رفض دعوى الفصل في دستورية نصوص المواد 3 و 9 من قانون الإجراءات الجنائية و (273 و274) من قانون العقوبات فيما تضمنته من اشتراط تحريك الدعوى الجنائية والتحقيق فيها وتنفيذ العقوبة بشكوى الزوج وقصر مدة الشكوى على ثلاثة أشهر والتمييز في تحريك الدعوى الجنائية بين الزوج والزوجة السابق زناهما .

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر مــــن يناير سنة 2023م، الموافق الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1444 هـ.

برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر                   رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمـــد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا

وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني             نواب رئيس المحكمة

وحضور السيدة المستشار / شيرين حافظ فرهود             رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجي عبد السميع                            أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 26 لسنة 32 قضائية “دستورية”، بعد أن أحالت محكمة البداري الجزئية، بحكمها الصادر بجلسة 17/12/2009، ملف الدعوى رقم 3963 لسنة 2009 جنح البداري

المقامة من

أشرف عبدالحميد محمد حمدان

ضـــد

1- صفـــــــاء أحمد على محمد

2- عبد الظاهر على محمد يوسف

الإجـراءات

بتاريخ الثاني من فبراير سنة 2010، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 3963 لسنة 2009 جنح البداري، بعد أن قضت محكمة البداري الجزئية، بجلسة 17/12/2009، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نصوص المواد (3 و9) من قانون الإجراءات الجنائية، و(273 و274) من قانون العقوبات، فيما تضمنته من اشتراط تحريك الدعوى الجنائية والتحقيق فيها، وتنفيذ العقوبة، بشكوى الزوج، وقصر مدة الشكوى على ثلاثة أشهر، والتمييز في تحريك الدعوى الجنائية بين الزوج والزوجة السابق زناهما.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم باعتبار الخصومة منتهية.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها، ثم أُعيدت إليها الدعوى لاستكمال تحضيرها، فأودعت تقريرًا تكميليًا.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليًّا: باعتبار الخصومة منتهية بشأن الطعن على المادتين (273 و 274) من قانون العقوبات، وعدم قبول الدعوى بالنسبة للمادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية. واحتياطيًّا: برفض الدعوى. وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكــــم الإحالـــــة وســـــائر الأوراق – في أن المدعي، في الدعوى الموضوعية، أقام بطريق الادعاء المباشر الدعوى رقم 3963 لسنة 2009 جنح البداري، ضد المدعى عليهما، طالبًا توقيع العقوبة المنصوص عليها بالمادة (274) من قانون العقوبات، على المدعى عليها الأولى – زوجته – وإلزامها والمدعى عليه الثاني – وكيلها في عقد الزواج – بأن يؤديا إليه مبلغ 51 جنيهًا، على سبيل التعويض المدني المؤقت. على سند من أنه زوج المدعى عليها الأولى بصحيح العقد الشرعي، ودخل بها ولا تزال في عصمته، وقد نُسب إليها أنها بتاريخ 16/2/2009، بدائرة مركز البداري، اعتادت ممارسة الدعارة، وقُضي نهائيًّا بمعاقبتها في الجنحة المستأنفة رقم 1543 لسنة 2009 البداري، بالحبس لمدة ثلاث سنوات مع الشغل وتغريمها ثلاثمائة جنيه، ووضعها تحت مراقبة الشرطة لمدة مساوية لمدة العقوبة، مما حدا به إلى تحريك دعوى زنا ضدها، عملاً بالمادتين (273 و274) من قانون العقوبات. تدوولت الدعوى بالجلسات، ودفع الحاضر عن المدعي عليها الأولى بعدم قبول الدعوى؛ لإقامتها بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على علم المدعي بالواقعة. وإذ تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستورية نصوص المواد (3 و9) من قانون الإجــراءات الجنائية و(273 و274) مــــــن قانــــــون العقوبات، مــــــن تعليق تحريك الدعوى الجنائية عن جريمة زنا المرأة المتزوجة، والتحقيق فيهــــــا على شكوى زوجها، وتخويله الحق فى وقف تنفيذ العقوبة المقضي بها برضائه معاشرتها له، وقصر حق الزوج في تقديم الشكوى على مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر من يوم علمه بالجريمة وبمرتكبها، والتمييز بين الزوج والزوجة في شروط إقامة دعوى زنا أي منهما على الآخر، وذلك لمخالفتها نصوص المواد (2 و8 و9 و11) من دستور 1971 – فقد قضت بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة، للفصل في دستورية النصوص المشار إليها.

وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة، باعتبار الخصومة منتهية، بشأن نص المادتين (273 و274) من قانون العقوبات، لسابقة حسم المحكمة الدستورية العليا المسألة الدستورية المثارة في الدعوى المعروضة، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 3 فبراير سنة 1990، القاضي برفض الدعوى الدستورية رقم 34 لسنة 10 قضائية، فإن هذا الدفع مردود بأن فصل هذه المحكمة في دستورية النصين السالف بيانهما – ضمن نصوص عقابية أخرى – قد اقتصر على بحث مدى اتفاق هذه النصوص مع نص المادة الثانية من دستور سنة 1971، بعد تعديلها بتاريخ 22 مايو سنة 1980، فيما استحدثته من جعل مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. بما مؤداه: أن قضاء هذه المحكمة في تلك الدعوى لا يعتبر مطهرًا لنصي المادتين (273 و274) من قانون العقوبات، مما قد يكون عالقًا بهما من مثالب دستورية أخرى، ولا يحول دون إعادة طرحهما على هذه المحكمة، لأوجه مخالفة أخرى غير ما تقدم، ويضحى الدفع باعتبار الخصومة منتهية في غير محله، متعينًا الالتفات عنه.

وحيث إن المادة (3) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 تنص على أنه ” لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه، أو من وكيله الخاص، إلى النيابة العامة، أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي في الجرائم المنصوص عليها في المواد (185 و274 و277 و279 و292 و293 و303 و306 و307 و308) من قانون العقوبات، وكذلك في الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون.

ولا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”.

وتنص الفقرة الثانية من المادة (9) من القانون ذاته، بعد استبدالها بالقانون رقم 426 لسنة 1954، على أنه” وفي جميع الأحوال التي يشترط القانون فيها لرفع الدعوى الجنائية تقديم شكوى أو الحصول على إذن أو طلب من المجني عليه أو غيره لا يجوز اتخاذ إجراءات التحقيق فيها إلا بعد تقديم هـــــــذه الشكوى أو الحصول على هـــــــذا الإذن أو الطلب ………”.

وتنص المادة (273) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 على أنه ” لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها إلا أنه إذا زنى الزوج في المسكن المقيم فيه مع زوجته كالمبين في المادة (277) لا تسمع دعواه عليها”.

وتنص المادة (274) من القانون ذاته على أن ” المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين لكن لزوجها أن يقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت”.

            وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شــــــــرط لقبولهــــــــا، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها. ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في ذلك النزاع، وأنه لا تلازم بين الإحالة من محكمة الموضوع وتوافر هــــــــذه المصلحة، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النص الذي ثارت بشأنه شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة.

وحيث إن نص الفقرة الثانية من المادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية، فيما تضمنه من عدم جواز اتخاذ إجراءات التحقيق في الدعاوى الجنائية التي يشترط القانون فيها تقديم شكوى، يقتصر حكمها على الدعاوى الجنائية التي تتولاها سلطة التحقيق الابتدائي، دون تلك المقامة بطريق الادعاء المدني المباشر. ولما كانت الدعوى الموضوعية قد أُقيمت بالطريق الأخير، دون تقديم شكوى إلى سلطة التحقيق المختصــــــة، ومن ثم فإن الفصــــل في دستورية النص المشار إليه، لن يكون له انعكاس على النزاع الموضوعي، ويضحى غير لازم للفصل فيه، مما لزامه القضاء بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.

وحيث إن النزاع الموضوعي يدور حول دعوى الزنا التي أقامها المدعي ضد المدعى عليها الأولى – زوجته – عن طريق الادعاء المباشر، بطلب عقابها عن ارتكابها جريمة الزنا، وإلزامها والمدعى عليه الثاني بالتعويض المدني المؤقت، وكانت المدعى عليها المذكورة قد واجهت تلك الدعوى بدفع بعدم قبولها، لانقضاء أكثر من ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها، دون تقديمه الشكوى، وكان تقديم الشكوى في المدة السالف بيانها، شرطًا لمحاكمة الزوجة الزانية، ومعاقبتها بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة، فيما لو أدانتها محكمة الموضوع، وكان للزوج أن يوقف تنفيذ حكم الإدانة برضائه معاشرة المحكوم عليها له كما كانت. ومن ثم فإن الفصل في دستورية الأحكام السالف بيانها، يكون له أثر مباشر وانعكاس أكيد على الفصل في الدعوى الموضوعية، وتنفيد الحكم الصادر فيها بالإدانة – حال إدانتها -، ومن ثم يتحدد نطاق هذه الدعوى في الفصل في دستورية نص المادة (3) من قانون الإجراءات الجنائية في مجال سريانه على صدر المادة (273) من قانون العقوبات، فيما تضمنته من عدم جواز محاكمة الزانية إلا بناءً على دعوى زوجها، وما تضمنه عجز المادة (274) من القانون ذاته، من تخويل زوج الزانية إيقاف تنفيذ حكم إدانتها برضائه معاشرتها له كما كانت، دون سائر ما تضمنته هذه المواد من أحكام أخرى.

وحيث إن حكـــــــم الإحالـــــــة ينعــــــى علـــــــى النصوص التشريعيــــــة السالف بيانها، فيما تضمنته من عدم جواز رفع الدعوى الجنائية على الزوجة الزانية إلا بناءً على شكوى زوجها، خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ علمه بالجريمة وبمرتكبها، ومنح الزوج الحق في وقف تنفيذ العقوبة التي قُضي بها على الزوجة برضائه معاشرتها له كما كانت – إهدارها لقيم ومبادئ المجتمع، ومخالفتها مبادئ الشريعة الإسلامية، التي لا تشترط موافقة الزوج لرفع الدعوى ضد زوجته المتهمة بالزنا، أو تعلق تنفيذ العقوبة على إرادته، وهو ما يقع مخالفًا لنصوص المواد

(2 و8 و9 و11) من دستور 1971، المقابلة لنصوص المواد (2 و9 و10) من الدستور الحالي.

وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها حكم الإحالة للنصوص التشريعية المحالة، تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي. ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشـــــر رقابتهــــــا على النصـــــوص المحالة – التي مازالت سارية ومعمولاً بها – في ضوء أحكام الدستور الحالي.

وحيث إنه عن النعي بمخالفة نص المادة (3) من قانون الإجراءات الجنائية لمبادئ الشريعة الإسلامية، إذ لم يشترط القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، موافقة الزوج على إقامة الدعوى على زوجته الزانية لمعاقبتها عن جريمة من جرائم الحدود، فإن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع – بعد تعديل المادة الثانية من دستور 1971 في 22 مايو 1980 – لا ينصرف سوى إلى التشريعات التي تصدر بعد التاريخ الذي فرض فيه هذا الإلزام، بحيث إذا انطوى أي منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على هذا التاريخ فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً من قبله، أي في وقت لم يكن فيه القيد المتضمن هذا الإلزام قائمًا واجب الإعمال. ومن ثم، فإن هذه التشريعات تكون بمنأى عن هذا القيد، وهو مناط الرقابة الدستورية.

وحيث إنه ترتيبًا على ما تقدم، ولما كان نص المادة (3) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، قد صدر وعُمِل بأحكامه قبل 22/5/1980، في وقت لم يكن فيه هذا القيد قائمًا، ولم يلحقه تعديل بعد هذا التاريخ، فإن النعي عليه بمخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية يكون في غير محله.

وحيث إنه عن النعي بمخالفة النصوص التشريعية التي تحدد بها نطاق الدعوى المعروضة، لأحكام المــــــواد (8 و9 و11) من دستور 1971، المقابلة للمادتين (9 و10) من الدستور الحالي، فإنه مردود بأن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق الــتقاضي – علـــــى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا. وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالهــــا، انحرافًا بها عن أهدافهـــــا، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.

وحيث إن حق التقاضي مكفول للناس كافة، بنص المادة (97) من الدستور، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهـــــم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته، وإن كان ذلك لا يحول بين حق المشرع في أن يفرد تنظيمًا خاصًّا لنظر بعض المنازعات على نحو يتوافق مع طبيعتها، ليقدر لها ما يناسبها من القواعد، على أن يكون ذلك وفق أسس موضوعية مبررة، ومنضبطة، لا تمييز فيهـــــا بين الخصـــــوم أصحـــــاب المراكـــــز القانونية المتكافئة، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرة حق التقاضي، أو عرقلة النفاذ إليه.

وحيث إن القيم الدينيـــــة والخلقيــــة لا تعمل بعيدًا أو انعزالاً عن التقاليد التي تؤمن بها الجماعة، بل تعززها وتزكيها بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها. ومن أجل ذلك جعل الدستور في المادة (10) منه، قوام الأسرة الدين والأخلاق والوطنية، كما جعل الأخلاق والقيم والتقاليد، والحفاظ عليها والتمكين لها، التزامًا على عاتق الدولة بسلطاتها المختلفة، والمجتمع ككل، وغدا ذلك قيدًا على السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تسن تشريعًا يخل بها، ذلك أنه – وفقًا لنص المادة (92) من الدستور- وإن كان الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق والحريات أنها سلطة تقديرية، إلا أن المشرع يلتزم فيما يسنه من قوانين باحترام الأُطر الدستورية لممارسته اختصاصاته، وأن يراعي كذلك أن كل تنظيم للحقوق، لا يجوز أن يصل في منتهاه إلى إهدار هذه الحقوق أو الانتقاص منها، ولا أن يرهق محتواها بقيود لا تكفل فاعليتها.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين دومًا النظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشـــــرع لتحقيـــــــق أغراض يبتغيهــــــا، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعية تلك الأغراض، واتصال هذه الوسائل منطقيًا بها.

إذ كان ما تقدم، وكان المشرع في النصوص المحالة – في جانبهـــــــــا الإجرائي دون الموضوعي – قد راعى ما تتمتع به جريمة زنا الزوجة من خصوصية، وتأثيرها على الزوج والأسرة من ناحية، وعلى المجتمع الذي قوامه الأسرة من ناحية أخرى، فالزنا جريمة يكون ضررها في شيوعها، وعلاجها يحققه الحيلولة دون ذلك، فكان لازمًا أن يكون تحريك الدعوى الجنائية بشأنها محاطًا بإجراءات صارمة، يكون زمامها بيد الزوج المجني عليه – دون غيره – فلا تقام دعوى زنا الزوجة إلا بشكوى زوجها إلى جهات الاستدلال أو التحقيق، أو بإقامة الدعوى بطريق الادعاء المدني المباشر، وحدد لذلك ميعادًا لا تقبل الدعوى بفواته، فلا يجوز تقديم الشكوى بعد انقضاء ثلاثة أشهر من يوم علم الزوج بوقوع الجريمة وبمرتكبها، وهي مدة تكفي ليتخذ فيها المجني عليه قراره – عن بصر وبصيرة – إما بتقديم شكواه، لتنال من أخطأت في حق دينها ومجتمعها وأسرتها جزاءً وفاقًا لفعلتها، أو أن يمسك عن تقديم شكواه، سترًا لنفسه وولده، ودفعًا للزوجة إلى طريق التوبة والهداية، وله أن يولي اعتبارات الصفح والعفو، وستر أسرته، وحاجة ولده المصلحة الفضلى، وذلك حتى الهزيع الأخير من إجراءات الدعوى الجنائية، فيكون للزوج أيضًا أن يوقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها، وإن صارت نهائية أو بدأت المحكوم عليها في التنفيذ، برضائه معاشرتها له كما كانت، ومن ثم يكون المشرع بالنصوص المحالة – في حدود نطاقها المتقدم – قد وازن بين المصلحة المجتمعية في تحقيق الردع العام والخاص من ناحية، ومصلحة الأسرة في استمرارها، بوصفها النواة الأولى للمجتمع من ناحية أخرى، بما يكون معه النعي عليها بمخالفة المادتين (9 و10) من الدستور لا سند له، خليقًا بالرفض.

وحيث إن النصوص التشريعية المحالة – في النطاق السالف تحديــــده – لا تتعارض مع أي حكم آخر في الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

      حكمت المحكمة برفض الدعوى.

اترك تعليقاً