للحياة الخاصة حرمة, وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها … ا

 الدعوى رقم 57933 لسنة 68 ق

بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
محكمة القضاء الإداري
الدائرة الثانية

بالجلسة المنعقدة علنًا في يوم الثلاثاء الموافق 25/ 8/ 2015
بـرئاسة السيد الأستاذ المستشار/ احمد محمد الشاذلى نائب رئيس مجلس الدولة – رئيس المحكمة
وعــضوية الـسيد الأستاذ المستشار/ خالد محمد طلعت نائب رئيس مجلس الدولة
والـسيد الأسـتاذ المسـتشار/ اسامه محمد عبدالرحمن نائب رئيس مجلس الدولة
وحضور السـيد الأستاذ المستشار/ محمد اسماعيل على مـفـوض الدولـة
وسـكرتـارية الســـــيد/ ابراهيم سيد محمود أمـيـن الســر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى رقم 57933 لسنة 68 ق

المقامة من

محمود سامي زكي احمد جويلي

ضد

1- رئيس جمهورية مصر العربية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
4- رئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات
5- القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي
6- وزير الداخلية


الوقائع

اقام المدعي دعواه الماثلة بموجب عريضة اودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 13/ 7/ 2014 طلب في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلا وإلزام المدعى عليهم من الاول الى الرابع بصفة مستعجلة بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن حجب موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك (Facebook‏) عن جمهورية مصر العربية بعنوانه على شبكة المعلومات الدولية ((www.facebook.com، وكذلك اتخاذ ما يلزم لحجب كافة تطبيقاته على الهواتف النقالة (التليفون المحمول) على ان يصدر الحكم بصفة عاجلة وتنفيذه بمسودته دون إعلان وإلزام المدعى عليهم المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة.
وقال المدعي – شرحا لدعواه – انه في غضون عام 2004 قام شاب امريكي يهودي يدعى (مارك زوكربيرج) بانشاء موقع الكتروني تحت اسم (Facebook‏) على شبكة المعلومات الدولية بهدف نشر الصور والتواصل الاجتماعي، ومع قيام تورة الشعب المصري في 25 يناير 2011 اصبح لهذا الموقع شعبية واسعة حتى اصبح قطاع عريض من الشعب المصري لا يعرف الأخبار الا عن طريق هذا الموقع كما أصبحت تطبيقات هذا الموقع على التليفونات المحمولة الأكثر انتشارا في الاستخدام من قبل المواطنين وفي ظل حالة السيولة العارمة في الحراك السياسي التي عمت أرجاء البلاد عقب ثورة 25 يناير سنة 2011 صار من ليس له مهنة يطلق على نفسه ناشطا سياسيا ومديرا لأحد الصفحات التي تزعم أنها ثورية ثم يقوم بعد ذلك ببث سمومه بين أبناء الوطن واستخدام الأساليب المختلفة لشق وحدة الصف الوطني عن طريق نشر الشائعات والحض على الكراهية بين أبناء الشعب ممن ينتمون لاتجاهات سياسية مختلفة، كما قامت صفحات هذا الموقع بالتحريض على الفوضى الأخلاقية وخلق حالة من عدم الاستقرار في البلاد فقد عجزت الحكومات التي تشكلت بعد ثورة يناير عن ان تستمر بسبب الشائعات وتصيد الأخطاء وتظليل الشعب التي دأبت عليها صفحات هذا الموقع.
واستطرد المدعي – في أقواله – انه بعد ثورة الشعب المصري في 30 يونيو 2013 التي أعلن فيها رفضه لجماعة الأخوان الإرهابية استكمالا لثورته في 25 يناير تعرض الشعب لهجمات إرهابية شرسة أفضت بحياة خيرة الرجال من أبناء القوات المسلحة والشرطة المدنية وإيقاف حركة السياحة وانهيار الاقتصاد القومي بوجه عام، فقد بان لازما على الجهات الإدارية المعنية اتخاذ قرار بحجب موقع الفيس بوك حفاظا على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ونهوضا بالاقتصاد حفاظا على الأمن القومي الا أن المدعى عليه الرابع امتنع عن ذلك مما يشكل قرارا سلبيا بالامتناع مخالفا للدستور والقانون تأسيسا على ما يقوم به هذا الموقع من تفتيت الوحدة الوطنية وهدم الأسرة المصرية لما تتضمنه العديد من صفحاته من تحريض على الرزيلة والمساس بتقاليد المجتمع وعاداته كما تقوم العديد من صفحات هذا الموقع بنشر الإشاعات وانتحال صفات أجهزة الدولة ومسئوليها دون أدنى قيود أو رقابة، كما ان استخدام هذا الموقع يؤدي إلى إهدار ساعات العمل سواء في القطاع العام أو الخاص مما يؤثر بالسلب على عجلة الإنتاج وإهدار المال العام إضافة إلى تعاظم استلاك الكهرباء نتيجة استخدام هذا الموقع لأوقات طويلة فضلا غن احتواء صفحاته على إعلانات لمنتجات يتم تسويقها في مصر ولا يتم سداد ضرائب عليها للدولة وهو ما يضر كذلك بالجرائد الالكترونية المرخصة في مصر من حيث قلة الإعلانات، كما بعض صفحات الموقع تحض على مقاطعة منتجات شركات مصرية وتحرض المواطنين على عدم سداد فواتير الكهرباء والغاز واستقلال مترو الأنفاق ذهابا وإيابا طوال اليوم لعدم إتاحة الفرصة لباقي المواطنين لاستقلاله حتى تحدث أزمة مرورية، كما أن العديد من صفحات الموقع تقوم بسب القضاء والقضاة بألفاظ يعجز اللسان عن نطقها وتتناول بالتعليق على أحكام القضاء من قبل أشخاص ليس لهم أية دارية بالقانون في محاولة للتأثير على القضاء، فضلا عن ان العديد من صفحات الموقع والتي تدعى أنها ثورية تعمل على مدار الساعة على قلب نظام الحكم بالمخالفة لأحكام قانون العقوبات والمادة (74) من الدستور التي قصرت ممارسة السياسة على الأحزاب السياسية، فضلا عن ان العديد من صفحات الموقع تحرض على اغتيال رجال القوات المسلحة والشرطة المدنية والقضاة، وبالتالي فان حجب موقع الفيس بوك صار امرأ حتميا للحفاظ على الأمن القومي أخذا في الاعتبار ان هناك العديد من الدول التي تمنع هذا الموقع تماما وأنشئت مواقع مشابهة بضوابط قانونية حفاظا لأمنها القومي والسلم الاجتماعي.
ومن ثم اختتم المدعي عريضة دعواه بطلب الحكم له بطلباته سالفة الذكر.
ونظرت الدائرة السابعة لمحكمة القضاء الإداري الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 11/ 10/ 2014 قررت إحالتها إلى هذه الدائرة للاختصاص بنظرها.
وعينت المحكمة لنظر الدعوى أمامها جلسة 23/ 11/ 2014، وبجلسة 28/ 12/ 2014 قررت إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها، ونفاذا لذلك فقد أعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا برأيها القانوني في الدعوى ارتأت فيه لما ورد به من أسباب الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري وإلزام المدعي المصروفات.
وتداولت المحكمة نظر الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 3/ 5/ 2015 قررت حجز الدعوى للحكم بجلسة 2/ 7/ 2015، وفيها قررت مد اجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم لإتمام المداولة، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن المدعى يهدف من الدعوى – طبقا للتكييف القانوني الصحيح لطلباته فيها – إلى الحكم بقبولها شكلا وبوقف تنفيذ القرار ثم إلغاء القرار السلبي بامتناع الجهة الإدارية عن حجب موقع الفيس بوك على ((www.facebook.com على شبكة المعلومات الدولية [الانترنت] مع إلزامها المصروفات ومقبل أتعاب المحاماة.
ومن حيث انه الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي مصلحة فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الأصل في قبول الدعوى بصفة عامة أن تكون مقامة من أشخاص لهم فيها مصلحة شخصية مباشرة الا انه فى مجال دعوى الإلغاء وحيث تتصل الدعوى بقواعد واعتبارات المشروعية والنظام العام يتسع شرط المصلحة الشخصية لكل دعوى إلغاء يكون رافعها فى حالة قانونية خاصة بالنسبة إلى القرار المطعون فيه من شأنها ان تجعل هذا القرار مؤثرا في مصلحة جدية له، ومن ثم فأنه لا يلزم أن يمس القرار المطلوب إلغاءه حقا ثابتا للمدعى على سبيل الاستئثار والانفراد، وإنما يكفى أن يكون في حالة قانونية من شأنها أن تجعل القرار مؤثرا تأثيرا مباشرا في مصلحة شخصية له، ولو شاركه فيها غيره.
ومتى كان ذلك، ولما كان المدعى قد أقام دعواه الماثلة بصفته أحد المواطنين الذين يهمهم الحرص على الامن القومي للدولة بمفهومه العام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من المخاطر التي يقدر تهدديده من خلال موقع الفيس بوك ((www.facebook.com على شبكة المعلومات الدولية، والذود عن مصلحة الجماعة التي هو عضو فيها ويتأثر كما يتأثر غيره من أعضاء الجماعة يما يطرأ على القيم والأخلاق من أفكار وسلوكيات ويهدد والسلام الاجتماعي والحياة الاقتصادية وينال من استقرار الأمن القومي، وهي مخاطر قد تعود بالضرر على شخصه و أسرته نظرا لانتشار استخدام ذلك الموقع بين قطاع عريض من المواطنين في الدولة، وتعلق كثير من الأفراد بما تعرضه صفحات هذا الموقع من مشاهد وأخبار ومعلومات يمكنهم مشاهدتها في منازلهم الخاصة وفى أماكن العمل و لدى الغير فى مراكز الكمبيوتر ومن خلال الهواتف النقالة، ومن ثم وبهذه المثابة فان شرط المصلحة الشخصية المباشرة، وهو يندمج في الصفة، يكون متوافر لدى المدعى مما يبرر له رافع دعواه المشار إليها و يكون الدفع المبدي في هذه الشأن في غير محله جديرا بالرفض، وتكتفي المحكمة بإثبات ذلك في الأسباب دون المنطوق.
ومن حيث إنه عن الدفع المبدي من المدعى عليه الرابع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة اليه، فإنه من المسلم أن الصفة في الدعوي هي “قدرة الشخص علي المثول أمام القضاء في الدعوي كمدع أو كمدع عليه” وهي بالنسبة للفرد كونه أصيلاً أو وكيلاً، ممثلاً أو وصيًا أو قيمًا، وبالنسبة للجهة الإدارية كون المدعى عليه صاحب الاختصاص في التعبير عن الجهة الإدارية أو الشخص الاعتباري العام المدعي عليه في الدعوي والمتصل بها موضوعًا، والذي تكون له القدرة الواقعية علي مواجهتها قانونًا بالرد وبتقديم المستندات وماليًا بالتنفيذ، وعلى ذلك فالصفة مسألة شكلية تتضح قبل الدخول في الدعوي على خلاف المصلحة التي لها صفة موضوعية لا تتضح ولا تبين إلا عند فحص موضوع الدعوي، فالصفة شرط لمباشرة الدعوي أمام القضاء وإبداء دفاع فيها، وقد حدد قانون تنظيم الاتصالات الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2003 الوزير المختص في المادة (1) منه بأنه ” الوزير المعنى بشئون الاتصالات “، وجعلت المادة (3) من القانون للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الشخصية الاعتبارية العامة ويتبع الوزير المختص، ثم ناطت المادة (12) من القانون المشار إليه بتولي إدارة الجهاز مجلس إدارة يعين بقرار من رئيس مجلس الوزراء برئاسة الوزير المختص، وجعلت المادة (13) من القانون مجلس إدارة الجهاز هو السلطة المختصة بشئونه وتصريف أموره، وله أن يتخذ ما يراه لازمًا من قرارات لتحقيق الأهداف التي أنشئ الجهاز من أجلها، ومباشرة اختصاصاته على الوجه المبين بهذا القانون، وعلى الأخص وضع الضوابط والأسس الخاصة بالجودة الفنية والقياسات المعيارية وقياسات جودة الأداء لمختلف خدمات الاتصالات، بما يؤدى إلى رفع مستوى الأداء والمتابعة الدورية لنتائج تطبيق هذه الضوابط والأسس والقياسات مع مراعاة المعايير الصحية والبيئية، ووضع قواعد وشروط منح التراخيص الخاصة باستخدام الطيف الترددي وتنظيم إجراءات منحها، وضع قواعد وشروط منح تراخيص تشغيل هذه الشبكات وإدارتها والتراخيص الخاصة بتقديم خدمات الاتصالات وإصدار هذه التراخيص وتجديدها ومراقبة تنفيذها طبقًا لأحكام هذا القانون بما يضمن حقوق المستخدمين وخاصة حقهم في ضمان السرية التامة طبقًا للقانون، وبما لا يمس بالأمن القومي والمصالح العليا للدولة ومعايير التخطيط العمراني والمعايير الصحية والبيئية، ثم ناطت المادة (15) من القانون ذاته بالرئيس التنفيذي للجهاز تنفيذ قرارات مجلس الإدارة، وقررت له المادة (16) من القانون الحلول بصفة مؤقتة محل رئيس مجلس إدارة الجهاز (الوزير المختص) في حال غيابه، وبالتالي فإن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يمثله أمام القضاء وفى علاقاته بالغير الرئيس التنفيذي للجهاز عملاً بحكم المادة (17) من القانون، وفي ضوء ما تقدم فإن الوزير المختص يظل متمتعًا وفقًا لأحكام قانون تنظيم الاتصالات المشار إليه بسلطات واسعة في إدارة الجهاز فهو رئيس مجلس إدارة الجهاز الذي يصدر القرارات ويضع الشروط والقواعد والضوابط المتعلقة بتراخيص تقديم خدمات الاتصالات وإصدارها وتجديدها ومراقبة تنفيذها وفقًا للقانون، ويتولى الرئيس التنفيذي تنفيذ قرارات مجلس الإدارة ويحل بصفة مؤقتة محل (الوزير المختص) رئيس مجلس إدارة الجهاز في حالة غيابه، الأمر الذي يكون الرئيس التنفيذي للجهاز ذو صفة محددة تتعلق بتنفيذه للقرارات الصادرة من أجهزة الأمن القومي بالقدر الذي تتحقق معه معونة المحكمة في بلوغ وجه الحقيقة، ذلك أن الصفة تثبت لذوي الشأن ليس بالضرورة للحكم عليهم وإنما تكون ثابتة لهم كذلك للحكم في مواجهتهم، ومن ثم يكون الدفع المبدى من بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعى عليه الرابع فاقدًا سنده وأساسه من صحيح حكم القانون خليقًا بالرفض، وتكتفي المحكمة بإثبات ذلك فى الأسباب دون المنطوق.
ومن حيث إنه عن الدفع المبدى من المدعى عليهم بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، فانه من المقرر قانونا أن الخصومة في دعوى الإلغاء هي خصومة عينية مناطها اختصام القرار الإداري في ذاته استهدافا لمراقبة مشروعيته، ومن ثم فإنه يتعين لقبول دعوى الإلغاء أن تنصب على قرار إداري نهائي قائمًا ومنتجًا لآثاره القانونية عند إقامة الدعوى، والقرار الإداري الذي يتعين أن تنصب عليه الدعوى – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة والمحكمة الإدارية العليا – هو إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح، وذلك بقصد إحداث مركز قانوني معين يكون ممكنًا وجائزًا قانونًا ابتغاء مصلحة عامة، ولا يلزم صدوره في صيغة معينة أو بشكل معين، فهو قد يكون شفويًا أو مكتوبًا، صريحًا أو ضمنيًا، إيجابيًا أو سلبيًا، والقرار الإداري الإيجابي هو قرار صريح تصدره الإدارة بالمنح أو المنع فيتجلى فيه موقفها الايجابي إزاء الطاعن وهو قرار يكشف عنه واقع الحال سواء نهضت الإدارة إلى إخطار صاحب الشأن به أو تسلبت من ذلك، وسواء نشرته للكافة أم جعلته للخاصة أم لم تنشره، وسواء أعلنته صراحة أو أمرت بتنفيذه بتعليمات داخلية. أما القرار الإداري السلبي فهو تعبير عن موقف سلبي للإدارة، فهي لا تعلن عن إرادتها للسير في اتجاه أو آخر بالنسبة لموضوع الأمر الواجب عليها اتخاذ موقف بشأنه، وإن كانت في ذات الوقت تعلن عن إرادتها الصريحة في الامتناع عن إصدار قرار كان يتعين عليها إصداره. ولقد حرص الفقه والقضاء الإداري دائمًا على إباحة الطعن في القرارات السلبية شأنها في ذلك شأن القرارات الإيجابية، وأكدت القوانين المتتابعة التي نظمت مجلس الدولة المصري هذه القاعدة بالنص عليها صراحة فنصت الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 على أنه ” ويعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح “، ومناط اعتبار امتناع الإدارة عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح، هو أن تكون ثمة قاعدة قانونية عامة تقرر حقا أو مركزا قانونيا لاكتساب هذا الحق أو المركز القانوني بحيث يكون تدخل الإدارة لتقريره أمرًا واجبا عليها، وأن يثبت بيقين أنه قد طلب منها اتخاذ القرار الواجب عليها اتخاذه، وعندئذ يكون تخلفها عنه بمثابة امتناع عن أداء هذا الواجب بما يشكل قرارًا سلبيًا مما يجوز الطعن عليه بدعوى الإلغاء، ذلك أنه لا يجوز القول بقيام القرار السلبي وإمكانية مخاصمته بدعوى الإلغاء طبقا للمادة (10) من قانون مجلس الدولة إلا إذا ثبت أن صاحب الشأن قد استنهض الإدارة بطلب إصدار القرار الذي أوجبت عليها القوانين واللوائح اتخاذه، وأن يكون قد توافر فيه الشروط والضوابط التي استلزمها القانون والذي أوجب بتوافرها على جهة الإدارة التدخل بقرار لإحداث الأثر الذي رتبه القانون، وأن جهة الإدارة قد امتنعت أو قعدت عن اتخاذ ذلك القرار.
وحيث إنه وتقصيًا لمدى وجود القرار الإداري السلبي المطعون فيه بالمعنى المقرر قانونًا والسالف بيانه، فانه يتعين استعراض النصوص الحاكمة لموضوع النزاع الماثل والواجبة التطبيق لبيان مدى التزام جهة الادارة بإصدار قرار بحجب موقع الفيس بوك ((www.facebook.com على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)، فإن المادة (57) من الدستور الصادر عام 2014 قد كفلت للمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصالات حرمتها وسريتها، وحظرت مصادرتها أو الإطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقًا لأحكام القانون وألزمت ذات المادة الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها وعدم جواز تعطيلها او وقفها او حرمان المواطنين منها بشكل تعسفي، كما كفلت المادة (65) من الدستور حرية الفكر والرأي، وجعلت لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه والتواصل مع الآخرين بنشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، وكفلت المادة (70) من من الدستور حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والالكتروني، وحظرت المادة (71) من الدستور فرض الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام كما حظرت مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، وحظرت المادة (9) من القانون رقم 96 لسنة 1969 بشأن تنظيم الصحافة فرض قيود تعوق حرية تدفق المعلومات أو تحول دون تكافؤ الفرص بين مختلف الصحف في الحصول على المعلومات أو يكون من شأنها تعطيل حق المواطن في الإعلام والمعرفة، كما نظم قانون تنظيم الاتصالات الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2003 حق المستخدم في الحصول على خدمات الاتصالات المتمثلة في توفير أو تشغيل الاتصالات أيًا كانت الوسيلة المستعملة سواء كانت وسيلة لإرسال أو استقبال الرموز، أو الإشارات، أو الرسائل، أو الكتابات أو الصور، أو الأصوات، وذلك أيًا كانت طبيعتها، وسواء كان الاتصال سلكيًا أو لاسلكيًا، وكفل المشرع مجموعة من القواعد التي تقوم عليها خدمات الاتصالات على رأسها علانية المعلومات، وحماية المنافسة الحرة، وتوفير الخدمة الشاملة، وحماية حقوق المستخدمين (المادتان (1) و (2) من القانون)، وألزم المشرع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بتلبية جميع احتياجات المستخدمين بأنسب الأسعار وتشجيع الاستثمار الوطني والدولي في هذا المجال في إطار من قواعد المنافسة الحرة، وبضمان وصول خدمات الاتصالات إلى جميع مناطق الجمهورية بما فيها مناطق التوسع الاقتصادي والعمراني والمناطق الحضرية والريفية والنائية، وفي ذات الوقت ألزمه بوضع القواعد التي تضمن حماية المستخدمين بما يكفل سرية الاتصالات وتوفير أحدث خدماتها بأنسب الأسعار مع ضمان جودة أداء هذه الخدمات، وبما لا يمس بالأمن القومي والمصالح العليا للدولة ومعايير التخطيط العمراني والمعايير الصحية والبيئية التي يصدر بها قرارات من الوزراء المعنيين ورؤساء الجهات المعنية (المواد (4) و (5) و (13) منه، وأوجبت المادة (25) من القانون ذاته أن يحدد الترخيص الصادر لمقدمي الخدمة التزامات المرخص له ومنها إتاحة الخدمة لجمهور المستخدمين دون تمييز، وضمان سرية الاتصالات والمكالمات الخاصة بعملاء المرخص له ووضع القواعد اللازمة للتأكد من ذلك، ثم مراعاة الالتزامات الخاصة بعدم المساس بالأمن القومي، وألزمت المادة (58) من القانون الجهاز بأن يتولى تجميع وإدارة وتحديث قاعدة بيانات مستخدمي الطيف الترددي، والحفاظ على سرية هذه البيانات حماية لحق المستخدمين في الخصوصية.
وحيث إنه من المستقر عليه أن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير المنصوص عليها في المادة (57) منه ـ المقابلة للمادة (47) من دستور سنة 1971 الملغى، هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها إليه، غير مقيد بالحدود الإقليمية على اختلافها، ولا منحصر في مصادر بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامي آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، وأن تنفتح مسالكها، وتفيض منابعها لا يحول دون ذلك قيد يكون عاصفًا بها، مقتحمًا دروبها، ذلك أن لحرية التعبير أهدافًا لا تريم عنها، ولا يتصور أن تسعى لسواها، هي أن يظهر من خلالها ضوء الحقيقة جليًا، فلا يداخل الباطل بعض عناصرها، ولا يعتريها بهتان ينال من محتواها ولا يتصور أن يتم ذلك إلا من خلال اتصال الآراء وتفاعلها ومقابلتها ببعض، وقوفًا على ما يكون منها زائفًا أو صائبًا، منطويًا على مخاطر واضحة، أو محققا لمصلحة مبتغاة• ذلك أن الدستور لا يرمى من وراء ضمان حرية التعبير، أن تكون مدخلاً إلى توافق عام، بل تغيا بصونها أن يكون كافلاً لتعدد الآراء وإرسائها على قاعدة من حيدة المعلومات ليكون ضوء الحقيقة منارًا لكل عمل، ومحددًا لكل اتجاه، ذلك أن حرية التعبير أبلغ ما تكون أثرًا في مجال اتصالها بالشئون العامة، وعرض أوضاعها تبيانًا لنواحي التقصير فيها، وتقويمًا لاعوجاجها، كما أن حق الفرد في التعبير عن الآراء التي يريد إعلانها، ليس معلقا على صحتها، ولا مرتبطًا بتمشيها مع الاتجاه العام في بيئة بذاتها، ولا بالفائدة العملية التي يمكن أن تنتجها، وإنما أراد الدستور بضمان حرية التعبير أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة في أعماق منابتها، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام، فلا تكون معاييرها مرجعًا لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه، ولا عائقًا دون تدفقها، وعلى ذلك فإن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها بوسائل الاتصالات المتعددة، لا يجوز منعها أو حظرها أو حجبها أو حتى تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التي تجول في عقولهم فلا يتهامسون بها نجيًا، بل يطرحونها عزمًا ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثا من جانبهم – وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوبًا. فالحقائق لا يجوز إخفاؤها، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكنًا في غيبة حرية التعبير وحجب وسائلها المقررة سواء في مجال عرضها أو نشرها، ولعل أكثر ما يهدد حرية التعبير، أن يكون الإيمان بها شكليًا أو سلبيًا. ومن ثم يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولاً بتبعاتها، وألا يفرض أحد على غيره صمتًا ولو بقوة القانون، وعلى هذا الأساس تعين القول بأن حرية التعبير التي كفلها الدستور، هي القاعدة في كل تنظيم ديمقراطي، لا يقوم إلا بها، ولا يجوز فصلها عن أدواتها، ومن ثم فإن وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتها، فلا يعطل مضمونها أحد، ولا يناقض الأغراض المقصودة من إرسائها.
(في هذا المعنى حكم المحكمة الدستورية العليا ـ القضية رقم 6 لسنة 15 قضائية دستورية ـ جلسة 15/ 4/ 1995)
ومن حيث إنه عن الحق في الاتصال كأحد الحقوق التي يكفل تحقيقها ضمان استمرارية خدمات الاتصال من خلال المواقع المختلفة الموجودة على شبكة الإنترنت، فمن المقرر أن الحق في الاتصال هو حق وثيق الصلة حقوق الإنسان حيث كما أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الحق وذلك بما ورد في المادة التاسعة عشرة منه أن (لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناقه الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود)، ثم جاء ذلك بعد قرار الأمم المتحدة رقم (59) الصادر في 14 نوفمبر 1946والذي نص على أن (حرية تداول المعلومات من حقوق الإنسان الأساسية، وهي المعيار الذي تقاس به جميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة جهودها لحمايتها) وأن تلك الحرية تتطلب بالضرورة ممن يتمتعون بمزاياها أن تتوافر لديهم الإرادة والقدرة على عدم إساءة استعمالها، وقد رأت اللجنة العربية لدراسة قضايا الإعلام والاتصال في الوطن العربي أن الاتصال (يعني حق الانتفاع، وحق المشاركة لجميع الأفراد والجماعات والتنظيمات، مهما كان مستواها الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي، وبغض النظر عن الجنس أو اللغة أو الدين أو موقعها الجغرافي في الانتفاع بوسائل الاتصال وموارد المعلومات على نحو متوازن، وتحقيق أكبر قدر من المشاركة العامة في العملية الاتصالية، بحيث لا يقتصر دور الأفراد والفئات الاجتماعية المختلفة على مجرد التلقي للوسائل الإعلامية، بل يمتد لتتحول إلى المشاركة الإيجابية في التخطيط والتنفيذ أيضًا)، وعلى هذا فإن السير نحو حق الاتصال بمفهومه العام وما يتضمنه من حريات إنما يرتبط بالمناخ الديمقراطي العام، وهو في الواقع إقرار بالحق الكامل للفرد والجماعة في اختيار النسق الديمقراطي وإدارته، كما أن حق الاتصال في ذات السياق إنما يعني حق الفرد في الحصول على المعلومات والمعارف والإطلاع على تجارب الآخرين، وحقه في التعبير وإيصال الحقيقة للآخرين والاتصال بهم ومناقشتهم والتأثير في القيادات الاجتماعية والسياسية بما يخدم الفرد والجماعة، وهو في الوقت نفسه الحق في الاجتماع والمناقشة والمشاركة والحوار، لفهم ظروف المجتمع وإمكانياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى ذلك فالحق في الاتصال إنما هو حاجة إنسانية أساسية وأساس لكل مواطن اجتماعي، ويثبت الحق فيه للأفراد، كما يثبت للمجتمعات التي تتكون منهم، وهو حق لا يقوم إلا بأدواته المحققة له، ومنها حرية التعبير والتي كفلها الدستور، والتي يمسها في الصميم حجب أو تقييد خدمات الاتصالات والإنترنت.
(في هذا المعنى حكم المحكمة الدستورية العلياـ الطعن رقم 6 لسنة 15 قضائية دستورية ـ جلسة 15/ 4/ 1995).
ومن حيث إن الحق في استخدام الطيف الترددي باعتباره أحد الموارد الطبيعية التي عنيت المادة (32) من الدستور بتنظيمها، وأكدت عليه بوصفه حقًا المواد (1/ البند 15) و(49) من قانون تنظيم الاتصالات الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2003 بحسبانه هو حيز الموجات التي يمكن استخدامها في الاتصال اللاسلكي، ومنه تقديم خدمات الاتصالات، وخدمات الرسائل النصية القصيرة، وخدمات الانترنت، إنما هو مورد طبيعي محدود ومن ثم فهو حق من الحقوق المكفولة دستوريًا إذ هو بطبيعته ووفقًا لحكم المادة (44) من دستور الاتحاد الدولي للاتصالات كمورد طبيعي محدود يحكمه مبدأ تقسيم الترددات وتخصيصها، وبالتالي يخضع لفكرة الترخيص المسبق الذي يعد في مجال خدمات الاتصالات وسيلة رقابة تهدف بالدرجة الأولى إلى المحافظة على النظام العام ذلك أن حرية الاتصال عبر خدمات الاتصالات المتعددة تعتبر ـ وبحق ـ حجر الزاوية في الممارسة الديمقراطية مما يستوجب تنظيمها دون تقييدها أو العصف بها، وحمايتها من عسف الإدارة وسوء استعمال القائمين عليها والممارسين لها وعدم حجب الخدمات أو قطعها أو التلصص عليها، مع الالتزام بالقيم ومبادئ النظام العام.
ومن حيث إنه يضاف إلى ما تقدم أن الحق في المعرفة ليس حقًا ترفيًا مقررًا لمحض المعرفة دون تبني موقفًا إيجابيًا يعبر عن الغاية من تقرير الحق، وإنما يرتبط الحق في المعرفة ارتباطًا وثيقًا بحق آخر هو “الحق في تدفق المعلومات وتداولها”، وكليهما يرتبط بحق أوسع وأشمل هو “الحق في التنمية” الذي نصت عليه المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة الأولى من إعلان الحق في التنمية الصادر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 41/ 128 في الرابع من ديسمبر 1986، وهو بدوره وثيق الصلة “بالحق في الحياة” وكذلك “بالحق في بناء قاعدة اقتصادية” تتوافر أسبابها.
ومن حيث أن حرية تداول المعلومات تفرض الحق في تلقي المعلومات والأفكار ونقلها إلى الآخرين دون اعتبار للحدود وذلك من خلال كافة وسائل التعبير والإعلام أو بأية وسيلة أخرى يمكن نقل الآراء ونشرها وتداولها من خلالها ومنها خدمات الاتصالات وخدمات الإنترنت، فبدون القدرة على الحصول على المعلومات وامتلاك حق تداولها وإبلاغها للرأي العام لن يكون لحرية الرأي أي مدلول حقيقي داخل المجتمع، كما أنه بدون التواصل المجتمعي عبر المواقع المختلفة على شبكة الانترنت في الداخل والخارج لا تكون ثمة حرية من الحريات قائمة أو لها وجود ملموس، ولا يقيد حرية التعبير وتداول المعلومات ويحد منها سوى بعض القيود التشريعية المشروعة كتجنب الدعاية إلى الحروب والنزاعات المسلحة والكراهية العنصرية أو القومية أو الدينية وفقا لحكم المادة (20) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة (4) من الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، ومقتضيات الأمن الوطني والنظام العام، واحترام حقوق الآخرين وحرياتهم بمراعاة أن سلامة الأمن الوطني لا تكون بالجب الكامل لوسائل الاتصال على شبكة الانترنت الدولية بما يرتب عزل مواطنيه عن بعضهم البعض في الداخل وعن تداول المعلومات وتدفقها في الخارج فيصبح المواطنين كمن يعيشون في جزيرة منعزلة. وعلى ذلك فالحق في تدفق المعلومات وتداولها هو حق ذو طبيعة مزدوجة، فهو في وجهه الأول يفرض التزامًا (سلبيًا) مفاده امتناع الجهة الإدارية عن اتخاذ أية إجراءات تشريعية أو إدارية للحيلولة دون التدفق الحر للأنباء والمعلومات سواء في الداخل أو من الخارج، ومن ثم يمتنع على الدولة وضع العوائق ضد تدفق المعلومات أو السماح باحتكار المعلومات ومنع نشرها إلا في حدود المحافظة على النظام العام ولا تكون المحافظة على النظام العام والأمن القومي بحجب التواصل وقطع خدمات الاتصالات والتلصص على ما يتم منها وإنما تكون صيانة المجتمع بحمايته من المنحرفين والمعادين للحريات العامة فهم أخطر عليها من الحالمين والمنادين بتلك الحريات، وهو في وجهه الثاني يفرض التزامًا (إيجابيًا) مفاده التزام الدولة بنشر المعلومات الرئيسية التي تتعلق بالمصلحة العامة على أوسع نطاق وذلك من أجل ضمان الشفافية والرقابة على أداء السلطات العامة والاستجابة للرغبات الشعبية العادلة لتغيير المجتمع نحو الأفضل، وهو ما حرص الدستور في المادة (68) منه على كفالته معتبرا ان المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملكا للشعب ملزما في هذا الصدد الدولة بالإفصاح عنها من مصادرها المختلفة وإتاحتها وتوفيرها للمواطنين وفقا للقانون المنظم لذلك معتبرا أن حجب المعلومات أو أعطاء معلومات مغلوطة جريمة معاقب عليها.
ومن حيث إن شبكات التواصل الاجتماعي Social Networking)) على الإنترنت والهواتف المحمولة ومنها فيس بوك (Facebook‏)، و تويتر (Twitter‏)، ومواقع الفيديو التشاركي على شبكة الانترنت، وأبرزها موقع Youtube)) وغيرها، وهي مجموعة مواقع ويب التي تقدم مجموعة من الخدمات للمستخدمين كالمحادثات الفورية والرسائل الخاصة والبريد الإلكتروني والفيديو والتدوين ومشاركة الملفات وغيرها من الخدمات، قد أحدثت تلك تغيّرًا كبيرًا في كيفية الاتصال والمشاركة بين الأشخاص والمجتمعات وتبادل المعلومات، فجمعت الملايين من المستخدمين وشبكات التدوينات المصغرة، وليس من شك في أن مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت لم تكن سوى وسائل للتعبير انتزعها المتواصلون اجتماعيًا وسياسيًا تأكيدًا لحقوقهم المقررة دستوريا في الاتصال والمعرفة وتدفق المعلومات وتداولها والحق في التنمية والحق في الحياة الحرة الكريمة التي تظللها العدالة الاجتماعية، ومن ثم باتت حقوقا أصيلة لهم لا يكون حجبها أو تقييدها بالكامل إلا انتهاكًا لكل تلك الحقوق وذلك أعمالا لصريح أحكام الدستور والذي جاءت التشريعات المصرية الحالية والمعمول بها بما فيها قانون تنظيم الاتصالات سالف الذكر مؤكدة لذلك الفهم حيث خلت نصوصها من تحديد لثمة حالات يمكن ان تستدعي حظر أو حجب المواقع الالكترونية. ألا انه وفي المقابل إذا ما تناولت بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أمورا من شانها المساس بالأمن الوطني والنظام العام فانه يتعين على الأجهزة الحكومية والجهاز القومي للاتصالات التدخل لحجب وتقييد تلك الصفحات على تلك المواقع استنادا إلى ما لها من سلطة في مجال الضبط الإداري لحماية النظام العام بمفهومه المثلث الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة للمواطنين تحت رقابة قضاء المشروعية والذي يتجلى دوره في تحقيق التوازن بين حقوق الإفراد في المجتمع وحرياتهم والمصلحة العامة في صيانة وحماية الأمن الوطني والنظام العام للبلاد.
ومن حيث انه وترتيبا على ما تقدم، كان الثابت من الأوراق أن بعض الصفحات على موقع الفيس بوك ((www.facebook.com على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) قد دأبت على نشر معلومات وإخبار عن الدولة وأجهزتها ومسئوليها على خلاف الحقيقة، وتضمنت بعض الصفحات سب وتشهير بسلطات الدولة المختلفة، كما حملت بعض الصفحات تحريضا على العنف والقتل للمواطنين في الدولة، وتلك الوقائع التي تبثها بعض الصفحات على ذلك الموقع وان شكلت في جانب كبير منها جرائم جنائية معاقب عليها قانونا، ومن ثم فان السبيل الأمثل لمواجهة تلك الصفحات يكون من خلال اتخاذ إجراءات مسائلة أصحابها جنائيا بحسبان انها لا تنال بذاتها من مقتضيات الأمن الوطني والنظام العام، اخذا في الاعتبار أن سلامة الأمن الوطني للبلاد لا يحققه سوى تعبير السلطة الحاكمة الصادق عن آمال وطموحات الشعب وفقًا للعقد الاجتماعي الذي قام النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي على دعائمه وكذا احترامها حقوق المواطنين وحرياتهم، فلا تكون سلامة الأمن الوطني بتقطيع أوصال المجتمع وفصله عن بعضه البعض وعزل مواطنيه في جزر متباعدة، فالأمن يعني التواصل والتشاور والحوار وليس لأحد في مجتمع ديمقراطي أن يدعي الحق الحصري في صيانة أمن المجتمع الذي يحافظ عليه ويحميه جموع المجتمع بالتواصل والتشاور والتحاور، ومن ثم بات متعينا على الدولة توفير بيئة ثقافية ومعرفية يتم من خلالها تبادل المعلومات والمعارف بشتى صورها وأنواعها عبر الخطاب العلمي والثقافي في مواقعه الكثيرة دون حجب أو منع أو قطع لوسائل الاتصالات المؤدية إلى ذلك، وأولى تلك الوسائل بلا شك مواقع التواصل الاجتماعي ومن بينها موقع الفيس بوك والذي يتضمن العديد من الصفحات الأخرى التي تساهم في إرساء روح المعرفة وتبادل المعلومات في شتى مناحي الحياة بين مستخدمي هذا الموقع، وبالتالي فان حجب هذا الموقع كليا يتعارض مع الأصل وهو حرية التعبير عن الرأي التي يتعين ترجيحها في هذا المقام إعمالا لصريح أحكام الدستور والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها دائم الدول الديمقراطية، وتثنى على ما ورد بمذكرة دفاع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات المذمة بالجلسة المعقودة في 21/ 2/ 2014 والتي أشار فيها إلى ان التشريعات المصرية المعمول بها لم تتضمن ما يؤدي الى حظر او حجب المواقع الالكترونية، الا ان ذلك ل ايمنع المحكمة وهي تنزل رقابتها على الدعوى الماثلة من التأكيد على أمرين: أولهما: ان الرقابة الذاتية لمستخدمي المواقع الالكترونية بما تشمله من مواقع التواصل الاجتماعي هي انجح الطرق لعلاج ما قد يعتري بعض ممارسات مستخدمي تلك المواقع من خروج على المألوف من الأمور، ولا تثرى هذه الرقابة ويمدها بأوراقها المثمرة ألا بالحرية المسئولة التي يتوهج سحرها بالحماية الذاتية درء للمتربصين بالحريات عموما. وثانيهما: انه على أجهزة الإعلام المسموع والمرئي والصحافة واجب أساسي في رفع مستوى الخدمة الإعلامية والتعبير الأكمل عن حاجات الشعب السياسية والاجتماعية والثقافية بما تحملها من مضمون يؤثر سلبا وإيجابا في الإعلام الاجتماعي الذي تقوم عليه مواقع التواصل الاجتماعي، فإذا ما حسنت وسائل التعبير انحاز الفرد إلى أفضلها وأكثرها قدرة عن التعبير عنه.
ومن حيث انه ومن جماع ما تقدم، فان امتناع جهة الإدارة عن حجب موقع الفيس بوك ((www.facebook.com لا يشكل قرارًا إداريًا سلبيًا بالمعنى الذي نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، لتصبح الدعوى الماثلة مفتقدة إلى أي قرار إداري يمكن الطعن عليه بالإلغاء، وتغدو من ثم غير مقبولة لانتفاء القرار الإداري.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملا بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، وألزمت المدعي المصروفات.

اترك تعليقاً