الطعن رقم ۱۱۹۹۹ لسنة ۸۹ ق
من ديسمبر سنة 2020
برئاسة السيـد القاضي/ عبد الله عمـــــــــر رئيــــــس محكمـــــــــــــة النقـــــــــــض
وعضوية السـادة القضاة/ د. فتحي المصـــــــــرى، فتحي محمد حنضــل، حسن محمـد منصـــــور، عبـــد الجـــواد موســى، عبد العــزيز الطنطاوي، نبيـــــــــل عمــــــــــــــــران، نبيـــــــــــــل صـــــــــــــــادق، محمـــد أبـــو الليــــــــل، صـلاح الديـن مجـاهـــد، ود. مصطفى سالمـان نـــواب رئيس المحكمـــة.
الطعن المقيد فى جدول المحكمة برقم 11999 لسنة 89 قضائية “هيئة عامة”
( )
(1- 10) اختصاص ” الاختصاص المتعلق بالولاية: اختصاص المحاكم العادية: القضاء العادي صاحب الولاية العامة “. رد غير المستحق” حالاته : اثراء بلا سبب” . دستور ” المحكمة الدستورية العليا : حجية أحكامها “. قرار إداري ” ما لا يعد كذلك “. جمارك” منازعاتها”.
(1) القضاء العادي صاحب الولاية العامة فى نظر المنازعات المدنية والتجارية . تقييد هذه الولاية. استثناء يجب عدم التوسع فى تفسيره . لازمه .
(2) محاكم مجلس الدولة صاحبة الولاية العامة فى الفصل فى المنازعات الإدارية . م 10 ق 47 لسنة 1972.
(3)القرار الإدارى الذى لا تختص جهة القضاء العادى بإلغائه أو تأويله أو تعديله أو التعويض عن الأضرار المترتبة عليه . ماهيته . القرار الذى تفصح به جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين بقصد إحداث مركز قانون معين متى كان ممكنٌا وجائزٌا قانونٌا وكان الباعث عليه مصلحة عامة .
(4) إشابة القرار الإدارى بعيب انحدر به إلى درجة الانعدام. مؤداه . أصبح واقعة مادية مما يخرجه عن عداد القرارات الإدارية . أثره . يخضعه لاختصاص المحاكم العادية.
(5) الرسوم . ماهيتها . الفرائض التى تُستأدَى جبرًا مقابل خدمة محددة يقدمها الشخص العام لمن يطلبها عوضًا عن تكلفتها وإن لم يكن فى مقدارها .
(6) إجازة تفويض السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية فى تنظيم أوضاع الرسوم. شرطه . تحديد القانون نوع الخدمة والحدود القصوى للرسم وغيرها من القيود التى لا يجوز تخطيها. علة ذلك. قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص الفِقرتين الأولى والأخيرة من المادة 111 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963وبسقوط الفِقرة الثانية منها وبسقوط قرار وزير الخزانة رقم 58 لسنة 1963 والقرارين المعدلين له رقمى 100 لسنة 1965 و255 لسنة 1993 وكذا قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1994 والقرارين المعدلين له رقمى 1208 لسنة 1996 و752 لسنة 1997. التزامًا لهذا النظر.
(7) رد ما دفع بغير حق . حالاته . الوفاء بدين غير مستحق أصلاً أو بدين زال سببه . التزام المدفوع له بالرد بزوال سبب الوفاء . علة ذلك . الاستثناء . أن ينسب إلى الدافع نية التبرع أو أى تصرف قانونى آخر . المادتان 181 , 182 مدنى .
(8) المطالبة عن طريق دعوى رد غير المستحق . احدى تطبيقات قاعدة الاثراء بلا سبب . ماهيتها. زوال سبب الوفاء يبطل الوفاء كعمل قانونى ولا يبقى قائمًا إلا كواقعة مادية وهى الواقعة التى يترتب عليها إثراء المدفوع له وافتقار الدافع كما أنها هى ذاتها التى ينشأ عنها الالتزام برد ما دُفع بغير حق. مناطها . دعوى ذات طبيعة مدنية محضة ولا يغير من طبيعتها تلك أن يكون قد لابسها عنصر إدارى أضفى عليها شكل المنازعة الإدارية وأن يكون هذا العنصر هو سبب الالتزام قبل زواله . مؤداه . يختص بها القضاء العادى . أثره . طلب استرداد مبالغ مالية دُفعت بغير حق استنادًا إلى نص قانونى قُضى بعدم دستوريته لا يتصل بقرار إدارى ولا يتساند إليه يدخل بحسب طبيعته المدنية المحضة فى نطاق اختصاص القضاء العادى.
(9) ثبوت الحُجية المطلقة الملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة لأحكام المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير. الدعاوى التى تُرفع إليها للفصل فى مسائل تنازع الاختصاص بين جهات القضاء أو فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادرين من جهتى قضاء . اقتصارها على تحديد أى الجهات القضائية المتنازعة هى المختصة بالفصل فى النزاع أو أي الحكمين المتناقضين صدر من الجهة التى لها ولاية الحكم فى النزاع فيكون أولى بالتنفيذ. مؤداه . لا يتوافر لها عينية الأثر وإن ثبتت لها الحُجية المطلقة فإنما تثبت فى نطاقها أى بين أطرافها فقط ولا تتجاوزهم إلى سواهم.
(10) طلب استرداد رسوم الخِدمات الجمركية المسددة بغير حق عند الإفراج عن البضائع المحصلة استنادًا إلى المادة 111 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 وقرارات وزير المالية المنفذة لها والمقضى بعدم دستوريتها . مناطها . منازعة ذات طبيعة مدنية محضة يختص بها القضاء العادى صاحب الولاية العامة فى نظر المنازعات المدنية والتجارية . أثره. انتهاء الهيئة العامة بالأغلبية المنصوص عليها فى الفِقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية العدول عن الرأى فى الاحكام المخالفة لهذا النظر وإقرار الأحكام التى التزمت به.
——————-
1- المقرر فى قضاء محكمة النقض أن القضاء العادى هو صاحب الولاية العامة فى نظر المنازعات المدنية والتجارية وكافة المنازعات التى لم تخرج عن دائرة اختصاصه بنص خاص، وأن أى قيد يضعه المشرع للحد من هذه الولاية – ولا يخالف به أحكام الدستور – يعتبر استثناءً واردًا على أصل عام ومن ثم يجب عدم التوسع فى تفسيره، ولازم ذلك أنه إذا لم يوجد نص فى الدستور أو القانون يجعل الاختصاص بالفصل فى النزاع لجهة أخرى غير المحاكم، فإن الاختصاص بالفصل فيه يكون باقيًا للقضاء العادى على أصل ولايته العامة.
2- إذ كان النص فى المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 مؤداه أن محاكم مجلس الدولة هى صاحبة الولاية العامة فى المنازعات الإدارية سواء ما ورد منها على سبيل المثال بالمادة المشار إليها أو ما قد يثور بين الأفراد والجهات الإدارية بصدد ممارسة هذه الجهات لنشاطها فى إدارة أحد المرافق العامة بما لها من سلطة عامة.
3- إذ كان قضاء محكمة النقض قد استقر على أن القرار الإدارى الذى لا تختص جهة القضاء العادى بإلغائه أو تأويله أو تعديله أو التعويض عن الأضرار المترتبة عليه هو ذلك القرار الذى تفصح به الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين بقصد إحداث مركز قانونى معين متى كان ممكنًا وجائزًا قانونًا وكان الباعث عليه مصلحة عامة.
4- إن شاب القرار الإدارى عيب انحدر به إلى درجة الانعدام أصبح واقعة مادية مما يخرجه عن عداد القرارات الإدارية ويخضعه لاختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة بنظر كافة المنازعات.
5- إذ كانت الرسوم – وفقًا لما قررته المحكمة الدستورية العليا – من الفرائض التى تُستأدَى جبرًا مقابل خدمة محددة يقدمها الشخص العام لمن يطلبها عوضًا عن تكلفتها وإن لم يكن فى مقدارها.
6- لئن كان للسلطة التشريعية تفويض السلطة التنفيذية فى تنظيم أوضاعها إلا أن ذلك مشروط بأن يحدد القانون نوع الخدمة والحدود القصوى للرسم وغيرها من القيود التى لا يجوز تخطيها حتى لا تكون تلك الرسوم مجرد وسيلة جباية لا تقابلها خِدمات حقيقية يحصل عليها من يدفعها. وانطلاقًا من هذا النظر قضت المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 175 لسنة ۲۲ق “دستورية” بتاريخ 5/9/2004 بعدم دستورية نص الفِقرتين الأولى والأخيرة من المادة 111 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963الصادر بقرار رئيس الجمهورية، وبسقوط الفِقرة الثانية منها، وبسقوط قرار وزير الخزانة رقم 58 لسنة 1963 والقرارين المعدلين له رقمى 100 لسنة 1965 و255 لسنة 1993 وكذا قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1994 والقرارين المعدلين له رقمى 1208 لسنة 1996 و752 لسنة 1997.
7- مُفاد النص فى المادتين 181 و182 من القانون المدنى – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – أن المشرع أورد حالتين يجوز فيهما للموفى أن يسترد ما أوفاه، أولاهما الوفاء بدين غير مستحق أصلًا، وهو وفاء غير صحيح بدين غير مستحق الأداء، وفى هذه الحالة يلتزم المدفوع له بالرد إلا إذا نسب إلى الدافع نية القيام بتبرع أو أى تصرف قانونى آخر. وثانيتهما أن يتم الوفاء صحيحًا بدين مستحق الأداء ثم يزول السبب الذى كان مصدرًا لهذا الالتزام، ولا يتصور فى هذه الحالة أن يكون طالب الرد عالمًا وقت الوفاء بأنه غير ملتزم بما أوفىَ لأنه كان ملتزمًا به قانونًا، وسواء تم الوفاء اختيارًا أو جبرًا فإن الالتزام بالرد يقوم بمجرد زوال السبب.
8- إذ كانت المطالبة بالرد عن طريق دعوى رد غير المستحق وهى إحدى تطبيقات دعوى الإثراء بلا سبب، إذ بزوال سبب الوفاء يبطل الوفاء كعمل قانونى ولا يبقى قائمًا إلا كواقعة مادية، وهى الواقعة التى يترتب عليها إثراء المدفوع له وافتقار الدافع، كما أنها هى ذاتها التى ينشأ عنها الالتزام برد ما دُفع بغير حق، وهذه الدعوى ذات طبيعة مدنية محضة ويختص بها القضاء العادى، ولا يغير من طبيعتها تلك أن يكون قد لابسها عنصر إدارى أضفى عليها شكل المنازعة الإدارية، وأن يكون هذا العنصر هو سبب الالتزام قبل زواله، ذلك أن هذا السبب بمجرده لا يغير من الطبيعة الموضوعية لدعوى رد غير المستحق وهى الطبيعة المدنية المحضة، إذ إنه لا عبرة بسبب الوفاء أيًا كان، طالما أن دعوى رد غير المستحق لا تقوم على هذا السبب ولا على الوفاء المترتب عليه، وإنما تقوم لدى زواله وبطلان الوفاء كعمل قانونى وبقائه كواقعة مادية كما سلف القول، وباعتبار أن هذا هو أساس نشأة الالتزام فى دعوى رد غير المستحق دون النظر إلى السبب الذى زال. وهو ما يترتب عليه، أن موضوع المنازعة الحالية – بطلب استرداد مبالغ مالية دُفعت بغير حق استنادًا إلى نص قانونى قُضى بعدم دستوريته – لا يتصل بقرار إدارى ولا يتساند إليه، ويدخل بحسب طبيعته المدنية المحضة فى نطاق اختصاص القضاء العادى.
9- الحُجية المطلقة الملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة إنما تثبت لأحكام المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير، أما الدعاوى التى تُرفع إليها للفصل فى مسائل تنازع الاختصاص بين جهات القضاء أو فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادرين من جهتى قضاء، فإن دورها فيها، وعلى ما جرى به قضاؤها، يقتصر على تحديد أى الجهات القضائية المتنازعة هى المختصة بالفصل فى النزاع، أو أى الحكمين المتناقضين صدر من الجهة التى لها ولاية الحكم فى النزاع فيكون أولى بالتنفيذ، وهى بهذه المثابة لا يتوافر لها عينية الأثر، وإن ثبتت لها الحُجية المطلقة فإنما تثبت فى نطاقها، أى بين أطرافها فقط ولا تتجاوزهم إلى سواهم.
10- إذ كانت بعض أحكام محكمة النقض قد ذهبت فى قضائها إلى اختصاص القضاء الإدارى بنظر المنازعات المتعلقة بطلب استرداد رسوم الخِدمات الجمركية المسددة بغير حق عند الإفراج عن البضائع، فقد رأت الهيئة، بالأغلبية المنصوص عليها فى الفِقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية المشار إليه آنفًا، العدول عن هذا الرأى والأحكام التى اعتدت به، وإقرار الأحكام التى استقر عليها قضاء محكمة النقض والتى انتهت إلى أن المنازعة بشأن رد رسوم الخِدمات المحصلة استنادًا إلى المادة 111 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 وقرارات وزير المالية المنفذة لها والمقضى بعدم دستوريتها ، هى منازعة ذات طبيعة مدنية محضة يختص بها القضاء العادى صاحب الولاية العامة فى نظر المنازعات المدنية والتجارية.
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضى المقرر، والمرافعة والمداولة.
حيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل فى أن الشركة المطعون ضدها أقامت على الطاعن بصفته الدعوى رقم 251 لسنة 2018 مدنى دمياط الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه رد مبلغ 850‚368‚15 جنيهًا والفوائد القانونية بواقع 5% سنويًا من تاريخ اللجوء إلى لجنة فض المنازعات وحتى تمام السداد، وقالت بيانًا لذلك إنها استوردت عدة رسائل لإنشاء محطة لإنتاج وتوليد الكهرباء، وإذ حصلت مصلحة الجمارك رسوم خِدمات عنها دون وجه حق استنادًا إلى المادة 111 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 وقرارات وزير المالية المنفذة لها والتى قُضى بعدم دستوريتها فكانت الدعوى. وبتاريخ 29/10/2018 حكمت المحكمة بإلزام الطاعن بصفته برد المبلغ المطالب به والفوائد القانونية بواقع 4% سنويًا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد. استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم بالاستئناف رقم 1518 لسنة 50ق أمام محكمة استئناف المنصورة “مأمورية دمياط”. كما استأنفه الطاعن بصفته بالاستئناف رقم 1604 لسنة 50ق أمام ذات المحكمة، التى ضمت الاستئناف الثانى للأول ثم قضت بتاريخ 9/4/2019 برفضهما وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن بصفته فى هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، وإذ عُرض الطعن على دائرة المواد التجارية والاقتصادية فى غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الدائرة التجارية والاقتصادية المختصة تبينت وجود اتجاه ذهبت به بعض الدوائر فى أحكامها إلى أن المنازعة المتعلقة بطلب استرداد رسوم الخِدمات الجمركية المسددة بغير حق عند الإفراج عن البضائع، تعد منازعة إدارية بطبيعتها التزامًا بالحُجية المطلقة لحكمى المحكمة الدستورية العليا الصادرين فى الدعويين رقمى 24 لسنة 39 قضائية “تنازع” و3 لسنة 38 قضائية “تنازع” بجلستى 2/3/2019، 6/7/2019– بعد العمل بدستور عام 2014 الذى نص فى المادة (195) منه على أن ” تُنشر فى الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهى ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حُجية مطلقة بالنسبة لهم.”، ومن ثم تندرج ضمن الاختصاص الولائى لمحاكم مجلس الدولة، وذلك باعتبار أنه قد ورد بأسباب قضاء المحكمة الدستورية العليا فى دعويى التنازع سالفتى البيان أن المنازعة ذات طبيعة إدارية وأنه يجب الالتزام بما ورد بهذه الأسباب. وهو ما يخالف الاتجاه الذى استقر عليه قضاء محكمة النقض من أن المنازعة بشأن رد رسوم الخِدمات المحصلة استنادًا إلى المادة 111 من قانون الجمارك المشار إليه هى منازعة ذات طبيعة مدنية محضة يختص بها القضاء العادى صاحب الولاية العامة فى نظر المنازعات المدنية والتجارية، باعتبار أنها وبعد القضاء بعدم دستورية المادة المذكورة قد أصبحت دينًا عاديًا، وأن الفصل فيها لا يتعلق بقرار إدارى أو طلب التعويض عنه، وأن بقاء ما تم سداده تحت يد محصله يكون بغير سند ويصير دينًا عاديًا يتم اقتضاؤه عن طريق دعوى استرداد ما دُفع بغير حق.
وإزاء هذا الاختلاف قررت الدائرة التجارية والاقتصادية المختصة بجلستها المعقودة بتاريخ 28 من يناير 2020 إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها عملًا بالفِقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل للفصل فى هذا الاختلاف وإقرار المبدأ المستقِر فى قضاء هذه المحكمة والعدول عن المبدأ الذى قررته أحكام الاتجاه الآخر من انعقاد الاختصاص بنظر المنازعات المتعلقة بطلب استرداد رسوم الخِدمات الجمركية إلى القضاء الإدارى.
وإذ حددت الهيئة جلسة لنظر الطعن أودعت النيابة العامة مذكرة عدلت فيها عن رأيها السابق ورأت نقض الحكم المطعون فيه وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها الأخير.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن القضاء العادى هو صاحب الولاية العامة فى نظر المنازعات المدنية والتجارية وكافة المنازعات التى لم تخرج عن دائرة اختصاصه بنص خاص، وأن أى قيد يضعه المشرع للحد من هذه الولاية – ولا يخالف به أحكام الدستور – يعتبر استثناءً واردًا على أصل عام ومن ثم يجب عدم التوسع فى تفسيره، ولازم ذلك أنه إذا لم يوجد نص فى الدستور أو القانون يجعل الاختصاص بالفصل فى النزاع لجهة أخرى غير المحاكم، فإن الاختصاص بالفصل فيه يكون باقيًا للقضاء العادى على أصل ولايته العامة. وكان النص فى المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 مؤداه أن محاكم مجلس الدولة هى صاحبة الولاية العامة فى المنازعات الإدارية سواء ما ورد منها على سبيل المثال بالمادة المشار إليها أو ما قد يثور بين الأفراد والجهات الإدارية بصدد ممارسة هذه الجهات لنشاطها فى إدارة أحد المرافق العامة بما لها من سلطة عامة. وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن القرار الإدارى الذى لا تختص جهة القضاء العادى بإلغائه أو تأويله أو تعديله أو التعويض عن الأضرار المترتبة عليه هو ذلك القرار الذى تفصح به الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين بقصد إحداث مركز قانونى معين متى كان ممكنًا وجائزًا قانونًا وكان الباعث عليه مصلحة عامة، فإن شابه عيب انحدر به إلى درجة الانعدام أصبح واقعة مادية مما يخرجه عن عداد القرارات الإدارية ويخضعه لاختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة بنظر كافة المنازعات. وكانت الرسوم – وفقًا لما قررته المحكمة الدستورية العليا – من الفرائض التى تُستأدَى جبرًا مقابل خدمة محددة يقدمها الشخص العام لمن يطلبها عوضًا عن تكلفتها وإن لم يكن فى مقدارها، وأنه ولئن كان للسلطة التشريعية تفويض السلطة التنفيذية فى تنظيم أوضاعها إلا أن ذلك مشروط بأن يحدد القانون نوع الخدمة والحدود القصوى للرسم وغيرها من القيود التى لا يجوز تخطيها حتى لا تكون تلك الرسوم مجرد وسيلة جباية لا تقابلها خِدمات حقيقية يحصل عليها من يدفعها. وانطلاقًا من هذا النظر قضت المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 175 لسنة ۲۲ق “دستورية” بتاريخ 5/9/2004 بعدم دستورية نص الفِقرتين الأولى والأخيرة من المادة 111 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963الصادر بقرار رئيس الجمهورية، وبسقوط الفِقرة الثانية منها، وبسقوط قرار وزير الخزانة رقم 58 لسنة 1963 والقرارين المعدلين له رقمى 100 لسنة 1965 و255 لسنة 1993 وكذا قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1994 والقرارين المعدلين له رقمى 1208 لسنة 1996 و752 لسنة 1997. وكان مُفاد النص فى المادتين 181 و182 من القانون المدنى – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المشرع أورد حالتين يجوز فيهما للموفى أن يسترد ما أوفاه، أولاهما الوفاء بدين غير مستحق أصلًا، وهو وفاء غير صحيح بدين غير مستحق الأداء، وفى هذه الحالة يلتزم المدفوع له بالرد إلا إذا نسب إلى الدافع نية القيام بتبرع أو أى تصرف قانونى آخر. وثانيتهما أن يتم الوفاء صحيحًا بدين مستحق الأداء ثم يزول السبب الذى كان مصدرًا لهذا الالتزام، ولا يتصور فى هذه الحالة أن يكون طالب الرد عالمًا وقت الوفاء بأنه غير ملتزم بما أوفىَ لأنه كان ملتزمًا به قانونًا، وسواء تم الوفاء اختيارًا أو جبرًا فإن الالتزام بالرد يقوم بمجرد زوال السبب. وكانت المطالبة بالرد عن طريق دعوى رد غير المستحق وهى إحدى تطبيقات دعوى الإثراء بلا سبب، إذ بزوال سبب الوفاء يبطل الوفاء كعمل قانونى ولا يبقى قائمًا إلا كواقعة مادية، وهى الواقعة التى يترتب عليها إثراء المدفوع له وافتقار الدافع، كما أنها هى ذاتها التى ينشأ عنها الالتزام برد ما دُفع بغير حق، وهذه الدعوى ذات طبيعة مدنية محضة ويختص بها القضاء العادى، ولا يغير من طبيعتها تلك أن يكون قد لابسها عنصر إدارى أضفى عليها شكل المنازعة الإدارية، وأن يكون هذا العنصر هو سبب الالتزام قبل زواله، ذلك أن هذا السبب بمجرده لا يغير من الطبيعة الموضوعية لدعوى رد غير المستحق وهى الطبيعة المدنية المحضة، إذ إنه لا عبرة بسبب الوفاء أيًا كان، طالما أن دعوى رد غير المستحق لا تقوم على هذا السبب ولا على الوفاء المترتب عليه، وإنما تقوم لدى زواله وبطلان الوفاء كعمل قانونى وبقائه كواقعة مادية كما سلف القول، وباعتبار أن هذا هو أساس نشأة الالتزام فى دعوى رد غير المستحق دون النظر إلى السبب الذى زال. وهو ما يترتب عليه، أن موضوع المنازعة الحالية – بطلب استرداد مبالغ مالية دُفعت بغير حق استنادًا إلى نص قانونى قُضى بعدم دستوريته – لا يتصل بقرار إدارى ولا يتساند إليه، ويدخل بحسب طبيعته المدنية المحضة فى نطاق اختصاص القضاء العادى.
ولا ينال من ذلك، ما ذهبت إليه أحكام الاتجاه الآخر من اختصاص القضاء الإدارى بنظر منازعات استرداد رسوم الخِدمات الجمركية محل الطعن استنادًا إلى ما ورد بأسباب الحكمين الصادرين من المحكمة الدستورية العليا فى دعويى التنازع سالفتى البيان، ومن ثبوت الحجية المطلقة لهما، ذلك بأن الحُجية المطلقة الملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة إنما تثبت لأحكام المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير، أما الدعاوى التى تُرفع إليها للفصل فى مسائل تنازع الاختصاص بين جهات القضاء أو فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادرين من جهتى قضاء، فإن دورها فيها، وعلى ما جرى به قضاؤها، يقتصر على تحديد أى الجهات القضائية المتنازعة هى المختصة بالفصل فى النزاع، أو أى الحكمين المتناقضين صدر من الجهة التى لها ولاية الحكم فى النزاع فيكون أولى بالتنفيذ، وهى بهذه المثابة لا يتوافر لها عينية الأثر، وإن ثبتت لها الحُجية المطلقة فإنما تثبت فى نطاقها، أى بين أطرافها فقط ولا تتجاوزهم إلى سواهم.
لما كان ما تقدم، وكانت بعض أحكام هذه المحكمة قد ذهبت فى قضائها إلى اختصاص القضاء الإدارى بنظر المنازعات المتعلقة بطلب استرداد رسوم الخِدمات الجمركية المسددة بغير حق عند الإفراج عن البضائع، فقد رأت الهيئة، بالأغلبية المنصوص عليها فى الفِقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية المشار إليه آنفًا، العدول عن هذا الرأى والأحكام التى اعتدت به، وإقرار الأحكام التى استقر عليها قضاء هذه المحكمة والتى انتهت إلى أن المنازعة بشأن رد رسوم الخِدمات المحصلة
استنادًا إلى المادة 111 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 وقرارات وزير المالية المنفذة لها والمقضى بعدم دستوريتها، على نحو ما سلف بيانه، هى منازعة ذات طبيعة مدنية محضة يختص بها القضاء العادى صاحب الولاية العامة فى نظر المنازعات المدنية والتجارية.
ومن ثم فإن الهيئة وبعد الفصل فى المسألة المعروضة تعيد الطعن إلى الدائرة التى أحالته إليها للفصل فيه وفقًا لما سبق وطبقًا لأحكام القانون.