عدم دستورية المادة (139) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التى أقرها المجلس الملى العام بجلسته فى 9 مايو 1938، والمعمول بها اعتباراً من 8 يوليو 1938

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت أول مارس سنة 1997 الموافق21 شوال سنة 1417 هـ .

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر            رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين :الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض 

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى علي جبالى                    رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ حمدى أنور صابر                                         أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 74 لسنة 17 قضائية “دستورية “.

المقامة من

السيدة / أمجاد إبراهيم شنوده القمص

ضد

1.  السيد / رئيس الجمهورية

2.  السيد / رئيس مجلس الوزراء

3.  السيد / رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب

4.  السيد / بطريرك الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة

5.  السيد / نبيل رمزى رزق الله

” الإجراءات  “

بتاريخ التاسع عشر من شهر نوفمبر 1995، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة (139) من لائحة الأقباط الأرثوذكس لسنة 1938.

 وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة فوضت فيها الرأى للمحكمة .

 وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

 وقدم كل من المدعى عليه الرابع والخامس مذكرة بوجهة نظره.

 ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

” المحكمة   “

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .

 حيث إن الوقائع -على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليه الخامس -فى الدعوى الراهنة – كان قد أقام ضد المدعية الدعوى رقم 763 لسنة 1995 أمام محكمة حلوان الجزئية للأحوال الشخصية (الدائرة الملية ) طالباً فى صحيفتها الحكم بإلزامها بأن ترفع يدها عن حضانتها لابنها منه “ماثيو نبيل رمزى ” على سند من القول بأن الصغير بلغ السابعة من عمره، وهى أقصى سن للحضانة عملاً بنص المادة (139) من لائحة الأقباط الأرثوذكس لعام 1938، الواجب تطبيقها على طرفى التداعى -المتحدين ملة ومذهباً- باعتبارها شريعتهما.

 وبجلسة 24/10/1995، دفع وكيل المدعية بعدم دستورية هذا النص. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد أجلت نظر الدعوى لجلسة 28/11/1995 لتتخذ المدعية إجراءات الطعن بعدم الدستورية ، فأقامت دعواها الماثلة .

 وحيث إن المادة (139) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التى أقرها المجلس الملى العام، والمعمول بها اعتباراً من 8 يوليو 1938  تقضى فى فقرتها الأولى بأن تنتهى الحضانة ببلوغ الصبى سبع سنين، وبلوغ الصبية تسع سنين، وحينئذ يسلم الصغير إلى أبيه، أو عند عدمه إلى من له الولاية على نفسه. وفى فقرتها الثانية بأنه إذا لم يكن للصغير ولى ، يترك عند الحاضنة إلى أن يرى المجلس من هو أولى منها باستلامه.

 وحيث إن المدعية تنعى على هذا النص، إخلالها بأحكام المواد (2، 10، 40) من الدستور وذلك من عدة أوجه:

 أولها: أن قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين، تطبق على المصريين جميعهم أياً كانت ديانتهم، ومن ثم تنتظمهم جميعاً قواعد موحدة فى شأن المواريث ونظم النفقات والطاعة . وتقرير سن للحضانه بما يرعى مصالح الصغير من الأمور التنظيمية التى لا تناقض الشريعة المسيحية فى جوهر أحكامها وأساس بنيانها، بل إن الشريعتين تدوران معاً حول رعاية النشء وإسعاده.

 ثانيها: أن الدستور نص فى مادته العاشرة ، على أن تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة وترعى النشء، وتوفر لهم ظروفاً مناسبة لتنمية ملكاتهم. وقد جاء النص المطعون فيه مجافياً للرعاية التى تطلبها الدستور للطفولة ، وحال كذلك بين الصغير وتنمية ملكاته النفسية والوجدانية بعد أن انتزعه فى سن مبكرة من حضانة أمه، مفتتاً بذلك شخصيته، ومُضيعاً لوجوده.

 ثالثها: أن النص المطعون فيه انطوى كذلك على تفرقه بين أبناء الوطن. فالصغار لزوجين مسيحيين متحدى الملة والطائفة ، ينتزعون من أم هم فى سن السابعة ، ولو كانت مصلحتهم تقتضى بقاءهم تحت يدها، فى الوقت الذى قد يظل فيه الصغير المسلم فى حجر أمه وحضانتها حتى الخامسة عشرة من عمره. كذلك تنتزع الصغيرة المسيحية من أمها فى التاسعة ، رغم أن الصغيرة المسلمة قد تظل فى حضانة أمها حتى تتزوج. والتمييز بين أبناء الوطن الواحد على غير أسس منطقية ، يعتبر تمييزاً تحكمياً منهياً عنه بنص المادة (40) من الدستور.

وحيث إنه بتاريخ 18/6/1996 أودع غبطة البابا شنوده الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس مذكرة أشار فيها إلى ما يأتى :

1- أن نصوصاً قاطعة الثبوت والدلالة تحكم الأقباط الأرثوذكس فى مسائل أحوالهم الشخصية ، من بينها شريعة الزوجة الواحدة ، ولاطلاق إلا لعلة الزنا، وتلك مسائل حسمتها آيات ثابتة   فى الإنجيل المقدس.

2- أن الزواج وآثاره لا ينظمها، ولا ينبغى أن يحكمها إلا شريعة العقد فيما لا يتعارض مع آيات الإنجيل المقدس نصاً ودلالة ، فعقد الزواج ماشُرع إلا لإثبات ما تم من طقس – هو صلاة الإكليل ( الشعائر الدينية ) – فى أحضان الكنيسة وتحت إشرافها وسيطرتها، والذى بدونه لا ينعقد الزواج أصلاً.

3- أن ما ورد بشأنه نص فى آيات الإنجيل المقدس، وما جاء بعقد الزواج، سواء نُص عليه أو لم ينظم فى لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس- النافذة   اعتباراً من الثامن من يوليه 1938- هى أمور لا محل للاجتهاد بشأنها حتى من القائمين على الكنيسة .

4- وبالنسبة إلى مسألة تحديد سن الحضانة على ضوء ما نصت عليه المادة (139) من اللائحة ، أوضح غبطة البابا ما يأتى :

أولاً: أنه لم يرد نص فى الإنجيل المقدس ينظم هذه المسألة .

ثانياً: أن مسألة تحديد سن لحضانة الأطفال مسألة تحكمها ظروف المجتمع من نواح عدة .

ثالثا: أن تحديد سن للحضانة يحكم كل أبناء الوطن الواحد، أمر أقرب إلى الواقع، ويتفق مع الاعتبارات العلمية والعملية ، فضلاً عن أنه لا يخالف نصاً حسبما سبق بيانه.

رابعاً: أنه لا مانع لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من تحديد سن حضانة الأطفال بالنسبة إلى جميع المصريين، توكيداً لقاعدة المساواة بينهم، وبمراعاة أن بقاء الحاضنة على دينها الذى كانت تدين به وقت ولادة الأطفال، يعتبر من الشروط الجوهرية لاستمرارالحضانة .

 وحيث إن المدعى عليه الخامس قدم مذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الدعوى تأسيساً على أن النصوص الآمره التى تضمنتها اللائحة المطعون عليها، صدرت قبل تعديل نص المادة الثانية من الدستور، ولا يتأتى بالتالى إعمالها فى شأن تشريع سابق على تعديلها. هذا فضلاً على أن حكمها ليس وجوبياً، بل يجوز للمشرع وفقاً لها استمداد القواعد الموضوعية التى ينظم بها حقوق المواطنين، من غير الأصول الكلية للشريعة الاسلامية ، وعلى ضوء ما يراه أكثر ملاءمة لمقتضى الحال. ولا ينافى هذه الشريعة أو يقوض أسسها ما تقرر بالنص المطعون عليه فى شأن الحد الأقصى لسن الحضانة ، بل إن الشريعة الإسلامية ذاتها تخول أهل الذمة الاحتكام إلى شرائعهم الدينية ، ومن بينها لائحة الأقباط الأرثوذكس المطعون على أحد نصوصها والتى تعتبر أحكامها من القواعد الآمره التى لا تجوز مخالفتها.

 وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة -وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يتوافر ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها. متى كان ذلك وكانت المادة (139) المطعون عليها هى التى تحول بذاتها دون المدعية وبقاء صغيرها فى حضانتها، فإن طلبها إبطالها والرجوع إلى القواعد التى يتضمنها قانون الأحوال الشخصية للمسلمين فى هذا الشأن، يكون كافلاً مصلحتها الشخصية المباشرة .

 وحيث إن تحديد ما يدخل فى نطاق مسائل الأحوال الشخصية -وفى مجال التمييز بينها وبين الأحوال العينية – وإن ظل أمراً مختلفاً عليه، إلا أن عقد الزواج والطلاق وآثارهما يندرجان تحتها، لتدخل حضانة صغار المطلق من زوجته فى نطاق هذه المسائل، فتحكمها قواعدها.

 وحيث إن المجالس الملية هى التى كان لها اختصاص الفصل فى مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين، وكان تطبيقها لشرائعهم الدينية مقارناً لاختصاصها بالفصل فى نزاعاتهم المتصلة بأحوالهم الشخصية ، فلا يكون قانونها الموضوعى إلا قانوناً دينياً. وظل هذا الاختصاص ثابتاً لهذه المجالس إلى أن صدر القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية ، فقد قضى هذا القانون فى مادته الأولى بأن تلغى المحاكم الشرعية والملية ابتداء من 1/1/1956، على أن تحال الدعاوى التى كانت منظورة أمامها حتى 31/12/1955 إلى المحاكم الوطنية لاستمرار نظرها وفقاً لأحكام قانون المرافعات.

 ولئن وحد هذا القانون بذلك جهة القضاء التى عهد إليها بالفصل فى مسائل الأحوال الشخصية للمصريين جميعهم، فحصرها -وأيا كانت ديانتهم- فى جهة القضاء الوطنى ، إلا أن القواعد الموضوعية التى ينبغى تطبيقها على منازعاتهم فى شئون أحوالهم الشخصية ، لا تزال غير موحدة ،رغم تشتتها وبعثرتها بين مظان وجودها وغموض بعضها أحياناً. ذلك أن الفقرة الأولى من المادة (6) من هذا القانون تقضى بأن تصدر الأحكام فى منازعات الأحوال الشخصية التى كانت أصلاً من اختصاص المحاكم الشرعية طبقاً لما هو مقرر بنص المادة (280) من لائحة ترتيبها. وتنص فقرتها الثانية على أنه فيما يتعلق بالمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين، الذين تتحد طائفتهم وملتهم، وتكون لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور هذا القانون، فإن الفصل فيها يتم -فى نطاق النظام العام- طبقاً لشريعتهم.

 وحيث إن ماتقدم مؤداه: أنه فيما عدا الدائرة المحدودة التى وحد المشرع فى نطاقها القواعد الموضوعية فى مسائل الأحوال الشخصية للمصريين جميعهم – كتلك التى تتعلق بمواريثهم ووصاياهم وأهليتهم- فإن المصريين غير المسلمين لايحتكمون لغير شرائعهم الدينية بالشروط التى حددها القانون رقم 462 لسنة 1955 المشار إليه، بل أن المادة (7) من هذا القانون تنص على أن تغيير الطائفة أو الملة بما يخرج أحد الخصوم عن وحدة طائفية إلى أخرى أثناء سير الدعوى ، لا يؤثر فى تطبيق الفقرة الثانية من المادة (6) من هذا القانون، مالم يكن التغيير إلى الإسلام.

 وحيث إن المشرع وقد أحال فى شأن الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين -وفى إطار القواعد الموضوعية التى تنظمها- إلى شرائعهم مستلزماً تطبيقها دون غيرها فى كل ما يتصل بها، فإن المشرع يكون قد ارتقى بالقواعد التى تتضمنها هذه الشرائع، إلى مرتبة القواعد القانونية التى ينضبط بها المخاطبون بأحكامها، فلا يحيدون عنها فى مختلف مظاهرة سلوكهم. ويندرج تحتها – وفى نطاق الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس – لائحتهم التى أقرها المجلس الملى العام بجلسته المنعقدة فى 9 مايو 1938، والتى عمل بها اعتباراً من 8 يولية 1938، إذ تعتبر القواعد التى احتوتها  لائحتهم هذه – وعلى ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (6) من القانون رقم 462 لسنة 1955 المشار اليه- شريعتهم التى تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية ، بما مؤداه: خضوعها للرقابة الدستورية التى تتولاها هذه المحكمة .

 وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة نص المادة (139) المطعون عليها للمادة الثانية من الدستور، مردود بأن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن حكم هذه المادة – بعد تعديلها فى 22 مايو 1980- يدل على أن الدستور- واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل – قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداها: تَقَيدها -فيما تقره من النصوص القانونية – بمراعاه الأصول الكلية   للشريعة الإسلامية ، إذ هى جوهر بنيانها وركيزتها، وقد اعتبرها الدستور أصلاً ينبغى أن ترد إليه هذه النصوص، فلا تتنافر مع مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها، وإن لم يكن لازماً استمداد تلك النصوص مباشرة منها، بل يكفيها ألا تعارضها، ودون ما إخلال بالقيود الأخرى التى فرضها الدستور على السلطة التشريعية فى ممارستها لاختصاصاتها الدستورية . ومن ثم لا تمتد الرقابة على الشرعية الدستورية التى تباشرها هذه المحكمة فى مجال تطبيقها للمادة الثانية من الدستور، لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها. ولا كذلك نص المادة (139) المطعون عليها، إذ أقرها المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس، وعمل بها قبل تعديل المادة الثانية من الدستور، فلا تتناولها الرقابة على الدستورية ، أيا كان وجه الرأى فى اتفاقها أو تعارضها مع الأصول الكلية للشريعة الإسلامية .

 وحيث إن الحضانة -فى أصل شرعتها- هى ولاية للتربية غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته. والأصل فيها هو مصلحة الصغير، وهى تتحقق بأن تضمه الحاضنة – التى لها الحق فى تربيته- إلى جناحها باعتبارها أحفظ عليه، وأحرص على توجيهه وصيانته، ولأن انتزاعه منها – وهى أشفق عليه وأوثق اتصالاً به، وأكثر معرفة بما يلزمه وأوفر صبراً – مظلمة للصغير إبان الفترة الدقيقة التى لا يستقل فيها بأموره، والتى لايجوز خلالها أن يعهد به إلى غير مؤتمن، يأكل من نفقته، ويطعمه نزراً، أو ينظر إليه شزراً. ولا تقيم الشريعة الإسلامية – فى مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها -ولا شريعة غير المسلمين من الأقباط الأرثوذكس- التى حدد الإنجيل المقدس ملامحها الرئيسية – لسن الحضانة تخوماً لايجوز تجاوزها، انطلاقاً من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها، وأن تطرق الخلل إليها -ولو فى بعض جوانبها- مدعاة لضياع الولد، ومن ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون كافلاً لمصلحته، وأدعى لدفع المضره عنه، وعلى تقدير أن مدار الحضانة على نفع المحضون، وأن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره، حتى عند من يقولون بأن الحضانة لا تتمحض عن حق للصغير، وإنما يتداخل فيها حق من ترعاه ويعهد إليها بأمره.

 وحيث إن الدستور -وفى إطار المقومات الأساسية للمجتمع التى تنتظم المصريين جميعا، فلا يتوجهون لغيرها أو ينعزلون عنها- قد أو رد أحكاماً رئيسية ترعى الأسرة المصرية – سواء فى خصائصها، أو على صعيد الأفراد الذين يكونونها – هى تلك التى فصلتها المواد (9، 10، 11، 12) من الدستور. وقد دل بها على أن الحق فى تكوين الأسرة لا ينفصل عن الحق فى صونها على امتداد مراحل بقائها، لتأمينها مما يخل بوحدتها، أو يؤثر سلباً فى ترابطها، أو فى القيم والتقاليد التى تنصهر فيها، بل يزكيها كافلاً لبنيها تراحما أوثق، ولأطفالها إشرابهم  مبادئها، ومعاونتهم على صون أعراضهم وعقولهم وأموالهم وأبدانهم وعقيدتهم مما ينال منها أو يقوضها، وكذلك اختيار أن ماط من الحياة يتعايشون معها، فلا تتفرق الأسرة التى تضمهم -وهى بنيان مجتمعهم- ولا تتنصل من واجباتها قبلهم، بل تتحمل مسئوليتها عنهم صحياً وتعليمياً وتربوياً.

بل إن الأسرة فى توجهاتها لا تعمل بعيداً عن الدين ولا عن الأخلاق أو الوطنية ، ولكنها تنميها -وعلى ضوء أعمق مستوياتها وأجلها شأناً- من خلال روافد لا انقطاع لجريانها، يتصدرها إرساء أمومتها وطفولتها بما يحفظها ويرعاها، والتوفيق بين عمل المرأة فى مجتمعها وواجباتها فى نطاق أسرتها، وبمراعاة طابعها الأصيل بوصفها الوحدة الأولى التى تصون لمجتمعها تلك القيم والتقاليد التى ى ؤمن بها، تثبيتاً لها وتمكيناً منها.

 وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكانت الأسرة المصرية لا يصلحها اختيار سن للحضانة لايكون محدداً وفقاً لتغير الزمان والمكان. ولا يقيمها كذلك  انتزاع الصغير أو الصغيرة من حاضنته إعناتاً أو ترويعاً، أو إغفال الفروق الجوهرية بين المحضونين تبعاً لذكورتهم وأنوثتهم، وخصائص تكوينهم التى تتحدد على ضوئها درجة احتياجهم إلى من يقومون على تربيتهم وتقويمهم ووقايتهم مما يؤذيهم، وكذلك إعدادهم لحياة أفضل ينخرطون فيها بعد تهيئتهم لمسئوليتها؛ وكان تعهد المحضون – صغيراً كان أم صغيرة – بما يحول دون الإضرار بهما، مؤداه: أن يكون لحضانتهما سن تكفل الخير لهما فى إطار من الحق والعدل. وشرط ذلك اعتدالها، فلا يكون قِصَرها نافياً عن حضانتهم متطلباتها من الصون والتقويم وعلى الأخص من الناحيتين النفسية والعقلية ، ولا امتدادها مجاوزاً تلك الحدود التى تتوازن بها حضانتهم مع مصلحة أبيهم فى أن يباشر عليهم إشرافاً مباشراً، بل تكون مدة حضانتهم بين هذين الأمرين قواما، وهو ما نحاه المشرع بالفقرة الأولى من المادة (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 -بعد تعديلها بالقانون رقم 100 لسنة 1985- من أن حق حضانة النساء ينتهى ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغيرة   اثنتى عشرة سنة . ويجوز للقاضى بعد هذه السن إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج فى يد الحاضنة -ودون أجر حضانة – إذا تبين أن مصلحتهما تقتضى ذلك.

 وحيث إن تحديد سن الحضانة على النحو المتقدم، وإن تعلق بالمسلمين من المصريين، إلا أن هذا التحديد أوثق اتصالاً بمصلحة الصغير والصغيرة اللذين تضمهما أسرة واحدة وإن تفرق أبواها. ولايجوز فى مسألة لا يتعلق فيها تحديد هذه السن بأصول العقيدة وجوهر أحكامها، أن يمايز المشرع فى مجال ضبطها بين المصريين تبعاً لديانتهم، ذلك أن الأصل هو مساواتهم قانوناً ضماناً لتكافؤ الحماية التى يكفلها الدستور أو المشرع لجموعهم، سواء فى مجال الحقوق التى يتمتعون بها أو على صعيد واجباتهم. والصغير والصغيرة -فى شأن حضانتهما- يحتاجان معاً لخدمة النساء وفقاً لقواعد موحدة لا تمييز فيها. والأسرة القبطية هى ذاتها الأسرة المسلمة ، فيما خلا الأصول الكلية لعقيدة كل منهما، وتظلهم بالتالى القيم والتقاليد عينها. وإلى مجتمعهم يفيئون، فلا يكون تقيدهم بالأسس التى يقوم عليها -فى مقوماتها وخصائصها- إلا تعبيراً عن انتمائهم إلى هذا الوطن واندماجهم فيه، تربوياً وخلقياً ودينياً. وما الدين الحق إلا رحمة للعالمين.

وكلما كفل المشرع لبعض أبناء الوطن الواحد حقوقاً حجبها عن سواهم على غير أسس موضوعية ، كان معمقاً فى وجدانهم وعقولهم اعتقاداً أو شعوراً بأنهم أقل شأناً من غيرهم من المواطنين.

 وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك، على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى اللجوء إلى قاضيهم الطبيعى ؛ ولا فى نطاق القواعد الموضوعية والإجرائية التى تحكم الخصومة عينها؛ ولا فى فعالية ضمانة الدفاع التى يكفلها الدستور للحقوق التى يطلبونها؛ ولا فى اقتضائها وفق مقايس واحدة عند توافر شروط طلبها؛ ولا فى طرق الطعن التى تنتظمها، بل يجب أن يكون للحقوق ذاتها، قواعد موحدة سواء فى مجال التداعى بشأنها،  أو الدفاع عنها،  أو استئدائها،  أو الطعن فى الأحكام الصادرة فصلاً فيها. ولا يجوز بالتالى أن يعطل المشرع إعمال هذه القواعد فى شأن فئة بذاتها من المواطنين؛ ولا أن يقلص دور الخصومة القضائية التى يعتبر ضمان الحق فيها، والنفاذ إليها، طريقاً وحيداً لمباشرة حق التقاضى المنصوص عليه فى المادة (68) من الدستور؛ ولا أن يجرد هذه الخصومة من الترضية القضائية التى يعتبر إهدارها أو تهوينها، إخلالاً بالحماية التى يكفلها الدستور للحقوق جميعها.

 وحيث إن النص المطعون فيه، إذ قضى بأن بلوغ الصبى سبع سنين والصبية تسعا، مؤداه: انتهاء حضانتهما، ووجوب تسليمهما فور انقضاء مدتها إلى أبيهما، فإن لم يوجد، فللولى على نفسيهما. فان لم يوجد، ظلا عند حاضنتهما إلى أن يقرر المجلس الملى من يكون أولى منها باستلامهما، فإنه بذلك يكون قد حرم المحضون وحاضنته من حقين جوهريين كفلهما الدستور:

أولهما: مساواة صغارها بالمحضونين من المسلمين الذين لا تنتهى حضانتهم وفقا لقانون أحوالهم الشخصية إلا ببلوغ الصغير عشر سنين والصغيرة اثنتى عشرة سنة .

ثانيهما: حق الحاضنة فى أن تطلب من القاضى – وبعد انقضاء المدة الأصلية للحضانة – أن يظل الصغير تحت يدها حتى الخامسة عشرة ، والصغيرة حتى تتزوج، إذا تبين أن مصلحتهما تقتضى ذلك.

ولئن كان الحق الأول يستمد وجوده مباشرة من نص القانون، إلا أن النفاذ إلى ثانيهما لا يكون إلا من خلال حق التقاضى . فاذا صادره المشرع، كان ذلك منه إنكاراً للعدالة فى أخص مقوماتها، ونكولاً عن الخضوع للقانون.

 وحيث إنه متى كان ذلك، فإن النص المطعون فيه، يكون مخالفاً لأحكام المواد (9، 11،10 , 12، 40، 65، 68، 165) من الدستور.

فلهذه الأسباب

 حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (139) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التى أقرها المجلس الملى العام بجلسته فى 9 مايو 1938، والمعمول بها اعتباراً من 8 يوليو 1938، وألزمت الحكومة المصروفات.

اترك تعليقاً