باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الحادي عشر مــــن مارس سنة 2023م، الموافق التاسع عشر من شعبان سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 71 لسنة 43 قضائية “دستورية”، بعد أن أحالت محكمة جنوب بنها الابتدائية – دائرة الجنح المستأنفة -بحكمها الصادر بجلسة 27/4/ 2021، الاستئنافين رقمي11612 لسنة 2020 و5151 لسنة 2021 جنح مستأنف جنوب بنها.
المقامين من
1- رانا خالد أحمد عمر
2- حسام ناصر عبد المحسن عبد الغفار
ضد
النيابة العامة
الإجراءات
بتاريخ الحادي عشر من أغسطس سنة 2021، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الاستئنافين رقمي 11612 لسنة 2020 و5151 لسنة 2021 جنح مستأنف جنوب بنها، بعد أن قضت محكمة جنوب بنها الابتدائية – دائرة الجنح المستأنفة – بجلسة 27 أبريل 2021، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة، للفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 101 لسنة 2015 في شأن مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات، المستبدلة بالقانون رقم 73 لسنة 2017، فيما تضمنته من معاقبة الطالب الذي يرتكب فعلًا مـــــن الأفعـــــال الواردة به – بقصد الغش – بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على سبع سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه.
وقدمت هيئة قضايا الدولة، مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين مــــن حكم الإحالة وســـــــائر الأوراق – في أن النيابة العامة أسندت إلى المتهمين: رانا خالد أحمد عمر، وحسام ناصر عبدالمحسن عبد الغفار، أنهما في غضون شهر أغسطس سنة 2019، بدائرة قسم ثان شبرا الخيمة: المتهمة الأولى: قامت بترويج أسئلة امتحانات مادة الجيولوجيا والعلوم البيئية للثانوية العامة عبر شبكة التواصل الاجتماعي بواسطة هاتف محمول، إخلالاً بالنظام العام للامتحانات بقصد الغش، على النحو المبين بالتحقيقات، المتهم الثاني: قام بالاشتراك مع المتهمة الأولى بأن أمدها بجهاز (هاتف محمول) لتمكينها من الغش والعمل على الإخلال بالنظام العام للامتحانات، فوقعت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة. وقدمتهما للمحاكمة أمام محكمة جنح قسم ثان شبرا الخيمة في الجنحة رقم 38218 لسنة 2019، وطلبت عقابهما بالمادتين (1/1 و4) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 101 لسنة 2015 في شأن مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات، المعدل بالقانون رقم 73 لسنة 2017، فقضت تلك المحكمة بجلسة 7/3/2020، بمعاقبة كل منهما بالحبس مدة سنتين مع الشغل، وتغريم كل منهما مائة ألف جنيه. عارضت المتهمة الأولى في الحكم، وبجلسة 2/1/2021، قُضي باعتبار المعارضة كأن لم تكن. كما استأنف المتهم الثاني الحكم أمام محكمة جنح مستأنف بنها بالاستئناف رقم 11612 لسنة 2020، وأمام المحكمة ذاتها طعنت المتهمة الأولى على الحكم بالاستئناف رقم 5151 لسنة 2021، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين، قضت بوقف الدعوى تعليقًا وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية النص المحال.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 101 لسنة 2015 المار ذكره، بعد استبدالها بالقانون رقم 73 لسنة 2017 – وقبل إلغائها بالقانون رقم 205 لسنة 2020 – تنص على أنه “مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، ومع مراعاة أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه كل من طبع أو نشر أو أذاع أو روج بأي وسيلة أسئلة الامتحانات أو أجوبتها في جميع المراحل، وكان ذلك قبل عقد لجان الامتحانات أو أثنائها، بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحانات سواء وقعت الجريمة داخل لجان الامتحان أو خارجها”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية المطروحة على بساط البحث أمام هذه المحكمة لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، المطروحة أمام محكمة الموضوع. والمحكمة الدستورية العليا وحدها هي التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى المقامة أمامها أو المحالة إليها للتثبت من شروط قبولها. ولا تلازم بين الإحالة من محكمة الموضوع وتوافر المصلحة، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التي ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة.
متى كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن المستأنفين في الدعوى المحالة، قد قُدِّما إلى المحاكمة الجنائية استنادًا إلى النص المحال، وقضي بإدانتهما بمقتضى النص ذاته، وتم إيقاع العقوبة المنصوص عليها فيه، ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا النص سيكون له أثر مباشر وانعكاس أكيد على قضاء محكمة الموضوع في الاستئنافين المطروحين عليها، وتكون المصلحة في الدعوى المعروضة قد تحققت، ويتحدد نطاقها فيما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 101 لسنة 2015 في شأن مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات، المستبدلة بالقانون رقم 73 لسنة 2017، من أن “……. يعاقب بالحبس مــــدة لا تقــــل عــــن سنتين ولا تزيــــد على سبع سنوات، وبغرامــــة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، كل من طبع أو نشر أو أذاع أو روج بأي وسيلة أسئلة الامتحانات أو أجوبتها في جميع المراحل، وكان ذلك قبل عقد لجان الامتحانات أو أثنائها، بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحانات، سواء وقعت الجريمة داخل لجان الامتحان أو خارجها”. ولا يغير من ذلك إلغاء القرار بقانون رقم 101 لسنة 2015، بموجب القانون رقم 205 لسنة 2020، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طُبّقت عليه خلال فترة نفاذها، أو إحالته إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريته، متى ترتبت بمقتضاه آثار قانونية يتغير بها الرأي في الدعوى الموضوعية، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسري على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين القانونيتين، ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أي من القانونين – القديم أو الجديد – تخضع لحكمه، ولا استثناء من ذلك إلا إذا تعلق الأمر بقانون جنائي جديد أصلح للمتهم، فإنه يكون هو الواجب التطبيق وحده دون غيره، طالما أن هذا الإلغاء لا يكشف عن عدول المشرع عن سياسته الجنائية والإجرائية. متى كان ذلك، فإن إلغاء القرار بقانون المشار إليه بالقانون رقم 205 لسنة 2020، – وهو قانون ردد العقوبة ذاتها عن الأفعال المؤثمة عينها، إلا أنه وسع دائرة انطباق النص على أفعال لم تكن موضع تأثيم من قبل، متى وقعت الجريمة في أي نظم تقييم في مراحل التعليم المختلفة سواء منها المصرية أو الأجنبية، دون تعديل في الجريمة أو العقوبة المرصودة لهذا الفعل – لا يُعد بهذه المثابة قانونًا أصلح للمتهم، ومن ثم فإن الوقائع المنسوبة إلى المتهمين تظل محكومة بالنص قبل إلغائه، وتباشر هذه المحكمة رقابتها الدستورية عليه، باعتباره قد طبق عليهما خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة لهما.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على الجريمة المؤثمة بموجب النص المحال انتفاء الضرورة الاجتماعية المبررة للتجريم، وعلى العقوبتين المقررتين بهذا النص في مجال سريانهما على الطالب الذي يرتكب فعلًا من الأفعال الواردة به – بقصد الغش – قسوتها وعدم تناسبها مع الفعل محل التأثيم، وجعل حدها الأدنى الحبس مدة لا تقل عن سنتين، مما يغل سلطة المحكمة الجنائية عن تفريد العقوبة المقضي بها، والأمر بوقف تنفيذها إن رأت لذلك مقتضًى. كما أن عقوبة الغرامة مغالى فيها، بما يُشكل عدوانًا على الملكية، فضلاً عن عدم التناسب بين الأهداف التي شرع من أجلها ووسائل تحقيقها، بالمخالفة لنصوص المواد (19 و33 و35 و54 و82 و92 و94 و96 و99 و184 و186) من الدستور.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، غدا أصلاً ثابتًا كضمان ضد التحكم، فلا يؤثم القاضي أفعالاً ينتقيها، ولا يقرر عقوباتها وفق اختياره، إشباعًا لنزوة أو انفلاتًا عن الحق والعدل. وصار التأثيم بالتالي عائدًا إلى المشرع، إذ يقرر للجرائم التي يستحدثها، عقوباتها التي تناسبها. ويُفسر هذا المبدأ بأن القيم الجوهرية التي يصدر القانون الجنائي لحمايتها، لا يمكن بلورتها إلا من خلال السلطة التشريعية التي انتخبها المواطنون لتمثيلهم، وأن تعبيرها عن إرادتهم يقتضيها أن تكون بيدها سلطة التقرير في شأن تحديد الأفعال التي يجوز تأثيمها وعقوباتها، لضمان مشروعيتها.
وحيث إن قضـــــــاء هذه المحكمة قــــــد جــــــرى على أن العدالــــــة – في غاياتها – لا تنفصل علاقاتها بالقانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفًا إلا إذا كان كافلاً لأهدافها، فإذا ما زاغ المشرع ببصره عنها، وأهدر القيم الأصيلة التي تحتضنها، كان منهيًا للتوافــــــق فــــــي مجــــــال تنفيذه، ومسقطًا كــــــل قيمة لوجــــــوده، ومستوجبًا تغييــــــره أو إلغاؤه، ذلك أن العدالة الجنائية في جوهر ملامحها، هي التي يتعين ضمانها من خلال قواعد محددة تحديدًا دقيقًا، ومنصفًا، يتقرر على ضوئها ما إذا كان المتهم مدانًا أو بريئًا. وذلك منظور إليه في ضوء الموازنة بين مصلحة الجماعة في استقرار أمنها، ومصلحة المتهم في ألا تفرض عليه عقوبة تبلغ في شدتها حدًّا تفتقر معه إلى الصلة العضوية بجسامة فعله وظروف ارتكابه للجريمة، بحيث يظل التجريم مرتبطًا بالأغراض النهائية للقوانين العقابية.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة كذلك، أنه لا تجــــوز معاملة المتهمين بوصفهم نمطًا ثابتًا، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه: أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، وتقرير استثناء من هذا الأصل – أيًّا كانت الأغراض التي يتوخاها – مؤداه: أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعني إيقاع جزاء في غير ضرورة، بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتضى، ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية، مناطها أن يباشر كل قاضٍ سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، في الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرًا لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها، وأن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في كل حالة بذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالهــــا بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجردًا يعزلها عن بيئتها، دالًّا على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدًا فجًّا منافيًا لقيم الحق والعدل.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قــــد استقر- كذلك- على أن العقوبة التخييريـــــة، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازي بعقوبة أصلية أشد، عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف للعقوبة، أو إجازة استعمال الرأفة في مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل، عملاً بنص المادة (17) مـــــــن قانـــــــون العقوبات، أو إيقـــــــاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقـاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هي أدوات تشريعية يتسـاند القاضي إليها- بحسب ظروف كل دعوى- لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة. ومن ثم فإنه في الأحوال التي يمتنع فيها إعمال إحدى هذه الأدوات فإن الاختصاص الحصري بتفريد العقوبة المعقود للقاضي يكون قد استغلق عليه تمامًا، بما يفتئت على استقلاله ويسلبه حريته في تقدير العقوبة، ويفقده جوهر الوظيفة القضائية وينطوي على تدخل محظور في شئون العدالة.
وحيث إن تفريد عقوبة الغرامة يجنبها عيوبها باعتبارها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء، وكان فرض تناسبها في شأن جريمة بذاتها، إنصافًا لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن تفاضل المحكمة الجنائية بين حدين أعلى وأدنى لتختار لكل حال ما يناسبها، وأن تأمر بوقف تنفيذها متى قام لديها ما يبرر ذلك.
وحيث إن التعليم كان ولا يزال من أكثر المهام خطرًا، وأعمقها اتصالاً بإعداد أجيال يتدفق عطاؤها، وتكون قادرة، علمًا وعملاً، على أن تصوغ لتقدمها أشكالاً جديدة ترقى بمجتمعها، فلا يكون راكدًا أو آفلاً، وكان الأصل أن تتكامل العملية التعليمية، وأن تتعدد روافدها لتكون نهرًا متصلاً، فلا تنعزل بعض حلقاتها عن بعض، بل تتعاون عناصرها لتقيم بنيانها الحق بصرًا بآفاق العلوم واقتحامًا لدروبها، ونفاذًا إلى حقائق العصر ومتطلباتها، ارتباطًا بالتنمية، بمناهجها ووسائلها، وتحريًا لعوامل القوة ومظاهر انحلالها، وقوفًا على موازين الصراع وعوامل الوفاق، وإدراكًا لقيم الحق والخير والجمال، وتدبرًا لنواحي التقدم ومناحي القصور، والتزامًا بضوابط الأمم المتحضرة في صونها لحقوق مواطنيها وحرياتهم، وإطلالاً على ألوان الإبداع وأشكال الفنون تزودًا بها، وانحيازًا للقيم الجوهرية التي تكفل للوطن وللمواطن آفاقًا جديدة لا ينحصر محيطها، بل تمتد دائرتها إلى غير حد، إيمانًا بغدٍ أفضل واقعًا ومصيرًا.
وحيث إن الأصل في النصوص القانونية – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – ارتباطها عقلاً بأهدافها، باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها. فمن ثم يتعين لاتفاق التنظيم التشريعي مع الدستور، أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض المشروعة التي اعتنقها المشرع في موضوع محدد، وفاء لمصلحة عامة لها اعتبارها، وبين الوسائل التي انتهجها طريقًا لبلوغها ، فلا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع هذا الموضوع عن أهدافها، بل يتعين أن تكون مدخلاً لها.
وحيث إن البين من المذكرة الإيضاحية لمشروع قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 101 لسنة 2015، وتقرير اللجنة الخاصة عن قرار رئيس الجمهورية بالقانون المذكور – باعتباره الأصــــل التشريعي لتجريــــم الأفعــــال المنصوص عليها بالنص المحال – هو توفير المناخ الجدي للتعليم، والتصدي لظاهرة الغش الجماعــــــي في الامتحانات التي تفشت على نطاق واسع. وكان من شأن الحــــــد من هذه الظاهرة غير الصحية في المجتمع توفير المناخ الملائم للرقي بمستوى التعليم، وتوفير الفرص العادلة بين الطلاب على أساس الكفاءة، وما يتضمنه ذلك من إقرار الاجتهاد في تحصيل العلم كسبب وحيد للتميز الدراسي، وذلك بقصد رعاية النشء، وتعهده بالبناء وتنمية قدراته، وتهيئته للمشاركة الجادة في الحياة.
متى كان ما تقدم، وكان النص المحال، في مقام تأثيم أفعال الغش في الامتحانات، إنما تخير صورًا بعينها يكون الضرر المترتب عليها قد بلغ حدًّا من الخطورة يعوق العملية التعليمية في مجملها من أن تحقق الغرض المنشود منها، بالنظر إلى أن انتهاك سرية الامتحانات على نطاق واسع، يقعد همم الدارسين في مختلف المراحل التعليمية عن بذل الجهد في الدراسة الجادة، وانتهاج الاجتهاد في تحصيل العلم سبيلًا للحصول على الدرجات الأعلى في شتى المراحل التعليمية، والاكتفاء بالحصول على الامتحانات وأجوبتها قبل أو أثناء أدائها بطريق الغش، بما يغنيهم عن استيعاب المناهج الدراسية، والرسوخ فيها، وإذ قدر المشرع أن من شأن تفشي ظاهرة الغش الجماعي؛ الهبوط بالمستوى التعليمي في الدولة، وشيوع قيم الختل والخداع، والتسامح مع قيم الانتهازية، وتبرير عدم الجدارة، على ما في ذلك من إخلال بالحق في المساواة وتكافؤ الفرص، بين من يحصلون على درجاتهم الدراسية بالجد والاجتهاد في تحصيل العلوم، وبين من يعمدون إلى هذه الوسائل غير المشروعة في الحصول عليها، ويمهد لحصولهم على فرص تعليم غير مستحقة لهم، ومن بعد شغل وظائف عمومية أو الانتساب إلى مهن بالغة الأثر في حياة الجماعة، على غير أسس الجدارة والاستحقاق، ولازمه سقوط المجتمع في هوة فساد القيم. إذ كان ذلك، وكان المشرع في مقام مواجهة شيوع ظاهرة الغش الجماعي في الامتحانات – على إثر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وما يتآدى إليه، في الغالب الأعم، من إخلال بالنظام العام للامتحانات – قد تصدى بالنص المحال إلى تجريم تلك الصــــــور، إن تحققت إحــــــدى هاتين النتيجتين أو كلتاهما، أثرًا لأحد أفعال الركن المادي الواردة بالنص ذاته، وصاحبه قصدان جنائيان أولهما عام والآخر خاص، فإنه بذلك يكون قد أصاب مصلحة اجتماعية جديرة بالحماية الجنائية.
وحيث إن المشرع قد عين أفعال الركن المادي للجريمة، وحصرها في طباعـــــة أو نشر أو إذاعة أو ترويج أسئلة الامتحانات أو أجوبتها، في جميع مراحل التعليم، أيًّا كانت وسيلة ذلك، وحدد الفترة الزمنية التي يتعين وقوع الفعل المؤثم خلالها، سواء كانت قبل عقد لجان الامتحان أو أثنائها، كما حدد مكان وقوع الجريمة إما داخل لجان الامتحانات، لتحديد المخاطبين بالنص من الطلاب وكل من وجد بهذه اللجان بمناسبة عمله، أو خارجها، لتطبق على كل من قصد بفعله الغش الجماعي، أو الإخلال بالنظام العام للامتحانات، وكان المشرع في مقام توافر الركن المعنوي لهذه الجريمة قد اتخذ من علم الجاني بأن من شأن فعله ذيوع أسئلة الامتحانات أو أجوبتها، في أي مرحلة من مراحل التعليم، مناطًا لتحقيق القصد الجنائي العام لمرتكب هذه الجريمة، وتطلب بالإضافة إليه، قصدًا جنائيًّا خاصًّا، مؤداه ألا تخص الأسئلة أو الأجوبة المطبوعة أو المنشورة أو المذاعة أو المروجة ممتحنًا بذاته، وإنما إشاعتها للكل بغير تمييز، وذلك في الصورة الأولى للقصد الخاص، أو استهداف الإخلال بالنظام العام للامتحانات في الصورة الثانية للقصد ذاته، ومن ثم فإن النص المحال يكون قد استوفى عناصر التجريم التي تطلبها الدستور، من حيث استهداف مصلحة جديرة بالحماية الجنائية، وتحديد ركني الجريمة المادي والمعنوي على نحو قاطع لا لبس فيه ولا غموض، ولم يحل بين المتهم بهذه الجريمة وبين حقه الدستوري في نفي كل فعل ينسب إليه بكافة وسائل الإثبات الجنائي، ولم يُقِمْ قرينة تنقض أصل البراءة أو تقيد المحكمة الجنائية في إعمال سلطتها التقديرية في تمحيص الواقعة وتقدير أدلتها، في ضوء قواعد المحاكمة المنصفة، فإنه يكون قد استوى على قواعد الشرعية الدستورية، مما يغدو معه النعي بمخالفته تلك القواعد غير سديد، خليقًا برفضه.
وحيث إن النص المحال قد رصد عقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين ولا تزيد على سبع سنوات، والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، متى ارتُكِبَ أيٌ من الأفعال المؤثمة بمقتضاه، وكانت هذه العقوبات تتناسب مع خطـورة الفعل المجرم، وفداحة ضرره على المجتمع، على نحو ما سلف بيانه، الأمر الذي تكون معه عقوبتا الحبس والغرامة مبررتين من زاوية دستورية، وكان المشرع لم يحل بين المحكمة الجنائية، وبين سلطتها في تفريد العقوبة السالبة للحرية، بين حديها الأدنى والأقصى بحسب كل حالة على حدة. وكان النعي على النص المحال قالة افتئاته على سلطة محكمة الموضوع في إيقاف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية بجعله الحد الأدنى لها مدة سنتين، فإنه رد بأن النص الذي يحول دون وقف تنفيذ عقوبة الحبس المنصوص عليها في النص المحال، هو نص المادة (55) من قانون العقوبات – غير المحال -، فضلاً عن أن إيقاف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، لا يُردّ – فحسب – إلى قواعد التفريد العقابي التي تتسلط عليها محكمة الموضوع، وإنما يداخلها الغاية من تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، ليوسد الدستور إلى المشرع – في حدود سلطته التقديرية – تحقيق التوازن بينهما، على ضوء اعتبارات عدة، تتصدرها جسامة الجرم ومبلغ أثره المجتمعي من ناحية، وجدوى إيقاف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية في إعادة تأهيل المحكوم عليه للانخراط في المجتمع مجددًا من ناحية أخرى.
متى كان ذلك، وكان النص المحال قد راوح عقوبة الغرامة المنصوص عليها بين حدين بلغ أدناهما مائة ألف جنيه، بينما بلغ أقصاهما مائتي ألف جنيه، وأتاح للمحكمة الجنائية أن تقدر عقوبة الغرامة الملائمة لكل حالة على حدة، بين هذين الحدين، وكان المشرع لم يحل بين المحكمة الجنائية وبين الأمر بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة في إطار سلطتها التقديرية، منضبطة بأحكام المادة (55) من قانون العقوبات، فإن هذه العقوبة تكون قد سلمت من قالة المغالاة في التقدير، أو الإخلال بالحق في الملكية الخاصة، التي لا يتعارض مع صونها الانتقاص من بعض عناصرها الإيجابية، وإضافتها إلى جانب الخزانة العامة، وفاء لعقوبة أصلية مبررة، إذا حُكم بها في محاكمة قضائية منصفة، وبما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور.
وحيث إن النص المحال لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور، ومن ثم، فإن المحكمة تقضي برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.