باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن مــــن أبريل سنة 2023م،
الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 43 لسنة 16 قضائية
“دستورية”
المقامة من
شركة أطلس العامة للمقاولات والتنمية العقارية (الشركة المساهمة المصرية للمقاولات “العبد” – حاليًا)
ضــد
1 – رئيس الجمهوريـــــــــــــــة
2 – رئيس مجلس الوزراء
3 – وزير الصناعـــــــــــــــــــــــــة
4 –نقيب التطبيقييـــــــــــــــــــــــن
الإجراءات
بتاريخ السادس والعشرين من ديسمبر سنة 1994، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1979.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
كما قدمت نقابة المهن الفنية التطبيقية مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين ثلاثة تقارير برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحاضر الجلسات، وفى الجلسة الأخيرة قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، رددت فيها طلب الحكم برفض الدعوى، وقدمت الشركة المدعية حافظة مستندات طويت على صورة قرار الشركة القابضة للتشييد والتعمير رقم 180 لسنة 2020، بدمج الشركة المدعية في الشركة المساهمة المصرية للمقاولات “العبد”، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم. وبتاريخ 9/3/2023، قدم المدعى عليه الرابع طلبًا لفتح باب المرافعة في الدعوى، أرفق به حافظة مستندات ومذكرة.
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين مــــن صحيفة الدعــــوى وسائــــر الأوراق – في أن نقابة المهن الفنية التطبيقية أقامت أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 5342 لسنة 1994 مدني كلي، ضد الشركة المدعية وآخرين، طالبة الحكم بندب خبير حسابي لتقدير قيمة دمغة نقابة المهن الفنية التطبيقية المستحقة لها عن الأعمال الإنشائية التي أقامتها الشركة لحساب وزارة العدل والهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان، وعن الأعمال التي قامت بها الشركة لحساب الغير لكافة قطاعات الدولة، إعمالاً لنص المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية. ومن جانبها أقامت الشركة المدعية، أمام المحكمة ذاتها، الدعوى رقم 11390 لسنة 1994 مدني كلي، ضد النقابة المذكورة، طالبًة الحكم بعدم أحقيتها في المطالبة بتلك الدمغة. ضمت المحكمة الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد. وبجلسة 15/11/1994، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية نص المادة (52) من القانون رقم ٦٧ لسنة ١٩٧٤ بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1979، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، قررت التأجيل لجلسة 3/1/1995، لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقامت الشركة دعواها الدستورية المعروضة.
وحيث إنه عن الطلب المقدم من المدعى عليه الرابع لفتح باب المرافعة في الدعوى المعروضة، وإذ قُدم هذا الطلب بعد أن تهيأت الدعوى للحكم، فإن المحكمة تلتفت عنه.
وحيث إن المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، معدلة بالقانون رقم 40 لسنة 1979، تنص على أنه ” يكون لصق دمغة النقابة إلزاميًّا على الأوراق والدفاتر والرسومات الآتية :
(أ) أصول عقود الأعمال الفنية التنفيذية التي يباشرها أو يشرف عليها عضو النقابة وكذلك عقود الأعمال الفنية التنفيذية التي يقوم بها عضو النقابة لحسابه الخاص وأوامر التوريد الخاصة بها، وكذلك صورها التي تعتبر مستندًا ويعتبر العقد أصلاً إذا حمل توقيع الطرفين مهما تعددت الصور.
(ب) أوامر التوريد بالأمر المباشر وأوامر التكليف بالأعمال الفنية التطبيقية وعقود التوريد عن السلع والأدوات والأجهزة والمعدات التي تلزم للأعمال الفنية التنفيذية، وكذلك عقود الأعمال الفنية التنفيذية الأخرى على اختلاف أنواعها كالآلات والأدوات والأجهزة والمعدات وذلك كله طبقًا لما يحدده النظام الداخلي للنقابة وتعتبر الفواتير الخاصة بهذه التوريدات كعقود إذا لم تحرر لها عقود.
(ج) تقارير الخبراء الفنيين من أعضاء النقابة. وتكون قيمة الدمغة المستحقة طبقًا للفقرات السابقة كما يلى:
100 مليم عن العقود التنفيذية وأوامر التوريد والتقارير الفنية التي لا تزيد قيمتها على 100 جنيه.
500 مليم عن العقود التنفيذية وأوامر التوريد والتقارير الفنية التي لا تزيد قيمتها على 500 جنيه.
جنيه واحد عن العقود التنفيذية وأوامر التوريد والتقارير الفنية التي لا تزيد قيمتها على 1000 جنيه.
وتزاد خمسمائة مليم عن كل ألف جنيه تزيد على الألف جنيه الأولى.
(د) ……………… (ه) ………………
ويتحمل قيمة الدمغة الطــــرف المسند إليــــه تنفيذ الأعمــــال أو التوريد أو مقــــدم الشكــــوى أو طالب تقدير الأتعاب أو رافع الدعوى حسب الأحوال …….”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون الحكم في المسألـة الدستورية، لازمًا للفصـل في الطلبـات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول طلب النقابة المدعى عليها الرابعة، إلزام الشركة المدعية بأداء قيمة الدمغة المستحقة على عقود الأعمال الإنشائية المبرمة بين تلك الشركة وكل من وزارة العدل والهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان، وجميع عقود أعمال الإنشاءات التي أجرتها لحساب كافة قطاعات الدولة، خلال السنوات الخمس السابقة على تاريخ إقامة دعواها الموضوعية. وفي المقابل انحصرت طلبات الشركة المدعية في دعواها الموضوعية، في عدم أحقية النقابة المذكورة في المطالبة بأداء قيمة الدمغة المقررة على أصول عقود الأعمال الفنية السالف بيانها وصورها، ومن ثم تتحقق للشركة المدعية مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن بعدم دستورية البند (أ) من المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، معدلاً بالقانون رقم 40 لسنة 1979، وعجز المادة ذاتها فيما نصا عليه من أنه ” يكون لصق دمغة النقابة إلزاميًا على أصول عقود الأعمال الفنية التنفيذية التي يباشرها أو يشرف عليها عضو النقابة، وكذلك صورها التي تعتبر مستندًا، ويتحمل قيمة الدمغة الطرف المسند إليه تنفيذ الأعمال”. ويتحدد بهما نطاق الدعوى الدستورية المعروضة، دون باقي أحكام ذلك البند، وغيره من بنود المادة المطعون عليها، لعدم اتصالها بالنزاع الموضوعي.
وحيث إن الشركــــة المدعيـــة تنعى على النص المطعــون فيه – محددًا نطاقًا على النحو المتقدم – مخالفته للدستور، وللقوانين أرقام 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين، و 84 لسنة 1976 بإنشاء نقابة مصممي الفنون التطبيقية، وقانون ضريبة الدمغة الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1980، تأسيسًا على أن الدمغة المفروضة بموجب النص المطعون فيه على أصول عقود الأعمال الفنية التنفيذية وصورها، من شأنها تعدد الفرائض المالية على الوعاء ذاته، في حين أن قانون نقابة المهندسين هو القانون الواجب التطبيق على عقود أعمال المقاولات الإنشائية والمعمارية دون غيره، بحسبان الشركة تباشر أعمالاً هندسية بحتة، وأن ما قرره النص ذاته من استحقاق الدمغة على عقود الأعمال الفنية وكذلك صورها التي تعتبر مستندًا، إنما يصمه بالغموض واللبس وعدم الوضوح، لكونه رسمًا نسبيًّا لا يُحصّل إلا مرة واحدة على الأصل، كما أنه ألزم المخاطبين به بأداء فريضة مالية لا تقابلها خدمة فعلية تكون النقابة قد بذلتها لمن يتحملون بها، بالإضافة إلى أن إفراد النقابة المدعى عليها بمزية تحصيل تلك الدمغة على أصول العقود وصورها، يُعد تمييزًا جائرًا بينها وبين غيرها من النقابات المهنية، التي تحصل رسم الدمغة المقرر بشأنها على الأصل فقط، الأمر الذي يعيب مسلك المشرع في النص المطعون فيه، بمخالفة مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (40) من دستور عام 1971، المقابلة للمادة (53) من دستور عام 2014.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبر عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، بحسبان نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة. متى كان ما تقدم، وكانت المناعي التي وجهتها الشركة المدعية إلى النص المطعون فيه، تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقــــــوم في مبناهــــــا علــــى مخالفته لقاعـــــدة فــــــي الدستور، مــــــن حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم، تباشر هذه المحكمة رقابتها القضائية على دستورية النص المطعون فيه، الذي ما انفك قائمًا نافذًا ومعمولاً به، في ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر عام 2014.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا من المكلفين بأدائها، إسهامًا من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة، وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، دون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد بذلها من أجلهم، وعاد عليهم مردودها. ومن ثم كان فرضها مرتبطًا بمقدرتهم التكليفية، ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطًا بينها وبين الرسم، الذي يستحق مقابلاً لنشاط خاص أتاه الشخص العام- وعِوضًا عن تكلفته- وإن لم يكن بمقدارها. متى كان ذلك، وكانت الفريضة المالية محل النزاع الماثل، وعلى ضوء ما قرره النص المطعون فيه – في نطاقه المحدد سلفًا – من أيلولة حصيلتها إلى النقابة المدعى عليها، واختصها بحصيلتها التي تؤول إليها مباشرة، ولا تقابلها خدمة فعلية بذلتها تلك النقابة لمن يتحملون بها، فإنها تنحل إلى ضريبة عامة من الناحية الدستورية.
وحيث إن مؤدى ما نص عليه عجز نص الفقرة الرابعة من المادة (38) من الدستور، من أنه “ويحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب، والرسوم، وأي متحصلات سيادية أخرى، وما يـودع منها في الخزانة العامة للدولة”، أن الدستور وإن كان قد أوجب أصلاً عامًا يقتضي أن تصب حصيلة الضرائب العامة وغيرها من الإيرادات العامة في الخزانــــة العامــــة للدولــــة، لتتولى تحديد مصارفها تحت رقابة المؤسسة التشريعية، بقصد تحقيق الصالح العام، على ما نصت عليه المادة (124) من الدستور، فإنه يستفاد من هذا النص، بدلالة المخالفة – على ما أفصحت عنه مناقشات لجنــــــــــــــة الخمسين التي أعـــــــدت مشـــــروع الدستور- أن مقتضى هــــــذا النص أن الدستور قد أجـــــاز للمشـــــرع، على سبيل الاستثناء، وفي أضيق الحـــدود، أن يحــــــدد ما لا يودع من حصيلة المـــــــوارد العامة في الخزانـــــــة العامة، ليكون إعمـــــــال هـــــــذه الرخصــــــة – بحسبانها استثناء من الأصل العام- أداته القانون، وفي حدود تنضبط بضوابط الدستور، فلا يصح هذا التخصيص إلا إذا كان الدستور ذاته قد نص في صلبه على تكليف تشريعي صريح ذي طبيعة مالية، قدَّر لزوم وفاء المشرع به، وأن يتصل هذا التكليف بمصلحة جوهرية أولاها الدستور عناية خاصة، وجعل منها أحد أهدافه، وأن يقدر المشرع، استنادًا إلى أسباب جدية، صعوبة تخصيص هذا المورد من الموازنة العامة في ظل أعبائها. فمتى استقام الأمر على هذا النحو، جاز للمشرع تخصيص أحد الموارد العامة إلى هذا المصرف تدبيرًا له، إعمالاً لأحكام الدستور، وتفعيلاً لمراميه.
وحيث إن الدستور قد اتخذ من تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير سبل التكافل الاجتماعي أحد أهم ركائزه الأساسية، قاصدًا من ذلك، على ما أفصحت عنه المادة (8) منه، ضمان الحياة الكريمة لجميع المواطنين، وناط بالقانون تنظيم القواعد التي تحقق هذا الهدف، وألزمت المادة (17) منه، الدولة بتوفير خدمات التأمين الاجتماعي، بما يضمن لكل مواطن حياة كريمة، هو وأسرته.
وحيث إن المشرع منح النقابة المدعى عليها، بموجب المادة (1) من قانون إنشائها رقم 67 لسنة 1974، الشخصية الاعتبارية، واعتبرها الهيئة الممثلة للتطبيقيين المتمتعين بجنسية جمهورية مصر العربية، واتخذها هيئة استشارية للدولة في مجال تخصصها، تقوم على تحقيق أهداف الارتقاء بالمهن الفنية التطبيقية وتطويرها والمحافظة على كرامتها، ورفع مستوى أعضاء النقابة العلمي والفني، وذلك بتشجيع إصدار المجلات والنشرات الدورية وتشجيع التأليف والابتكارات العلمية والفنية التطبيقية بمواقع الإنتاج والعمل، والاشتراك في عقد المؤتمرات والندوات المتعلقة بشئون هذه المهن في داخل الجمهورية وخارجها، وتنمية وتعميق روح الإخاء والتعاون بين أعضاء النقابة، والمساهمة في توفير فرص العمل لهم وتوفير الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية والاقتصادية المناسبة لهؤلاء الأعضاء وأسرهم، ووضع وتطبيق الأسس الكفيلة بتنظيم واجبات أعضاء النقابة في خدمة الإنتاج ومراقبة قيامهم بها، وتعبئة وتنظيم جهود الأعضاء في خدمة الإنتاج لتحقيق الأهداف القومية وأهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتشجيع ودعم مساهمة أعضاء النقابة في تحقيق التقدم الفني في مجال المهن الفنية التطبيقية واقتراح الحلول المناسبة لمشكلات هذه المهن، والمساهمة في تخطيط وتطوير وتنفيذ برامج ومناهج التعليم والتدريب الفني والمهني والصناعي بحيث تفي بحاجات المجتمع المتطورة، والتعاون مع المنظمات والجمعيات الفنية والهندسية الداخلية والخارجية، وعلى الأخص في البلاد العربية والإفريقية والأسيوية وتوثيق الروابط معها وتبادل الخبرات والمعلومات، ويشمل ذلك دراسة الموضوعات الفنية والمهنية ذات الطابع المشترك بالتعاون مع المنظمات المماثلة وتبادل المعلومات والخبرة والمطبوعات الفنية مع المنظمات المختلفة المهتمة بالارتقاء بالمهن الفنية والصناعية والتقدم بأساليبها التطبيقية، والتعاون مع التنظيمات المختلفة التي تعمل وتشارك في مجال الإنتاج الصناعي الفني والهندسي والمساهمة مع المنظمات الصناعية والفنية والهندسية المحلية والعربية والدولية في كل ما يخدم أهداف الإنتاج في المجتمع. كما نصت المادة (81) من القانون ذاته على إنشاء صندوق للمعاشات والإعانات يتولى منــح معاشــات وإعانــات لأعضــاء النقابــــــة، وجعــــــل مــــــن موارد هــــــذا الصندوق – على ما تضمنته المادة (82/7) من القانون المشار إليه – حصيلة طوابع الدمغة على الأوراق والدفاتر والعقود وغيرها، المنصوص عليها في المادة (52) منه.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن سبب فرض الضريبة، وأداة فرضها، ووعاءها، وسعرها، وعدالتها، إنما هي عناصر يتشكل منها بنيان الضريبة، فإن خالف أحدها الموازين الدستورية المقررة، وجب القضاء بعدم دستوريتها. متى كان ذلك، وكان فرض الضريبة المبينة بالنص المطعون فيه – محددًا نطاقًا على ما سلف بيانه – تغيا به المشرع تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة، وتقديم الرعاية الصحية لأعضاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، ممن أنشئت نقابتهــــم للدفــــاع عن حقوقهــــم، وحمايــــة مصالحهــــم، على ما جرى به نص المادة (76) من الدستور. وبهذه المثابة، فقد تراءى للمشرع توافر مبرر موضوعي، وسبب منطقي، لاستثناء الضريبة المشار إليها من مبدأ “وحدة الموازنة”، فأقرها بقانون، واختار وعاءها وفق سلطته التقديرية بضوابط تتماهى مع الغرض من إقرارها، وحدد سعرها ملتزمًا تخوم التناسب والاعتدال، وبيّن المكلفين بعبئها، مقيمًا رابطة سببية مباشرة لإلزامهم بها، بما يتفق وقواعد العدالة الضريبية، فيكون النص المطعون فيه – على ما تقدم بيانه – قد استوفى الضوابط الدستورية لفرض الضريبة بمقتضاه، ومن ثم، يغدو النعي عليه بمخالفة نص المادة (38) من الدستور، مفتقدًا سنده، خليقًا برفضه.
ولا يغير مما تقدم، قالة إن النص المطعون فيه – في حدود النطاق المحدد سلفًا- قد شابه الغموض واللبس وعدم الوضوح، وأفضى إلى تعدد الفرائض المالية على الوعاء الواحد، لأن ذلك مردود أولاً: بأن من المقرر قانونًا، أن العبارة التي يفرغ المشرع فيها أحد النصوص القانونية، إنما يتعين فهمها على ضوء المعنى الذي يستخلص منها عادة، وفق موضوعها، وبمراعاة سياقها، وبالنظر إلى الأغراض التي توخاها المشرع من مجموع النصوص التي أتى بها. وإذ جاءت عبارة النص المطعون فيه واضحة الدلالة على ما قصده المشرع منها، محددة وعاء الضريبة وسعرها والمحمل بعبئها على نحو ما سلف، فإن ما رمته به الشركة المدعية لا يكون صائبًا. فضلاً عن أن هذا النعي ينحل في حقيقته إلى طلب تفسير تشريعي، لم يتصل بالمحكمة الدستورية العليا اتصالاً مطابقًا للأوضاع المقررة في قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
ومردود ثانيًا : بأن دمغة نقابة التطبيقيين المفروضة بموجب النص المطعون فيه، تستحق على أصول وصور عقود الأعمال الفنية التنفيذية التي يباشرها أو يشرف عليها عضو النقابة، في حين أن دمغة نقابة المهندسين المفروضة بالقانون رقم 66 لسنة 1974 المشار إليه – وفقًا لأحكام المادة (46) منه – تستحق على الرسومات الهندسية التي يباشرها أو يوقعها عضو النقابة بصفته المهنية الخاصة، وإزاء تلك المغايرة، تنتفي قالة ازدواج الفريضة المالية المفروضة بالنص الطعين، مع الفريضة المالية المقررة بقانون إنشاء نقابة المهندسين المشار إليه. فضلاً عن أن تعدد الفرائض المالية على الوعاء الواحد، لا يُشكل في ذاته عيبًا دستوريًّا، طالما ثبت أن النهج الذى اختاره المشرع في تحديد سعر الفريضة المالية لا يؤدي إلى تآكل رأس المال المحمل بها، أو يتجاوز حدود المقدرة التكليفية للممولين المكلفين بأدائها.
ومردود ثالثًا: بأن المشرع قد نظم بموجب أحكام القانون المشتمل على النص المطعون فيه، قواعد تحصيل هذه الفريضة وجبايتها، كما فصَّل قواعد صرفها، ضمانًا لإنفاقها في الأغراض التي خُصصت لها، إعمالاً لمقتضى نص المادة (126) من الدستور، فضلاً عن خضوعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، وفقًا لأحكام قانون ذلك الجهـــــاز الصـــــادر بالقانـــــون رقـــــم 144 لسنة 1988. ومـــــن ثم، فإن ما تنعاه الشركة المدعية على النص المطعون فيه من غموض وتعدد للفرائض المالية، يضحى لا أساس له، متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إنه عما تنعاه الشركة المدعية على النص المطعون فيه – في النطاق المحدد سلفًا – إخلاله بمبدأ المساواة، إذ منح النقابة المدعى عليها الحق في تحصيل دمغة النقابة على أصول عقود الأعمال الفنية التنفيذية وصورها التي تعتبر مستندًا مهما تعددت، دون غيرها من نقابات مهنية أخرى، فهو مردود بأن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن مبدأ المساواة أمام القانون ليس مبدأ تلقينيًّا منافيًا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء، وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير، لتنظيم موضوع محدد وتوقي شر تقدر ضرورة رده، وكان دفعها الضرر الأكبر بالضرر الأقل لازمًا، فإن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكــون كاشفًا عن نزواتها، ولا منبئًا عن اعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقادًا تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولا هشيمًا معبرًا عن بأس سلطاتها، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً في مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفًا، ومن الجائز بالتالي، أن تغايـر السلطة التشريعية – ووفقًا لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها.
متى كان ما تقدم، وكانت الممايزة بين وعاء الضريبة التي فرضها النص المطعون فيه، وغيره من أوعية ضرائب الدمغة التي تفرضها تشريعات أخرى، مرده من وجهةٍ أولى: إلى اختلاف طبيعة أصول وصور عقود الأعمال الفنية التنفيذية عن غيرها من الأوراق والمستندات والعقود التي تفرض بمناسبتها ضريبة الدمغة في تشريعات النقابات المهنية الأخرى. ومن وجهةٍ
ثانية: فإن تحديد وعاء الضريبة المطعون عليها، يتساند إلى السلطة التقديرية للمشرع، منضبطًا بالشرعية الدستورية الحاكمة لهذا العنصر من عناصر فرض الضريبة المشار إليها، كما أنه ومن وجهةٍ ثالثة: فإن النص المطعون فيه لم يقم تفرقة تحكمية بين المكلفين بعبئها، الأمر الذي يكون معه النص المطعون فيه قد التزم مبدأ المساواة، ولم يخرج على نص المادة (53) من الدستور فى أي من أحكامه.
وحيث إن النص المطعون فيه – في النطاق المحدد سلفًا – لا يخالف حكــمًا آخـر من أحكام الدســــتور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.