برئاسة السيد القاضي / وجيه أديب نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة القضاة / محمود خضر، خالد جاد وخالد إلهامي نواب رئيس المحكمة وهاني صبحي .
( 72 )
الطعن رقم 11386 لسنة 80 القضائية
(1) حكم ” بيانات التسبيب ” ” تسبيبه . تسبيب غير معيب ” .
بيان الحكم واقعة الدعوى وإيراد مؤدى أدلة الثبوت في بيان وافٍ . لا قصور . تحدثه صراحة عن كل ركن من أركانها . غير لازم . حد ذلك ؟
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
مثال .
(2) تزوير ” أوراق رسمية ” . محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي ” . حكم ” تسبيبه . تسبيب غير معيب ” .
القصد الجنائي في جريمة التزوير . موضوعي . تحدث الحكم عنه صراحة واستقلالاً . غير لازم . حد ذلك ؟
عقد الزواج . وثيقة رسمية . مناط العقوبة على التزوير فيها ؟
إدانة الحكم الطاعنين بجريمة الاشتراك في تزوير وثيقتي زواج استناداً لإقرار الطاعنة في كل منهما أمام المأذون بخلوها من الموانع الشرعية رغم كونها زوجة لآخر . صحيح .
(3) دفوع ” الدفع بالجهل بالقانون أو الغلط فيه ” . حكم ” تسبيبه . تسبيب غير معيب ” . أحوال شخصية . قانون ” تفسيره ” .
قبول الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات . شرطه ؟
المادتان 60 و 63 عقوبات . مفادهما ؟
إثبات الحكم المطعون فيه مباشرة الطاعن الثالث عقد الزواج مع الطاعنة الأولى مع علمه بأنها زوجة لآخر . مفاده : الرد على دعواه بالاعتذار بالجهل بأحكام قانون الأحوال الشخصية .
(4) تزوير ” أوراق رسمية ” . ضرر .
مجرد تغيير الحقيقة في الأوراق الرسمية بطريق الغش بالوسائل المنصوص عليها قانوناً . أثره : تحقق جريمة التزوير ولو لم ينتج عنه ضرر . علة ذلك ؟
(5) اشتراك . تزوير” أوراق رسمية ” . نقض ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ” .
الاشتراك في جرائم التزوير . تمامه دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة . كفاية اعتقاد المحكمة بحصوله من ظروف الدعوى وملابساتها . ما دام سائغاً . نعي الطاعن في هذا الشأن . جدل موضوعي . لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض .
(6) محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير أقوال الشهود ” . نقض ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ” .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
لمحكمة الموضوع الأخذ بأقوال الشاهد . ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة .
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة . غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) استدلالات . محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير جدية التحريات ” .
للمحكمة أن تعوّل في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة مُعززة لِمَا ساقته من أدلة أساسية .
عدم إفصاح مأمـور الضبــــط القضائي عن مصدر تحرياته . لا يعيبها .
(8) إجراءات ” إجراءات المحاكمة ” . دفاع ” الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ” .
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تـر هي حاجة لإجرائه . غير مقبول .
مثال .
(9) إجراءات ” إجراءات المحاكمة ” . دفاع ” الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ” .
الأصل في الإجراءات أنها روعيت . نعي الطاعنة بعدم اطلاع المحكمة على الأوراق المزورة . غير مقبول .ما دامت لم تدع أنها كانت في حرز مغلق .
اطلاع المحكمة على المحررين المزورين المرفقين بملف الدعوى . مؤداه ؟
(10) إجراءات ” إجراءات التحقيق ” ” إجراءات المحاكمة ” . دفاع ” الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ” .
تعييب التحقيق السابق على المحاكمة . لا يصح سبباً للطعن على الحكم .
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة لإجرائه .غير مقبول .
(11) حكم ” ما لا يعيبه في نطاق التدليل ” .
البيان المعول عليه في الحكم . ماهيته ؟
تزيد الحكم فيما لا أثر له في منطقه أو نتيجته . لا يعيبه . علة وحد ذلك ؟
مثال .
(12) قانون ” تفسيره ” . دفوع ” الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة ” . دعوى جنائية ” تحريكها ” . دفاع ” الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ” .
المادة 25 إجراءات جنائية . مفادها ؟
تحريك النيابة العامة الدعوى الجنائية بناءً على بلاغ من غير المجني عليه أو وكيله . صحيح . ما دامت الجريمة ليست من جرائم الشكوى أو الطلب . النعي ببطلان إجراءات رفع الدعوى واتصال المحكمة بها . غير مقبول .
دفاع الطاعن بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة . ظاهر البطلان . التفات الحكم عن الرد عليه . لا يعيبه .
(13) قانون ” تفسيره ” . استجواب . دفاع ” الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ” .
المادة 274/1 إجراءات جنائية . مفادها ؟
نعي الطاعن بإخلال المحكمة بحقه في الدفاع لعدم استجوابه في التهمة المسندة إليه . غير مقبول . ما دام لم يطلب منها ذلك .
(14) تزوير ” أوراق رسمية ” .
عدول الطاعن عن وثيقة الزواج المزورة وتحريره وثيقة زواج جديدة صحيحة . لا أثر له على وقوع الجريمة . علة ذلك ؟
(15) قانون ” تفسيره ” . أسباب الإباحة وموانع العقاب ” الإعفاء من العقوبة ” . تزوير” أوراق رسمية ” . حكم ” ما لا يعيبه في نطاق التدليل ” .
المادة 210 عقوبات . مفادها ؟
عدم جواز التوسع في تفسير نصوص الإعفاء من العقوبة في جرائم التزوير . علة ذلك ؟
تمسك الطاعن بالحق في الإعفاء من العقوبة المقررة لجريمة الاشتراك مع موظف عام حسن النية في تزوير وثيقة زواج . ظاهر البطلان . لا يعيب الحكم الالتفات عنه . علة ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى في قوله : ” ….. تتحصل في أن المتهمة الأولى …. قد تزوجت …. بتاريخ …. بوثيقة الزواج رقم …. ثم طلقت منه طلاقاً بائناً ببينونة صغرى بتاريخ …. بموجب الوثيقة رقم …. وبتاريخ …. قام مأذون ناحية …. التابع لمحكمة …. بإثبات زواج المتهمة على المتهم الثاني …. بموجب وثيقة تصادق على الزواج الذي تم في …. وأقرا فيه على خلاف الحقيقة خلو الزوجة من الموانع الشرعية وأيضاً بتاريخ …. قامت المتهمة والمتهم الثالث …. بالتصادق على زواجهما أمام مأذون ناحية …. بموجب تصادق على عقد الزواج الذي تم في …. وأقرا فيه أمام المأذون خلو الزوجة من الموانع الشرعية على خلاف الحقيقة إذ أن الزوجية قائمة بينهما من …. كما أقرت أيضاً والمتهم الثالث في وثيقة التصادق على الزواج الخاصة بهما أن الزوجية قائمة بينهما من …. وفي الحالتين كانت الزوجة المتهمة الأولى على ذمة زوجها الأول …. والذي طلقت منه في …. ” ، وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة في حقهم أدلة مستقاة من أقوال الشهود وما ثبت من صورة عقد الزواج بين الطاعنة وزوجها …. في …. وصورة قيد الطلاق بينهما في …. – طلاقاً بائناً ببينونة صغرى – ومن صورتين لوثيقتي التصادق على الزواج بين الطاعنين الأولى والثاني والثالث ومن إقرار المأذون …. وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يلزم الحكم أن يتحدث صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وإذ كانت الأدلة التي عول عليها الحكم المطعون فيه والتي لا يماري الطاعن في أن لها أصلها الصحيح في أوراق الدعوى من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها من مقارفة الطاعنين لجريمة التزوير التي دينوا بالاشتراك فيها فإن النعي في هذا الخصوص يكون غير سديد .
2- لما كان القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها ، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكان عقد الزواج وثيقة رسمية مناط العقاب على التزوير فيها هو أن يقع تغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية مع العلم بذلك ، فكل عبث يرمي إلى إثبات غير الحقيقة في هذا الصدد يعتبر تزويراً ، ولما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعنة الأولى أنها حضرت أمام المأذون مع الطاعن الثاني للتصادق على الزواج الذي تم في …. ثم حضرت مع الطاعن الثالث للتصادق على الزواج الذي تم في …. وقررت خلافاً للحقيقة بخلوها من الموانع الشرعية حال كونها زوجة …. بصحيح العقد الشرعي رقم …. مع علمها والطاعنين الثاني والثالث بذلك فأثبت المأذون ذلك وحرر الوثيقتين التي وقعت الطاعنة والطاعنان عليهما ، فإن هذا يكفي لإدانتهم بالاشتراك في تزوير وثيقتي الزواج ، هذا فضلاً عن أن الحكم قد عرض لدفع الطاعنين في هذا الشأن واطرحه برد كاف وسائغ ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن لا يكون سديداً .
3- من المقرر أنه يشترط لقبول الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات أن يقيم من يدعي هذا الجهل الدليل القاطع على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده الذي اعتقده بأنه يباشر عملاً مشروعاً كانت له أسباب معقولة وهذا هو المعول عليه في القوانين التي أخذ عنها الشارع أسس المسئولية الجنائية وهو المستفاد من مجموع نصوص القانون فإنه مع تقريره قاعدة عدم قبول الاعتذار بعدم العلم بالقانون أورد في المادة 63 من قانون العقوبات أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية (أولاً) إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه (ثانياً) إذا حسنت نيته وارتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة ، كما قرر في المادة 60 من قانون العقوبات أن أحكام قانون العقوبات لا تسري على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة ، وإذا كان الطاعن الثالث لم يدع في دفاعه أمام محكمة الموضوع أو في أسباب طعنه بالجهل بالقاعدة الشرعية التي تحظر على المرأة الجمع بين زوجين وأنه كان يعتقد أنه كان يباشر عملاً مشروعاً والأسباب المعقولة التي تبرر لديه هذا الاعتقاد ، وقد أثبت الحكم في حقه أنه باشر عقد الزواج مع الطاعنة الأولى مع علمه بأنها زوجة لآخر وما زالت في عصمته وأخفت هذه الواقعة عن المأذون وقررت بخلوها من الموانع الشرعية ، فإن ما أورده الحكم من ذلك يتضمن في ذاته الرد على دعوى الطاعن الثالث بالاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر هو قانون الأحوال الشخصية فلا محل لما ينعاه على الحكم في هذا الشأن .
4- من المقرر أن جريمة التزوير في الأوراق الرسمية تتحقق بمجرد تغيير الحقيقة بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون ولو لم يتحقق عنه ضرر يلحق شخصاً بعينه لأن هذا التغيير ينتج عنه حتماً حصول ضرر بالمصلحة العامة لما يترتب عليه من عبث بالأوراق الرسمية ينال من قيمتها وحجيتها في نظر الجمهور ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين الأولى والثالث على الحكم من عدم قيام ركن الضرر يكون على غير سند .
5- لما كان الاشتراك في جرائم التزوير قد يتم دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه ، ومن ثم فإنه يكفي أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها هذا سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم ، الأمر الذي لم يخطئ الحكم في تقديره ، فإن ما يثيره الطاعنان الثاني والثالث في هذا الشأن ينحل في الواقع إلى جدل موضوعي لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض .
6- من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها ، ولها أن تأخذ بشهادة الشاهد ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهدة الإثبات الأولى فإن ما يثيره الطاعنان الأولى والثالث في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى وهو ما لا يقبل إثارته لدى محكمة النقض .
7- من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، كما أنه لا محل للاستناد إلى عدم إفصاح الضابط عن مصدر تحرياته في القول بعدم جدية التحريات .
8- لما كان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن الثالث لم يطلب سؤال المصدر السري ، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة .
9- لما كانت الطاعنة الأولى لا تدعي أن الأوراق المزورة كانت في حرز مغلق لم يفض لدى نظر الدعوى أمام المحكمة ، فلا يقبل منها الادعاء بعدم اطلاع المحكمة عليها أو أنها لم تكن معروضة على بساط البحث والمناقشة ؛ لأن الأصل في الإجراءات أنها روعيت ، هذا فضلاً عن أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحررين المزورين مرفقان بملف الدعوى وأن المحكمة اطلعت عليهما وهو ما يتأدى منه أن المحررين كانا معروضين على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم ، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد .
10- لما كان ما تثيره الطاعنة الأولى بخصوص قعود النيابة العامة عن سؤال المأذون …. وشهود وثيقتي الزواج فهو لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للنعي على الحكم وكان لا يبيّن من محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنة الأولى قد طلب إلى المحكمة تدارك هذا النقص فليس لها من بعد أن تنعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة كما رواها الشهود .
11- من المقرر أن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع ، وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه ما دام أنه غير مؤثر في منطقه أو في النتيجة التي تناهى إليها ، وما دام أنه لم يورده إلا بعد أن كان قد فرغ في منطق سائغ وتدليل مقبول يكفي لحمل قضائه بإدانة الطاعنين ، وكان ما تثيره الطاعنة الأولى من أن الحكم عول في إدانتها على شهادة ميلاد طفل رغم خلو الأوراق من تلك الشهادة فإنه – وبفرض صحة ذلك – إنما كان بعد أن فرغ الحكم من إيراد الأدلة السائغة التي تكفي لحمل قضائه ، وأن ذلك يعد تزيداً غير مؤثر في منطق الحكم أو في النتيجة التي خلص إليها ، فإن نعي الطاعنة الأولى على الحكم في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
12- لما كان قانون الإجراءات الجنائية قد نص في المادة 25 منه على أنه ” لكل من علم بوقوع جريمة – يجوز للنيابة العامة رفع دعوى عنها بغير شكوى أو طلب – أن يبلغ النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي عنها ” ، فإن المشرع بهذه المثابة لم يضع ثمة شروطاً يتطلبها في صفة المبلغ ، أو قيوداً على حق النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية ، فهي صاحبة الحق في رفعها وفقاً للأوضاع التي رسمها القانون ، ومتى رفعت الدعوى في هذه الصورة ، فإن المحكمة تصبح وقد اتصلت بها ملزمة بالفصل فيها . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الدعوى الجنائية قد رفعت من النيابة العامة ، وكان الطاعن الثاني لا يدعي في أسباب طعنه أن الجريمة التي دين بها من جرائم الشكوى أو الطلب ، فإن ما يثيره من أن الدعوى الجنائية حركت من قبل النيابة العامة بناءً على شكوى من غير المجني عليه أو وكيله ، فإن ذلك لا يبطل إجراءات رفعها واتصال المحكمة بها اتصالاً قانونياً صحيحاً ، فإن ما ينعاه الطاعن الثاني في هذا الخصوص وبصدد انتفاء صفة المبلغ عن الواقعة ابتداءً يكون غير قويم ، ولا يعيب الحكم المطعون فيه إغفاله الرد على دفعه بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة طالما أنه ظاهر البطلان وبعيداً عن محجة الصواب .
13- لما كانت المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت في فقرتها الأولى على أنه ” لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك ” قد أفادت بأن الاستجواب بما يعنيه من مناقشة المتهم على وجه مفصل في الأدلة القائمة في الدعوى إثباتاً أو نفياً أثناء نظرها سواء أكان ذلك من المحكمة أم من الخصوم أم المدافعين عنهم – لما له من خطورة ظاهرة – لا يصح إلا بناءً على طلب المتهم نفسه يبديه في الجلسة بعد تقديره لموقفه وما تقتضيه مصلحته باعتباره صاحب الشأن الأصلي في الإدلاء بما يريد الإدلاء به لدى المحكمة ؛ وإذ كان ذلك ، وكان الطاعن الثاني لم يطلب إلى المحكمة استجوابه عما نسب إليه بل اقتصر على إنكار التهمة عند سؤاله عنها وهو لا يدعي في طعنه بأن المحكمة منعته من إبداء ما يلزم من أقوال أو دفاع ، فإن ما ينعاه على الحكم من إخلال بحق الدفاع يكون غير سديد .
14- من المقرر أنه متى وقع التزوير أو استعمال المحرر المزور فإن التنازل عن المحرر المزور ممن تمسك به لا أثر له على وقوع الجريمة ، فإن مساءلة الطاعن الثالث رغم ما أثاره من عدوله عن وثيقة الزواج المزورة وتحرير وثيقة زواج جديدة أثبت بها البيانات الصحيحة تكون قد صادفت صحيح القانون ويكون ما يثيره في هذا الشأن غير سديد .
15- لما كانت المادة 210 من قانون العقوبات والتي وردت ضمن مواد الباب السادس عشر ” التزوير” من الكتاب الثاني من هذا القانون قد جرى نصها على أنه ” الأشخاص المرتكبون لجنايات التزوير المذكورة بالمواد السابقة يعفون من العقوبة إذا أخبروا الحكومة بهذه الجنايات قبل تمامها وقبل الشروع في البحث عنهم وعرفوها بفاعليها الآخرين أو سهلوا القبض عليهم ولو بعد الشروع في البحث المذكور .” ، ومفاد هذا النص في صريح لفظه وواضح دلالته أن الإعفاء من العقوبة المار بيانه لا يجد سنده التشريعي إلا في جنايات التزوير المنصوص عليها في المادتين 206 ، 206 مكرراً من القانون المذكور على سبيل الحصر، وكانت النصوص المتعلقة بالإعفاء تفسر على سبيل الحصر فلا يصح التوسع في تفسيرها ولا كذلك أسباب الإباحة التي ترتد كلها إلى مبدأ جامع هو ممارسة الحق أو القيام بالواجب ، وعلى ذلك فلا يجوز للقاضي أن يعفى من العقوبة إلا إذا انطبقت شروط الإعفاء في النص التشريعي على الواقعة المؤثمة انطباقاً تاماً سواء من ناحية كنهها أو ظروفها أو الحكمة التي تغياها المشرع من تقرير الإعفاء ، وكان الاشتراك في تزوير محرر رسمي المنصوص عليها في المادتين 211 ، 212 من قانون العقوبات لا يندرجان تحت حالات الإعفاء المشار إليها على سبيل الحصر ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن الثالث في هذا الخصوص يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان لا يعيب الحكم المطعون فيه إغفال الرد عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم : المتهمان الأولى والثاني : اشتركا بطريق الاتفاق فيما بينهما والمساعدة مع موظف عمومي حسن النية …. – مأذون ناحية …. – في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو وثيقة تصادقهما على الزواج المؤرخة في …. وذلك بجعلهما واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهما بتزويرها حال تحريرها الموظف المختص بوظيفته بأن أقرا أمامه بخلو الزوجة من الموانع الشرعية كذباً على الرغم من عدم انقضاء زواجها من المدعو …. فضبط المأذون عقد الزواج على هذا الأساس وتمت الجريمة بناءاً على هذا الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات . المتهمان الأولى والثالث : اشتركا بطريق الاتفاق والمساعدة فيما بينهما مع موظف عمومي حسن النية هو / …. – مأذون ناحية …. – في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو وثيقة تصادقهما على الزواج المؤرخة في …. وذلك بجعلهما واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهما بتزويرها حال تحريرها الموظف المختص بوظيفته بأن أقرا أمامه بخلو الزوجة من الموانع الشرعية كذباً على الرغم من عدم انقضاء زواجها من المدعو …. فضبط المأذون عقد الزواج على هذا الأساس وتمت الجريمة بناءاً على هذا الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات ….. لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصـــف الواردين بأمـر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضوريـــاً عمـلاً بالمواد 40/2 ، 3 ، 41/1 ، 213 من قانون العقوبات ، مع إعمال المادة 32/2 من ذات القانون قبل المحكوم عليها الأولى ، بمعاقبتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات ومصادرة وثيقتي التصادق المزورتين .
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض …. إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث ينعى الطاعنون على الحكم المطعون فيه – بمذكرات أسباب الطعن – أنه إذ دانهم بجريمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي ، قد ران عليه البطلان ، وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأن أسبابه جاءت في صورة مجملة ولم يستظهر أركان جريمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي ولم يدلل على توافر القصد الجنائي بما يقيمه في حقهم واطرح برد غير سائغ دفعهم بانتفاء ذلك القصد وعدم علمهم بالتزوير وأحكام قانون الأحوال الشخصية وأن ما ورد بوثيقتي الزواج لا يعدو أن يكون خطأ مادياً ، فضلاً عن انتفاء ركن الضرر ، ولم يستظهر الحكم عناصر الاشتراك المسند إلى الطاعنين الثاني والثالث ولم يقم الدليل على ثبوته في حقهما ، وعول على أقوال شاهدة الإثبات الأولى رغم وجود خلافات وخصومة قضائية بينها وبين الطاعنة الأولى ، كما عول الحكم على تحريات المباحث وأقوال مجريها رغم عدم جديتها وعدم بيان مصدرها ودون أن تعنى المحكمة بإجراء تحقيق في هذا الشأن بسؤال مجري التحريات – المصدر السري – ، وتضيف الطاعنة الأولى أن المحكمة لم تطلع على المحررين المقول بتزويرهما في حضور الخصوم رغم ما قام عليه دفاعها من خلو وثيقة الزواج المؤرخة …. من اسمها وتحريرها باسم سيدة أخرى ، فضلاً عن قصور تحقيقات النيابة لعدم سؤال المأذون …. محرر وثيقة الزواج سالفة الذكر ومواجهته بذلك وما جاء بالوثيقة من شطب وتحشير في اسمها وكذا سؤال شهود وثيقتي الزواج كما أغفلت المحكمة سؤالهم رغم تمسك دفاع الطاعنة بذلك ، واستندت المحكمة في قضائها بالإدانة إلى شهادة ميلاد طفل رغم خلو الأوراق من هذه الشهادة ، ويضيف الطاعن الثاني أن المحكمة لم تعرض لدفعه بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة ، كما قعدت عن تحقيق الدعوى باستجواب المتهمين رغم عدم استجوابهم بتحقيقات النيابة العامة ، وأخيراً يضيف الطاعن الثالث أنه عدل عن وثيقة الزواج المزورة وتحرير وثيقة أخرى تحوي البيانات الصحيحة وهو ما يوفر في حقه إعفائه من العقاب عملاً بالمادة 210 عقوبات وهو ما تمسك به دفاعه والتفتت عنه المحكمة ، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى في قوله : ” ….. تتحصل في أن المتهمة الأولى …. قد تزوجت …. بتاريخ …. بوثيقة الزواج رقم …. ثم طلقت منه طلاقاً بائناً ببينونة صغرى بتاريخ …. بموجب الوثيقة رقم …. وبتاريخ …. قام مأذون ناحية …. التابع لمحكمة …. بإثبات زواج المتهمة على المتهم الثاني …. بموجب وثيقة تصادق على الزواج الذي تم في …. وأقرا فيه على خلاف الحقيقة خلو الزوجة من الموانع الشرعية وأيضاً بتاريخ …. قامت المتهمة والمتهم الثالث …. بالتصادق على زواجهما أمام مأذون ناحية …. بموجب تصادق على عقد الزواج الذي تم في …. وأقرا فيه أمام المأذون خلو الزوجة من الموانع الشرعية على خلاف الحقيقة إذ أن الزوجية قائمة بينهما من …. كما أقرت أيضاً والمتهم الثالث في وثيقة التصادق على الزواج الخاصة بهما أن الزوجية قائمة بينهما من …. وفي الحالتين كانت الزوجة المتهمة الأولى على ذمة زوجها الأول …. والذي طلقت منه في …. ” ، وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة في حقهم أدلة مستقاة من أقوال الشهود وما ثبت من صورة عقد الزواج بين الطاعنة وزوجها …. في …. وصورة قيد الطلاق بينهما في …. – طلاقاً بائناً ببينونة صغرى – ومن صورتين لوثيقتي التصادق على الزواج بين الطاعنين الأولى والثاني والثالث ومن إقرار المأذون …. وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يلزم الحكم أن يتحدث صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وإذ كانت الأدلة التي عول عليها الحكم المطعون فيه والتي لا يماري الطاعن في أن لها أصلها الصحيح في أوراق الدعوى من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها من مقارفة الطاعنين لجريمة التزوير التي دينوا بالاشتراك فيها فإن النعي في هذا الخصوص يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها ، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكان عقد الزواج وثيقة رسمية مناط العقاب على التزوير فيها هو أن يقع تغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية مع العلم بذلك ، فكل عبث يرمي إلى إثبات غير الحقيقة في هذا الصدد يعتبر تزويراً ، ولما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعنة الأولى أنها حضرت أمام المأذون مع الطاعن الثاني للتصادق على الزواج الذي تم في …. ثم حضرت مع الطاعن الثالث للتصادق على الزواج الذي تم في …. وقررت خلافاً للحقيقة بخلوها من الموانع الشرعية حال كونها زوجة …. بصحيح العقد الشرعي رقم …. مع علمها والطاعنين الثاني والثالث بذلك فأثبت المأذون ذلك وحرر الوثيقتين التي وقعت الطاعنة والطاعنان عليهما ، فإن هذا يكفي لإدانتهم بالاشتراك في تزوير وثيقتي الزواج ، هذا فضلاً عن أن الحكم قد عرض لدفع الطاعنين في هذا الشأن واطرحه برد كاف وسائغ ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يشترط لقبول الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات أن يقيم من يدعي هذا الجهل الدليل القاطع على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده الذي اعتقده بأنه يباشر عملاً مشروعاً كانت له أسباب معقولة وهذا هو المعول عليه في القوانين التي أخذ عنها الشارع أسس المسئولية الجنائية وهو المستفاد من مجموع نصوص القانون فإنه مع تقريره قاعدة عدم قبول الاعتذار بعدم العلم بالقانون أورد في المادة 63 من قانون العقوبات أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية (أولاً) إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه (ثانياً) إذا حسنت نيته وارتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة ، كما قرر في المادة 60 من قانون العقوبات أن أحكام قانون العقوبات لا تسري على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة ، وإذا كان الطاعن الثالث لم يدع في دفاعه أمام محكمة الموضوع أو في أسباب طعنه بالجهل بالقاعدة الشرعية التي تحظر على المرأة الجمع بين زوجين وأنه كان يعتقد أنه كان يباشر عملاً مشروعاً والأسباب المعقولة التي تبرر لديه هذا الاعتقاد ، وقد أثبت الحكم في حقه أنه باشر عقد الزواج مع الطاعنة الأولى مع علمه بأنها زوجة لآخر وما زالت في عصمته وأخفت هذه الواقعة عن المأذون وقررت بخلوها من الموانع الشرعية ، فإن ما أورده الحكم من ذلك يتضمن في ذاته الرد على دعوى الطاعن الثالث بالاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر هو قانون الأحوال الشخصية فلا محل لما ينعاه على الحكم في هذا الشأن . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن جريمة التزوير في الأوراق الرسمية تتحقق بمجرد تغيير الحقيقة بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون ولو لم يتحقق عنه ضرر يلحق شخصاً بعينه لأن هذا التغيير ينتج عنه حتماً حصول ضرر بالمصلحة العامة لما يترتب عليه من عبث بالأوراق الرسمية ينال من قيمتها وحجيتها في نظر الجمهور ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين الأولى والثالث على الحكم من عدم قيام ركن الضرر يكون على غير سند . لما كان ذلك ، وكان الاشتراك في جرائم التزوير قد يتم دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه ، ومن ثم فإنه يكفي أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها هذا سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم ، الأمر الذي لم يخطئ الحكم في تقديره ، فإن ما يثيره الطاعنان الثاني والثالث في هذا الشأن ينحل في الواقع إلى جدل موضوعي لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها ولها أن تأخذ بشهادة الشاهد ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهدة الإثبات الأولى فإن ما يثيره الطاعنان الأولى والثالث في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى وهو ما لا يقبل إثارته لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، كما أنه لا محل للاستناد إلى عدم إفصاح الضابط عن مصدر تحرياته في القول بعدم جدية التحريات . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن الثالث لم يطلب سؤال المصدر السري ، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة . لما كان ذلك ، وكانت الطاعنة الأولى لا تدعي أن الأوراق المزورة كانت في حرز مغلق لم يفض لدى نظر الدعوى أمام المحكمة ، فلا يقبل منها الادعاء بعدم اطلاع المحكمة عليها أو أنها لم تكن معروضة على بساط البحث والمناقشة لأن الأصل في الإجراءات أنها روعيت ، هذا فضلاً عن أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحررين المزورين مرفقان بملف الدعوى وأن المحكمة اطلعت عليهما وهو ما يتأدى منه أن المحررين كانا معروضين على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم ، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان ما تثيره الطاعنة الأولى بخصوص قعود النيابة العامة عن سؤال المأذون …. وشهود وثيقتي الزواج فهو لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للنعي على الحكم وكان لا يبيّن من محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنة الأولى قد طلب إلى المحكمة تدارك هذا النقص فليس لها من بعد أن تنعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة كما رواها الشهود . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع ، وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه ما دام أنه غير مؤثر في منطقه أو في النتيجة التي تناهى إليها ، وما دام أنه لم يورده إلا بعد أن كان قد فرغ في منطق سائغ وتدليل مقبول يكفي لحمل قضائه بإدانة الطاعنين ، وكان ما تثيره الطاعنة الأولى من أن الحكم عول في إدانتها على شهادة ميلاد طفل رغم خلو الأوراق من تلك الشهادة فإنه – وبفرض صحة ذلك – إنما كان بعد أن فرغ الحكم من إيراد الأدلة السائغة التي تكفي لحمل قضائه ، وأن ذلك يعد تزيداً غير مؤثر في منطق الحكم أو في النتيجة التي خلص إليها ، فإن نعي الطاعنة الأولى على الحكم في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان قانون الإجراءات الجنائية قد نص في المادة 25 منه على أنه ” لكل من علم بوقوع جريمة – يجوز للنيابة العامة رفع دعوى عنها بغير شكوى أو طلب – أن يبلغ النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي عنها ” ، فإن المشرع بهذه المثابة لم يضع ثمة شروطاً يتطلبها في صفة المبلغ ، أو قيوداً على حق النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية ، فهي صاحبة الحق في رفعها وفقاً للأوضاع التي رسمها القانون ، ومتى رفعت الدعوى في هذه الصورة ، فإن المحكمة تصبح وقد اتصلت بها ملزمة بالفصل فيها . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الدعوى الجنائية قد رفعت من النيابة العامة ، وكان الطاعن الثاني لا يدعي في أسباب طعنه أن الجريمة التي دين بها من جرائم الشكوى أو الطلب ، فإن ما يثيره من أن الدعوى الجنائية حركت من قبل النيابة العامة بناءً على شكوى من غير المجني عليه أو وكيله ، فإن ذلك لا يبطل إجراءات رفعها واتصال المحكمة بها اتصالاً قانونياً صحيحاً ، فإن ما ينعاه الطاعن الثاني في هذا الخصوص وبصدد انتفاء صفة المبلغ عن الواقعة ابتداءً يكون غير قويم ، ولا يعيب الحكم المطعون فيه إغفاله الرد على دفعه بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة طالما أنه ظاهر البطلان وبعيداً عن محجة الصواب . لما كان ذلك ، وكانت المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت في فقرتها الأولى على أنه ” لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك ” قد أفادت بأن الاستجواب بما يعنيه من مناقشة المتهم على وجه مفصل في الأدلة القائمة في الدعوى إثباتاً أو نفياً أثناء نظرها سواء أكان ذلك من المحكمة أم من الخصوم أم المدافعين عنهم – لما له من خطورة ظاهرة – لا يصح إلا بناءً على طلب المتهم نفسه يبديه في الجلسة بعد تقديره لموقفه وما تقتضيه مصلحته باعتباره صاحب الشأن الأصلي في الإدلاء بما يريد الإدلاء به لدى المحكمة ؛ وإذ كان ذلك ، وكان الطاعن الثاني لم يطلب إلى المحكمة استجوابه عما نسب إليه بل اقتصر على إنكار التهمة عند سؤاله عنها وهو لا يدعي في طعنه بأن المحكمة منعته من إبداء ما يلزم من أقوال أو دفاع ، فإن ما ينعاه على الحكم من إخلال بحق الدفاع يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه متى وقع التزوير أو استعمال المحرر المزور فإن التنازل عن المحرر المزور ممن تمسك به لا أثر له على وقوع الجريمة ، فإن مساءلة الطاعن الثالث رغم ما أثاره من عدوله عن وثيقة الزواج المزورة وتحرير وثيقة زواج جديدة أثبت بها البيانات الصحيحة تكون قد صادفت صحيح القانون ويكون ما يثيره في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكانت المادة 210 من قانون العقوبات والتي وردت ضمن مواد الباب السادس عشر ” التزوير” من الكتاب الثاني من هذا القانون قد جرى نصها على أنه ” الأشخاص المرتكبون لجنايات التزوير المذكورة بالمواد السابقة يعفون من العقوبة إذا أخبروا الحكومة بهذه الجنايات قبل تمامها وقبل الشروع في البحث عنهم وعرفوها بفاعليها الآخرين أو سهلوا القبض عليهم ولو بعد الشروع في البحث المذكور .” ، ومفاد هذا النص في صريح لفظه وواضح دلالته أن الإعفاء من العقوبة المار بيانه لا يجد سنده التشريعي إلا في جنايات التزوير المنصوص عليها في المادتين 206 ، 206 مكرراً من القانون المذكور على سبيل الحصر، وكانت النصوص المتعلقة بالإعفاء تفسر على سبيل الحصر فلا يصح التوسع في تفسيرها ولا كذلك أسباب الإباحة التي ترتد كلها إلى مبدأ جامع هو ممارسة الحق أو القيام بالواجب ، وعلى ذلك فلا يجوز للقاضي أن يعفى من العقوبة إلا إذا انطبقت شروط الإعفاء في النص التشريعي على الواقعة المؤثمة انطباقاً تاماً سواء من ناحية كنهها أو ظروفها أو الحكمة التي تغياها المشرع من تقرير الإعفاء ، وكان الاشتراك في تزوير محرر رسمي المنصوص عليها في المادتين 211 ، 212 من قانون العقوبات لا يندرجان تحت حالات الإعفاء المشار إليها على سبيل الحصر ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن الثالث في هذا الخصوص يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان لا يعيب الحكم المطعون فيه إغفال الرد عليه . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .