عدم دستورية قواعد التوزيع الإقليمي المنصوص عليها بالبند (ثامنا) من المادة الأولى من قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات رقم 1937 لسنة 2014 بشأن نظام وقواعد قبول الطلاب الحاصلين على الشهادة الثانوية العامة المصرية وما يعادلها ، المتقدمين للالتحاق بالجامعات الحكومية المصرية في العام الجامعي 2014/2015 .

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الحادي عشر مــــن مارس سنة 2023م، الموافق التاسع عشر من شعبان سنة 1444 هـ.

برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر                   رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمـــد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا

وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني                      نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري       رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع                            أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 124 لسنة 38 قضائية “دستورية”، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري (دائرة بني سويف)، بحكمها الصادر بجلسة 3/2/2015، ملف الدعوى رقم 19610 لسنة 1 قضائية

المقامة من

أحمد لطفي علي، بصفته وليًّا طبيعيًّا على ابنته القاصر مروة

ضد

1 – وزيــــــر التعليم العالــــــي، بصفته رئيس المجلس الأعلــــــى للجامعــــــــــــــــــــــات

2- رئيس قطــــــاع التعليم بــــــوزارة التعليم العالــــــي والمشــــــرف علــــــى التنسيــــــق

3- رئيس الإدارة المركزية بوزارة التعليم العالي والمشرف على مكتب التنسيق

4- رئيس جامعـــة بني سويـــف

5- عميد كلية الإعلام بجامعة بني سويف

الإجـراءات

بتاريخ السادس من ديسمبر سنة 2016، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقــــم 19610 لسنة 1 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري (دائرة بني سويف) بجلسة 3/2/2015، بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية البند (ثامنًا) من المادة الأولى من قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات رقم 1937 لسنة 2014.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

المحكمــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكـــم الإحالـــة وســـائـــر الأوراق – في أن المدعي في الدعوى الموضوعية، أقام أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة بني سويف) الدعوى رقم 19610 لسنة 1 قضائية، ضد المدعى عليهم، طالبًا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن قبول ابنته بكلية الإعلام – جامعة بني سويف، وذلك على سند من القـــــول بأن ابنته حصلت على شهادة الثانوية العامة (القسم العلمي شعبة علوم) في العام الدراسي 2013/2014، من مدرسة الوحـدة العربية التجريبية، التابعــــــة لإدارة شبرا التعليمية – محافظة القاهرة، بمجموع درجات 381 من 410 درجات، وكانت الرغبة الأولى لها بمكتب التنسيق، الالتحاق بكلية الإعلام – جامعة بني سويف، إلا أنه تم ترشيح ابنته للقبول بكلية العلوم – جامعة القاهرة، على الرغم من أن الحد الأدنى للقبول بكلية الإعلام بجامعة بني سويف كان 374 درجة، بما يقل عن مجموع درجات ابنته بسبع درجات، فتقدم للكلية الأخيرة طالبًا نقل ابنته إليها، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، استنادًا إلى قواعد التوزيع الإقليمي المنصوص عليها في البند (ثامنًا) من المادة الأولى من قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات رقم 1937 لسنة 2014، مما حدا به إلى الطعن على هذا القرار. وبجلسة 3/2/2015، حكمت المحكمة بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية البند (ثامنًا) من المادة الأولى من قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات المشار إليه، تأسيسًا على أن الفرص التي تلتزم الدولة بإتاحتها للراغبين في الالتحاق بالجامعات الحكومية محدودة، وقد تقصر عن استيعابهم جميعًا، وأن السبيل إلى فض التزاحم للنفاذ إلى تلك الفرص، لا يتأتى إلا بترتيب مستحقيها وفق شروط موضوعية تحقق المساواة وتكافؤ الفرص فيما بينهم، وتلك الشروط الموضوعية هي مجموع الدرجات التي حصل عليها الطالب، فلا ينبغي على الكليات أن توصد أبوابها دون الحاصلين على الحد الأدنى للدرجات التي قبلتها، وأن ترفض قبولهم بحجة أن القبول بها مقصور على القاطنين في نطاق محافظات معينة، ذلك أن الأخذ بهذا المعيار والالتفات عن مجموع الدرجات ينطوي على تمييز مجافٍ للدستور؛ لما يظاهره من تمييز تحكمي على أساس إقليمي، مما ينال من حق الطالب في الالتحاق بنوع التعليم والكلية التي يرغب في الالتحاق بها، بإخضاعه لقاعدة قانونية غير التي تطبق على زميله الحاصل على مجموع الدرجات الأقل منه، الذي يفوز بمقعد في كلية معينة، على أساس واحد، هو إقامته في مكان بعينه، وهو معيار فاسد لا يصلح سندًا للتمييز بين الطلاب الذين يتزاحمون ويتنافسون للحاق بأحد مقاعد الكلية، لتجرده من الموضوعية، وتصادمه مع مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص.

وحيث إن قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات رقم 1937 لسنة 2014 بشأن نظام وقواعد قبول الطلاب الحاصلين على الشهادة الثانوية العامة المصرية، وما يعادلها (من الشهادات العربية والأجنبية)، والشهادات الفنية، والشهادة الثانوية الأزهرية عام 2014، والمتقدمين لتنسيق 2014 للالتحاق بالجامعات الحكومية المصرية في العام الجامعي 2014/2015، ينص في البند (ثامنًا) من المادة الأولى منه، المعنون ” قواعد التوزيع الإقليمي” على أنه:

” 1- بالنسبة لطلاب الثانوية العامة المصرية:

اقتصار القبول في بعض الكليات والمعاهد على الطلاب الحاصلين على أي من هذه الشهادات من المنطقة التي تقع بها هذه الكليات والمعاهد، ويسري ذلك على كليات …. .

2- بالنسبة لطلاب الشهادات المعادلة العربية والأجنبية:

اقتصار القبول في بعض الكليات والمعاهـــــــد على الطـــــــلاب الحاصلين على أي من هـــــــذه الشهادات مـــــــن المنطقة الجغرافيـــــــة (أ) التي يحددها الطالب …. .

3- يكون القبول بكليات الاقتصاد والعلوم السياسية بالجامعات المصرية على أساس القبول الإقليمي وفقًا لما يلي:

…………….. .

4- يكون القبول بكليات الإعلام بالجامعات المصرية على أساس القبول الإقليمي وفقًا لما يلي:

– كلية الإعلام جامعة القاهرة تقبل الطلاب الحاصلين على الشهادات الثانوية من إقليم محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة – الجيزة – القليوبية – الفيوم) وإقليم محافظات وجه بحري (الإسكندرية – مرسى مطروح – البحيرة – الغربية – كفر الشيخ – المنوفية) وإقليم محافظات القنال (الدقهلية – دمياط – الشرقية – الإسماعيلية – السويس – بورسعيد – شمال سيناء – جنوب سيناء).

– كليتي الإعلام جامعتي بني سويف وجنوب الوادي تقبل الطلاب الحاصلين على الشهادات الثانوية من إقليم محافظات وجه قبلي (بني سويف – المنيا – أسيوط – الوادي الجديد – سوهاج – قنا – البحر الأحمر – الأقصر – أسوان).

5- يكون القبول بكليات العلاج الطبيعي بالجامعات المصرية على أساس القبول الإقليمي وفقًا لما يلي:

…………….. .

6- يكون القبول بكليات الآثار بالجامعات المصرية على أساس القبول الإقليمي وفقًا لما يلي:

…………….. .

7- يكون القبول بكليات الألسن بالجامعات المصرية على أساس القبول الإقليمي وفقًا لما يلي:

…………….. .

8- يكون القبول بكليات التربية الفنية بالجامعات المصرية على أساس القبول الإقليمي وفقًا لما يلي:

…………….. .

9- يكون القبول بكليات دار العلوم بالجامعات المصرية على أساس القبول الإقليمي وفقًا لما يلي:

…………….. .

10- يكون القبول بكليات الفنون الجميلة بالجامعات المصرية على أساس القبول الإقليمي وفقًا لما يلي:

…………….. .

11- يكون القبول بكليات الفنون التطبيقية بالجامعات المصرية على أساس القبول الإقليمي وفقًا لما يلي:

…………….. “

      وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهـــــــي شرط لقبولهـــــــا، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو طريق الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس الفصل في دستورية النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولهـــــا الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع الموضوعي تدور حول طلب المدعي الحكم بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن قبول ابنته بكلية الإعلام- جامعة بني سويف، في العام الجامعي 2014/2015، بالرغم من حصولها على مجموع درجات يزيد عن الحد الأدنى للقبول بتلك الكلية، وكان ذلك إعمالاً لقواعد التوزيع الإقليمي الواردة بالبند (ثامنًا) من المادة الأولـــى من قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات رقم 1937 لسنة 2014 السالفة البيان، والتي قصرت القبول في بعض كليات الجامعات الحكومية على الطلاب الحاصلين على الشهادات الثانوية المبينة بالقرار، من بعض أقاليم محافظات الجمهورية دون أقاليم محافظات أخرى. ومن ثم يكون للفصل في دستورية البند (ثامنًا) من القرار الوزاري المشار إليه، بشأن قواعد التوزيع الإقليمي للطلاب الحاصلين على الشهادات الثانوية، المتقدمين للالتحاق بالجامعات الحكومية المصرية خلال العام الجامعي 2014/2015، أثر مباشر وانعكاس أكيد على الطلبات المطروحة في الدعوى الموضوعية.

      وحيث إن المادة (19) من الدستور تنص على أن “التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضاريــة والروحيـــــة، وإرساء مفاهيــم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعــاة أهدافه في مناهــج التعليم ووسائلــه، وتوفيــره وفقًــا لمعاييــر الجــودة العالمية……….”.

      وتنص المادة (21) من الدستور على أن ” تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقًا لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها، وفقًا للقانون……..”.

      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن التعليم كان وما زال من أكثر المهام خطرًا، وأعمقها اتصالاً بآمال المواطنين وطموحاتهم، وأوثقها ارتباطًا بمصالح الجماعة ومقاييس تقدمها، وكان على الدولة بالتالي أن تهيمن على عناصره الرئيسية، وأن توليه رعايتها، وأن توفر لدور التعليم – وبقدر طاقتها – شرايين الحياة الجوهرية التي لا تقوم إلا بها، وأن يكون إنفاقها على التعليم، تعبيرًا عن اقتناعها بأن ثماره عائدة في منتهاها إليها، وأن اجتناءها بيد مواطنيها، فليس التعليم حرثًا في البحر، بل هو نبض الحياة وقوامها، لا تستقيم بغيره شئونها، ولازال متطلبًا كشرط مبدئي لمواجهة المواطنين لمسئولياتهم مع تنوعها وشمولها، ليكون اضطلاعهم بها منتجًا وفعالاً، وهو كذلك تعميق لمشاعر الانتماء، يتمحض إلهامًا للضمائر، وتقريرًا للحقائق، واستنهاضًا للهمم، نحو ما ينبغي أن يكون نهجًا قويمًا للعمل، واستثارة لتلك القيم والمثل العليا التي يكون غرسها وإيقاظها في النشء، مشكلاً لعقولهم، محددًا مآلاً، أنماطًا لتصرفاتهم، فلا يوجهون – في الأعم – طاقاتهم بددًا، ولا يتراجعون عن الإقدام طريقًا، ولا يتخاذلون أو يمارون، بل يوازنون بين حقوقهم وواجباتهم، مستبصرين حدودها، فلا يتفرقون أو يفرطون.

والتعليم فوق هذا يعدهم للحياة، ويدربهم على مواجهة صعابها، ويقيم لهم معالمها، فلا تتنافر وسائلها، أو تتعارض ملامحها. وهم أسوياء بالتعليم، يتوافقون مع بيئتهم، ويندمجون في مجتمعاتهم، فلا يسعون لغير مظاهر التفوق إصرارًا، ولا يميلون عن الحق طريقًا، ليكون التعليم دومًا حقًّا أصيلاً لا تابعًا، فلا تتداخل الأهواء لفرص النفاذ إليه، ولا تمليها نزوة عابرة، بل يكون القبول بالمعاهد التعليمية على اختلافها محددًا وفق أسس موضوعية تستقيم بها متطلبات ممارسة هذا الحق. وكفالة الدستور لحق التعليم لكل مواطن إنما جاء انطلاقًا من حقيقة أن التعليم يعد من أهم وظائف الدولة، وأنه أداتها الرئيسية التي تنمي في النشء القيم الخلقية والتربوية والثقافية، وتعده لحياة أفضل يتوافق فيها مع بيئته ومقتضيات انتمائه إلى وطنه، ويتمكن في كنفها من اقتحام الطريق إلى آفـــــاق المعرفة وألوانهـــــا المختلفة. والحـــــق في التعليم – الذي أرسى الدستور أصله – فحواه أن يكون لكل مواطن الحق في أن يتلقى قدرًا من التعليم يتناسب مع مواهبه وقدراته، وأن يختار نوع التعليم الذي يراه أكثر اتفاقًا وميوله وملكاته.

      وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن التعليم العالي – بجميع    كلياته ومعاهده – يشكل الركيزة الرئيسية لتزويد المجتمع بالمتخصصين والفنيين والخبراء، الذين تقع على عواتقهم مسئولية العمل في مختلف مجالاته، وكانت الدولة مسئولة عن كفالة هذا التعليم الذي يخضع لإشرافها، وكانت الفرص التي تلتزم بأن تتيحها للراغبين في الالتحاق بالتعليم العالي مقيدة بإمكاناتها الفعلية، التي قد تقصر عن استيعابهم جميعًا في كلياته ومعاهده المختلفة، فإن السبيل إلى فض تزاحمهم وتنافسهم على هذه الفرص المحدودة، لا يتأتى إلا بتحديد مستحقيها وترتيبهم فيما بينهم وفق شروط موضوعية، ترتد في أساسها إلى طبيعة هذا التعليم وأهدافه ومتطلبات الدراسة فيه، ويتحقق بها ومن خلالها التكافؤ في الفرص، والمساواة لدى القانون، بما يتولد عن تلك الشروط في ذاتها من مراكز قانونية متماثلة تكشف عن وجه الأحقية والتفضيل بين المتزاحمين في الانتفاع بهذه الفرص، بحيث إذا استقر لأي منهم الحق في الالتحاق بإحدى الكليات أو المعاهد العالية وفق هذه الشروط، فلا يحل من بعد أن يفضل عليه من لم تتوافر فيه تلك الشروط، وإلا كان ذلك مساسًا بحق قرره الدستور.

      وحيث إن مقتضى ما نصت عليه المادة (8) من الدستور من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمهـــــــا، وترابط أفرادهـــــــا فيمـــــــا بينهم، فـــــــلا يكـــــــون بعضهـــــــم لبعض إلا ظهيرًا، لا يتناحرون طمعًا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم في حمايـــــــة تلك المصالـــــــح، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازًا، ولا أن ينال قدرًا من الحقوق يكون بها – عدوانًا – أكثر امتيازًا من سواه، بل يتمتعون جميعًا بالحقوق عينها، وذلك تحقيقًا للعدل الذي قرنه الدستور بكثير من النصوص التي تضمنها ليكون قيدًا على السلطتين التشريعية والتنفيذية في المسائل التي تناولتها هذه النصوص بحيث يتعين عليها دومًا أن توازن علائق الأفراد فيما بين بعضهم ببعض، بأوضاع مجتمعهم والمصالح التي يتوخاها. وقيام المجتمع على مزيج من المواطنة والتضامن الاجتماعي يعني إيمان الجماعة بالانتماء إلى وطن واحد واندماجها في بنيان واحد وتداخل مصالحها واتصال أفرادها بعضهم ببعض، حتى يكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه أزر بعض.

      وحيث إن إعمال قواعد التوزيع الإقليمي الواردة بالبند (ثامنًا) من المادة الأولى من قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات رقم 1937 لسنة 2014، مؤداه: قصر القبول بالكليات الواردة بهذا البند على الطلاب الحاصلين على الشهادات الثانوية من أقاليم محافظات محددة، دون أقاليم محافظات أخرى، ولو كان مجموع درجاتهم يؤهلهم للقبول بها، مغيبًا بذلك مبدأ الجدارة العلمية، وقوامه الاعتداد بالمجموع الكلي للدرجات المؤهلة للقبول في كليات الجامعات الحكومية، بحسبانه وحده، الأساس الموضوعي للقبول بها، وعلى هديه تتكافأ المراكز القانونية للطلاب الحاصلين على الشهادات الثانوية، في امتحانات موحدة، بينما اعتد النص المحال بقواعد التوزيع الإقليمي، مقدمًا إياها على مبدأ الجدارة العلمية السالف البيان، بما يخل بحقهم في اختيار نوع التعليم الذي يتناسب مع قدراتهم الذهنية، ويتماهى مع مواهبهم الفطرية، ويحقق طموحاتهم العملية، مما يقوض موازين المساواة والعدل وتكافؤ الفرص والتضامن الاجتماعي، بين مواطنين ذوي مراكز قانونية متكافئة، في الالتحاق بالتعليم الجامعي الحكومي، المعدود حلقة من حلقات التعليم الذي تكفله الدولة لمواطنيها، والذي أنزله الدستور مكانًا عليًّا، وجعله حقًّا لكل مواطن، بما لا يجوز معه لأي تشريع أن يقيده بما يمس أصله وجوهره، الأمر الذي تكون معه قواعد القبول الإقليمي المار بيانها، بالإضافة إلى ما تقدم، قد صادمت مبدأ المواطنة، وناقضت سيادة القانون، ومن ثم يغدو النص المحال مخالفًا المواد (1 و4 و8 و9 و19 و21 و53 و92) من الدستور، ولزامه القضاء بعدم دستوريته.

فلهذه الأسباب

      حكمت المحكمة بعدم دستورية قواعد التوزيع الإقليمي المنصوص عليها بالبند (ثامنًا) من المادة الأولى من قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس المجلس الأعلى للجامعات رقم 1937 لسنة 2014 بشأن نظام وقواعد قبول الطلاب الحاصلين على الشهادة الثانوية العامة المصرية وما يعادلها، المتقدمين للالتحاق بالجامعات الحكومية المصرية في العام الجامعي 2014/2015.

اترك تعليقاً