رفض دعوى عدم دستورية نص المادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، والفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من يناير سنة 2019م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1440 هـ.

برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى             رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار

والدكتور طارق عبد الجواد شبل                         نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى       رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع                            أمين السر

 

أصدرت الحكم الآتى

      فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 55 لسنة 31 قضائية ” دستورية “.

 

المقامة من

هيئة الأوقاف القبطية

ضــــــد

1 – رئيس الجمهوريــــــــــــــــــة

2 – رئيس مجلس الوـزراء

3 – رئيس مجلس النــواب

4 – وزير العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدل

5 – مكرم عطية غبريـــــال

6 – موريسة حبيب تاوضروس

7 – مريدة حبيب تاوضــــــــــروس

8 – رشدى عازر غبـــرس

9 – مفيد عازر غبــــــــــــرس

10- هلال عازر غبـــرس

11- إيفون عازر غبـــرس

12- مكرم ميساك حبشـى

13- رئيس نيابة محكمة سوهاج الابتدائية

الإجراءات

      بتاريخ الثانى من مارس سنة 2009، أودعت الهيئة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبةً الحكم بعدم دستورية نص المادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، والفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة

      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – فى أن الهيئة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 271 لسنة 2005 أسرة بندر سوهاج نفس، ضد المدعى عليهم من الخامس إلى الثانى عشر، طلبًا للحكم بإثبات وصحة وقف المرحوم/ صدقى حبيب تاوضروس، للعقار الكائن بشارع البستان الغربى – بندر سوهاج -، الموضح الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى، على بطريريكية الأقباط الأرثوذوكس، ليكون وقفًا على دير الملاك الشرقى بجبل أخميم، مع محو جميع التسجيلات التى ترد عليه، وذلك على سند من أن الواقف كان يمتلك حال حياته المنزل المبين الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى، وأنه كان قد ترك إقرارًا مؤرخًا فى 19/7/2000، مودعًا بصفة أمانة لدى المدعى عليه الثانى عشر، بمظروف مغلق لا يتم فتحه إلا بعد وفاته، ووفاة زوجته بلانش عازر غبرس، ثابتًا به تبرعه بالمنزل سالف التحديد ووقفه على دير الملاك بالجبل الشرقى بأخميم، تبرعًا وهبة خالصة لوجه الله تعالى، الأمر الذى دعى الهيئة المدعية لإقامة دعواها سالفة الذكر. وبجلسة 27/1/2007، قضت المحكمة بعدم اختصاصها نوعيًّا بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة سوهاج الكلية لنظرها بجلسة 3/3/2007، حيث قيدت أمامها برقم 448 لسنة 2007 مدنى كلى سوهاج، وبجلسة 23/6/2007، قضت فيها بعدم قبول الدعوى، وقد أسست قضاءها على سند من أن نص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 قد قررت عدم قبول دعوى الوقف أو شروطه أو الإقرار به أو الاستحقاق فيه أو التصرفات الواردة عليه، ما لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا لأحكام القانون، وأنه لما كانت الهيئة المدعية تطلب الحكم بإثبات وصحة الوقف الخاص بالمرحوم/ صدقى حبيب تاوضروس، وكانت أوراق الدعوى قد خلت مما يفيد أن ذلك الوقف ثابت بإشهاد مشهر، فقد انتهت المحكمة إلى عدم قبول الدعوى. ولم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الهيئة المدعية فطعنت عليه بالاستئناف رقم 2877 لسنة 82 قضائية أمام محكمة استئناف أسيوط – مأمورية استئناف سوهاج – طلبًا للحكم بقبول الاستئناف شكلاً، وفى الموضوع: أصليًّا: بإلغاء حكم أول درجة والقضاء مجددًا بإثبات صحة الوقف المشار إليه مع محو جميع التسجيلات التى ترد عليه. واحتياطيًّا: إلغاء الحكم المستأنف وإعادة الأوراق إلى محكمة أول درجة للفصــــــــــل فى الدعوى مجــــــــددًا. كما أقامت الهيئة المدعية الاستئناف رقم 2925 لسنة 82 قضائية، أمام المحكمة ذاتها، وعن الحكم ذاته، طلبًا للحكم بالطلبات ذاتها الواردة بالاستئناف الأول، وقد ضمــــنت صحيفتها دفعًا بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية المشار إليه، والمادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، لمخالفتهما لمبادئ الشريعة الإسلامية ومبدأ المساواة. وبجلسة 13/5/2008، قررت المحكمة ضم الاستئنافين للارتباط ليصدر فيهما حكم واحد، وبعد أن قررت المحكمة بجلسة 16/10/2008، حجز الاستئنافين للحكم بجلسة 14/1/2009، قررت إعادتهما للمرافعة بجلسة 10/3/2009، لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000، فأقامت الهيئة المدعية الدعوى المعروضة.

وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أثير أمام محكمة الموضوع، وفى الحدود التى تقدر فيها تلك المحكمة جديته. إذ كان ذلك، وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى من الهيئة المدعية قد انصب على نص المادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 السالف الذكر، ونص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية المشار إليهما، إلا أن تقدير محكمة الموضوع لجدية هذا الدفع وتصريحها برفع الدعوى الدستورية قد اقتصر على نص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية المشار إليه، فأقامت الهيئة المدعية دعواها المعروضة، وحددت طلباتها الختامية الواردة فى صحيفة دعواها فى الطعن على النصين المشار إليهما، الأمر الذى يضحى معه الطعن بالنسبة لنص المادة (1) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، دعوى دستورية أصلية أقيمت بالطريق المباشر ، بالمخالفة لنص المادة (29/ب) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إليه.

وحيث إن المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 تنص على أن “لا تُقبل دعوى الوقف أو شروطه أو الإقرار به أو الاستحقاق فيه أو التصرفات الواردة عليه ما لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا لأحكام القانون.

ولا تُقبل دعوى الوقف أو الإرث عند الإنكار متى رفعت بعد مضى ثلاث وثلاثين سنة من وقت ثبوت الحق فيه، إلا إذا قام عذر حال دون ذلك.

وإذا حُكم بعزل ناظر الوقف أو ضم ناظر آخر إليه، تعين المحكمة فى الحالتين بحكم واجب النفاذ ناظرًا بصفة مؤقتة إلى أن يُفصل فى الدعوى بحكم نهائى”.

 

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية المطروحة لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بهـــــا، والمطروحة أمـــــــام محكمة الموضــــــوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى يتعلق بطلب الهيئة المدعية الحكم بإثبات وصحة وقف المرحوم/ صدقى حبيب تاوضروس، للعقار الكائن بشارع البستان الغربى – بندر سوهاج – على بطريركية الأقباط الأرثوذكس، ليكون وقفًا على دير الملاك الشرقى بجبل أخميم، مع محو جميع التسجيلات التى ترد عليه، والذى قضت فيه محكمة أول درجة بعدم قبول الدعوى، تأسيسًا على خلو أوراقها مما يفيد أن ذلك الوقف ثابت بإشهاد مشهر، وفقًا لنص الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية المشار إليه، والذى تم الطعن عليه بالاستئنافين رقمـــــــــى 2877/2925 لسنة 82 قضائية ، أمــــــــــــــام محكمة استئناف أسيوط – مأمورية استئناف سوهاج -، وبالتالى، فإن الفصل فى النزاع الموضوعى يتوقف على الفصل فى دستورية ما نصت عليه المادة (8) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 فى فقرتها الأولى من أنه “لا تقبل دعوى الوقف أو شروطه أو الإقرار به أو الاستحقاق فيه أو التصرفات الواردة عليه ما لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا لأحكام القانون”، ومن ثم، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون متحققة بالنسبة للطعن على هذا النص فى حدود نطاقه المتقدم.

وحيث إن الهيئة المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام الشريعة الإسلامية التى أوجبت بنص قرآنى قطعى الثبــــــــوت قطعـــــى الدلالـــــــة الوفاء بالعقود كافة، ومن بينها الوقف دون توقف على شهرها، وكذا إخلاله بمبدأ المساواة، إذ مايز بين المسجد والكنيسة فى شأن وجوب شهر الإشهاد على الوقف، فاشترطه بالنسبة للكنيسة دون المسجد، على الرغم من أن كليهما من دور العبادة، التى يتعين التماثل فيما بينهما من حيث الأحكام المطبقة على كل منهما، وذلك بالمخالفة لنصى المادتين (2، 40) من دستور 1971.

وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن ما نص عليه دستور سنة 1971، فى مادته الثانية بعد استبدالها فى 22/5/1980، – وتردد حكمه فى كافة الدساتير المصرية التالية حتى الدستور القائم – من أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، يتمخض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه، وتنزل عليه فى تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل – ومن بينها أحكام قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 – فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام القطعية فى ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعًا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعًا لتغير الزمان والمكان؛ إذ هى عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها. ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معًا. ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها. وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيمًا لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعًا، ولا يعطل بالتالى حركتهم فى الحياة، على أن يكون الاجتهاد دومًا واقعًا فى إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها، ملتزمًا ضوابطها الثابتة، متحريًا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ومستلهمًا فى ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها. ومن ثم، كان حقًّا على ولى الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثمًا، وكان واجبًا عليه ألا يشرّع حكمًا يضيق على الناس أو يرهقهم من أمرهم عسرًا، وإلا كان مصادمًا لقوله تعالى – فى الآية (6) من سورة المائدة – “ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعلَ عَلَيْكُم مِنْ حَرَجٍ”. لما كان ذلك، وكان ما طواه النص التشريعى المطعون فيه، لم يرد بشأنه نص قطعى الثبوت والدلالة فى القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن ثم يجوز الاجتهاد فيه، تنظيمًا لشئون العباد، بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعًا، ولا يعطل حركتهم فى الحياة، وذلك فى إطار الأصول الكلية للشريعة، وبما يصون مقاصدهم العامة، وهو ما سعى إليه المشرع فى النص المطعون فيه، مستهدفًا من خــــــــلال ما استلزمه من وجوب أن يكون الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا لأحكام القانون، وذلك لبيان شروطه، والإقرار به، ومستحقيه، والتصرفات التى ترد عليه، وإلا كانت دعواه غير مقبولة، بلوغ الغاية المتمثلة فى حماية أموال الوقف من العبث، فأراد المشرع أن يحمى الوقف، ويقطع بثبوته وعدم توجيه المطاعن إليه، سواء من الواقف بإنكاره أو من الوارث بالطعن عليه بالجهالة أو التزوير، وذلك سدًا للذرائع التى ينفذ من خلالها المبطلون للاستيلاء على أموال الوقف فى ظل خراب الذمم، وتفشى شهادة الزور، درءًا للأضرار الناجمة عن الدعاوى الملفقة. وقد رصد المشرع جزاء عدم قبول الدعــوى إذا لم يكن الوقف ثابتًا بإشهاد مشهر وفقًا للقانون، استنادًا إلى أن تخصيص القضاء بالزمان والمكان والحوادث والأشخاص، من القواعد الشرعية المقررة، وأنه يجوز لولى الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى، أو أن يقيد السماع بما يراه من القيود تبعًا لأحوال الزمان وحاجة الناس وصيانة حقوقهم من العبث والضياع، وهو أظهر ما يكون فى منازعات الوقف. ومن ثم، يكون النص المطعــــــــــــون فيه متفقًا والمقاصد العامة للشريعة بما توجبه من الحفاظ على أمـــــــوال الوقف، وعدم ضياع حقوق مستحقيه وحقــــــــــــوق الورثة، بما لا مخالفة فيه لأحكام الشريعة الإسلامية، على النحو الذى عناه نص المادة (2) من الدستور.

ولا ينال من ذلك، ما ذكرته الهيئة المدعية من مخالفة النص المطعون فيه للنص القرآنى الكريم قطعى الثبوت قطعى الدلالة فى قوله تعالى “يَا أًيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا أوَفُواْ بِالعُقُودِ” – آية رقم (1) سورة المائدة – الذى أوجب الوفاء بالعقود كافة ومن بينها عقد الوقف دون توقف على شهرها، فذلك مردود أولاً: بأن الوقف باعتباره حبسًا للعين وتسبيلاً لثمرتها يتم بالإرادة المنفردة، فهو ليس عقدًا، إنما يتم بإرادة الواقف ويتحقق بالإيجاب منه، أما القبول من الموقوف عليهم فليس بركن فى صيغة الوقف، وهو ما أخذ به القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف فى المادتين (9، 11) منه فيما تضمنتاه من أن الأصل أنه لا يشترط القبول فيه لصحته، وأن للواقف أن يرجع فيه كله أو بعضه، كما يجوز له أن يغير فى مصارفه وشروطه، ومن ثم فلا يُعد عقدًا من العقود الواردة فى الآية القرآنية الكريمة. ومردود ثانيًا: بأنه إذا كان الحكم الوارد فى الآية الكريمة قطعى الثبوت فى شأن كافة العقود، إلا أنه قد اختلف الفقهاء اختلافًا كبيرًا فيما هو مقصود بالعقد فى تفسير الآية الكريمة، ونضحت كتب المفسرين بهذا الاختلاف الذى كشف عن ظنية دلالة النص بالرغم من قطعية ثبوته، وحيث إن الوقف قد رحُبت الآفاق فيه لاجتهاد الفقهاء، واختلفوا فيه اختلافًا شديدًا من حيث مشروعيته ولزومه وشروط صحته وأركانه، وإنه وإن كان جمهـــــــــــور الفقهاء قد ذهب إلى جـــــــوازه ، فإن البعض منهم ذهب إلى عدم إجازته فى بعض صوره استنادًا لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لما نزلت سورة النساء وفرضت فيها الفرائض (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حبس عن فرائض الله تعالى)، وكذا اختلف الفقهاء فى أحكامه الفرعية حول وجوب إشهاره من عدمه، فكان لولى الأمر أن يتدخل لتنظيم شئون العباد بالنص المطعون فيه، ومن ثم فإن النعى بمخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية يضحى غير صحيح، متعين الرفض.

فضلاً عن أن النص المطعون فيه ليس بدعًا من المشرع، بل له أصول ممتدة من زمن المحاكم الشرعية، ذلك أنه – وعلى ما ورد بالمذكرة التفسيرية لمشروع القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف – “فى أواخر القرن الماضى رأى أولو الأمر بمصر أن الوقف وما يرتبط به كثرت بشأنهما الدعاوى الباطلة الملفقة….. وكان لأربـــــاب الحقوق متاعب ومشقات بعيدة المدى بـــــــل للقضاء نفسه …. فاتجهوا إلى الإصلاح بإغلاق أبواب الشرور وسد الذرائع …. ولم يكن أمامهم طريق لما يبتغون سوى تخصيص القضاء والمنع من سماع بعض الدعاوى فسلكوه، واشتملت اللوائح الصادرة للمحاكم الشرعية فى سنى 1897 و1911 و1931 على أنه لا تُسمع عند الإنكار دعوى الوقف أو الإقرار به أو استبدالـــــــه أو الإدخال أو الإخراج وغير ذلك من الشروط التى تشترط فيه، إلا إذا وُجد بذلك إشهاد ممن يملكه على يد حاكم شرعى بالقطر المصرى أو مأذون من قبله، وكان مُقيدًا بدفتر إحدى المحاكم الشرعية المصرية”.

وحيث إن ما ينعاه المدعى بصفته على النص المطعون فيه من إخلاله بمبدأ المساواة، تأسيسًا على أنه قد مايز بين المسجد والكنيسة فى شأن وجوب شهر الإشهاد على الوقف، فاشترطه بالنسبة للكنيسة دون المسجد، على الرغم من أن كليهما من دور العبادة، التى يتعين التماثل فيما بينهما من حيث الأحكام المطبقة على كل منهما، فمردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءًا بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم، فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة، التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى الحقوق التى يكفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققًا للمصلحة العامة. وأن مبدأ المساواة أمام القانون يفترض عملاً يخل بالحماية القانونية المتكافئة، إذا كان منسوبًا إلى الدولة سواء من خــــلال سلطتها التشريعية أم عن طريق سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أيًّا من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض تغايرًا فى المعاملة، ما لم يكن مبررًا بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التى يتوخاها العمل التشريعى الصادر عنهما. وليس بصحيح القول بأن كل تقسيم تشريعى يعتبر تصنيفًا منافيًا لمبدأ المساواة، بل يتعين دومًا أن يُنظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حــــــــــددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيهــــــــا، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعيتها، واتصال هذه الوسائل منطقيًّا بها. ولا يُتصور بالتالى أن يكون تقييم التقسيم التشريعى منفصلاً عن الأغراض التى يتغياها، بل يرتبط جواز هذا التقسيم بالقيود التى يفرضها الدستور على هذه الأغراض، وبوجود حد أدنى من التوفيق بينها وبين طرائق تحقيقها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد جاء بقاعدة عامة مجردة، ولم يتضمن أية مغايرة فى أحكام الوقف بين المسجد والكنيسة، من حيث وجوب شهر الإشهاد على التصرف بالوقف على أى منها، ولا يقيم تمييزًا بينهما، بل ساوى بينهما فى هذا المجال، ومن ثم يبرأ من قالة الإخلال بمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة (53) من الدستور.

وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أى حكم آخر فى الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الهيئة المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

            أمين السر                               رئيس المحكمة

اترك تعليقاً