باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن مــــن أبريل سنة 2023م، الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 52 لسنة 24 قضائية “دستورية”
المقامة من
مؤسسة مصر للطيران (الشركة القابضة لمصر للطيران – حاليًّا)
ضد
1- رئيس مجلـــس الـــــــــــــــــــــــــــــوزراء
2- وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك
3- رئيس مصلحة الجمـــــــــــــــــــارك
الإجراءات
بتاريخ الحادي عشــــــر من فبرايــــــر سنة 2002، أودعــــــت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية المادتين (79 و118/4) من قانون الجمارك الصـــــادر بقـــــرار رئيس الجمهورية بالقانـــــون رقـــــــم 66 لسنة 1963.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعـــــوى على النحـــــو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن الشركة المدعية أقامت أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 12269 لسنة 1998 مدني كلي، مخاصمة المدعى عليهما الثاني والثالث، طالبة الحكم ببراءة ذمتها من مبلغ 30520,99 جنيهًا، وكف مطالبتها بأية مبالغ مستقبلاً، تأسيسًا على أن مصلحة الجمارك طالبتها بالمبلغ المذكور، قيمة الضرائب الجمركية والغرامات المستحقة عن العجز في البضائع المودعة بالمستودع العام الذي تستغله خلال السنوات 1992، 1994، 1996، 1997، على سند من نص المادتين ( 79 و118/4) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963. وبجلسة 8/12/2001، دفعت الشركة المدعية بعــــدم دستوريــــة المادتين (79 و118) من قانون الجمــــارك السالف الذكر. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (79) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 تنص على أنه ” تقدر الضرائب الجمركية على البضائع التي سبق تخزينها في المستودع العام على أساس وزنها وعددها عند التخزين وتكون الهيئة المستغلة للمستودع مسئولة عن الضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المستحقة عن كل نقص أو ضياع أو تغيير في هذه البضائع فضلاً عن الغرامات التي تفرضها الجمارك ولا تستحق هـــــذه الضرائب والرســـــوم إذا كان النقص أو الضياع أو التغيير نتيجة لأسباب طبيعية أو كان ناتجًا عن قوة قاهرة أو حادث جبري”.
وينص البند رقم (4) من المادة (118) من القانون ذاته، قبل تعديلها بالقانون رقم 160 لسنة 2000، على أنه ” تفرض غرامة لا تقل عن عشر الضرائب الجمركية المعرضة للضياع ولا تزيد على مثلها في الأحوال الآتية:
(1) …… . (2) …… . (3) …… .
(4) مخالفة نظم العبور والمستودعات والمناطق الحرة والسماح المؤقت والإفراج المؤقت والإعفاءات إذا كانت الضرائب الجمركية المعرضة للضياع تزيد على عشرة جنيهات.”
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النصين المطعون فيهما مخالفتهما لنصوص المواد (65 و66 و67 و68) من الدستور الصادر عام 1971، والتي تقابل المواد (94 و95 و96 و97) من الدستور الصادر عام 2014، قولاً منها إن هذين النصين افترضا مسئولية الهيئة المستغلة للمستودع العام عن كل نقص في مقدار البضائع التي سبق تخزينها، أو عددها، ورصدا مقابل هذه المسئولية المفترضة غرامة مما يدخل في عداد العقوبات الجنائية، بالمخالفة لمبدأ شخصية العقوبة ويناقض أصل البراءة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لسبق حسم المسألة الدستورية المثارة في الدعوى المعروضة، وذلك بموجب حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/8/1997، في الدعوى رقم 72 لسنة 18 قضائية “دستورية”، فمردود بأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما النصوص التي لم تكن مطروحة على المحكمة، ولم تفصل فيها فلا تمتد إليها تلك الحجية. متي كان ذلك، وكان الحكم السالف الذكر قد انصب على نصوص المواد (37 و38 و117 و119) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، وقُضي فيها بعدم دستورية تلك النصوص، وهو ما يفارق نص المادتين (79 و118) من القانون ذاته – موضوع الدعوى المعروضة – ومن ثم فإن حجية ذلك الحكم تظل مقصورة على نطاقه، دون أن تجاوزه إلى نصوص أخرى، ليبقى النصان المطعون فيهما خارجين عن نطاق حجية الحكم الصادر في الدعوى رقم 72 لسنة 18 قضائية “دستورية”، وقابلين للطرح على هذه المحكمة لتقول كلمتها في شأن دستوريتهما.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ما تقدم، وكانت طلبات الشركة المدعية أمام محكمة الموضوع – المختصة نوعيًّا بالدعاوى المدنية – تدور رحاها حول نفي مسئوليتها المدنية القائمة والمستقبلية عن النقص أو الضياع أو التغيير في البضائع التي سبق تخزينها في المستودع الذي تتولى استغلاله، وكانت المادة (118) من قانون الجمارك، قد وردت في باب المخالفات الجمركية، وحددت في بندها رقم (4) الأفعال المكونة للمسئولية الجنائية الناشئة عن مخالفة نظم المستودعات التي من شأنها تعريض الضرائب الجمركية للضياع، ومــــن ثم فإن الفصــــل فــــي دستوريــــة النص العقابــــي المشار إليه، لا يكون له انعكاس على الطلبات في الدعوى الموضوعية، مما مؤداه انتفاء مصلحة الشركة في الطعن على ذلك النص، وتغدو الدعوى في هذا الشق منها قمينة بعدم القبول، في حين أن الفصل في دستورية نص المادة (79) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، تتحقق به مصلحة شخصية مباشرة للشركة المدعية، ويكون له انعكاس أكيد على الطلبات في الدعوى الموضوعية، ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما نص عليه من عبارة “وتكون الهيئة المستغلة للمستودع مسئولة عن الضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المستحقة عن كل نقص أو ضياع أو تغيير في هذه البضائع” دون غيرها من باقي أحكام هذا النص.
ولا ينال مما تقدم، أن القانون رقم 207 لسنة 2020 بإصدار قانون الجمارك، نص في المادة الخامسة منه على إلغاء قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، وإلغاء كل نص يُخالف أو يتعارض مع أحكامه وأحكام القانون المرافق له، ذلك أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن إلغاء النص التشريعي المطعون فيه، لا يحول دون النظر والفصل في الطعن بعدم دستوريته من قِبل من طبق عليهم ذلك النص خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة لهم. ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية، أنها تسري على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى إلغائها، فإذا أُلغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة، تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين القانونيتين، ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أي من القانونين – القديم أو الجديد – تخضع لحكمه. ولما كانت المبالغ المالية محل الدعـــوى الموضوعية، قد فُرضت عن وقائع حدثت في ظل العمل بقانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، وقبل العمل بأحكام القانون رقم 207 لسنة 2020، ومن ثم يكون القانون الأول هو الواجب التطبيق على النزاع الموضوعي.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة التي تباشرها على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه؛ لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها الشركة المدعية للنص التشريعي المطعون فيه – نص المادة (79) من قانون الجمارك المار ذكره، وفق النطاق المحدد سلفًا – تندرج تحت المناعي الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي. وكان النص المطعون فيه قد ظل ساريًا ومعمولاً بأحكامه حتى تم إلغاؤه في عام 2020، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية ذلك النص، من خلال أحكام الدستور الصادر عام 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن مـــن المقــــرر فــي قضـــاء المحكمـــــة الدستوريـــــة العليــــا أن الـملتــــزم بالضريبة هو الشخص الذي تتوافر فيه الواقعة التي أنشأتها، والتي يتمثل عنصراها في المال المحمل بعبئها، والمتخذ وعاء لها، ثم وجود علاقة بين هذا المال وشخص معين، ليكون اجتماعهما معًا مظهرًا للالتزام بالضريبة من خلال تحديد المشرع لعناصرها ومقوماتها وأوضاعها ولشروط استحقاقها.
وحيث إن المقرر قانونًا أن المسئولية المدنية لا يقوم الخطأ فيها على إرادة إتيان الفعل، والبصر بنتيجته أو توقعها، بل مناطها كل عمل غير مشروع يُلحق بالدولة، أو بأحد من الأغيار ضررًا، سواء ارتُكب هذا العمل عمدًا أم إهمالاً، ومن ثم كان التعويض الكامل جـــــزاءهـــــا. وكان مـــــن المقـــــرر أيضًا أن تقرير المسئولية المدنية للأشخاص الاعتبارية عما ينسب إليها من أعمال غير مشروعة يعتبر من الأصول العامة التي يقوم عليها النظام الاجتماعي والاقتصادي في مصر، وتعتبر بالتالي من المسائل المتعلقة بالنظام العام في معنى المادة (28) من القانون المدني.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه – محددًا نطاقًا على ما سلف – قد فرض الضرائب الجمركية المستحقة على البضائع التي سبق تخزينها في المستودع العام على أساس وزنها وعددها عند التخزين، وحدد التعويض المقرر عن كل نقص أو ضياع أو تغيير في هذه البضائع، باستحقاق مقابل الضرائب الجمركية، وغيرها من الضرائب والرسوم المستحقة، فإن النص المار ذكره، يكون قد استوى على الضوابط الدستورية للمسئولية المدنية، إذ أوجب وقوع خطأ من العاملين التابعين للهيئة المستغلة للمستودع العـــــام، وأقـــــام قرينة قانونية بسيطة على تحققـــــه، صورتهـــــا كل نقص أو ضياع أو تغيير في البضائع التي سبق تخزينها فيه، وما يتآدى إليه ذلك من ضرر بالخزانة العامة، يمثل الفارق بين ما كان يتعين أداؤه من ضرائب جمركية عند تخزين البضائع، ومقـــــدار الضرائب الجمركيـــــة المقـــــررة على البضائع ذاتهـــــا المخزنـــــة عند نقصهـــــا، أو ضياعها، أو تغييرها، كما استلزم النص ذاته، وجود رابطة سببية مباشرة بين الخطأ والضرر المبينين سلفًا، فأجاز للمسئول عن المستودع العام نفي هذه الرابطة، إذا كان النقص أو الضياع أو التغيير في البضائع المودعة نتيجة لأسباب طبيعية أو كان ناتجًا عن قوة قاهرة أو حادث جبري، كما حدد النص المطعون فيه – إذا ما توافرت عناصر المسئولية المدنية – أسس التعويض الجابر لها، بمقـــــدار مـــــا نقص مـــــن الضرائب الجمركية وغيرهـــــا مـــــن الضرائب والرســـــــــــــــوم المستحقة، ومن ثم لا يكون النص المطعون فيه قد أقام مسئولية مدنية مفترضة، قبـــــــــل القائـــــــــم على استغلال المستودع العـــــــــام، عن نقص أو ضياع أو تغيير البضائع التي سبق إيداعها فيه، وإنما أقر هذه المسئولية تساندًا إلى الأصول الكلية في المسئولية المدنية، مرتكنًا إلى مصلحة مشروعة في الوفاء للخزانة العامة بما يجب أداؤه لها من ضرائب جمركيــــة مستحقة على البضائــــع التي سبق تخزينها بالمستودع العــــام، قبــــل نقصهــــا أو ضياعها أو تغييرها، وذلك في حدود السلطة التقديرية للمشرع في تنظيم الحق في استيداء الضرائب الجمركية، وبما لا مخالفة فيه لنصي المادتين (94 و97) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع الدستور من أوجه أخرى، فإن القضاء برفض الدعوى يغدو متعينًا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات.