ــــــــــــــــــــ
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع مــــن مايو سنة 2024م، الموافق الخامس والعشرين من شوال سنة 1445هـ.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 196 لسنة 31 قضائية دستورية
المقامة من
سيف الدين عابد علي، عن نفسه، وبصفته الممثل القانوني لشركة الوهبة إيجيبت للصناعات الغذائية
ضد
1- رئيس الجمهوريــــــــــــــــــــــــــة
2- رئيس مجلس الــــــــــوزراء
3- وزيـر التجارة والصناعة
4- وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك
الإجراءات
بتاريخ الرابع عشر من سبتمبر سنة 2009، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة (8) من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن الشركة المدعية أقامت أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 366 لسنة 2009 مدني كلي، ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، وآخر؛ طلبًا للحكم برد رسوم الصادر على سلعة الأرز المحصلة منها ومقدارها مليونان وخمسمائة ألف جنيه، والفوائده القانونية وقدرها 4٪ من تاريخ المطالبة حتى السداد، تأسيسًا على أن الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات حصلت رسوم على الرسائل التي صدرتها الشركة من سلعة الأرز، وفقًا لنص المادة (8) من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير. وبجلسة 17/6/2009، دفعت الشركة بعدم دستورية النص السالف البيان، والقرارين رقمي 196 و197 لسنة 2008، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للشركة بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها بموجب نص البند (ب) من المادة (29) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته، وصرحت برفع الدعوى الدستورية بشأنه، وبما لا يجاوز الطلبات الختامية الواردة بصحيفة الدعوى الدستورية أو يتعدى نطاقها. متى كان ذلك، وكانت الشركة المدعية قد ضمنت دفعها بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع قراري وزير التجارة رقمي 196 و197 لسنة 2008، وصرحت لها المحكمة بإقامة الدعوى الدستورية بشأنهما، إلا أن صحيفة الدعوى الدستورية المعروضة لم تتضمن الطعن على دستورية هذين القرارين؛ ومن ثم لا يكون أمر دستوريتهما معروضًا على هذه المحكمة.
وحيث إن المادة (8) من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير تنص على أنه يجوز فرض رسم على بعض الصادرات بما لا يجاوز 100٪ من قيمتها وبما يسمح بتحقيق ربح مناسب للمصدر ولا يسرى الرسم وزيادته على تراخيص التصدير التي سبق منحها قبل تقريره وتحدد بقرار من وزير التجارة السلع التي يسرى عليها هذا الرسم ومقداره وكيفية تحصيله وحالات رده والإعفاء منه كليًّا أو جزئيًّا.
ويجوز بقرار من وزير التجارة أو من يفوضه إلزام المصدر بتقديم ضمان لتنفيذ عمليات التصدير، على أن يشمل القرار بيانًا بنوع الضمان وميعاد رده والحالات التي يجوز فيها مصادرته.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، ولا تتحقق تلك المصلحة إلا باجتماع شرطين، أولهما: أن يقوم الدليل على أن ضررًا واقعيًّا مباشرًا ممكنًا تداركه قد لحق بالمدعي، وثانيهما: أن يكون مرد هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون فيه.
متى كان ما تقدم، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول أحقية الشركة المدعية في استرداد ما سبق تحصيله منها من مبالغ كرسم صادر أرز عن رسائل الأرز التي صدرتها خلال الفترة من شهر نوفمبر 2007 حتى شهر فبراير 2008، تنفيذًا لقراري وزير التجارة الخارجية والصناعة رقمي 718 و503 لسنة 2007، الصادرين إعمالًا لنص المادة (8) من القانون رقم 118 لسنة 1975 السالف البيان؛ ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا النص يكون ذا أثر وانعكاس أكيد على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، تتحقق به المصلحة المباشرة في الدعوى المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة (8) من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير من جواز فرض رسم على بعض الصادرات بما لا يجاوز 100٪ من قيمتها، وتخويل وزير التجارة في تحديد السلع التي يسري عليها هذا الرسم ومقداره.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفته المواد (38 و61 و119 و120 و144) من دستور 1971، المقابلة للمواد (38 و126 و170) من الدستور الحالي، على سند من أن الفريضة المالية الواردة به في حقيقتها ضريبة وليست رسمًا، ذلك أن المبالغ التي تحصل بناء عليها لا يقابلها خدمة، وعلى ذلك كان يتعين أن يصدر بتلك الضريبة قانون يقبض على زمامها، وينظم أوضاعها، بينما فوض النص المطعون وزير التجارة في فرض تلك الضريبة بالمخالفة لأحكام الدستور.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف – أصلًا – صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، تقتضي إخضاع القواعد القانونية جميعها – أيًّا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة، يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. إذ كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها الشركة المدعية إلى النص المطعون فيه، تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان النص المطعون فيه وإن صدر قبل العمل بالدستور القائم، إلا أنه ظل ساريًا ومعمولًا بأحكامه حتى أدركه الدستور القائم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية هذا النص في ضوء أحكام الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إنه عن المناعي التي أثارتها الشركة المدعية، فإنها مردودة؛ ذلك أنه إذا كانت الضرائب والرسوم تعدان من أهم إيرادات الدولة، فإنهما يتمايزان في أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا من المكلفين بأدائها، إسهامًا منهم في الأعباء العامة، ودون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من جراء التحمل بها، في حين أن الرسوم تكون مقابل خدمة محددة يقدمها الشخص العام لمن يطلبها، ودون تلازم بين قدر الرسوم وتكلفة الخدمة، كما يتمايزان في أن الضريبة لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، في حين أن الرسوم يكون إنشاؤها في الحدود التي بينها القانون. بيد أن إيرادات الدولة لا تقتصر على هذين المصدرين فقط، وإنما تمتد إلى غيرهما من المصادر التي أشارت إليها المادة (38) من الدستور القائم، بمسمى التكاليف العامة التي يؤول فرضها إلى متحصل سيادي، يهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، باعتبارها أصلًا مقصودًا من القصود التي عددها الدستور لفرض التكاليف العامة، وينضوي تحت هذا الأصل – في المجال الاقتصادي – دعم التنافسية، وضبط آليات السوق، وتشجيع الاستثمار، ولهذا التكليف الاقتصادي، بخصائصه السالفة، آثار عرضية كثيرًا ما تلازمه، قد يكون منها تنمية موارد أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، إلا أن تلك الآثار لا تخل بالمقومات الدستورية للتكليف العام، ولا تزايل طبيعته، بما مؤداه: أن يكون تمايز التكاليف العامة ذات الطبيعة الاقتصادية عن الضرائب العامة، إنما يتحدد ضابطه في الغرض من فرضها، دون اعتداد بآثاره العرضية، فيما تكون الخدمة المباشرة التي يحصل عليها المكلف بالرسم مقابلًا لنشاط أتاه الشخص العام لمصلحته، هو مناط اختلاف الرسوم عن التكاليف العامة الاقتصادية، التي لا يترتب على فرضها – بحسب الأصل – خدمة مباشرة للمكلف بها، وإن لم يخل فرضها من تحقيق منفعة غير مباشرة يجنيها من يتحمل بعبئها، وذلك كله بمراعاة ما جرى به قضاء هذه المحكمة، من أنها لا تتقيد وهى بصدد رقابتها على دستورية التشريعات بالوصف الذي يخلعه المشرع على القواعد التي يسنها، متى كانت بطبيعتها تتنافى مع هذا الوصف.
وحيث إن المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 118 لسنة 1975، السالف البيان، قد تضمنت أن يكون تنظيم عمليات التصدير بقرار يصدر من وزير التجارة، ويجوز له قصر التصدير على بلاد الاتفاقيات وقصر تصدير المواد الأساسية على جهات القطاع العام، وعلى إطلاق حرية التصدير لمن يكون اسمه مقيدًا في سجل المصدرين. ونظرًا لأن الصالح القومي وضمان تموين البلاد يقتضي حظر أو تقييد تصدير بعض السلع، فقد نصت المادة ….. على أنه يجوز بقرار من وزير التجارة حظر أو تقييد تصدير منتجات جمهورية مصر العربية إلى الخارج، كما حددت المادة ….. الرسم على الصادرات بما لا يجاوز 100٪ من قيمتها بما يسمح بتحقيق ربح مناسب للمصدر، وقد روعي في ذلك: 1- توحيد الأساس في فرض الرسم. 2- تحقيق المرونة وفقًا لظروف المحاصيل سنويًّا وعدم تأثر إنتاجها بتذبذب الأسعار العالمية، وبما يتيح اتباع سياسات تسعير محلية لاستقرار إنتاجها بما يحقق أقصى فائدة للإنتاج القومي. فإن مؤدى ما أوردته المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون، المار بيانها، أن الفرض المالي الوارد بالنص المطعون فيه، قد أوجبته اعتبارات اقتصادية بحتة، لا تُعد تنمية موارد الدولة من الأغراض الأصلية التي توخاها المشرع، ولا يعتبر مقابلًا لخدمة مباشرة يؤديها الشخص الاعتباري العام للمكلف بعبئه، على نحو يخرجه – كلية – عن الطبيعة الدستورية لكل من الضرائب والرسوم، ولزامه عدم خضوعه للأحكام المقررة لأيهما، وإقراره بقواعد خاصة أنبتها الغرض من إقراره، على نحو ما تتأدى إليه أحكام المادة (38) من الدستور القائم.
وحيث إن التكليف العام ذا الطبيعة الاقتصادية، قد أوجب الدستور أن يكون فرضه في حدود القانون، فإن استواءه على قواعد الشرعية الدستورية يقتضي انطواء نص القانون المنظم له على بيان العناصر الأساسية المتعينة لفرضه، بما في ذلك وعاؤه، ومقابله، والمتحمل بعبئه، وتفويض السلطة المختصة في إصدار تشريع لائحي يتضمن الأحكام التفصيلية اللازمة لتنفيذ عناصر التكليف، وتحديد الصلاحيات المخولة لمصدره، الذي ينضبط فيما يقره بالوفاء بالأغراض المشروعة لذلك التكليف، وحاصلها تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية، والتزامه بمعايير النظام الاقتصادي، ودعم الأنشطة الاقتصادية، وما قد تقتضيه في بعض صورها الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية، من طبيعة حمائية لسلع وخدمات بعينها، تستوجب مرونة في التعامل مع أنشطة اقتصادية مستحدثة، ومتغيرات مستمرة في حركة الأسواق في الداخل والخارج، لا يقوى على تلبيتها آنيًا سوى تشريع فرعي، تكفل الدولة بموجبه توفير المناخ الجاذب للاستثمار، وتشجيع التصدير، وتنظيم الاستيراد، بما يكفل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل، وحماية المستهلك، وتأمين المواد الغذائية للمواطنين كافة، وذلك إنفاذًا لما تنص عليه المواد (27 و28 و79) من الدستور.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في النصوص القانونية هو ارتباطها عقلًا بأهدافها، باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها، فمن ثم يتعين لاتفاق التنظيم التشريعي مع الدستور، أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض المشروعة التي اعتنقها المشرع في موضوع محدد، وفاءً لمصلحة عامة لها اعتبارها، وبين الوسائل التي انتهجها طريقًا لبلوغها، فلا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع هذا الموضوع عن أهدافها، بل يتعين أن تكون مدخلًا إليها.
متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد أجاز لوزير التجارة – في نطاق الصادرات التي يرخص بها – إقرار فريضة مالية، تدخل في إطار التكاليف العامة ذات الطابع الاقتصادي، منضبطًا بتحديد المكلف بها ووعاء هذا التكليف ومقداره، بما لا يجاوز 100٪ من قيمتها، وعلى نحو يسمح للمصدر بتحقيق ربح مناسب، مستهدفًا من تلك الفريضة تحقيق التوازن بين مصالح المستهلكين في توفير السلع الأساسية بالأسواق، و تشجيع التصدير، وما يترتب على ذلك من تحقيق أرباح للمصدرين، تؤدى إليهم بالعملات الحرة، تضاف إلى الناتج القومي للبلاد؛ ومن ثم تغدو الفريضة المالية المار ذكرها، قد حققت أهداف التنمية الاقتصادية والمعايير التي يلتزمها النظام الاقتصادي، وتماهت مع ضوابط التكاليف العامة ذات الطابع الاقتصادي؛ الأمر الذي يضحى معه النص المطعون فيه، قد جاء قائمًا على أصوله الدستورية، وبما لا مخالفة فيه لنصوص المواد (38 و126 و170) من الدستور، أو أي نص آخر منه، ليكون القضاء برفض الدعوى متعينًا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات.
أمين السر رئيس المحكمة
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع مــــن مايو سنة 2024م، الموافق الخامس والعشرين من شوال سنة 1445هـ.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 196 لسنة 31 قضائية دستورية
المقامة من
سيف الدين عابد علي، عن نفسه، وبصفته الممثل القانوني لشركة الوهبة إيجيبت للصناعات الغذائية
ضد
1- رئيس الجمهوريــــــــــــــــــــــــــة
2- رئيس مجلس الــــــــــوزراء
3- وزيـر التجارة والصناعة
4- وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك
الإجراءات
بتاريخ الرابع عشر من سبتمبر سنة 2009، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة (8) من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن الشركة المدعية أقامت أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 366 لسنة 2009 مدني كلي، ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، وآخر؛ طلبًا للحكم برد رسوم الصادر على سلعة الأرز المحصلة منها ومقدارها مليونان وخمسمائة ألف جنيه، والفوائده القانونية وقدرها 4٪ من تاريخ المطالبة حتى السداد، تأسيسًا على أن الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات حصلت رسوم على الرسائل التي صدرتها الشركة من سلعة الأرز، وفقًا لنص المادة (8) من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير. وبجلسة 17/6/2009، دفعت الشركة بعدم دستورية النص السالف البيان، والقرارين رقمي 196 و197 لسنة 2008، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للشركة بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها بموجب نص البند (ب) من المادة (29) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته، وصرحت برفع الدعوى الدستورية بشأنه، وبما لا يجاوز الطلبات الختامية الواردة بصحيفة الدعوى الدستورية أو يتعدى نطاقها. متى كان ذلك، وكانت الشركة المدعية قد ضمنت دفعها بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع قراري وزير التجارة رقمي 196 و197 لسنة 2008، وصرحت لها المحكمة بإقامة الدعوى الدستورية بشأنهما، إلا أن صحيفة الدعوى الدستورية المعروضة لم تتضمن الطعن على دستورية هذين القرارين؛ ومن ثم لا يكون أمر دستوريتهما معروضًا على هذه المحكمة.
وحيث إن المادة (8) من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير تنص على أنه يجوز فرض رسم على بعض الصادرات بما لا يجاوز 100٪ من قيمتها وبما يسمح بتحقيق ربح مناسب للمصدر ولا يسرى الرسم وزيادته على تراخيص التصدير التي سبق منحها قبل تقريره وتحدد بقرار من وزير التجارة السلع التي يسرى عليها هذا الرسم ومقداره وكيفية تحصيله وحالات رده والإعفاء منه كليًّا أو جزئيًّا.
ويجوز بقرار من وزير التجارة أو من يفوضه إلزام المصدر بتقديم ضمان لتنفيذ عمليات التصدير، على أن يشمل القرار بيانًا بنوع الضمان وميعاد رده والحالات التي يجوز فيها مصادرته.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، ولا تتحقق تلك المصلحة إلا باجتماع شرطين، أولهما: أن يقوم الدليل على أن ضررًا واقعيًّا مباشرًا ممكنًا تداركه قد لحق بالمدعي، وثانيهما: أن يكون مرد هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون فيه.
متى كان ما تقدم، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول أحقية الشركة المدعية في استرداد ما سبق تحصيله منها من مبالغ كرسم صادر أرز عن رسائل الأرز التي صدرتها خلال الفترة من شهر نوفمبر 2007 حتى شهر فبراير 2008، تنفيذًا لقراري وزير التجارة الخارجية والصناعة رقمي 718 و503 لسنة 2007، الصادرين إعمالًا لنص المادة (8) من القانون رقم 118 لسنة 1975 السالف البيان؛ ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا النص يكون ذا أثر وانعكاس أكيد على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، تتحقق به المصلحة المباشرة في الدعوى المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة (8) من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير من جواز فرض رسم على بعض الصادرات بما لا يجاوز 100٪ من قيمتها، وتخويل وزير التجارة في تحديد السلع التي يسري عليها هذا الرسم ومقداره.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفته المواد (38 و61 و119 و120 و144) من دستور 1971، المقابلة للمواد (38 و126 و170) من الدستور الحالي، على سند من أن الفريضة المالية الواردة به في حقيقتها ضريبة وليست رسمًا، ذلك أن المبالغ التي تحصل بناء عليها لا يقابلها خدمة، وعلى ذلك كان يتعين أن يصدر بتلك الضريبة قانون يقبض على زمامها، وينظم أوضاعها، بينما فوض النص المطعون وزير التجارة في فرض تلك الضريبة بالمخالفة لأحكام الدستور.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف – أصلًا – صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، تقتضي إخضاع القواعد القانونية جميعها – أيًّا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة، يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. إذ كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها الشركة المدعية إلى النص المطعون فيه، تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان النص المطعون فيه وإن صدر قبل العمل بالدستور القائم، إلا أنه ظل ساريًا ومعمولًا بأحكامه حتى أدركه الدستور القائم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية هذا النص في ضوء أحكام الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إنه عن المناعي التي أثارتها الشركة المدعية، فإنها مردودة؛ ذلك أنه إذا كانت الضرائب والرسوم تعدان من أهم إيرادات الدولة، فإنهما يتمايزان في أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا من المكلفين بأدائها، إسهامًا منهم في الأعباء العامة، ودون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من جراء التحمل بها، في حين أن الرسوم تكون مقابل خدمة محددة يقدمها الشخص العام لمن يطلبها، ودون تلازم بين قدر الرسوم وتكلفة الخدمة، كما يتمايزان في أن الضريبة لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، في حين أن الرسوم يكون إنشاؤها في الحدود التي بينها القانون. بيد أن إيرادات الدولة لا تقتصر على هذين المصدرين فقط، وإنما تمتد إلى غيرهما من المصادر التي أشارت إليها المادة (38) من الدستور القائم، بمسمى التكاليف العامة التي يؤول فرضها إلى متحصل سيادي، يهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، باعتبارها أصلًا مقصودًا من القصود التي عددها الدستور لفرض التكاليف العامة، وينضوي تحت هذا الأصل – في المجال الاقتصادي – دعم التنافسية، وضبط آليات السوق، وتشجيع الاستثمار، ولهذا التكليف الاقتصادي، بخصائصه السالفة، آثار عرضية كثيرًا ما تلازمه، قد يكون منها تنمية موارد أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، إلا أن تلك الآثار لا تخل بالمقومات الدستورية للتكليف العام، ولا تزايل طبيعته، بما مؤداه: أن يكون تمايز التكاليف العامة ذات الطبيعة الاقتصادية عن الضرائب العامة، إنما يتحدد ضابطه في الغرض من فرضها، دون اعتداد بآثاره العرضية، فيما تكون الخدمة المباشرة التي يحصل عليها المكلف بالرسم مقابلًا لنشاط أتاه الشخص العام لمصلحته، هو مناط اختلاف الرسوم عن التكاليف العامة الاقتصادية، التي لا يترتب على فرضها – بحسب الأصل – خدمة مباشرة للمكلف بها، وإن لم يخل فرضها من تحقيق منفعة غير مباشرة يجنيها من يتحمل بعبئها، وذلك كله بمراعاة ما جرى به قضاء هذه المحكمة، من أنها لا تتقيد وهى بصدد رقابتها على دستورية التشريعات بالوصف الذي يخلعه المشرع على القواعد التي يسنها، متى كانت بطبيعتها تتنافى مع هذا الوصف.
وحيث إن المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 118 لسنة 1975، السالف البيان، قد تضمنت أن يكون تنظيم عمليات التصدير بقرار يصدر من وزير التجارة، ويجوز له قصر التصدير على بلاد الاتفاقيات وقصر تصدير المواد الأساسية على جهات القطاع العام، وعلى إطلاق حرية التصدير لمن يكون اسمه مقيدًا في سجل المصدرين. ونظرًا لأن الصالح القومي وضمان تموين البلاد يقتضي حظر أو تقييد تصدير بعض السلع، فقد نصت المادة ….. على أنه يجوز بقرار من وزير التجارة حظر أو تقييد تصدير منتجات جمهورية مصر العربية إلى الخارج، كما حددت المادة ….. الرسم على الصادرات بما لا يجاوز 100٪ من قيمتها بما يسمح بتحقيق ربح مناسب للمصدر، وقد روعي في ذلك: 1- توحيد الأساس في فرض الرسم. 2- تحقيق المرونة وفقًا لظروف المحاصيل سنويًّا وعدم تأثر إنتاجها بتذبذب الأسعار العالمية، وبما يتيح اتباع سياسات تسعير محلية لاستقرار إنتاجها بما يحقق أقصى فائدة للإنتاج القومي. فإن مؤدى ما أوردته المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون، المار بيانها، أن الفرض المالي الوارد بالنص المطعون فيه، قد أوجبته اعتبارات اقتصادية بحتة، لا تُعد تنمية موارد الدولة من الأغراض الأصلية التي توخاها المشرع، ولا يعتبر مقابلًا لخدمة مباشرة يؤديها الشخص الاعتباري العام للمكلف بعبئه، على نحو يخرجه – كلية – عن الطبيعة الدستورية لكل من الضرائب والرسوم، ولزامه عدم خضوعه للأحكام المقررة لأيهما، وإقراره بقواعد خاصة أنبتها الغرض من إقراره، على نحو ما تتأدى إليه أحكام المادة (38) من الدستور القائم.
وحيث إن التكليف العام ذا الطبيعة الاقتصادية، قد أوجب الدستور أن يكون فرضه في حدود القانون، فإن استواءه على قواعد الشرعية الدستورية يقتضي انطواء نص القانون المنظم له على بيان العناصر الأساسية المتعينة لفرضه، بما في ذلك وعاؤه، ومقابله، والمتحمل بعبئه، وتفويض السلطة المختصة في إصدار تشريع لائحي يتضمن الأحكام التفصيلية اللازمة لتنفيذ عناصر التكليف، وتحديد الصلاحيات المخولة لمصدره، الذي ينضبط فيما يقره بالوفاء بالأغراض المشروعة لذلك التكليف، وحاصلها تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية، والتزامه بمعايير النظام الاقتصادي، ودعم الأنشطة الاقتصادية، وما قد تقتضيه في بعض صورها الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية، من طبيعة حمائية لسلع وخدمات بعينها، تستوجب مرونة في التعامل مع أنشطة اقتصادية مستحدثة، ومتغيرات مستمرة في حركة الأسواق في الداخل والخارج، لا يقوى على تلبيتها آنيًا سوى تشريع فرعي، تكفل الدولة بموجبه توفير المناخ الجاذب للاستثمار، وتشجيع التصدير، وتنظيم الاستيراد، بما يكفل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل، وحماية المستهلك، وتأمين المواد الغذائية للمواطنين كافة، وذلك إنفاذًا لما تنص عليه المواد (27 و28 و79) من الدستور.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في النصوص القانونية هو ارتباطها عقلًا بأهدافها، باعتبارها وسائل صاغها المشرع لتحقيقها، فمن ثم يتعين لاتفاق التنظيم التشريعي مع الدستور، أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض المشروعة التي اعتنقها المشرع في موضوع محدد، وفاءً لمصلحة عامة لها اعتبارها، وبين الوسائل التي انتهجها طريقًا لبلوغها، فلا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع هذا الموضوع عن أهدافها، بل يتعين أن تكون مدخلًا إليها.
متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد أجاز لوزير التجارة – في نطاق الصادرات التي يرخص بها – إقرار فريضة مالية، تدخل في إطار التكاليف العامة ذات الطابع الاقتصادي، منضبطًا بتحديد المكلف بها ووعاء هذا التكليف ومقداره، بما لا يجاوز 100٪ من قيمتها، وعلى نحو يسمح للمصدر بتحقيق ربح مناسب، مستهدفًا من تلك الفريضة تحقيق التوازن بين مصالح المستهلكين في توفير السلع الأساسية بالأسواق، و تشجيع التصدير، وما يترتب على ذلك من تحقيق أرباح للمصدرين، تؤدى إليهم بالعملات الحرة، تضاف إلى الناتج القومي للبلاد؛ ومن ثم تغدو الفريضة المالية المار ذكرها، قد حققت أهداف التنمية الاقتصادية والمعايير التي يلتزمها النظام الاقتصادي، وتماهت مع ضوابط التكاليف العامة ذات الطابع الاقتصادي؛ الأمر الذي يضحى معه النص المطعون فيه، قد جاء قائمًا على أصوله الدستورية، وبما لا مخالفة فيه لنصوص المواد (38 و126 و170) من الدستور، أو أي نص آخر منه، ليكون القضاء برفض الدعوى متعينًا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات.
أمين السر رئيس المحكمة