المحكمة الدستورية العليا رقم ۲۱ لسنة ۳٦
المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ : ۸ / ٥ / ۲۰۲٤
حكمت المحكمة الدستورية العليا برفض طلب الحكم في الفصل في دستورية ما تضمنه البند(2) من الفقرة الثالثة من المادة (105)من قانون التأمين الإجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 25 لسنة 1977,من إشتراط أن يكون الزواج بالمؤمن عليه أو صاحب المعاش قد استمر لمدة لاتقل عن عشرين عاماً لاستحقاق المطلقة المعاش .
ــــــــــــــــــــ
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع مــــن مايو سنة 2024م، الموافق الخامس والعشرين من شوال سنة 1445هـ.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجاروالدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 21 لسنة 36 قضائية دستورية، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية العليا بحكمها الصادر بجلسة 1/7/2012، ملف الطعن رقم 17741 لسنة 51 قضائية عليا
المقام من
فوزية أحمد السيد
ضد
رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي
الإجـراءات
بتاريخ الحادي عشر من فبراير سنة 2014، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الطعن رقــــم 17741 لسنة 51 قضائية عليا، بعد أن قضت المحكمة الإداريـــــة العليـــــا بجلستهـــــا المعقـــودة في 1/7/2012، بوقف الفصـــــل فـــــي الطعـــــن وإحالـــــة الأوراق إلى المحكمـــــة الدستورية العليا؛ للفصل فــي دستوريـة ما تضمنه البند (2) من الفقرة الثالثة من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 25 لسنة 1977، من اشتراط أن يكون الزواج بالمؤمن عليه أو صاحب المعاش قد استمر مدة لا تقل عن عشرين عامًا لاستحقاق المطلقة المعاش.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها، ونفاذًا لقرار المحكمة الصادر بجلسة 2/1/2016، أودعت تقريرًا تكميليًّا بالرأي.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت الهيئة المدعى عليها مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكـــم الإحالـــة وســـائـــر الأوراق – في أن المدعية أقامت أمام محكمة القضاء الإداري بأسيوط، الدعوى رقم 1438 لسنة 11 قضائية، ضد الهيئة المدعى عليها، طالبة الحكم بأحقيتها في صرف المعاش المستحق لها عن مطلقها الذي توفي بتاريخ 19/10/1995، باعتبارها من ورثته الشرعيين، مع صرف المتجمد من هذا المعاش، والاستمرار في الصرف حتى يسقط عنها الحق قانونًا، وقالت بيانًا لدعواها، إنها تزوجت من محمد أحمد بدران بموجب عقد زواج مؤرخ 1/4/1992، وظلت ترعاه في مرضه حتى فوجئت بطلاقه لها طلقة بائنة على الإبراء، بإشهاد طلاق مؤرخ 7/10/1995، وتوفي زوجها بعد طلاقها باثني عشر يومًا. وإذ تقدمت المدعية إلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي لصرف معاشها، فرفض طلبها؛ فتظلمت المدعية، ورفض تظلمها؛ فأقامت دعواها. وبجلسة 27/4/2005، حكمت المحكمة برفض الدعوى. طعنت المدعية على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 17741 لسنة 51 قضائية عليا، وإذ تراءى للمحكمة أن البند (2) من الفقرة الثالثة من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي مشوبة بعوار دستوري، فيما تضمنته لاستحقاق المطلقة معاشًا عن مطلقها أن يكون قد مضى على زواجها به، سواء كان مؤمنًا عليه أو صاحب معاش، مدة لا تقل عن عشرين عامًا، لتقيم بذلك تفرقة تحكمية بين المطلقات، أساسها عدد سنين الزواج، حال توافر باقي شروط استحقاق المعاش الأخرى، رغم حاجة المطلقة لمصدر للإنفاق على نفسها، أيًّا كان عدد سنوات الزواج، لا سيما إذا كان الطلاق قد تم رغم إرادتها، مما يتنافى مع القيم العليا التي أعلتها الدساتير، ويخالف مبدأ المساواة؛ فقضت بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية ما تضمنه البند (2) من الفقرة الثالثة من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 25 لسنة 1977، من اشتراطها أن يكون الزواج بالمؤمن عليه أو صاحب المعاش قد استمر مدة لا تقل عن عشرين عامًا لاستحقاق المطلقة المعاش.
وحيث إن المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 وتعديلاته، مقروءة في ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 123 لسنة 19 قضائية دستورية، تنص على أنه يشترط لاستحقاق الأرملة أو المطلقة أن يكون الزواج موثقًا أو ثابتًا بحكم قضائي نهائي، ولوزير التأمينات بقرار يصدره تحديد مستندات أخرى لإثبات الزواج في بعض الحالات التي يتعذر فيها الإثبات بالوسائل سالفة الذكر.
ويشترط بالنسبة للمطلقة ما يأتي:
1- أن يكون قد طلقها رغم إرادتها.
2- أن يكون زواجها بالمؤمن عليه أو صاحب المعاش قد استمر مدة لا تقل عن عشرين سنة.
3- ألا تكون بعد طلاقها من المؤمن عليه أو صاحب المعاش قد تزوجت من غيره.
4- ألا يكون لديها دخل من أي نوع يعادل قيمة استحقاقها في المعاش أو يزيد عليه فإذا كان الدخل يقل عما تستحقه من معاش يربط لها معاش بمقدار الفرق، على أنه إذا كانت قيمة كل من الدخل والمعاش تقل عن ثلاثين جنيهًا فيربط لها من المعاش بالقدر الذي لا يجاوز معه قيمة الدخل والمعاش معًا هذا الحد، وفى جميع الأحوال يرد الباقي على الأرملة في حالة وجودها وإذا لم توجد فيرد على الأولاد.
وحيث إن المصلحة في الدعــــــوى الدستوريــــــة، وهى شــــــرط لقبولهــــــا، مناطها – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع.
متى كان ذلك، وكانت رحى الخصومة الموضوعية تدور حول طلب المدعية صرف معاش عن مطلقها، وكان الشرط الذي تضمنه البند رقم (2) من الفقرة الثالثة من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، المعدل بالقانون رقم 25 لسنة 1977، بوجوب استمرار الزواج بالمؤمن عليه أو صاحب المعاش مدة لا تقل عن عشرين سنة، هو ما يحول دون إجابتها إلى طلبها في الدعوى الموضوعية، لافتقادها الشرط السالف البيان؛ ومن ثم يكون للقضاء في دستورية هذا النص أثره وانعكاسه الأكيد على النزاع الموضوعي، ويتحدد نطاق هذه الدعوى فيما تضمنه البند رقم (2) من الفقرة الثالثة من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 25 لسنة 1977، من اشتراط أن يكون الزواج بالمؤمن عليه أو صاحب المعاش قد استمر مدة لا تقل عن عشرين سنة لاستحقاق المطلقة المعاش. ولا ينال من توافر المصلحة في الدعوى المعروضة إلغاء النص المحال بالقانون رقم 117 لسنة 2015، والذي ألغى حالة المطلقة
من بين حالات استحقاق المعاش عن مطلقها المؤمن عليه أو صاحب المعاش، وما تلاه من إلغاء قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه، بموجب القانون رقم 148 لسنة 2019، بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات، إذ إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا أحل المشرع محلها قاعدة أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من المراكز القانونية في ظل العمل بالقاعدة القانونية القديمة، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع نشأ في ظل العمل بأحكام النص التشريعي المحال، وجرت آثاره خلال فترة نفاذ ذلك النص، قبل استبداله؛ فمن ثم فإنه يظل محكومًا به وحده.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، إذ إن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، بحسبانها أسمى القواعد الآمرة التي تعلو ما دونها من تشريعات؛ ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات – أيًّا كان تاريخ العمل بها- لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية.
متى كان ذلك، وكان النص المحال قد استمر العمل بأحكامه بعد صدور الدستور الحالي حتى ألغي بالقانون رقم 117 لسنة 2015، وكانت المناعي التي أثارها حكم الإحالة على النص المحال تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي؛ ومن ثم تباشر المحكمة رقابتها القضائية على دستورية النص المحال في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن الدساتير المصرية على تعاقبها قد حرصت على النص على التضامن الاجتماعي، باعتباره ركيزة أساسية لبناء المجتمع، وواحدًا من الضمانات الجوهرية التي ينبغي أن ينعم بها أفراده، وهو ما أكدت عليه المادة (8) من الدستور القائم، التي ألزمت الدولة بتوفير سبل التضامن والتكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون. وفي سبيل تحقيق ذلك، ألزمت المادة (17) من الدستور الدولة بكفالة توفير خدمات التأمين الاجتماعي، وحق كل مواطن في الضمان الاجتماعي، إذا لم يكن متمتعًا بنظام التأمين الاجتماعي، بما يضمن له ولأسرته الحياة الكريمة، وتأمينه ضد مخاطر حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة، باعتبار أن مظلة التأمين الاجتماعي التي يحدد المشرع نطاقها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – هي التي تكفل بمداها واقعًا أفضل، يؤمن المواطن في غده، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع، بما مؤداه: أن المزايا التأمينية هي
– في حقيقتها – ضرورة اجتماعية بقدر ما هي ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها في مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم، وهي معانٍ استلهمها الدستور القائم بربطه الرفاهية والنمو الاقتصادي بالعدالة الاجتماعية، حين أكد في المادة (27) منه أن النظام الاقتصادي يهدف إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر.
وحيث إن الدستور وإن جعل بمقتضى نص المادة (17) منه توفير خدمات التأمين والضمان الاجتماعي التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، ليكون الوفاء بها، بحسب الأصل، من خلالها، بيد أن التزامها في هذا الشأن بأن تكفل لمواطنيها ظروفًا أفضل في مجال التأمين والضمان الاجتماعي، لا يعني أن تنفرد وحدها بصون متطلباتها، ولا أن تتحمل دون غيرها بأعبائها، وإلا كان ذلك تقويضًا لركائز التضامن الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور وقد ناط بالدولة أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية والاجتماعية، أضفى حماية خاصة لأموال التأمينات والمعاشات، بحسبانها، وعوائدها، حقًّا للمستفيدين منها، وإن اعتبر أموالها أموالًا خاصة، إلا أنها تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال العامة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدولة القانونية، طبقًا لنص المادة (94) من الدستور الحالي، هي التي تتوافر لكل مواطن في كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، وتنظيم السلطة وممارستها في إطار من المشروعية، وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته، لتصبح القاعدة القانونية محورًا لكل تنظيم، وحدًّا لكل سلطة ورادعًا ضد العدوان عليها، وكان الأصل في كل تنظيم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، ويتعين دومًا لضمان اتفاق هذا التنظيم مع الدستور، أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض المشروعة التي اعتنقها المشرع في موضوع محدد، وفاء بمصلحة عامة لها اعتبارها، والوسائل التي اتخذها طريقًا لبلوغها، فلا تنفصل النصوص القانونية التي تنظم بها هذا الموضوع عن أهدافها، بل يجب أن تُعد مدخلًا إليها.
وحيث إن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (٤) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (٥٣) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفي الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تُعامَل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية؛ ومن ثمَّ لا ينطوي على مخالفة لنص المادتين ( ٤ و٥٣) من الدستور، بما مؤداه: أن التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم.
وحيث إن النص المحال وقد قرر للمطلقة استحقاقًا في معاش مطلقها، وفقًا لضوابط أوردها، وشروط حددها، يلزم توافرها جميعًا، بالرغم من انفصام عرى الزوجية؛ فقد كان ذلك مراعاة لفئة من المطلقات، ارتأى المشرع بما له من سلطة تقديرية، أنها أمضت سنين عديدة في رعاية مطلقها قبل أن تنفصم عرى الزوجية بينهما، وبعد أن بلغت – في غالب الأحوال – سنًا لا يتيسر معه أن تجد من يكفل لها الحياة الكريمة، وبهذه المثابة، فإن عناصر مركزها القانوني – قبل العمل بقانون الضمان الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 2010، الذي كفل للمطلقة الحصول على معاش الضمان الاجتماعي وفقًا للمادة (4) منه – تتكافأ مع المركز القانوني لأرملة صاحب المعاش أو المؤمن عليه، على نحو ما يستصحب من أحكام الفقرة الأولى من المادة (105) والمادة (113) من قانون التأمين الاجتماعي والجدول رقم (3) الملحق به، ويكون النص المحال محققًا في الوقت ذاته التضامن الاجتماعي الذي اعتبره الدستور بمقتضى المادة (8) منه أساسًا لبناء المجتمع، وجعل تحقيقه واجبًا على الدولة، وداخلًا بما قرره من أحكام في إطار سلطة المشرع في تنظيم الحق في التأمين والضمان الاجتماعي، وبيان قواعد تحديد المرتبات والمعاشات طبقًا لنص المادة (128) من الدستور، دون المساس بأصل الحق أو جوهره، بحسبانه القيد العام الضابط لسلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق والحريات الذي قررته المادة (92) من الدستور.
وحيث إن المشرع – فضلًا عما تقدم – قد أجرى موازنة بين تقرير معاش محدد لفئة محددة من المطلقات، وحماية باقي المستحقين، وبحسبان التوسع في دائرة المطلقات المستفيدات من معاش مطلقيهن، فيه تضييق وانتقاص من حقوق باقي المستحقين؛ الأمر الذي يغدو معه النعي على النص المحال – محددًا نطاقًا على نحو ما سلف – بمخالفة مبادئ العدالة الاجتماعية والتضامن الاجتماعي والمساواة لا سند له، خليقًا برفضه.
وحيث إن النص المحال لا يتعارض مع أحكام الدستور من أوجه أخرى؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.
أمين السر رئيس المحكمة
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع مــــن مايو سنة 2024م، الموافق الخامس والعشرين من شوال سنة 1445هـ.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجاروالدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 21 لسنة 36 قضائية دستورية، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية العليا بحكمها الصادر بجلسة 1/7/2012، ملف الطعن رقم 17741 لسنة 51 قضائية عليا
المقام من
فوزية أحمد السيد
ضد
رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي
الإجـراءات
بتاريخ الحادي عشر من فبراير سنة 2014، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الطعن رقــــم 17741 لسنة 51 قضائية عليا، بعد أن قضت المحكمة الإداريـــــة العليـــــا بجلستهـــــا المعقـــودة في 1/7/2012، بوقف الفصـــــل فـــــي الطعـــــن وإحالـــــة الأوراق إلى المحكمـــــة الدستورية العليا؛ للفصل فــي دستوريـة ما تضمنه البند (2) من الفقرة الثالثة من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 25 لسنة 1977، من اشتراط أن يكون الزواج بالمؤمن عليه أو صاحب المعاش قد استمر مدة لا تقل عن عشرين عامًا لاستحقاق المطلقة المعاش.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها، ونفاذًا لقرار المحكمة الصادر بجلسة 2/1/2016، أودعت تقريرًا تكميليًّا بالرأي.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت الهيئة المدعى عليها مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكـــم الإحالـــة وســـائـــر الأوراق – في أن المدعية أقامت أمام محكمة القضاء الإداري بأسيوط، الدعوى رقم 1438 لسنة 11 قضائية، ضد الهيئة المدعى عليها، طالبة الحكم بأحقيتها في صرف المعاش المستحق لها عن مطلقها الذي توفي بتاريخ 19/10/1995، باعتبارها من ورثته الشرعيين، مع صرف المتجمد من هذا المعاش، والاستمرار في الصرف حتى يسقط عنها الحق قانونًا، وقالت بيانًا لدعواها، إنها تزوجت من محمد أحمد بدران بموجب عقد زواج مؤرخ 1/4/1992، وظلت ترعاه في مرضه حتى فوجئت بطلاقه لها طلقة بائنة على الإبراء، بإشهاد طلاق مؤرخ 7/10/1995، وتوفي زوجها بعد طلاقها باثني عشر يومًا. وإذ تقدمت المدعية إلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي لصرف معاشها، فرفض طلبها؛ فتظلمت المدعية، ورفض تظلمها؛ فأقامت دعواها. وبجلسة 27/4/2005، حكمت المحكمة برفض الدعوى. طعنت المدعية على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 17741 لسنة 51 قضائية عليا، وإذ تراءى للمحكمة أن البند (2) من الفقرة الثالثة من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي مشوبة بعوار دستوري، فيما تضمنته لاستحقاق المطلقة معاشًا عن مطلقها أن يكون قد مضى على زواجها به، سواء كان مؤمنًا عليه أو صاحب معاش، مدة لا تقل عن عشرين عامًا، لتقيم بذلك تفرقة تحكمية بين المطلقات، أساسها عدد سنين الزواج، حال توافر باقي شروط استحقاق المعاش الأخرى، رغم حاجة المطلقة لمصدر للإنفاق على نفسها، أيًّا كان عدد سنوات الزواج، لا سيما إذا كان الطلاق قد تم رغم إرادتها، مما يتنافى مع القيم العليا التي أعلتها الدساتير، ويخالف مبدأ المساواة؛ فقضت بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية ما تضمنه البند (2) من الفقرة الثالثة من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 25 لسنة 1977، من اشتراطها أن يكون الزواج بالمؤمن عليه أو صاحب المعاش قد استمر مدة لا تقل عن عشرين عامًا لاستحقاق المطلقة المعاش.
وحيث إن المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 وتعديلاته، مقروءة في ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 123 لسنة 19 قضائية دستورية، تنص على أنه يشترط لاستحقاق الأرملة أو المطلقة أن يكون الزواج موثقًا أو ثابتًا بحكم قضائي نهائي، ولوزير التأمينات بقرار يصدره تحديد مستندات أخرى لإثبات الزواج في بعض الحالات التي يتعذر فيها الإثبات بالوسائل سالفة الذكر.
ويشترط بالنسبة للمطلقة ما يأتي:
1- أن يكون قد طلقها رغم إرادتها.
2- أن يكون زواجها بالمؤمن عليه أو صاحب المعاش قد استمر مدة لا تقل عن عشرين سنة.
3- ألا تكون بعد طلاقها من المؤمن عليه أو صاحب المعاش قد تزوجت من غيره.
4- ألا يكون لديها دخل من أي نوع يعادل قيمة استحقاقها في المعاش أو يزيد عليه فإذا كان الدخل يقل عما تستحقه من معاش يربط لها معاش بمقدار الفرق، على أنه إذا كانت قيمة كل من الدخل والمعاش تقل عن ثلاثين جنيهًا فيربط لها من المعاش بالقدر الذي لا يجاوز معه قيمة الدخل والمعاش معًا هذا الحد، وفى جميع الأحوال يرد الباقي على الأرملة في حالة وجودها وإذا لم توجد فيرد على الأولاد.
وحيث إن المصلحة في الدعــــــوى الدستوريــــــة، وهى شــــــرط لقبولهــــــا، مناطها – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع.
متى كان ذلك، وكانت رحى الخصومة الموضوعية تدور حول طلب المدعية صرف معاش عن مطلقها، وكان الشرط الذي تضمنه البند رقم (2) من الفقرة الثالثة من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، المعدل بالقانون رقم 25 لسنة 1977، بوجوب استمرار الزواج بالمؤمن عليه أو صاحب المعاش مدة لا تقل عن عشرين سنة، هو ما يحول دون إجابتها إلى طلبها في الدعوى الموضوعية، لافتقادها الشرط السالف البيان؛ ومن ثم يكون للقضاء في دستورية هذا النص أثره وانعكاسه الأكيد على النزاع الموضوعي، ويتحدد نطاق هذه الدعوى فيما تضمنه البند رقم (2) من الفقرة الثالثة من المادة (105) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 25 لسنة 1977، من اشتراط أن يكون الزواج بالمؤمن عليه أو صاحب المعاش قد استمر مدة لا تقل عن عشرين سنة لاستحقاق المطلقة المعاش. ولا ينال من توافر المصلحة في الدعوى المعروضة إلغاء النص المحال بالقانون رقم 117 لسنة 2015، والذي ألغى حالة المطلقة
من بين حالات استحقاق المعاش عن مطلقها المؤمن عليه أو صاحب المعاش، وما تلاه من إلغاء قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه، بموجب القانون رقم 148 لسنة 2019، بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات، إذ إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا أحل المشرع محلها قاعدة أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من المراكز القانونية في ظل العمل بالقاعدة القانونية القديمة، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع نشأ في ظل العمل بأحكام النص التشريعي المحال، وجرت آثاره خلال فترة نفاذ ذلك النص، قبل استبداله؛ فمن ثم فإنه يظل محكومًا به وحده.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، إذ إن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، بحسبانها أسمى القواعد الآمرة التي تعلو ما دونها من تشريعات؛ ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات – أيًّا كان تاريخ العمل بها- لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية.
متى كان ذلك، وكان النص المحال قد استمر العمل بأحكامه بعد صدور الدستور الحالي حتى ألغي بالقانون رقم 117 لسنة 2015، وكانت المناعي التي أثارها حكم الإحالة على النص المحال تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي؛ ومن ثم تباشر المحكمة رقابتها القضائية على دستورية النص المحال في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن الدساتير المصرية على تعاقبها قد حرصت على النص على التضامن الاجتماعي، باعتباره ركيزة أساسية لبناء المجتمع، وواحدًا من الضمانات الجوهرية التي ينبغي أن ينعم بها أفراده، وهو ما أكدت عليه المادة (8) من الدستور القائم، التي ألزمت الدولة بتوفير سبل التضامن والتكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون. وفي سبيل تحقيق ذلك، ألزمت المادة (17) من الدستور الدولة بكفالة توفير خدمات التأمين الاجتماعي، وحق كل مواطن في الضمان الاجتماعي، إذا لم يكن متمتعًا بنظام التأمين الاجتماعي، بما يضمن له ولأسرته الحياة الكريمة، وتأمينه ضد مخاطر حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة، باعتبار أن مظلة التأمين الاجتماعي التي يحدد المشرع نطاقها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – هي التي تكفل بمداها واقعًا أفضل، يؤمن المواطن في غده، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع، بما مؤداه: أن المزايا التأمينية هي
– في حقيقتها – ضرورة اجتماعية بقدر ما هي ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها في مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم، وهي معانٍ استلهمها الدستور القائم بربطه الرفاهية والنمو الاقتصادي بالعدالة الاجتماعية، حين أكد في المادة (27) منه أن النظام الاقتصادي يهدف إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر.
وحيث إن الدستور وإن جعل بمقتضى نص المادة (17) منه توفير خدمات التأمين والضمان الاجتماعي التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، ليكون الوفاء بها، بحسب الأصل، من خلالها، بيد أن التزامها في هذا الشأن بأن تكفل لمواطنيها ظروفًا أفضل في مجال التأمين والضمان الاجتماعي، لا يعني أن تنفرد وحدها بصون متطلباتها، ولا أن تتحمل دون غيرها بأعبائها، وإلا كان ذلك تقويضًا لركائز التضامن الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور وقد ناط بالدولة أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية والاجتماعية، أضفى حماية خاصة لأموال التأمينات والمعاشات، بحسبانها، وعوائدها، حقًّا للمستفيدين منها، وإن اعتبر أموالها أموالًا خاصة، إلا أنها تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال العامة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدولة القانونية، طبقًا لنص المادة (94) من الدستور الحالي، هي التي تتوافر لكل مواطن في كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، وتنظيم السلطة وممارستها في إطار من المشروعية، وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته، لتصبح القاعدة القانونية محورًا لكل تنظيم، وحدًّا لكل سلطة ورادعًا ضد العدوان عليها، وكان الأصل في كل تنظيم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، ويتعين دومًا لضمان اتفاق هذا التنظيم مع الدستور، أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض المشروعة التي اعتنقها المشرع في موضوع محدد، وفاء بمصلحة عامة لها اعتبارها، والوسائل التي اتخذها طريقًا لبلوغها، فلا تنفصل النصوص القانونية التي تنظم بها هذا الموضوع عن أهدافها، بل يجب أن تُعد مدخلًا إليها.
وحيث إن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (٤) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (٥٣) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفي الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تُعامَل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية؛ ومن ثمَّ لا ينطوي على مخالفة لنص المادتين ( ٤ و٥٣) من الدستور، بما مؤداه: أن التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم.
وحيث إن النص المحال وقد قرر للمطلقة استحقاقًا في معاش مطلقها، وفقًا لضوابط أوردها، وشروط حددها، يلزم توافرها جميعًا، بالرغم من انفصام عرى الزوجية؛ فقد كان ذلك مراعاة لفئة من المطلقات، ارتأى المشرع بما له من سلطة تقديرية، أنها أمضت سنين عديدة في رعاية مطلقها قبل أن تنفصم عرى الزوجية بينهما، وبعد أن بلغت – في غالب الأحوال – سنًا لا يتيسر معه أن تجد من يكفل لها الحياة الكريمة، وبهذه المثابة، فإن عناصر مركزها القانوني – قبل العمل بقانون الضمان الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 2010، الذي كفل للمطلقة الحصول على معاش الضمان الاجتماعي وفقًا للمادة (4) منه – تتكافأ مع المركز القانوني لأرملة صاحب المعاش أو المؤمن عليه، على نحو ما يستصحب من أحكام الفقرة الأولى من المادة (105) والمادة (113) من قانون التأمين الاجتماعي والجدول رقم (3) الملحق به، ويكون النص المحال محققًا في الوقت ذاته التضامن الاجتماعي الذي اعتبره الدستور بمقتضى المادة (8) منه أساسًا لبناء المجتمع، وجعل تحقيقه واجبًا على الدولة، وداخلًا بما قرره من أحكام في إطار سلطة المشرع في تنظيم الحق في التأمين والضمان الاجتماعي، وبيان قواعد تحديد المرتبات والمعاشات طبقًا لنص المادة (128) من الدستور، دون المساس بأصل الحق أو جوهره، بحسبانه القيد العام الضابط لسلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق والحريات الذي قررته المادة (92) من الدستور.
وحيث إن المشرع – فضلًا عما تقدم – قد أجرى موازنة بين تقرير معاش محدد لفئة محددة من المطلقات، وحماية باقي المستحقين، وبحسبان التوسع في دائرة المطلقات المستفيدات من معاش مطلقيهن، فيه تضييق وانتقاص من حقوق باقي المستحقين؛ الأمر الذي يغدو معه النعي على النص المحال – محددًا نطاقًا على نحو ما سلف – بمخالفة مبادئ العدالة الاجتماعية والتضامن الاجتماعي والمساواة لا سند له، خليقًا برفضه.
وحيث إن النص المحال لا يتعارض مع أحكام الدستور من أوجه أخرى؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.
أمين السر رئيس المحكمة