المحكمة الدستورية العليا رقم ۹٦ لسنة ٤۰
المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ : ۱۳ / ۲ / ۲۰۲۳
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (167)، والمادة (168) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 ، فيما تضمنتاه من أن يشترك فى مجلس تأديب كتاب المحكمة الابتدائية رئيس المحكمة الذى طلب إقامة الدعوى التأديبية ، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات .
الجريدة الرسمية – العدد 6 (مكرر) في 13 فبراير سنة 2023
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الحادي عشر من فبراير سنة 2023م، الموافق العشرين من رجب سنة 1444هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمـــد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 96 لسنة 40 قضائية دستورية، بعد أن أحالت المحكمة التأديبية بالبحيرة بحكمها الصادر بجلسة 27 / 5/ 2018، ملف الطعن رقم 197 لسنة 22 قضائية
المقام من
محمد حفني حسين حجاب
ضد
1 – وزير العدل
2 – مساعد وزير العدل لشئون المحاكم
3 – رئيس محكمة جنوب دمنهور الكلية
4 – أمين عام محكمة جنوب دمنهور الكلية
الإجراءات
بتاريخ السابع عشر من أكتوبر سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الطعن رقم 197 لسنة 22 قضائية، بعد أن قضت المحكمة التأديبية بالبحيرة بجلسة 27/ 5/ 2018، بوقف الطعن وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نصوص المواد ( 165 و166 و167 و168 و169) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، والمادة (46) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حیث إن الوقائع تتحصل – على ما یتبین من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن رئيس محكمة جنوب دمنهور الابتدائية، كان قد أصدر قرارًا بإحالة محمد حفني حسين حجاب – ويعمل بقسم مراجعة الرسوم القضائية بمحكمة وادي النطرون الجزئية – إلى مجلس التأديب المشكل بالمحكمة، وقُيدت الدعوى برقم 2 لسنة 2017 تأديب إيتاى البارود؛ لمحاكمته تأديبيًّا عما هو منسوب إليه من مخالفات مبينة في قرار الإحالة. وبتاريخ 21/ 5/ 2017، أصدر مجلس التأديب قرارًا بمجازاته بخصم شهر من راتبه. لم يلق هذا القرار قبولاً لدى المدعي، فأقام الطعن رقم 197 لسنة 22 قضائية، أمام المحكمة التأديبية بالبحيرة، طالبًا إلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار. وقد تراءى لمحكمة الموضوع أن نصوص المواد (165 و166 و167 و168 و169) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، والمادة (46) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، بما قررته من عقد الاختصاص بتأديب موظفي المحاكم إلى مجلس التأديب المنصوص عليه بالمادة (167) من القانون الأول، تشكل انتقاصًا من الاختصاص المعقود لمجلس الدولة بموجب المادة (190) من الدستور، الذي صار بعد العمل بالدستور الحالي، صاحب الولاية العامة – دون غيره – بالفصل في الدعاوى والطعون التأديبية، وبالتالي أصبحت مجالس التأديب تمثل اعتداءً على اختصاص محجوز دستوريًّا للمحاكم التأديبية بمجلس الدولة. وأضافت المحكمة أن علانية جلسات المحاكم هي الأصل الذي قررته المادة (187) من الدستور، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو الآداب، وأن النطق بالحكم في جميع الأحوال يكون في جلسة علنية. وإذ جاء حكم المادة (169) من القانون المشار إليه، على خلاف هذا الأصل فيما نص عليه من أن تجري المحاكمة في جلسة سرية، وإغفاله النطق بالحكم في جلسة علنية. كما أن نص المادة (46) من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1958 المشار إليه، ينطوي على تعدٍ على اختصاص هيئة النيابة الإدارية المنصوص عليه بالمادة (197) من الدستور، في إجراء التحقيق وإحالة موظفي المحاكم إلى قاضيهم الطبيعي بمجلس الدولة، وذلك كله بالمخالفة لنصوص المــواد (94 و96 و97 و184 و185 و186 و187 و190) من الدستور.
وحيث إن المواد المحالة من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، المعدل بالقانون رقم 142 لسنة 2006 تنص على أنه:
مادة (165) من يخل من العاملين بالمحاكم بواجبات وظيفته أو يأتي ما من شأنه أن يقلل من الثقة اللازم توافرها في الأعمال القضائية أو يقلل من اعتبار الهيئة التي ينتمي إليها، سواء كان ذلك داخل دور القضاء أو خارجها تتخذ ضده الإجراءات التأديبية .
مادة (166) لا توقع العقوبات إلا بحكم من مجلس التأديب. ومع ذلك فالإنذار أو الخصم من المرتب يجوز أن يكون بقرار من رؤساء المحاكم بالنسبة إلى الكتاب والمحضرين والمترجمين ومن النائب العام ومن رؤساء النيابات بالنسبة إلى كتاب النيابات، ولا يجوز أن يزيد الخصم في المرة الواحدة على مرتب خمسة عشر يومًا ولا يزيد على ثلاثين يومًا في السنة الواحدة .
مادة (167) يشكل مجلس التأديب في محكمة النقض وفي كل محكمة من محاكم الاستئناف من قاض تنتخبه الجمعية العامة ومن المحامي العام وكبير كتاب المحكمة.
وفى المحاكم الابتدائية والنيابات من رئيس المحكمة ورئيس النيابة أو من يقوم مقامهما وكبير الكتاب، ويستبدل كبير المحضرين عند محاكمة أحد المحضرين ورئيس القلم الجنائي عند محاكمة أحد كتاب النيابات.
وفى حالة محاكمة كبير الكتاب وكبير المحضرين أو رئيس القلم الجنائي يندب وزير العدل من يحل محله في مجلس التأديب ممن يكونون في درجته على الأقل .
مادة (168) يجوز أن تقام الدعوى التأديبية ضد موظفي المحاكم والنيابات بناءً على طلب رئيس المحكمة بالنسبة لموظفي المحاكم، وبناءً على طلب النائب العام أو رئيس النيابة بالنسبة لموظفي النيابات .
مادة (169) تتضمن ورقة الاتهام التي تعلن بأمر رئيس مجلس التأديب التهمة أو التهم المنسوبة إلى المتهم وبيانًا موجزًا بالأدلة عليها واليوم المحدد للمحاكمة. ويحضر المتهم بشخصه أمام المجلس، وله أن يقدم دفاعه كتابة وأن يوكل عنه محاميًا وتجري المحاكمة في جلسة سرية .
وتنص المادة (46) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على أنه لا تسري أحكام هذا القانون على الموظفين الذين ينظم التحقيق معهم وتأديبهم قوانين خاصة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط يلزم تحققه لقبول الدعوى الدستورية – يحدد للخصومة الدستورية نطاقها، فلا تندرج تحتها إلا النصوص التشريعية التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها مباشرة على النزاع الموضوعي دون ما سواها. إذ كان ذلك، وكان المدعي في الدعوى الموضوعية، يعمل بقسم مراجعة الرسوم القضائية بمحكمة وادي النطرون الجزئية التابعة لمحكمة جنوب دمنهور الابتدائية، وتمثلت منازعته الموضوعية – التي أقيمت الدعوى المعروضة بمناسبتها – في محاكمته تأديبيًّا أمام مجلس تأديب موظفي المحاكم، لمعاقبته عما أسند إليه من مخالفات مخلة بواجبات وظيفته، وكانت المسألة المثارة بحكم الإحالة، تتصل بولاية الهيئة التي لها التحقيق مع الموظف المخالف ومحاكمته تأديبيًا، ومن ثم فإن الفصل في دستورية المواد المحالة – عدا المادة (165) السالفة البيان، التي لـــم يوجـــه إليهـــا حكم الإحالة أي مناعٍ دستورية – سيكون له انعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة فيها، وولاية محكمة الموضوع بالفصل فيها، وتقتصر على ما تعلق من نصوص المواد المحالة في مجال انطباقها على كتاب المحاكم دون غيرهم من المخاطبين بأحكامها، ويتحدد نطاق الخصومة الدستورية الراهنة فيما أوجبه صدر المادة (166) من قانون السلطة القضائية من أن العقوبات التأديبية لا توقع إلا بحكم من مجلس التأديب، وما تضمنته الفقرة الثانية من المادة (167) من القانون ذاته من أن يشكل مجلس التأديب فـي المحاكم الابتدائيـة من رئيس المحكمة، ورئيس النيابــة أو من يقوم مقامهما وكبير الكتاب عند محاكمة كتاب المحكمة، وفيما أجازته المادة (168) من ذلك القانون لرئيس المحكمة من طلب إقامة الدعوى التأديبية ضد أحد كتاب المحكمة، وعجز الفقرة الأخيرة من المادة (169) منه، من أن تجري المحاكمة في جلسة سرية، والمادة (46) من القرار بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية من عدم سريان أحكام هذا القانون على كتاب المحاكم الابتدائية، دون سائر ما تضمنته تلك المواد من أحكام أخرى.
ولا يغير من ذلك ما دفعت به هيئة قضايا الدولة من عدم قبول الدعوى برمتها، تأسيسًا على أن المحكمة الدستورية العليا، سبق لها حسم دستورية النصوص المطعون عليها من قانون السلطة القضائية بقضائها الصادر في الدعوى رقم 133 لسنة 19 قضائية دستورية بجلسة 3/ 4/ 1999، بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (167)، والمادة (168) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، وذلك فيما تضمنتاه من أن يشترك في مجلس تأديب محضري المحكمة الابتدائية، رئيس المحكمة الذي طلب إقامة الدعوى التأديبية، ورفض ما عدا ذلك من طلبات. إذ إن ذلك مردود بأن نطاق الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية، يقتصر على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل فلا تمتد إليه تلك الحجية. متى كان ذلك، وكان نطاق ما فصل فيه ذلك الحكم قـــد اقتصر على ما تعلق من نصوص المواد المحالة بمحضري المحاكم الابتدائية دون غيرهم من المخاطبين بأحكامها، وفي حدود ما يتصل منها بمحاكمتهم تأديبيًّا، ومن ثم فلا تستطيل حجية هذا الحكم لتشمل الفصل في دستورية النصوص المحالة عند تطبيقها على كتاب المحاكم.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التمييز بين الأعمال القضائية وبين غيرها من الأعمال التي قد تلتبس بها، إنما يقوم على مجموعة من العناصر لا تتحدد بها ضوابط هذا التمييز على وجه قطعي، ولكنها تعين على إبراز الخصائص الرئيسية للعمل القضائي، ومن بينها أن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل في نزاع معين، يفترض أن يكون تشكيلها واستقلالها كاشفين عن حيدتها عند الفصل في النزاع ومؤديين إلى غيريتها في مواجهة أطرافه، وأنه في كل حال يتيعن أن يثير النزاع المطروح عليها ادعاءً قانونيًّا يبلور الحق في الدعوى كرابطة قانونية تنعقد الخصومة القضائية من خلالها وبوصفها الوسيلة التي عينها المشرع لاقتضاء الحقوق المدعى بها، وبمراعاة أن يكون إطـار الفصـل فيهـا محددًا بما لا يخـل بالضمانات القضائية الرئيسية التي لا يجوز النزول عنها، وعلى ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفًا ليكون القرار الصادر في النزاع مؤكدًا للحقيقة القانونية، مبلورًا لمضمونها، لتفرض نفسها على كل من ألزمه المشرع بها، بافتراض تطابقها مع الحقيقة الواقعة.
وحيث إن البين من أحكام قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 أنه اعتبر كتاب المحاكم – بنص المادة (131) – من أعوان القضاء، ونظم في الباب الخامس منه شئون العاملين بالمحاكم. ومنهم الكتاب، ونص في المادة (136) على أنه فيما عدا ما نص عليه فيه تسري على العاملين بالمحاكم الأحكام العامة للعاملين المدنيين في الدولة، كما فرض على أولئك العاملين واجبات بعينها ترتد إلى الطبيعة الخاصة للعمل المنوط بهم، كما نظم في الفصل السادس من هذا الباب – الذي وردت فيه النصوص المحالة – تأديب هؤلاء العاملين على النحو السابق بيانه في المواد من (166 إلى 169) من ذلك القانون.
وحيث إن مؤدى النصوص المشار إليها أن مجلس تأديب كتاب المحاكم يغلب على تشكيله العنصر القضائي، وأنه يفصل – باعتباره سلطة تأديبية – فيما يدخل في اختصاصه بعد إعلان المتهم بما هو منسوب إليه، وباليوم المحدد للمحاكمة، وله أن يمثل بشخصه أمامه، وقد كفل له المشرع كذلك حق الدفاع.
إذ أتاح له الفرصة الكاملة لإبداء أقواله وتقديم دفاعه كتابة، سواء بنفسه أو بمحام موكل عنه، بما يمكنه من مجابهة التهم المسندة إليه، ودحض ما قدم ضده من أدلة عليها، كما أن مجلس التأديب إذ يستنفد ولايته بإصدار حكمه، فإن الجهة الإدارية ينغلـق عليها المسـاس بذلك الحكـم، وكان ما أوجبه المشـرع من سريـة المحاكمة لا مأخذ عليه، لما هو مقرر – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – من أن المادة (187) من الدستور – فيما قررته من علنية جلسات المحاكم إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو الآداب، وأوجبته من أن يكون النطق بالحكم في جلسة علنية – إنما يقتصر حكمها على الأحكام التي تصدر من المحاكم بالمعنى الضيق دون سواهــا من الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وكانت النصــوص المحالــة – التي تحدد بها نطاق الدعوى المعروضة – قد انطوت — بذلك — على ضمانات قضائية تحقيقًا لمحاكمة منصفة وانتهاجًا لضوابطها. إذ كان ذلك، وكان مجلس التأديب يفصل كسلطة تأديب بتشكيله الذي يغلب عليه العنصر القضائي في الخصومة التأديبية المطروحة عليه في ضوء قواعد إجرائية وموضوعية محددة على النحو السالف الإشارة إليه، فإن المشرع يكون قد أقام من هذا المجلس هيئة ذات اختصاص قضائي تختص بالنظر فيما أوكله إليها من دعاوى تأديبية والفصل فيها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان كتاب المحاكم الابتدائية، والقائمون بأعمالهم حكمًا – ومنهـم الموظفون المختصون بتحصيل الرسـوم القضائية ومراجعتها – إنما يعاونون بعملهم في قيام السلطة القضائية بمهامها، فهم يتسلمون الأوراق القضائية الخاصة بأعمال وظائفهم ويحفظونها، ويحصّلون الرسوم والغرامات المستحقة ويراعون تنفيذ قوانين الدمغة والضرائب والرسوم ويقومون بكل ما تفرضه عليهم القوانين والتعليمات. وتبدو خطورة أعمالهم الوظيفية في أنهم المسئولون بعد إيداع صحف الدعاوى وقيدها في الجداول المعدة لذلك وحفظ المستندات المرفقة بهذه الصحف، عن تحصيل الرسوم القضائية على النحو الذي توجبه القوانين السارية، ومن ثم فإن إخلالهم بواجبات وظائفهم إنما ينعكس على أداء الوظيفة القضائية، فيعوق سيرها على الوجه المرجو ويعرقل انضباطها، وبهذه المثابة تكون مجالس التأديب المشكلة بالمحاكم – وعلى الأخص بالنسبة إلى تشكيلها – أكثر إدراكًا من غيرها بأوجه القصور التي قد تعتري عمل الكتَّاب لديها، وأقدر بالتالي على مؤاخذتهم تأديبيًّا عنها. إذ كان ذلك، فإن المشرع – وفى حدود ما يملكه من إسناد الفصل في الدعاوى التأديبية إلى هيئات ذات اختصاص قضائي تحقيقًا للصالح العام – لا يكون بالنصوص التشريعية المحالة قد خالف المادة (190) من الدستور. وإذ اختص المشرع تلك المجالس بولاية الفصل في الدعاوى التأديبية المقامة ضد كتاب المحاكم الابتدائية فصلاً قضائيًّا، فقد أضحت هي قاضيهم الطبيعي في شأنها، الأمر الذي لا ينطوي على أية مخالفة – من هذه الناحية – لحكم المادة (97) من الدستور.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن استقلال السلطة القضائية، وإن كان لازمًا لضمان موضوعية الخضوع للقانون، ولحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التي يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم وحرياتهم، إلا أن حيدتها عنصر فاعل في صون رسالتها، لا تقل شأنًا عن استقلالها بما يؤكد تكاملها، ذلك أن استقلال السلطة القضائية، يعني أن تعمل بعيدًا عن أشكال التأثير التي توهن عزائم رجالها، فيميلون معها عن الحق إغواءً أو إرغامًا، ترغيبًا أو ترهيبًا، فإذا كان انصرافهم عن إنفاذ الحق تحاملاً من جانبهم على أحد الخصوم وانحيازًا لغيره كان ذلك منافيًا لضمانة التجرد عند الفصل في الخصومة القضائية، ولحقيقة أن العمل القضائي لا يجوز أن يثير ظلالاً قاتمة حول حيدته، فلا يطمئن إليه متقاضون داخلهم الريب فيه بعد أن صار نائيًا عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية.
وحيث إن حق التقاضي المنصوص عليه في المادة (97) من الدستور مؤداه أن لكل خصومة – في نهاية مطافها – حلاًّ منصفًا يمثل الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها، وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقًا لأحكام الدستور، وهي لا تكون كذلك إذا كان تقريرها عائدًا إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معًا، ذلك أن هاتين الضمانتين – وقد فرضهما الدستور على ما تقدم – تعتبران قيدًا على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعي للخصومة القضائية على خلافهما.
وحيث إن إخلال أحد كتَّاب المحاكم الابتدائية بواجبات وظيفته أو خروجه على مقتضياتها يعتبر ذنبًا إداريًّا مؤاخذًا عليه قانونًا؛ وإسناده إليه يتعين أن يكون مسبوقًا بتحقيق متكامل لا يقتصر على بعض عناصر الاتهام بل يحيط بها جميعًا، ويمحص أدلتها مع ضمان سماع أقوال الكاتب المحال إلى التحقيق، فلا يكون التحقيق مبتسرًا أو مجردًا من ضمان موضوعيته، بل وافيًا أمينًا، وكلما استكمل التحقيق عناصره، وكان واشيًا بأن للتهمة معينها من الأوراق، كان عرضه لازمًا على الجهة التي أولاها المشرع مسئولية الفصل فيه بشرطين، أولهما: أن تكون قضائية في تشكيلها وضماناتها، ثانيهما: ألا يكون من بين أعضائها من اتصل بإجراء سابق على توليها لمهامها سواء كان تحقيقًا أو اتهامًا.
وحيث إن الفصل في الدعوى التأديبية المقامة ضد أحد كتاب المحاكم الابتدائية مقرر بنص الفقرة الثانية من المادة (167) من قانون السلطة القضائية، لمجلس التأديب – باعتباره هيئة ذات اختصاص قضائي على نحو ما تقدم – يشارك فيه رئيس المحكمة الابتدائية الذي أجازت له المادة (168) أن تقام هذه الدعوى بناءً على طلبه. وكان الأصل ألا يطلب إقامتها قبل أن يستكمل التحقيق مجراه، وأن يكون قد جال ببصره فيه بعد عرضه عليه مرجحًا – على ضوء اعتقاده- ما إذا كان بنيانه متماسكًا أو متهادمًا، منتهيًا من ذلك إلى المضي في الدعوى التأديبية أو التخلي عنها، وكان ذلك لا يعدو أن يكون رأيًا مؤثرًا في موضوعية تلك الخصومة وحائلاً دون تأسيسها على ضمانة الحيدة التي لا يجوز إسقاطها عن أحد المتقاضين لتسعهم جميعًا على تباينهم، فإن نص الفقرة الثانية من المادة (167) والمادة (168) يكونان في هذه الحدود مخالفين لأحكام المواد ( 94 و 96 و 97 ) من الدستور.
حيث إن ما ينعاه حكم الإحالة على نص المادة (46) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، من تعدٍ على اختصاص هيئة النيابة الإدارية المنصوص عليه بالمادة (197) من الدستور، فمردود، بأن مفاد هذا النص الدستوري، أن تتولى هيئة النيابة الإدارية – بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة لها بمقتضاه – التحقيق في المخالفات المالية والإدارية، أيًّا كانت وسيلة اتصالها بها دون أن يكون الاختصاص بالتحقيق في المخالفات المار ذكرها، استئثاريًّا محجوزًا لهيئة النيابة الإدارية وحدها، وإنما يجوز إسناده إلى غيرها إذا ما توافرت الشروط والضوابط الموضوعية لذلك، وكانت الغاية من الخروج على الاختصاص العام لهيئة النيابة الإدارية في شأن تولي تحقيق المخالفات المالية والإدارية مشروعًا، وبه تتحقق الأهداف التي تغياها المشرع من توسيد هذا الاختصاص – في أحوال بعينها – إلى غيرها.
متى كان ما تقدم، وكان نص المادة (46) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 المشار إليه، قد استثنى من المخاطبين بأحكامه الموظفين الذين ينظم التحقيق معهم وتأديبهم قوانيــن خاصة، وكان هــذا الاستثناء – في مجال إعماله على كتاب المحاكم الابتدائية – مبررًا، لكونهم من أعوان القضاة الذين يباشرون دورًا مكملاً للعمل القضائي، لا يستقيم بدونه، وبالتالي يغدو التحقيق معهم – عند مخالفتهم قواعد العمل المنوط بهم – أدنى إلى الجهة القضائية التي يتبعونها عن غيرها، ومن ثم، لا يكون نص المادة (46) من القرار بقانون المار ذكره، قد خالف حكم المادة (197) من الدستور، كما لم يخالف أي حكم آخر من أحكامه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (167)، والمادة (168) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، فيما تضمنتاه من أن يشترك في مجلس تأديب كتاب المحكمة الابتدائية رئيس المحكمة الذي طلب إقامة الدعوى التأديبية، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات.