصل عام- على الهيئات العامة الاقتصادية فيما عدا الباب الرابع منه، إلا أن القانون الحالي أبقى على الحكم الذي كان مقررًا في القانون السابق من عدم إدراج الهيئات العامة الاقتصادية ضمن الموازنة العامة للدولة، وإنما يُعد بشأنها موازنات مستقلة تقدم من وزير المالية إلى مجلس الوزراء لإحالتها إلي مجلس النواب لاعتماد كلٍّ منها في شكل قانون
من الناحية الشكلية يفتقر إلى وصف القانون من الناحية الموضوعية، وبطبيعة الحال فإنه لا يجوز لهذا القانون أن يخالف أحكام قانون آخر قائم يتناول بالتنظيم موضوعًا معينًا بموجب قواعد عامة ومجردة.
واستبان للجمعية العمومية أن الحكم الوارد في المادة (30) من قانون المالية العامة الموحد المشار إليه سلفًا، الذي يوجب على الجهات الإدارية الخاضعة لأحكامه أخذ رأى وزارة المالية في مشروعات القوانين والقرارات، إنما هو رهين بأن يكون مشروع القانون أو القرار المُزمع إصداره من شأنه أن يرتب أعباءً مالية إضافية على الموازنة العامة للدولة، وهو ما لا يتحقق– كأصل عام– بالنسبة إلى الهيئات العامة الاقتصادية التي تُعدُّ بشأنها موازنات مستقلة تقتصر العلاقة بينها وبين الموازنة العامة للدولة على الفائض الذى يئول منها إلى الموازنة العامة للدولة، وما يتقرر لها من قروض ومساهمات، ومن ثم فإنه لن يترتب على القوانين والقرارات المتعلقة بهذه الموازنات المستقلة– على الأقل بصورة مباشرة- أي أعباء على الموازنة العامة للدولة،
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحكم الوارد في المادة (74) من القانون ذاته والذي يوجب أخذ موافقة مكتوبة
من وزارة المالية قبل إصدار أو تعديل لوائح خاصة يترتب عليها آثار مالية على الخزانة العامة للدولة،
ذلك بأن اللوائح المتعلقة بالهيئات العامة الاقتصادية ترتب آثارها المالية– كأصل عام- على الأموال الخاصة بتلك الهيئات دون الخزانة العامة للدولة، ومن ثم تنتفي الحاجة إلى اشتراط حصول تلك الهيئات على موافقة مكتوبة من وزارة المالية قبل إصدار أو تعديل اللوائح الخاصة بها، ما دام لم يثبت على نحو قطعي يقيني تحمل الخزانة العامة للدولة الآثار المالية لتلك اللوائح.
واستظهرت الجمعية العمومية كذلك أن المشرع بموجب القانون رقم (19) لسنة 1982 أنشأ هيئة قومية تسمى «الهيئة القومية للبريد» تكون لها الشخصية الاعتبارية وتتبع وزير المواصلات، وأوجب أن يكون لها موازنة خاصة تُعد طبقًا للقواعد التي تحددها لوائحها الداخلية دون التقيد بالقوانين واللوائح المنظمة لإعداد موازنة الدولة، كما جعل المشرع من مجلس إدارة الهيئة السلطة المهيمنة على شئونها وتصريف أمورها، وناط به اتخاذ ما يراه لازمًا من قرارات لتحقيق الأغراض التي أُنشئت من أجلها دون التقيد بالقواعد والنظم الحكومية
وما قد تقتضيه من الرجوع إلى أية جهة خارج الهيئة، ومن بين ذلك اقتراح وضع اللائحة المتعلقة بتعيين العاملين بالهيئة وتحديد رواتبهم وبدلاتهم وسائر شئونهم الوظيفية دون التقيد بنظم العاملين المدنيين بالدولة، على أن تصدر اللائحة بقرار من وزير المواصلات، وتنفيذًا لذلك صدرت لائحة الموارد البشرية بالهيئة القومية للبريد بموجب قرار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات رقم (937) لسنة 2021 استنادًا إلى أحكام قانون إنشاء الهيئة المشار إليه، وتضمنت النص في المادة (46) على أن تضع السلطة المختصة بناءً على عرض اللجنة العليا للموارد البشرية وبعد موافقة مجلس الإدارة، نظامًا للمزايا المادية والعينية يتضمن مقابل غلاء معيشة سنويًّا.
ولاحظت الجمعية العمومية في إطار ما تقدم أنه قد صدرت قوانين عديدة بربط موازنات الهيئة القومية للبريد عن أعوام متعددة، من بينها القانون رقم (98) لسنة 2021 بربط موازنة الهيئة للسنة المالية 2021/2022، والقانون رقم (110) لسنة 2022 بربط موازنة الهيئة للعام المالي 2022/2023،
وتواتر النص في هذه القوانين على اعتبار التأشيرات العامة الملحقة بها جزءًا لا يتجزأ منها، ورهن المشرع سريان هذه التأشيرات على الهيئة بعدم التعارض مع قانون إنشائها، وهو ما يأتي اتفاقًا مع القواعد العامة
التي تُعلي القانون من الناحية الموضوعية على القانون من الناحية الشكلية، ومن ثم فإنه لا يجوز لقوانين ربط موازنة الهيئة القومية للبريد والتأشيرات العامة الملحقة بها، أن تخالف الأحكام التي أوردها قانون إنشاء الهيئة رقم (19) لسنة 1982 واللوائح والقرارات الصادرة استنادًا إليه، وعلى الأخص منها ما يتعلق باعتبار مجلس إدارة الهيئة هو السلطة المهيمنة على شئونها وتصريف أمورها وله أن يتخذ ما يراه لازمًا من قرارات لتحقيق الأغراض التي أُنشئت من أجلها دون التقيد بالقواعد والنظم الحكومية وما قد تقتضيه من الرجوع إلى أية جهة خارج الهيئة.
ومن حيث إنه تأسيسا على ما تقدم، لما كان الثابت أنه في إطار حكم المادة (46) من لائحة الموارد البشرية بالهيئة القومية للبريد المشار إليها سلفًا، وافقت اللجنة العليا للموارد البشرية بالهيئة بتاريخ 14/6/2022 على منح العاملين بالهيئة حافز مقابل غلاء معيشة سنويًّا ضمن بند (5/5) حوافز العاملين اعتبارًا
من 1/7/2022 بتكلفة سنوية مقدارها (650) مليون جنيه بتمويل ذاتي مقابل تحقيق زيادة مماثلة بإيرادات النشاط الجاري دون تحميل الموازنة العامة للدولة أي أعباء، فإن مسلك الهيئة القومية للبريد في هذا الشأن يضحى موافقًا لصحيح قانون إنشائها رقم (19) لسنة 1982، بحسبانه قانونًا من الناحية الموضوعية، واللوائح والقرارات الصادرة استنادًا إليه، والتي تسمو أحكامها جميعًا فوق أحكام قانون ربط موازنة الهيئة والتأشيرات العامة الملحقة به، والتي لا تعدو كونها قانونًا من حيث الشكل فحسب، وترتيبًا على ذلك لا يجوز لوزارة المالية الامتناع عن زيادة بند الحوافز رقم (5/5) بالمقدار المشار إليه في مشروع موازنة الهيئة بقالة وجوب استيفاء الهيئة الإجراءات المقررة بحكم المادة (2) من التأشيرات العامة للهيئات الاقتصادية للعام المالي 2021/2022 والتي تحظر صدور أي قرارات مالية من شأنها زيادة نظم الحوافز والمكافآت أو أي مزايا مالية أخرى
عن المعتمدة والمعمول بها بالجهة إلا بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على دراسة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وموافقة وزارة المالية؛ ذلك بأن الإجراءات المشار إليها تتعارض مع الأحكام التي أوردها قانون إنشاء الهيئة القومية للبريد واللوائح والقرارات الصادرة استنادًا إليه، والتي تُجيز لمجلس إدارة الهيئة بحسبانه السلطة المهيمنة على شئونها وتصريف أمورها اتخاذ ما يراه لازمًا من قرارات لتحقيق الأغراض التي أُنشئت من أجلها دون التقيد بالقواعد والنظم الحكومية وما قد تقتضيه من الرجوع إلى أية جهة خارج الهيئة، ومن بين ذلك تقرير مقابل غلاء المعيشة السنوي على النحو المشار إليه، ومن ثم فإنه يكون للهيئة تقرير ذلك المقابل دون اشتراط أن يتم ذلك بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على دراسة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة
وموافقة وزارة المالية، على نحو ما هو مقرر بحكم المادة (2) من التأشيرات العامة للهيئات الاقتصادية للعام المالي 2021/2022.
لـــذلــــك
انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى مشروعية مسلك الهيئة القومية للبريد
في تقرير مقابل غلاء معيشة سنوي للعاملين بها دون اتباع الإجراءات المقررة بموجب المادة (2)
من التأشيرات العامة لموازنات الهيئات الاقتصادية للسنة المالية 2021/2022، وذلك على الوجه المُبين بالأسباب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحريرًا في: / /2023
رئـيس
الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع
المستشار/
أحمد عبد التواب محمد موسى
النـائـب الأول لرئـيـس مـجـلـس الدولـة