باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 9 ديسمبر سنة 2001 الموافق24 من رمضان سنة 1422 هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / محمد فتحى نجيب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور حنفى على جبالى وعبد الوهاب عبد الرازق و إلهام نجيب نوار و محمد عبد العزيز الشناوى و السيد عبد المنعم حشيش و محمد خيرى طه .
وحضور السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 107 لسنة 21 قضائية ” دستورية “.
المقامة من
1 – السيدة / إبتسام إسكندر بسخرون
2 – السيد / ميلاد بنيامين معوض
3 – السيدة / نيفين بنيامين معوض
ضد
1 – السيد / رئيس الجمهورية بصفته
2 – السيد / رئيس مجلس الوزراء بصفته
3 – السيد / وزير العدل بصفته
4 – السيد / رئيس مجلس الشعب بصفته
5 – السيد / وزير الداخلية بصفته
6 – السيد / بطريرك الأقباط الأرثوذكس بصفته
7 – السيد / إبراهيم صبرى معوض سعد إبراهيم
8 – السيدة / فيكتوريا معوض سعد إبراهيم
9 – السيد / يوسف معوض سعد إبراهيم
10 – السيد / كمال معوض سعد إبراهيم
” الإجراءات “
بتاريخ الثانى عشر من يونيو سنة 1999، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين، الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بعدم دستورية نص المادة (177) من لائحة الأقباط الأرثوذكس.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم بما تراه المحكمة متفقاً مع الشرعية الدستورية .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
” المحكمة “
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعية الأولى زوجة للسيد/ بنيامين معوض سعد بموجب عقد الزواج الكنسى المؤرخ 2/5/1965 وقد أنجبت منه على فراش الزوجية كلا من ميلاد بنيامين معوض ونيفين بنيامين معوض، وفى عام 1977 سافر الزوج المذكور إلى دولة الكويت حيث انقطعت أخباره وفشلت كل المحاولات التى بذلت للعثور عليه، وقد ترك المذكور ما يورث عنه شرعاً وهو ما آل إليه من حصة فى العقارين رقمى 3، 5 شارع مصطفى حافظ بعزبة النخل الشرقية ، الأمر الذى حدا بالمدعين إلى إقامة الدعوى رقم 2314 لسنة 1996 بتاريخ 6/7/1996 أمام محكمة القاهرة للأحوال الشخصية -الدائرة السابعة مدنى كلى – طالبين فى ختامها الحكم بإثبات وفاة مورثهم وأنهم ضمن ورثته الشرعيين وذلك على سند من أن فقده كان فى حالة يغلب عليها الظن بهلاكه، وقد ان قضت مدة تزيد على أربع سنين من تاريخ فقده طبقاً لنص المادة (21) فقرة أولى من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 والخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية ، وقد دفع الحاضر عن الدولة أمام المحكمة بعدم جواز تطبيق نص المادة (21) المشار إليها على الدعوى بحسبان أن المفقود ورافعى الدعوى يخضعون لأحكام لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التى أقرها المجلس الملى العام بجلسته المنعقدة فى 9/5/1938 والمعمول بها اعتباراً من 8/7/1938 والتى تنص المادة (177) منها على أنه ” يجوز الحكم بوفاة الغائب بعد مضى ثلاثين سنة من الحكم بإثبات غيبته أو مضى تسعين سنة من حين ولادته ” فدفع المدعون بعدم دستورية نص المادة (177) المشار إليها، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت للمدعين برفع الدعوى الدستورية فقد أقاموها.
وحيث إن المدعين ينعون على النص الطعين تمييزه دون مبرر بين أبناء الوطن الواحد فى مسألة لا تتعلق بالعقيدة بما يترتب عليه من إخلال بالمساواة بين المسلمين والأقباط الأرثوذكس فيما يتعلق بشروط الحكم باعتبار المفقود ميتاً، مما يؤدى إلى إهدار مصلحة الأسرة القبطية ، ويكون النص الطعين مخالفاً للمادتين (40،9) من الدستور.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القواعد التى تتضمنها شرائع الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين، ومنها لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التى أقرها المجلس الملى العام فى 9 مايو سنة 1938، وعمل بها اعتباراً من 8 يوليه سنة 1938، هى قواعد قانونية من حيث عموميتها وتجردها، بما مؤداه: خضوعها للرقابة الدستورية التى تتولاها هذه المحكمة .
وحيث إن النعى على النص الطعين بمخالفته الدستور صحيح، ذلك أن النص فى المادة التاسعة من الدستور، على أن ” الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية . وتحرص الدولة على الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد، مع تأكيد هذا الطابع وتنميته فى العلاقات داخل المجتمع المصرى ” يدل على أن المشرع الدستورى قصد إلى إطلاق حكم هذا النص ليشمل كل أسرة مصرية أياً كانت عقيدتها الدينية ، ثم أورد بعد ذلك حظراً شاملاً لأية صورة من صور التمييز بين المواطنين، بنصه فى المادة (40) منه على أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ” بما مؤداه: أن القاعدة القانونية التى تقوم على تنظيم أوضاع الأسرة المصرية أو تتصل بهذا التنظيم برباط من الروابط، يجب أن تكون عامة ومطلقة فى انطباقها على كل أسرة مصرية ، كما هى عامة ومطلقة فى انطباقها على كل مصرى ، وأنه لا يجوز أن تختلف قاعدة عن أخرى تتحد معها فى محلها إلا أن يكون مرد الاختلاف هو اتصاله بشكل جازم بأمر العقيدة ، حيث يجوز فى هذه الدائرة وحدها أن تختلف القواعد القانونية ، وهو اختلاف يتحد فى انبعاثه من قاعدة دستورية مقابلة هى كفالة حرية العقيدة التى نصت عليها المادة (46) من الدستور، والتى يتفرع عنها الاعتداد الكامل، والاحترام المطلق لعقائد المصريين الدينية كافة .
إذ كان ذلك، وكان تنظيم أوضاع غيبة وفقد المصريين، هو أمر يتصل بحياتهم الاجتماعية ويندمج بالكامل فى الأحكام الخاصة بتنظيم أحوال الأسرة المصرية فى مفهومها المطلق الذى يتجاوز اختلاف العقائد والأديان، بما يجعله شأناً مصرياً عاماً لا محل فيه لخصوصية العقيدة وذاتيتها الروحية ، وكان نص الفقرة الأولى من المادة (21) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدلة قد جرى على أن ” يحكم بموت المفقود الذى يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنوات من تاريخ فقده “، فى حين أن نص المادة (177) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس قد جرى على أنه ” يجوز الحكم بوفاة الغائب بعد مضى ثلاثين سنة من الحكم بإثبات غيبته أو مضى تسعين سنة من حين ولادته “، فإن مؤدى النصين معاً، أنهما وإن اتحدا فى تنظيمهما لأحكام الغيبة والفقد، غير أنهما اختلفا اختلافاً بيّناً فى التنظيم الذى قرره كل منهما بشأن الطائفة المخاطبة بأحكامه، حال أن الطائفتين معاً هما من المصريين الذين يجب أن يخاطبوا بقاعدة قانونية واحدة طالما تعلق الأمر بتنظيم لمسألة بعينها تتصل بحياتهم العامة ، وإلا كان فى خضوع بعضهم لتنظيم وخضوع البعض الآخر لتنظيم مغاير، تمييزاً لمن كان التنظيم الخاضع له أكثر ميزة أو أيسر سبيلاً.
وحيث إنه بمقارنة نص الفقرة الأولى من المادة (21) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 بنص المادة (177) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، يبين أنه فى حين أن النص الأول قد أجرى توازناً دقيقاً بين حقوق المفقود واحتمالات ظهوره من جهة ، وحقوق من تتصل حياتهم وأوضاعهم بفقده أوموته وحاجتهم لاستقرار أوضاعهم بقضاء يحسم الأمر فى شأن فقده من جهة أخرى ، ثم جعل من هذا التوازن أساساً لتحديد المدة التى يحتمل فيها ظهور المفقود بجعلها أربع سنوات من تاريخ فقده إذا كان يغلب عليه الهلاك وهى مدة ليست بالقصيرة بحيث تتصادم مع مصالحه إذا تعرض لظروف استثنائية حالت دون تواصل أخباره، وليست ممتدة الإطالة بحيث تتصادم مع أوضاع وحقوق من تتصل حياتهم وأوضاعهم به، فإن النص الثانى -المادة (177) من لائحة الأقباط الأرثوذكس-، قد صرف نظره فقط إلى حقوق المفقود واحتمالات ظهوره، فأمهله للظهور ثلاثين سنة من تاريخ الحكم بإثبات غيبته، أو استمراره غائباً حتى يبلغ التسعين من تاريخ ولادته، وهى مدد لا بد أن تصيب من تتصل حياتهم وأوضاعهم به، باضطراب وعدم استقرار شديدين، ويضع طائفة من الأسر المصرية فى وضع أقل استقراراً، وأكثر ارتباكاً من طائفة أخرى من الأسر المصرية ، وهو حال يتصادم مع ما استهدفته المادة التاسعة من الدستور، من إعلاء شأن الأسرة المصرية وجعلها هى أساس المجتمع، كما يتصادم ونص المادة (40) من الدستور فيما حظرته من أى تمييز بين المصريين، بما مؤداه: أنه وقد أتى حكم الفقرة الأولى من المادة (21) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 بتنظيم أكثر قرباً إلى طبائع الأمور، وأكثر يسراً على من يتحمل أعباء غيبة المفقود، وادعى إلى تحقيق استقرار الأسرة المصرية ، فإنه بذلك كله يكون التنظيم الذى يرجح فى ميزان المقارنة بين التنظيمين، ويكون نص المادة (177) من لائحتة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، بما ينطوى عليه من إعنات على فئة من الأسر المصرية وإخلال بالمساواة الواجبة بين المصريين فى شأن من شئونهم العامة ، مخالفاً للدستور، ومن ثم يتعين القضاء بعدم دستورية النص الطعين، وهو ما يترتب عليه صيرورة حكم الفقرة الأولى من المادة (21) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 سارياً على المصريين من المسلمين والأقباط الأرثوذكس، إعمالاً لحكم المادة (32) من القانون المدنى والمادة الثالثة من القانون رقم (1) لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (177) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .