جلسة 22 من مارس سنة 2022
برئاسة السيد القاضي / عبد الله عمر رئيس محكمة النقض وعضوية السادة القضاة / محمود مسعود، أحمد عبد القوي، محمد محجوب، د. عبد الرحمن هيكل، حمد عبد اللطيف، عبد التواب أبو طالب، عاصم الغايش، منصور القاضي، عابد راشد وخالد الحادي نواب رئيس المحكمة .
———————-
هيئة عامة
الطعن رقم 2790 لسنة 89 القضائية
هيئة عامة . دعوى مدنية . قانون ” تفسيره ” . تعويض . محكمة الإعادة .
اختصاص القضاء الجنائي استثناءً بالفصل في دعوى التعويض المدنية التابعة حفاظاً على الحقوق ومنعاً لتضارب الأحكام وتعطيل الإجراءات . حد وأساس ذلك ؟
المواد 251 /1 و 266 و 395 /1 إجراءات جنائية . مفادها ؟
دعاوى الحقوق المدنية . الأصل أن ترفع أمام المحاكم المدنية . إباحة رفعها استثناءً أمام المحاكم الجنائية . متى كان الحق المُدعى به ناشئاً عن الضرر من الجريمة المرفوعة بها الدعوى وتابعة لها وفقاً للحدود المقررة قانوناً . أساس ذلك ؟
وجوب التحرز في تفسير القوانين الجنائية وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل . البحث في حِكمة التشريع ودواعيه تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه . علة ذلك ؟
انصراف لفظ التشديد الوارد بمتن المادة 395 إجراءات جنائية المستبدلة بالقانون11 لسنة 2017 للعقوبة والتعويض معاً .
نص المادة 395 إجراءات جنائية بعد تعديله . تضمنه قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بعدم القضاء بعقوبة جديدة وألَّا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي .
القياس في مسألة أحقية المضرور من الجريمة الادعاء مدنياً لأول مرة في إعادة الإجراءات على أحقيته في ذلك في المعارضة المرفوعة من المتهم أمام محكمة أول درجة . تخصيص للنص دون مُخصص . علة ذلك ؟
مبدأ عدم أحقية المضرور من الجريمة في الادعاء مدنياً لأول مرة في إعادة الإجراءات . صحيح ولا ترى الهيئة العدول عنه .
المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية . مفادها ؟
فصل الهيئة في المسألة المعروضة . يعيد الطعن إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه طبقًا لأحكام القانون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المقرر أن الأصل أن الدعوى الجنائية من اختصاص القضاء الجنائي وأن الدعوى المدنية من اختصاص القضاء المدني بيد أن بعض التشريعات – ومنها القانون المصري – لاحظت الطابع الجنائي التبعي لدعوى التعويض المدنية المترتبة على الجريمة وقدرت أن انفصالها عن الدعوى الجنائية وسيرها في طريقها الطبيعي أمام القضاء المدني المختص بنظرها قد يؤدي إلى تعطيل الإجراءات وضياع الحقوق واحتمال تضارب الأحكام فاتجهت إلى تخويل القضاء الجنائي الاختصاص بالفصل في الدعوى المدنية، هذا بالإضافة إلى أن القضاء الجنائي أكثر قدرة على الفصل في النزاع المدني الناشئ عن الجريمة لكن هذا الاختصاص الاستثنائي للقضاء الجنائي مقيد بتبعية الدعوى المدنية للدعوى الجنائية التي حُركت أمامه، كما أن قبول هذه الدعوى يتوقف على عدم كونها معطلة للفصل في الدعوى الجنائية، لذلك فقد نص في الفقرة الأولى من المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيًا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوى حتى صدور القرار بإقـفـال باب المرافعة طبقـًا للمادة 275، ولا يقبل منه ذلك أمام المحكمة الاستئنافية ” . وكان من المقرر أن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية وكان الحق المدعى به ناشئـًا عن ضرر للمدعي من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية، أي أن يكون طلب التعويض ناشئًا مباشرة عن الفعل الخاطئ المكون للجريمة موضوع الدعوى الجنائية المنظورة، ومتى تقرر أن هذه الإجازة مبناها الاستثناء فقد وجب أن تكون ممارستها في الحدود التي رسمها القانون، كما ونص في المادة 266 من ذات القانون على أنه ” يتبع في الفصل في الدعوى المدنية التي ترفع أمام المحاكم الجنائية الإجراءات المقررة بهذا القانون ” . لما كان ذلك، وكانت الفقرة الأولى من المادة 395 من ذات القانون المستبدلة بالقانون رقم 11 لسنة 2017 قد جرى نصها على أنه ” إذا حضر المحكوم عليه في غيبته، أو قبض عليه، أو حضر وكيله الخاص وطلب إعادة المحاكمة قبل سقوط العقوبة بمضي المدة، يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوى، ويُعرض المقبوض عليه محبوسًا بهذه الجلسة، وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطيًا حتى الانتهاء من نظر الدعوى، ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي ” . والأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنها يجب أن تعد تعبيرًا صادقًا عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أيًا كان الباعث على ذلك ولا الخروج على النص متى كان واضحًا جلي المعنى قاطعًا في الدلالة على المراد منه بدعوى الاستهداء بالحِكمة التي أملته ؛ لأن البحث في حِكمة التشريع ودواعيه إنما تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، إذ تدور الأحكام مع علتها لا مع حِكمتها، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب تطبيقه، وإذ جاءت عبارة ( ولا يجوز في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي ) مطلقة من كل قيد في نص الفقرة الأولى من المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية سالف الإشارة إليها، كما أن لفظ التشديد لا يمكن أن ينصرف إلى غير المدلول العام الوارد في عبارة النص سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو التعويضات لاسيما وقد أورد ذات النص في متنه عدم سقوط الحكم بالنسبة لكليهما إلَّا بحضور من صدر ضده الحكم الغيابي جلسات المُحاكمة، وكان نص المادة 395 المار ذكرها بعد تعديله وإن كان في ظاهره إجرائي إلَّا أنه يتضمن قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابيًا ألَّا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي، ومن ثم فإنه عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً لا يجوز الإساءة إليه بتشديد العقوبة المقضي بها عليه غيابيًا أو القضاء بعقوبة جديدة كما لا يجوز بالنسبة للتعويضات الحكم بها ابتداءً في إعادة الإجراءات أو بزيادة مقدارها عما قضى به الحكم الغيابي، وهذا التعديل جاء متسقـًا مع أصول المُحاكمة المنصفة التي تحترم مبدأ أن الأصل في المتهم البراءة إعمالًا للشرعية الإجرائية، ورغم أن حضور المحكوم عليه أو القبض عليه وإعادة الإجراءات في الحكم الغيابي السابق صدوره لا يعد طعنًا على الحكم الغيابي حتى يسري عليه مبدأ عدم جواز إضرار الطاعن بطعنه لكن هذا المبدأ في ذاته ينبثق من أن الأصل في المتهم البراءة وينبني على مقتضيات حق الدفاع، وهذا المعنى المتعلق بحظر التشديد في إعادة الإجراءات أمام محكمة الجنايات سواء في الدعوى الجنائية أو المدنية هو الذي كان قائمًا في ذهن المشرع حين أجرى التعديلين للنص سالف البيان بالقانونين رقمي 95 لسنة 2003، 74 لسنة 2007 بما يقطع بأن حظر التشديد في إعادة الإجراءات مطلقًا، يستوي في ذلك أن يكون هذا التشديد من ناحية العقوبة الجنائية أو التعويضات، فإن ما خاض فيه الحكم الذي أجاز الادعاء المدني لأول مرة في إعادة الإجراءات من القول بالتفرقة بين زيادة التعويض والحكم به ابتداءً يكون منه تخصيصًا للنص دون مخصص وبلا سند من القانون كما أن من شأن الأخذ به الانتهاء إلى نتيجة يأباها المنطق وهى أن تعد زيادة مقدار التعويض تشديدًا ولا يعد كذلك الحكم به ابتداءً لأول مرة في إعادة الإجراءات – وهو ما لا يتصور أن يكون الشارع قد قصد إليه – كما أنه لا يمكن قياس مسألة أحقية المضرور من الجريمة الادعاء مدنيًا لأول مرة في إعادة الإجراءات على أحقيته في الادعاء مدنيًا في المعارضة المرفوعة من المتهم أمام محكمة أول درجة، ذلك أن تلك الأحقية الأخيرة مقرره بموجب صريح نص الفقرة الأولى من المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية سالف الإشارة إليه خاصة أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق – ومن ذلك حق التقاضي – أنها سلطة تقديريـة ما لم يقيدها الدستور بضوابط تُعد تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وتتمثل جوهر سلطة المشرع في تنظيم الحقـوق، في المفاضلة التي يجريها بين بدائل متعددة تتزاحم فيما بينها وفق تقديره لتنظيم موضوع معين، فلا يختار منها إلَّا ما يكون مناسبًا أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها أو ما يراه أكفل لتحقيق المصالح التي قصد حمايتها، وإذ كان المشرع قد منح الحق للمضرور من الجريمة في الادعاء مدنيًا في المعارضة المرفوعة من المتهم أمام أول درجة بموجب نص المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية إلَّا أن ذلك النص هو نص استثنائي لا يمكن القياس عليه، لما هو مقرر أن إعمال القياس في تفسير القواعد الإجرائية مشروط بأنه لا قياس على نص استثنائي تطبيقـًا لقاعدة أن الاستثناء لا يقاس عليه .
لما كان ما تقدم، فإن المبدأ الذي قررته الأحكام التي قضت بعدم أحقية المضرور من الجريمة في الادعاء مدنيًا لأول مرة في إعادة الإجراءات يكون في محله ولا ترى الهيئة العدول عنه، وحيث كان النص في المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية على أن : ” تشكل الجمعية العامة لمحكمة النقض هيئتين بالمحكمة كل منها من أحد عشر قاضيًا برئاسة رئيس المحكمة أو أحد نوابه إحداهما للمواد الجنائية والثانية للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها وإذا رأت إحدى دوائر المحكمة العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة أحالت الدعوى إلى الهيئة المختصة بالمحكمة للفصل فيها وتصدر الهيئة أحكامها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل …. “، والمستفاد مما ورد في هذه المادة لاسيما ما تعلق منها بتشكيل الهيئة الواحدة ” فقرة / ٢ ” هو أنه كلما رأت العدول عن مبدأ قررته أحكام سابقة أصدرت حكمها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء بالنسبة للهيئة ولم تلزم تلك الهيئة بعد الفصل في مسألة العدول بالفصل في موضوع الطعن وجوبيًا، إذ إن العدول هو الذي يلزم له نصاب الأغلبية المُشار إليها دون الحكم في الطعن نفسه الذي يكفي فيه بعد ذلك الأغلبية العادية المُقررة لإصدار الأحكام، ومن ثم، فإن الهيئة – بعد الفصل في المسألة المعروضة – تُعيد الطعن إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه طبقًا لأحكام القانون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :
1- شرع في قتل المجني عليه / …. عمدًا من غير سبق إصرار أو ترصد بأن قام بالتعدي عليه بالضرب باستخدام أداة ” شرشرة ” على رأسه فتفاداها بيده اليسرى فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي المرفق قاصدًا من ذلك قتله إلَّا أنه قد خاب أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو تجمع الأهالي ومداركة المجني عليه بالعلاج وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
2- أحرز أداة ” شرشرة ” مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية .
وأحالته إلى محكمة جنايات …. لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت غيابيًا بمعاقبته بالسجن لمدة خمس سنوات .
وإذ أُعيدت إجراءات المحاكمة، وادعى وكيل المجني عليه مدنيًا قِبَل المتهم بمبلغ عشرة آلاف جنيه وواحد على سبيل التعويض المدني المؤقت .
ومحكمة الإعادة – محكمة جنايات …. – قضت حضوريًا عملاً بالمواد 45/1، 46/3،2، 234/1 من قانون العقوبات، والمادتين 1/1، 25 مكرراً/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل، والبند رقم ” 7 ” من الجدول رقم ” 1 ” الملحق به، وذلك بعد إعمال نص المادة 32/2 من قانون العقوبات، بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات، وألزمته بالمصاريف الجنائية وبأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغًا قدره عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت، مع إلزامه بمصروفات الدعوى المدنية ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض …. إلخ .
وبجلسة …. قررت محكمة النقض دائرة …. الجنائية إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض .
وبجلسة اليوم سمعت المرافعة على النحو المبين بمحضر الجلسة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهيئة
حيث إنه بجلسة …. قررت الدائرة الجنائية …. بهذه المحكمة إحالة هذا الطعن إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية بطلب العدول عن الأحكام الصادرة من الدوائر الجنائية بالمحكمة التي قررت عدم أحقية المضرور من الجريمة الادعاء مدنيًا أمام محكمة الجنايات لدى نظرها إعادة الإجراءات في الحكم الغيابي السابق صدوره منها مع تأييد الحكم الصادر في الطعن رقم …. لسنة …. ق بجلسة …. والذي قرر بأحقية سالف الذكر في ذلك والأحكام الصادرة في ذات الشأن والمؤيدة للحكم الأخير.
وحيث إن مثار الخلاف بين الأحكام المطلوب العدول عنها وبين تلك المطلوب تأييدها يدور بشأن ما إذا كان قبول محكمة الجنايات الادعاء المدني من المضرور من الجريمة لدى نظرها إعادة الإجراءات في الحكم الغيابي السابق صدوره منها يعد تشديدًا محظورًا عليها وفقـًا لنص المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتيها الأولى والثانية المستبدلة بالقانون 11 لسنة 2017 من عدمه . لما كان ذلك، وكان الأصل أن الدعوى الجنائية من اختصاص القضاء الجنائي وأن الدعوى المدنية من اختصاص القضاء المدني بيد أن بعض التشريعات – ومنها القانون المصري – لاحظت الطابع الجنائي التبعي لدعوى التعويض المدنية المترتبة على الجريمة وقدرت أن انفصالها عن الدعوى الجنائية وسيرها في طريقها الطبيعي أمام القضاء المدني المختص بنظرها قد يؤدي إلى تعطيل الإجراءات وضياع الحقوق واحتمال تضارب الأحكام فاتجهت إلى تخويل القضاء الجنائي الاختصاص بالفصل في الدعوى المدنية، هذا بالإضافة إلى أن القضاء الجنائي أكثر قدرة على الفصل في النزاع المدني الناشئ عن الجريمة لكن هذا الاختصاص الاستثنائي للقضاء الجنائي مقيد بتبعية الدعوى المدنية للدعوى الجنائية التي حُركت أمامه، كما أن قبول هذه الدعوى يتوقف على عدم كونها معطلة للفصل في الدعوى الجنائية، لذلك فقد نص في الفقرة الأولى من المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيًا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوى حتى صدور القرار بإقـفـال باب المرافعة طبقـًا للمادة 275، ولا يقبل منه ذلك أمام المحكمة الاستئنافية ” . وكان من المقرر أن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية وكان الحق المدعى به ناشئـًا عن ضرر للمدعي من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية، أي أن يكون طلب التعويض ناشئًا مباشرة عن الفعل الخاطئ المكون للجريمة موضوع الدعوى الجنائية المنظورة، ومتى تقرر أن هذه الإجازة مبناها الاستثناء فقد وجب أن تكون ممارستها في الحدود التي رسمها القانون، كما ونص في المادة 266 من ذات القانون على أنه ” يتبع في الفصل في الدعوى المدنية التي ترفع أمام المحاكم الجنائية الإجراءات المقررة بهذا القانون ” . لما كان ذلك، وكانت الفقرة الأولى من المادة 395 من ذات القانون المستبدلة بالقانون رقم 11 لسنة 2017 قد جرى نصها على أنه ” إذا حضر المحكوم عليه في غيبته، أو قبض عليه، أو حضر وكيله الخاص وطلب إعادة المحاكمة قبل سقوط العقوبة بمضي المدة، يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوى، ويُعرض المقبوض عليه محبوسًا بهذه الجلسة، وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطيًا حتى الانتهاء من نظر الدعوى، ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي ” . والأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنها يجب أن تعد تعبيرًا صادقًا عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أيًا كان الباعث على ذلك ولا الخروج على النص متى كان واضحًا جلي المعنى قاطعًا في الدلالة على المراد منه بدعوى الاستهداء بالحِكمة التي أملته ؛ لأن البحث في حِكمة التشريع ودواعيه إنما تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، إذ تدور الأحكام مع علتها لا مع حِكمتها، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب تطبيقه، وإذ جاءت عبارة ( ولا يجوز في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي ) مطلقة من كل قيد في نص الفقرة الأولى من المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية سالف الإشارة إليها، كما أن لفظ التشديد لا يمكن أن ينصرف إلى غير المدلول العام الوارد في عبارة النص سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو التعويضات لاسيما وقد أورد ذات النص في متنه عدم سقوط الحكم بالنسبة لكليهما إلَّا بحضور من صدر ضده الحكم الغيابي جلسات المُحاكمة، وكان نص المادة 395 المار ذكرها بعد تعديله وإن كان في ظاهره إجرائي إلَّا أنه يتضمن قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابيًا ألَّا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي، ومن ثم فإنه عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً لا يجوز الإساءة إليه بتشديد العقوبة المقضي بها عليه غيابيًا أو القضاء بعقوبة جديدة كما لا يجوز بالنسبة للتعويضات الحكم بها ابتداءً في إعادة الإجراءات أو بزيادة مقدارها عما قضى به الحكم الغيابي، وهذا التعديل جاء متسقـًا مع أصول المُحاكمة المنصفة التي تحترم مبدأ أن الأصل في المتهم البراءة إعمالًا للشرعية الإجرائية، ورغم أن حضور المحكوم عليه أو القبض عليه وإعادة الإجراءات في الحكم الغيابي السابق صدوره لا يعد طعنًا على الحكم الغيابي حتى يسري عليه مبدأ عدم جواز إضرار الطاعن بطعنه لكن هذا المبدأ في ذاته ينبثق من أن الأصل في المتهم البراءة وينبني على مقتضيات حق الدفاع، وهذا المعنى المتعلق بحظر التشديد في إعادة الإجراءات أمام محكمة الجنايات سواء في الدعوى الجنائية أو المدنية هو الذي كان قائمًا في ذهن المشرع حين أجرى التعديلين للنص سالف البيان بالقانونين رقمي 95 لسنة 2003، 74 لسنة 2007 بما يقطع بأن حظر التشديد في إعادة الإجراءات مطلقًا، يستوي في ذلك أن يكون هذا التشديد من ناحية العقوبة الجنائية أو التعويضات، فإن ما خاض فيه الحكم الذي أجاز الادعاء المدني لأول مرة في إعادة الإجراءات من القول بالتفرقة بين زيادة التعويض والحكم به ابتداءً يكون منه تخصيصًا للنص دون مخصص وبلا سند من القانون كما أن من شأن الأخذ به الانتهاء إلى نتيجة يأباها المنطق وهى أن تعد زيادة مقدار التعويض تشديدًا ولا يعد كذلك الحكم به ابتداءً لأول مرة في إعادة الإجراءات – وهو ما لا يتصور أن يكون الشارع قد قصد إليه – كما أنه لا يمكن قياس مسألة أحقية المضرور من الجريمة الادعاء مدنيًا لأول مرة في إعادة الإجراءات على أحقيته في الادعاء مدنيًا في المعارضة المرفوعة من المتهم أمام محكمة أول درجة، ذلك أن تلك الأحقية الأخيرة مقرره بموجب صريح نص الفقرة الأولى من المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية سالف الإشارة إليه خاصة أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق – ومن ذلك حق التقاضي – أنها سلطة تقديريـة ما لم يقيدها الدستور بضوابط تُعد تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وتتمثل جوهر سلطة المشرع في تنظيم الحقـوق، في المفاضلة التي يجريها بين بدائل متعددة تتزاحم فيما بينها وفق تقديره لتنظيم موضوع معين، فلا يختار منها إلَّا ما يكون مناسبًا أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها أو ما يراه أكفل لتحقيق المصالح التي قصد حمايتها، وإذ كان المشرع قد منح الحق للمضرور من الجريمة في الادعاء مدنيًا في المعارضة المرفوعة من المتهم أمام أول درجة بموجب نص المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية إلَّا أن ذلك النص هو نص استثنائي لا يمكن القياس عليه، لما هو مقرر أن إعمال القياس في تفسير القواعد الإجرائية مشروط بأنه لا قياس على نص استثنائي تطبيقـًا لقاعدة أن الاستثناء لا يقاس عليه .
لما كان ما تقدم، فإن المبدأ الذي قررته الأحكام التي قضت بعدم أحقية المضرور من الجريمة في الادعاء مدنيًا لأول مرة في إعادة الإجراءات يكون في محله ولا ترى الهيئة العدول عنه، وحيث كان النص في المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية على أن : ” تشكل الجمعية العامة لمحكمة النقض هيئتين بالمحكمة كل منها من أحد عشر قاضيًا برئاسة رئيس المحكمة أو أحد نوابه إحداهما للمواد الجنائية والثانية للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها وإذا رأت إحدى دوائر المحكمة العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة أحالت الدعوى إلى الهيئة المختصة بالمحكمة للفصل فيها وتصدر الهيئة أحكامها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل …. “، والمستفاد مما ورد في هذه المادة لاسيما ما تعلق منها بتشكيل الهيئة الواحدة ” فقرة / ٢ ” هو أنه كلما رأت العدول عن مبدأ قررته أحكام سابقة أصدرت حكمها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء بالنسبة للهيئة ولم تلزم تلك الهيئة بعد الفصل في مسألة العدول بالفصل في موضوع الطعن وجوبيًا، إذ إن العدول هو الذي يلزم له نصاب الأغلبية المُشار إليها دون الحكم في الطعن نفسه الذي يكفي فيه بعد ذلك الأغلبية العادية المُقررة لإصدار الأحكام، ومن ثم، فإن الهيئة – بعد الفصل في المسألة المعروضة – تُعيد الطعن إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه طبقًا لأحكام القانون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ