رفض طلب الحكم بعدم دستورية المادة (11) من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإداري والمادة 365 من قانون المرافعات المدنية والتجارية فيما تضمنتاه من جواز تكليف المدين بالحراسة وعد الاعتداد برفضه إياها .

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني مــــن سبتمبر سنة 2023م، الموافق السابع عشر من صفر سنة 1445 هـ.

برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر                   رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم

والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني                         نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري       رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع                            أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 256 لسنة 31 قضائية “دستورية”

المقامة من

أحمد محمود فرج منصور علام

ضــد

1 – رئيس الجمهوريـــــــــــــــــــــــــة

2 – وزيـــــــــــــــر العـــــــــــــــــــــــــــــــدل

2 – رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًّا)

4 – النائــــــب العــــــــــــــــــــــــــــــــام

5 – رئيس محكمة جنوب الجيزة الابتدائية

الإجـراءات

      بتاريخ الثالث من ديسمبر سنة 2009، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (11) من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإداري، والمادة (365) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، فيما تضمنتاه من جواز تكليف المدين بالحراسة وعدم الاعتداد برفضه إياها.

      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم؛ أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى نص المادة (365) من قانـــــون المرافعات المدنيـــــة والتجاريـــــة، ثانيًا: برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

المحكمة

      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامـــــــــة قدمت المدعي إلى المحاكمة الجنائية، في الدعوى رقم 218 لسنة 2009 جنح مركـز البدرشين، متهمة إياه أنه بتاريخ 2/12/2008، بدائرة مركز البدرشين، وهو مالك للمنقولات المبينة وصفًا وقيمة بالأوراق، والمحجوز عليها قضائيًّا لصالح نيابة جنوب الجيزة، والمسلمة إليه على سبيل الوديعة لحراستها وتقديمها يوم البيع، فاختلسها لنفسه إضرارًا بالجهة الحاجزة على النحو المبين بالأوراق، وطلبت عقابه بالمادتين (341 و342) من قانون العقوبات. وبجلسة 17/2/2009، حكمت المحكمة غيابيًّا بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وكفالة مائة جنيه لإيقاف التنفيذ والمصاريف. عارض المدعي في الحكم، وأثناء نظر المعارضة دفع بعدم دستورية نص المادة (11) من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإداري، والمادة (365) من قانون المرافعات المدنية والتجارية. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية، فأقام دعواه المعروضة.

وحيث إن المادة (11) من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإداري المعدلة بالقانون رقم 181 لسنة 1959، تنص على أن “يعين مندوب الحاجز عند توقيع الحجز حارسًا أو أكثر على الأشياء المحجوزة، ويجوز تعيين المدين أو الحائز حارسًا، وإذا لم يوجد من يقبل الحراسة وكان المدين أو الحائز حاضرًا كلفه الحراسة ولا يعتد برفضه إياها، أما إذا لم يكن حاضرًا عهد بها مؤقتًا إلى أحد رجال الإدارة المحليين.

وتعين بقرار من الوزير المختص أو من ينيبه في ذلك أجور الحراسة بالنسبة إلى غير المدين أو الحائز”.

وتنص المادة (365) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 المستبدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1974، والمعدلة بالقانون رقم 76 لسنة 2007 على أنه ” إذا لم يجد معاون التنفيذ في مكان الحجز من يقبل الحراســـــة وكان المديـــــن حاضـــــرًا كلفه الحراسة ولا يعتد برفضه إياهـــــا، أما إذا لم يكن حاضرًا وجب على معاون التنفيذ أن يتخذ جميع التدابير الممكنة للمحافظة على الأشياء المحجوزة وأن يرفع الأمر على الفور لإدارة التنفيذ لتأمــر إما بنقلها أو إيداعهـا عند أمين يقبل الحراسـة يختاره الحاجز أو معاون التنفيذ وإما بتكليف أحد رجال الإدارة بالمنطقة، الحراسة مؤقتًا”.

      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – قيام رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية في الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع، وترتبط المصلحة الشخصية المباشرة بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورًا إليها بصفة مجردة؛ ومن ثم فلا تقوم هذه المصلحة إلا بتوافر شرطين يحددان بتكاملهما معًا مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة كشرط لقبول الدعوى الدستورية، أولهما: أن يقيم المدعي الدليل على أن ضررًا واقعيًّا قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرًا ومستقلًّا بعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررًا متوهمًا أو نظريًّا أو مجهلًا. وثانيهما: أن يكون مرد هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما، تحتم أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، ذلك أن شرط المصلحة الشخصية هو الذي يحدد فكرة الخصومة الدستورية، ويبلور نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ويؤكد ضرورة أن تكون المنفعة التي يقرها القانون هي محصلتها النهائية.

      وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن المنقولات محل محضر التبديد المرفق، والاتهام المقدم به المدعي للمحاكمة الجنائية قد تم الحجز عليها حجزًا قضائيًّا لصالح نيابة جنوب الجيزة، طبقًا لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، دون اتباع إجراءات الحجز المنصوص عليها في القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإداري؛ ومن ثم فإن الفصل في دستورية نص المادة (11) من القانون الأخير، لن يكون ذا أثر أو انعكاس على الدعوى الموضوعية والطلبات المطروحة بها وقضاء محكمة الموضوع فيها، الأمر الذي تنتفي معه المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في الطعن على هذا النص، بينما تتحقق مصلحته الشخصية المباشرة في الطعن على نص المادة (365) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 المار ذكره، فيما نصت عليه من أنه ” إذا لم يجد معاون التنفيذ في مكان الحجز من يقبل الحراسة وكان المدين حاضرًا كلفه الحراسة ولا يعتد برفضه إياها “. وبها يتحدد نطاق الدعوى المعروضة.

وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه – وفقًا للنطاق المحدد سلفًا – تعارضه مع المادة (12) من الدستور القائم، المقابلة للمادة (13) في فقرتها الثانية من دستور 1971، التي تقضي بأنه لا يجوز فرض أي عمل جبرًا على المواطنين إلا بمقتضى قانون ولأداء خدمة عامة وبمقابل عادل؛ لكون النص المطعون فيه قد فرض على المدين الحاضر عند الحجز على منقولاته أن يتولى الحراسة ولا يعتد برفضه إياها، وذلك دون مقابل؛ بما يتعارض مع الحق في العمل، والحرية الشخصية.

وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلًا صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة؛ تقتضي إخضاع القواعد القانونية جميعها – أيًّا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم؛ لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي؛ متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعي للنص المطعون عليه – في النطاق السالف تحديده – تندرج تحت المناعي الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي معين لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النص المطعون فيه – الذي مازال ساريًا ومعمولًا بأحكامه – في ضوء أحكام الدستور القائم.

      وحيث إن الأصل في سلطة المشـرع في مجــــــــــال تنظيم الحقـــــوق – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحــــــد من إطلاقها، وتكــــــون تخــــومًا لهــــــا، لا يجــــــــــوز اقتحامهــــا أو تخطيهــــا. وكان الدستور إذ يعهد بتنظيم موضوع معين إلى السلطة التشريعية، فإن ما تقره من القواعد القانونية بصدده، لا يجوز أن ينال من الحق محـــل الحمايـــة الدستورية، سواء بالنقض أو الانتقاص، ذلك أن إهدار الحقوق التي كفلها الدستور أو تهميشهــــــا، يُعد عدوانًا على مجالاتهــــــــــا الحيوية التي لا تتنفس إلا من خلالها، بما مؤداه أن تباشر السلطة التشريعية اختصاصاتها التقديرية – وفيما خلا القيود التي يفرضها الدستور عليها – بعيــــــدًا عـــن الرقابـــة القضائية التي تمارسهـــا المحكمة الدستوريـــة العليـــا، فلا يجوز لها أن تزن بمعاييرها الذاتية السياسة التي انتهجها المشرع في موضوع معين، ولا أن تناقشها، أو تخوض في ملاءمة تطبيقها عملًا، ولا أن تنتحل للنص المطعون فيه أهدافًا غير التي رمى المشرع إلى بلوغها، ولا أن تقيم خياراتها محل عمل السلطة التشريعية، بل يكفيها أن تمارس السلطة التشريعية اختصاصاتها تلك، مستلهمة في ذلك أغراضًا يقتضيها الصالح العام في شأن الموضوع محل التنظيم التشريعي، وأن تكون وسائلها إلى تحقيق الأغراض التي حددتها مرتبطة عقلًا بها.

      وحيث إن الأصل في النصوص القانونية هو ارتباطها عقلًا بأهدافها، باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها؛ فمن ثم يتعين لاتفاق التنظيم التشريعي مع الدستور أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض المشروعة، التي اعتنقها المشرع في موضوع محدد، وفاءً لمصلحة عامة لها اعتبارها، وبين الوسائل التي انتهجها طريقًا لبلوغها، فلا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع هذا الموضوع عن أهدافها، بل يتعين أن تكون مدخلًا إليها.

      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن ضمان الحرية الشخصية لا يعني غلّ يد المشرع عن التدخل لتنظيمها، ذلك أن صون الحرية الشخصية يفترض بالضرورة إمكان مباشرتها دون قيود جائرة تعطلها، وليس إسباغ حصانة عليها تعفيها من تلك القيود التي تقتضيها مصالح الجماعة، وتسوغها ضوابط حركتها؛ ذلك أن الدستور أعلى قدر الحرية الشخصية، فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية الغائرة في أعماقها، والتي لا يمكن فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيدًا لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها.

متى كان ما تقدم، وكان المشرع – بموجب النص المطعون عليه – قد استهدف أن تكون إجراءات حجز المنقول لدى المدين ضامنة لحقوق الدائن، يستوفيها من المدين بإجراءات محكمة، محققة للغاية من الحجز، دون إعنات بالمدين في حراسة منقول يملكه، ولا يتبدل التزامــــه بحراسته بتوقيع الحجــــز عليــــه، إذ يظل على ملكه، حتى الوفاء بالدين المحجوز لأجله أو بيع المنقول استئداءً لحقوق الدائن، فإلزام المدين الذي تم الحجز في حضوره بحراسة المنقول المحجوز عليه، دون اعتداد برفضه، وإن بدا التزامًا فُرِضَ عليه جبرًا، دون مقابل لهذا الالتزام، إلا أن تكليف المدين بالحراسة – في النطاق المحدد سلفًا – أنبته صون ملكيته للمنقول المحجوز عليه، وضمان استيفاء الدائن لدينه، إما بسداده لرفع الحجز، وإما بإيقاع البيع، وذلك بمراعاة أن حراسة المدين للمنقول المحجوز عليه، لا تُعد عملاً قائمًا بذاته، مستقلًّا بعناصره عن مباشرة حقوق المدين على المنقول المحجوز عليه، وإنما هي من موجباتها، ترتبط بها ارتباطًا غير قابل للانفصال، وتُعد بهذه المثابة حقًّا للمدين لا ينزل عنه، ولا يؤجر على أدائه، وذلك ما لم يقتضي صون المال المحجوز عليه إسناد حراسته إلى غيره، مما مؤداه أن يكون التمحل بنص المادة (12) من الدستور الحالي – المقابلة للمادة (13) من دستور 1971 – بما لا يجيزه من إلزام أي مواطن بالعمل جبرًا إلا بمقابل عادل، وبمقتضى قانـــــون، ودون إخلال بالحقـــــوق الأساسية للمكلفين بالعمل لا يجد أساسًا للإعمال على أحكام النص المطعون فيه؛ ومن ثم، لا يُشكل عدوانًا على حرية المدين الشخصية، مما يكون معه النعي عليه في هذا الشأن لا سند له، خليقًا بالرفض.

وحيث إن النص المطعون فيه – في النطاق المتقدم – لا يخالف أي نص آخر في الدستور؛ فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهــذه الأسبــاب

      حكمت المحكمة برفض الدعــــــوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.

اترك تعليقاً