الطعن رقم ۹٦۰۸ لسنة ۸٦ ق
باسم الشعب
محكمـة النـقض
الدائرة المدنية والتجارية
—
برئاسة السيـد القاضـــــي / مجــــــــــــــــدي عبد الصــــمـــــد “نائـب رئيس المحكمـــــــــــــــة”
وعضوية السادة ال قضــاة / إيهــــــــــــــــــــاب الميدانـــــــــــــي ، أحمـــــد إلياس منصـــــــــــــــور
طــــــــــــــــــارق سويــــــــــــــــــــــدان و خــــالـــــــــد السعــــــــــدونــــــــــــي
“نـــــواب رئيس المحكمة”
بحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد / محمد عبد العال .
وحضور أمين السر السيد / مصطفى أبو سريع .
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة .
في يوم الاثنين ٢٩ ربيع الآخر ١٤٤٥ هـ الموافق 13 من نوفمبر سنة 2023 م .
أصدرت الحكم الآتي:
في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 9608 لسنة 86 القضائية .
المرفوع مــن:
السيد / رئيس مجلس إدارة شركة بيت التامين المصري السعودي .
ضــــد
1- السيد / ……………….
2- السيد / ………… – صاحب مكتب ماك ايزاك ( خبراء ومثمنون ) .
3- السيد/ ………………
الوقائــع
في يــــوم 23/6/2016 طُعن بطريق النقض في حكم محكمـة استئناف القاهرة “مأمورية القاهرة” الصادر بتاريخ 27/4/2016 في الاستئناف رقم 7470 لسنة 132 ق ، بصحيفة طلب فيها الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلًا ، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه .
وفي 26/7/2016 أعلن المطعون ضده الاخير بصحيفة الطعن .
ثم أودعت النيابة العامة مذكرتها، وطلبت فيها أولاً : قبول طلب وقف التنفيذ ، ثانيًا : عدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضده الثاني ، ثالثًا : فيما عدا ما تقدم قبول الطعن شكلًا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه .
وبجلسـة 22/5/2023 عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة، فرأت أنه جدير بالنظر، فحددت لنظره جلسة للمرافعة .
وبجلسة 13/11/2023 مرافعة سُمعت الدعوى أمام هذه الدائرة، على ما هو مبين بمحضر الجلسة، حيث صممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها، والمحكمة قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمـــة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر / ……….. “نائب رئيس المحكمة”، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى التي صار رقمها ٣٥٤ لسمنة ۲۰۱۲ تعويضات مدني كلي شمال الجيزة بطلب الحكم بالزام الطاعنة أن تؤدي إليه مبلغ التأمين عشرين مليون جنيه والتعويض المستحق عن التأمين والفوائد القانونية وقال بياناً لذلك إنه يمتلك مركب “لانش” ومؤمن عليه لدى الطاعنة وتعرض لحادث شحط ثم غرق بتاريخ 27/9/2010 خلال مدة التأمين إلا أن الطاعنة تراخت في تنفيذ التزاماتها . أدخلت الطاعنة المطعون ضده الثاني ليقدم ما تحت يده من مستندات ، كما تدخل المطعون ضده الثالث منضماً إلى المطعون ضده الأول ، وادعت الطاعنة فرعياً بطلب الحكم ببطلان عقد التأمين لعدم سريان التغطية التأمينية بسبب عدم سداد قسط التأمين . ندبت المحكمة خبيرا وبعد أن أودع تقريره حكمت بالزام الطاعنة أن تؤدي إلى المطعون ضده الأول مبلغ 1520000 جنيه والفوائد القانونية 5% من تاريخ المطالبة . استأنفت الطاعنة الحكم بالاستئناف رقم ٧٤٧٠ لسنة ۱۳۲ ق القاهرة “مأمورية الجيزة”. بتاريخ ٢٧ من أبريل لسنة ۲۰۱٦ قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف . طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض ، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه ، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعي الطاعنة بالوجه الأول من السبب الأول والوجه الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب ، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم أقام قضاءه برفض الدعوى الفرعية ببطلان عقد التأمين لعدم سداد القسط على مسند من ثبوت سداده بالإيصالات وشيكين في حين أن الإيصالات بعضها لم يصدر عن الطاعنة وبعضها لا يفيد السداد ، أما الشيكين فلم تتسلمهما الطاعنة ، إذ أن من تسلمتهما لا تعمل لديها ، كما خلت الأوراق مما يفيد صرفهما ، ومن ثم فإن السداد الجزئي لا يجزئ ويكون العقد مفسوخا لعدم السداد والذي يعد شرطاً واقفاً لسريان التغطية التأمينية ، كما أن الشرط الثاني عشر من ملحق العقد تضمن النص على اعتبار العقد مفسوخاً في حالة عدم سداد القسط وعدم اعتبار القسط مسدداً في حالة السداد بشيك إلا بعد تحصيله ، كما تمسكت بمخالفة المطعون ضده الأول لشروط الوثيقة بعدم تواجد طاقم عمل مرخص له بالعمل على اللنش مما يفقده صلاحيته للملاحة ، ومن ثم يخرج الحادث عن التغطية التأمينية ، مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي غير سديد؛ ذلك بأن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وبحث الأدلة والمستندات المقدمة فيها وترجيح ما تطمئن إليه منها ولها تقدير عمل الخبير وأقوال الشهود أمامه أو في أي تحقيق قضائي أو إداري دون حلف يمين لاستخلاص الواقع منها ، وحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفى لحمله ، كما أن من المقرر أنه ولئن كان مجرد سحب الشيك لا يعد وفاءً مبرناً لذمة ساحبه بل يظل الالتزام قائماً ولا ينقضي إلا بتمام صرف المسحوب عليه قيمة الشيك إلى المستفيد ، إلا أن قبول الدائن الشيك يترتب عليه التزامه السعي لتحصيل مقابل الوفاء به من البنك المسحوب عليه ، فإن استوفاه انقضى التزام الوفاء ، وإن أخفق في تحصيله دون خطأ منه يظل الالتزام قائماً ويحق له الرجوع بمقتضى دينه الأصلي . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائي قد خلص إلى وفاء المطعون ضده الأول بقيمة قسط التأمين بمبلغ ۳۱۷۳٦ جنيه بأن سدد منها مبلغ ۱۰۰۰۰ جنيه نقداً بتاريخ 7/3/2010 وباقي القيمة بموجب شيكين بنكيين ، بعد أن اطمأنت المحكمة إلى شهادة / ……… منتجة وثيقة التأمين بتحقيقات إدارة شكاوى التأمين بالإدارة العامة لشكاوى المتعاملين لمكافحة الغش بتسلمها الشيكين من المطعون ضده الأول بتاريخ السداد النقدي ذاته وأنها تأخرت في تسليمهما إلى الطاعنة لوفاة والدتها وعند محاولة تسليمهما إلى موظفي الطاعنة بمقر إدارتها رفضوا استلامهما وأبلغوها بحصول حادث للمركب المؤمن عليه فقامت بإرسالهما إليها بالبريد السريع ، وأنه لا ينال من وثيقة التأمين سداد قسطها على دفعات إذ سبق للطاعنة قبول سداد المطعون ضده الأول مبلغ قسط التأمين مقسطاً ، وأن قائد المركب حاصل على شهادة من الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري ومعتمدة من هيئة الملاحة البحرية كمستند يخول له قيادتها لحين استخراج الترخيص . ورتب الحكم على ذلك قضاءه بسريان الوثيقة وتغطيتها الحادث ، فإنه يكون قد أقيم على أسباب سائغة ولا مخالفة فيها للثابت بالأوراق وتكفي لحمل قضائه ، ولا سيما أن الطاعنة تقاعست عن الإجراء القانوني الواجب اتخاذه لاستيفاء دينها باستلام الشيكين والتوجه إلى البنك المودع لديه لصرف قيمتهما ولم تدع أن المطعون ضده الأول ليس له رصيد قائم وقابل للسحب ، ولم تدع بأن ثمة أسباب لا ترجع إليها حالت بينها وبين تحصيل قيمة هذين الشيكين ، ويضحى النعي لا يعدو أن يكون جدلا فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره لا تجوز إثارته أمام هذه المحكمة ومن ثم غير مقبول .
وحيث إن الطاعنة تنعي بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق ، وفي بيان ذلك تقول إنه ثبت عدم تملك المطعون ضدهما الأول والثالث المركب المؤمن عليه ، ومن ثم لا تتوافر لهما المصلحة التأمينية ويعد العقد باطلا ولا يغير من ذلك التوكيل الصادر لهما من مالك المركب ، فهو لا يصلح سندا للملكية ، كما أن موافقة الطاعنة على التأمين لا تعني ملكيتهما له إذ أن بيانات التأمين يدلي بها المؤمن له والتي يفترض صحتها استنادا إلى مبدأ حسن النية ، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي مردود؛ ذلك بأن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مقتضى عقد التأمين على الأشياء هو اتفاق المؤمن والمؤمن له على تغطية الأضرار التي يُحتمل أن تصيب المؤمن له خلال مدة معينة يتحمل فيها المؤمن تبعة الأضرار مقابل جعل التأمين الذي يتقاضاه من المؤمن له وذلك بشرط وقوع الحادث أو تحقق الخطر المؤمن منه ، واتفاقهما هو الذي يحدد هذا الخطر محلاً ونطاقاً وسبباً ، فإذا انعقد اتفاقهما على التأمين ضد الخطر أيا كان سببه ، التزم المؤمن بأداء مبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن منه بغض النظر عن سببه والتزاماً بنطاقه ومداه الذي تم الاتفاق على التأمين ضده ، ومن المقرر أن مؤدى نص المادتين ۱٤٧ ، ۱٤۸ من القانون المدني أن العقد قانون العاقدين ونصوصه هي المرجع في تبيان نطاق التعاقد بالنسبة إلى الأشخاص والموضوع وتحديد شروطه والحقوق الناشئة عنه والالتزامات المتولدة منه . لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائي قد أقام قضاءه بتوافر الصفة في الدعوى والصفة التأمينية للمطعون ضده الأول على سند من أن الثابت في وثيقة التأمين أنه والمطعون ضده الثالث هما المؤمن لهما ، وصدر لهما من مالك المركب توكيل رسمي خاص برقم ۹۲۱۹ لسنة ۲۰۰۸ توثيق البحر الأحمر ببيعها لنفسيهما أو للغير ، فيعد صادراً لصالحهما ولا يجوز إلغاؤه من جانب الموكل وحده ، وأن الشركة الطاعنة أبرمت معهما وثيقة التأمين بناء على ذلك ، وهي أسباب سائغة لا مخالفة فيها للثابت بالأوراق وتكفي لحمل قضائه ، ويضحى النعي عليه لا يعدو أن يكون جدلا فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره لا تجوز إثارته أمام هذه المحكمة ومن ثم غير مقبول .
وحيث إن الطاعنة تنعي بالوجه الثاني من السبب الأول وبالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقضاء بما لم يطلبه الخصوم والتناقض ، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم المطعون فيه قضى بإلزامها تعويض إضافي خلاف قيمة وثيقة التأمين والذي قدر مبلغه بمتوسط سعر الفائدة ١٠٪ كما قضي بالزامها فوائد ذلك المبلغ بنسبة ٥٪ من تاريخ المطالبة الحاصل في 9/10/2011 حتى تمام السداد ، على الرغم من أن التعويض عن التأخر في أداء مبلغ من النقود هو الفوائد بنسبة 4% يحسب أن النزاع مدني ، ولا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ويلزم وفقاً للمادة ۲۳۱ من القانون المدني حصول ضرر استثنائي للدائن مع سوء نية المدين للقضاء به وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن النعي في شقه بشأن نسبة الفوائد فهو غير سديد ؛ ذلك بأن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه إذا كان محل الالتزام مبلغًا من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به كان ملزمًا بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخر فوائد قدرها أربعة في المائة في المسائل المدنية وخمسة في المائة فى المسائل التجارية وأن عقد التأمين وفقاً للفقرة (هـ) من المادة الخامسة من قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ۱۹۹۹ يعد من الأعمال التجارية . فإنه يستحق على التأخر في الوفاء بالالتزامات النقدية الناشئة عنه فوائد بنسبة 5% سنوياً ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحاً ويكون النعي على غير أساس .
وحيث إن النعي في شقه بشأن التعويض فهو سديد ؛ ذلك بأن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن التأمين عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدى إلى المؤمن له أو المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال فى حالة وقوع الحادث ، ومن صور التأمين ما يرتبط بوقوع حادث معين بتحققه يقوم التزام المؤمن بأداء التعويض المالي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد ، وأن التعويض عن الإخلال بالالتزام بدفع مبلغ من النقود يتمثل إما في فائدة تعويضية وإما فائدة تأخيرية وهذه الأخيرة ترصد على التأخير فى الوفاء بمبلغ نقدي معلوم المقدار وهي تفترض حلول أجل الدين دون الوفاء به ، كما أن من المقرر أن النص في المادة ۲۳۱ من القانون المدني على أنه ” يجوز للدائن أن يطالب بتعويض تكميلي يضاف إلى الفوائد إذا أثبت أن الضرر الذي يجاوز الفوائد قد تسبب فيه المدين بسوء نية ” مفاده أنه يشترط للحكم بالتعويض التكميلي بالإضافة إلى الفوائد أن يقيم الدائن الدليل على توافر أمرين : أولهما : حدوث ضرر استثنائي به لا يكون هو الضرر المألوف الذي ينجم عادة عن مجرد التأخير في وفاء المدين بالتزامه وثانيهما : سوء نية المدين بأن يكون قد تعمد عدم الوفاء بالتزامه وهو عالم بما يحدثه ذلك لدائنه من ضرر . لما كان ذلك وكان المطعون ضده الأول لم يدع حصول هذين الأمرين أو يقدم إلى محكمة الموضوع الدليل على قيامهما ، أو يطلب سلوك طريق معين لإثبات توافرهما ، وقضى الحكم المطعون فيه بتأييد الحكم الابتدائي بالزام الطاعنة مبلغ ٥۲۰۰۰۰ جنيه تعويضاً بنوعيه بخلاف إلزامها الفوائد القانونية بنسبة ٥٪ سنوياً لإخلالها بالتزامها سداد قيمة التأمين المستحقة إلى المطعون ضده الأول ، وعلى الرغم من قصره الضرر المترتب على ذلك في فوات فرصة استثمار المبلغ طول فترة التأخير ، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه جزئيا في هذا الخصوص .
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه – في حدود ما نقض – ولما تقدم ، يتعين إلغاء الحكم المستأنف فيما قضي به من إلزام المستأنفة مبلغ ٥٢۰۰۰۰ جنيه تعويضا بنوعيه .
لــــــــذلك
نقضت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه جزئيا فيما قضي به من تعويض ، وألزمت المطعون ضده الأول المصروفات ، ومئتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة ، وحكمت في موضوع الاستئناف رقم ٧٤٧٠ لسنة 132ق القاهرة ” مأمورية الجيزة ” – في حدود ما نقض – بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من إلزام المستأنفة مبلغ ٥۲۰۰۰۰ جنيه تعويضاً بنوعيه ، وبرفض طلب التعويض ، وألزمت المستأنف ضده الأول المناسب من المصروفات ومئة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .