الطعن رقم ٤۷٥ لسنة ۳٦ ق
جلسة ٥ / ٦ / ۱۹٦۷ – دائرة الاثنين (ج)
عمل. “أجر إعانة غلاء المعيشة. كادر علاوات”. قانون. “سريانه من حيث الزمان”. “القانون الوقتي”. “الجهل بالقانون وبالواقع”. جريمة.
(أ) متى يكون الأجر شاملاً لإعانة غلاء المعيشة في حكم الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942؟ إذا كان لا يقل عن الأجر المقرر في الأوامر التالية للأمر المذكور.
(ب) عدم التزام صاحب العمل قانونا بوضع كادر للعلاوات. حقه في إعتبار كل زيادة في الأجر إعانة غلاء وليست علاوة دورية.
(ج) الاتفاق بين صاحب العمل وعماله حول إعانة الغلاء. مشروعيته: إذا كان لا يخالف النظام العام.
(د) سريان الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 على جميع العمال الذين عينوا من 30 يونيه سنة 1941 سابقا كان التعيين أو لاحقا لسريان الأمر المذكور ونفاذه.
(هـ) القانون الذي يسري لفترة محددة، وجوب تضمنه نصا صريحا بذلك. التحديد الضمني لا يكفي. مثال في القوانين والقرارات الخاصة بالتموين والتسعيرة الجبرية والأوامر العسكرية التي تصدر لمناسبة الأحكام العرفية.
(و) الجهل بقاعدة قانونية مقررة والواقع معا. اعتباره في جملته جهلاً بالواقع.
(ز) جريمة عدم صرف صاحب العمل إعانة غلاء المعيشة لعماله. ماهيتها؟ عمدية.
1 – إذا كان لا نزاع في أن العمال المدعين بالحق المدني قد استخدمهم المتهمان في 13 أكتوبر سنة 1944 وبعده – وقد أثبت الخبير في تقريره أن أجورهم لا تقل عن الأجور المقررة في الأوامر التالية للأمر رقم 358 سنة 1942 – فإنه بذلك يكون الأجر شاملاً لعلاوة الغلاء.
2 – ليس في القوانين ما يلزم صاحب العمل بوضع كادر للعلاوات لعماله – وأن من حق صاحب العمل أن يعتبر كل زيادة في الأجر إعانة غلاء وليست علاوة دورية.
3 – الاتفاق المبرم بين صاحب العمل وفريق من عماله على أنهم لا يستحقون قبله أية فروق معيشة وفق المقرر بالأمر العسكري رقم 99 سنة 1955 وذلك بالتطبيق للمادة الثالثة من الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 ليس فيه ما يخالف النظام العام ما دام أن الحكم قد خلص إلى أن العمال معينون بعد 30 يونيه لسنة 1941 وأن تقدير أجورهم روعي فيه حالة الغلاء – وأن ما يتقاضونه من أجر لا يقل بل يزيد عما يتقاضاه العمال الذين يشتغلون في نفس أعمالهم وأن كافة الزيادات التي كانت تطرأ على أجورهم منذ التحاقهم بالعمل هي في حقيقتها علاوة غلاء معيشة.
4 – يسري نص المادة الثالثة من الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 على جميع العمال الذين عينوا بعد 30 يونيه سنة 1941 أيا ما كان تاريخ تعيينهم سابقا أو لاحقا لتاريخ سريان هذا الأمر ونفاذه.
5 – من المقرر أن التشريع الصادر لفترة محددة ينبغي أن يتضمن تحديدا صريحا لها. فلا يكفي أن يكون التحديد ضمنيا مستفادا من ظروف وضع التشريع وملابساته. وقد جرى قضاء النقض على هذا النظر وذلك بالنسبة إلى الأوامر العسكرية التي تصدر لمناسبة الأحكام العرفية فعدها غير محددة المدة ولا جائزا إبطال العمل بها إلا بناءً على قانون يصدر بإلغائها – وكذلك الشأن في قوانين التسعيرة والقوانين والقرارات التموينية فاعتبرها غير محددة المدة ما لم تتضمن تحديدًا صريحًا لها – وإذ ما كان الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 قد خلا مما يدل على أنه محدد المدة فإنه يندرج تحت هذا الحكم.
6 – الدعوى بجهل مركب من جهل بقاعدة مقررة في الأمر العسكري 358 لسنة 1942 والواقع في وقت واحد – يجب قانونا في المسائل الجنائية اعتباره في جملته جهلاً بالواقع.
7 – جريمة عدم صرف إعانة غلاء المعيشة للعمال جريمة عمدية تتطلب توجيه إرادة الفاعل إلى ارتكاب الأمر المكون للجريمة عالما بعناصرها القانونية.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 20 من يناير سنة 1954 بدائرة قسم الأزبكية: لم يقوما بصرف إعانات علاوة الغلاء لعمال محلهما وادعى كل من: (1) رجب أمين و(2) عباس مفتاح و(3) أمين عبد الرحمن و(4) خفاجي فريح و(5) محمد حسن و(6) عبد العزيز رفاعي و(7) ورداني حسن و(8) عبد الحكيم عبد الرحيم و(9) فرغلي عبد الوهاب و(10) محمد عبد الوهاب و(11) علي حسن و(12) علي عبد العال و(13) رمضان عبد العال و(14) علي محمود و(15) عبده يونس و(16) أبو المحاسن رفاعي و(17) عيد حسن و(18) مصطفى علي بحق مدني قبل المتهمين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة الأزبكية الجزئية قضت حضوريا عملاً بمواد الاتهام برفض الدعوى المدنية بالنسبة إلى رجب أمين وعباس مفتاح وأمين عبد الرحمن وخفاجي فريح ومحمد حسن وعبد العزيز رفاعي وورداني حسن مع إلزام هؤلاء بمصاريفها المدنية وإلزام المتهمين بأن يدفعا لباقي المدعين بالحق المدني وهم عبد الحكيم عبد الرحيم وفرغلي عبد الوهاب ومحمد عبد الوهاب وعلي حسن وعلي عبد العال وعلي محمود وعبده يونس وأبو المحاسن رفاعي وعيد حسن ومصطفى علي مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع إلزام المتهمين بمصاريف الدعوى المدنية المناسبة وبتغريم كل من المتهمين ألف قرش وإلزامهما بصرف فروق أجور وعلاوات العمال المقررة بالفقرة الثانية من تقرير الخبير. فاستأنف المتهمان هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية – بهيئة إستئنافية – قضت حضوريا بقبول الإستئناف شكلا، وفي الموضوع برفضه، وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض. وبتاريخ 6 من نوفمبر سنة 1961 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، وإحالة القضية إلى محكمة القاهرة لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى وإلزام المطعون ضدهم المصاريف. ومحكمة القاهرة الإبتدائية – بهيئة إستئنافية أخرى – قضت حضوريا بقبول الإستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه، وتأييد الحكم المستأنف، وألزمت المستأنفين المصاريف الإستئنافية. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية. وبتاريخ 30 مايو سنة 1966 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة 13/ 6/ 1966 لنظر الموضوع وعلى النيابة إعلان الخبير سيد إبراهيم مفتاح بمكتب خبراء وزارة العدل وإشعار المطعون ضدهم والتحري عن ورثة عيد حسن وإشعارهم.
المحكمة
حيث إن وقائع الدعوى – كما يبين من الاطلاع على أوراقها – تخلص في أن النيابة العامة أقمت الدعوى الجنائية ضد المستأنفين لأنهما في يوم 30 يناير سنة 1954 بدائرة قسم الأزبكية لم يقوما بصرف إعانات الغلاء لعمالهما وطلبت عقابهما طبقا للأمر العسكري رقم 99 لسنة 1950. وادعى هؤلاء العمال بمبلغ قرش واحد على سبيل التعويض وقد ندبت محكمة أول درجة خبيرا في الدعوى لأداء المأمورية المبينة في الحكم الصادر بندبه فقدم تقريرا انتهى فيه إلى أن المتهمين لم ينفذا الأمر العسكري رقم 99 لسنة 1950 على كل العمال حسب التفصيل الوارد بجدول الأجور التي أثبتها في تقريره. وقد حكمت محكمة أول درجة بتغريم كل من المستأنفين عشرة جنيهات مع إلزامهما بصرف فرق أجور العلاوات على النحو المبين بتقرير الخبير للعمال المبينة أسماؤهم فيه.
وحيث إن دفاع المستأنفين قام على أن أجور العمال الذين يعملون عندهما تفوق مثيلاتها في نفس الصناعة لدى أصحاب الأعمال الآخرين وأنهما إستنادا إلى المادة 3 من الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 – والتي نص الأمر العسكري رقم 99 لسنة 1950 في المادة السابعة منه على استمرار سريان أحكامها – قد صرفا إلى عمالها إعانة الغلاء المستحقة لهم على أساس نصف الفئات المقررة بهذا الأمر، إذ روعي في أجورهم حالة غلاء المعيشة وأن تلك الأجور لا تقل عما يمنح لأمثالهم في نفس العمل، وعابا على تقرير الخبير أنه لم يعن بالرجوع إلى مستوى الأجور في نفس العمل عند أصحاب الأعمال الآخرين وأنه فسر المادة 3 من الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 على أنها لا تسري إلا على العمال الذين عينوا في الفترة بين أول يوليه سنة 1941 و9 ديسمبر سنة 1942 وهو تاريخ نفاذ هذا الأمر، مع أن أحكام هذا الأمر تسري على كل من يعين من العمال بعد 9 ديسمبر سنة 1942 كما أخذا على الخبير إحتسابه الزيادات التي حصل عليها العمال باعتبارها علاوة عادية في حين أنها إعانة منحت لهم لمواجهة الزيادة الفعلية في نفقات المعيشة – وقررا أنه بتاريخ 8 سبتمبر سنة 1960 تصالح المدعون بالحق المدني فيما عدا من استقال منهم – وأقروا بحصولهم على إعانة الغلاء طبقا للقانون وتعهدوا بعدم تنفيذ الحكم الصادر لمصلحتهم. وهو صلح ليس فيه ما يخالف النظام العام ما دامت إعانة الغلاء المتصالح عليها مطابقة للقانون على أساس التفسير الصحيح للمادة 3 من الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942. وانتهى المستأنفان إلى طلب إلغاء الحكم المستأنف وبراءتهم مما أسند إليهم وإلزام المدعين بالمصاريف المدنية.
وحيث إن الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 الصادر في 9 ديسمبر سنة 1942 نص في ديباجته على أن أحكامه صدرت “نظرا لارتفاع نفقات المعيشة تبعا لزيادة أسعار الحاجات الضرورية وما تتطلبه من ضرورة توفير مورد للعامل لمواجهة هذه الحالة بحيث توفر له القدر اللازم للمعيشة في أدنى الحدود المستطاعة” كما نص في المادة الأولى منه على أنه “يجب على أصحاب المحال الصناعية والتجارية أن يصرفوا للعمال الذين يشتغلون في هذه المحال إعانة غلاء المعيشة فوق مرتباتهم أو أجورهم بحيث لا تقل عن الفئات التي قررتها الحكومة لموظفيها وعمالها، والمبين بالجدول المرافق لهذا الأمر”. ونص في المادة الثانية على أنه “يتخذ أساسا لتحديد العلاوة الأجر الذي يتناوله العامل وقت صدور هذا الأمر ويدخل في حساب الأجر ما يكون قد منح له بصفة علاوة عادية ولكنه لا يشمل ما منح للعامل بصفة علاوة غلاء” ونص في المادة الثالثة على أنه “يمنح العمال الذين عينوا بعد 30 يونيه سنة 1941 إعانة غلاء المعيشة على أساس نصف الفئات المقررة بهذا الأمر إذا تبين أنه قد روعي في تحديد أجورهم حالة غلاء المعيشة على ألا يقل ما يمنحونه من أجر وإعانة غلاء عما يمنح لأمثالهم في نفس العمل”. كما نص في المادة السابعة على كيفية إثبات الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا الأمر ونص في المادة الثامنة على العقوبة المقررة على مخالفة أحكامه والقرارات المنفذة له. ونص في المادة التاسعة على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية وأن لوزير الشئون الاجتماعية إصدار القرارات اللازمة لتنفيذه.
وحيث إن المادة الثالثة من هذا الأمر بنصها المتقدم إنما تسري على جميع العمال الذي عينوا بعد 30 يونيه سنة 1941 أيا ما كان تاريخ تعيينهم سابقا أو لاحقا لتاريخ سريان هذا الأمر ونفاذه وذلك للأسباب الآتية: (أولاً) أن مؤدى القول بأن هذه المادة لا تعالج إلا الحالات السابقة على نفاذ هذا الأمر والتي جاءت تالية لآخر يونيه سنة 1941، أن يكون هذا الأمر قد تضمن تشريعا صادرا لفترة محددة وهو ما يتنافى مع ما هو مقرر من أن التشريع الصادر لفترة محددة ينبغي أن يتضمن تحديدا صريحا لها، فلا يكفي أن يكون التحديد ضمنيا مستفادا من ظروف وضع التشريع وملابساته. وقد جرى قضاء النقض على هذا النظر وذلك بالنسبة إلى الأوامر العسكرية التي تصدر لمناسبة الأحكام العرفية فعدها غير محددة المدة ولا جائزا إبطال العمل بها إلا بناءً على قانون يصدر بإلغائها، وكذلك الشأن في قوانين التسعيرة والقوانين والقرارات التموينية فاعتبرها غير محددة المدة ما لم تتضمن تحديدا صريحا لها، وإذ ما كان الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 قد خلا مما يدل على أنه محدد المدة فإنه يندرج تحت هذا الحكم. (ثانيا): أنه لم يصدر قانون بإلغاء المادة الثالثة من الأمر 358 لسنة 1942 بل على العكس من ذلك صدرت الأوامر 548 في 19 ديسمبر سنة 1944، 102 لسنة 1945، 99 لسنة 1950، وقد تضمنت ديباجتها نفس ديباجة الأمر 358 لسنة 1942 ونص في كل من تلك الأوامر على سريان الأحكام الأخرى في الأمر 358 سنة 1942 والتي لا تتعارض مع نصوص كل من هذه الأوامر. (ثالثًا) أن البيان المفسر للأمر رقم 99 لسنة 1950 والذي تقدمت به الحكومة أمام اللجنة المالية بمجلس الشيوخ واعتبرته بيانا تفسيريا ملزما قرر في ديباجته – “أنه يراعي في تفسير الأمر رقم 99 لسنة 1950 الخاص بزيادة إعانة غلاء المعيشة لموظفي ومستخدمي وعمال المحال الصناعية والمحال التجارية، القواعد الآتية….”. ثم ذكر البيان تحت البند العاشر “نص الأمر العسكري الجديد في المادة السابعة منه على سريان بعض الأحكام المقررة في الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 ومن بينها المادة الثالثة (ثم أورد نصها) وبناءً على ذلك يكون لأصحاب الأعمال حق تطبيق المادة المذكورة متى توافرت أركانها وشروطها”.
وحيث إنه لا نزاع في أن العمال المدعين بالحقوق المدنية قد استخدمهما المتهمان في 13 أكتوبر سنة 1944 وبعده، وقد أثبت الخبير في تقريره أن أجورهم لا تقل عن الأجور المقررة في الأوامر التالية للأمر 358 لسنة 1942، وبذلك يكون هذا الأجر شاملاً لعلاوة الغلاء. أما ما ذهب إليه الخبير من أن الزيادات في الأجر التي منحها المتهمان للعمال هي علاوات دورية وليست إعانة غلاء فمردود بأنه ليس في قوانين العمل ما يلزم صاحب العمل بوضع كادر للعلاوات لعماله، وأن من حق صاحب العمل أن يعتبر كل زيادة في الأجر إعانة غلاء وليست علاوة دورية. ومن ثم فإن من حق المتهمين اعتبارها كذلك، ويكون قد روعي في تحديد أجور العمال وقت تعيينهم حالة غلاء المعيشة. ولما كان الخبير لم يورد في تقريره أن ما منح لهم من أجر وإعانة غلاء يقل عما منح لأمثالهم في نفس العمل أو أن ظروفهم تختلف مع ظروف أقرانهم. فإنه يكون من حق المتهمين تطبيق المادة الثالثة من الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 التي استبقتها الأوامر التالية لصدوره ومن بينها الأمر 99 لسنة 1950 لتوافر شروطه
وحيث إن الاتفاق المبرم – بين العمال المدعين بالحقوق المدنية وبين المتهمين بتاريخ 8 سبتمبر سنة 1960 والثابت التاريخ في 10 سبتمبر سنة 1960 برقم 5344 المقدم من المستأنفين – قد نص في البند التمهيدي منه على أن “أفراد الطرف الثاني (العمال)” يقرون بأن أجورهم التي يتقاضونها من الطرف الأول (المستأنفين) شاملة إعانة غلاء المعيشة القانونية وبأنهم لا يستحقون قبل الطرف الأول أية فروق غلاء معيشة من أي نوع كان وبأن الطرف الأول كان من حقه دائما أن يدفع لهم نصف فئات غلاء المعيشة المقررة بالأمر العسكري رقم 99 لسنة 1950، وذلك بالتطبيق لنص المادة 3 من الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 وذلك لأنهم معينون بعد 30 يونيه سنة 1941 ولأن تقدير أجورهم روعي فيه حالة الغلاء ولأن ما يتقاضونه من أجر لا يقل بل يزيد عما يتقاضاه العمال الذين يشتغلون في نفس أعمالهم. كما يقرون بأن كافة الزيادات التي كانت تطرأ على أجورهم منذ التحاقهم بالعمل هي في حقيقتها علاوات غلاء معيشة ومع إقرار الطرف الثاني جميعهم بما تقدم فإنهم قد تقدموا إلى الطرف الأول لما عهدوه فيه كصاحب عمل من رعاية لهم وحدب عليهم طالبين إبرام هذا التصالح وفقا للشروط الواردة به” ثم تنازل العمال في البند الأول من هذا الاتفاق عن الحكم الابتدائي الصادر لمصلحتهم في الجنحة رقم 1314 لسنة 1954 جنح الأزبكية والمؤيد استئنافيا بالحكم الصادر في القضية رقم 5031 لسنة 1959 جنح استئناف مصر وقالوا: “إن هذا التنازل البات يتضمن كافة ما يرتبه الحكمان المذكوران للطرف الثاني من حقوق قبل الطرف الأول سواء في ذلك التعويض المؤقت المقضي به وقدره قرش صاغ واحد، أو فروق غلاء المعيشة التي قرر الخبير المنتدب في الدعوى باستحقاقهم لها وقضى الحكم الجزئي بصرفها لهم”.
وحيث إن هذا الاتفاق ليس فيه ما يخالف النظام العام بعد أن انتهت هذه المحكمة إلى تفسير المادة الثالثة من الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 وأن من حق المستأنفين احتساب الزيادة في الأجر إعانة غلاء وليست علاوة دورية وذلك على الوجه المتقدم.
وحيث إنه فضلا عن ذلك، فإن الجريمة المسندة إلى المتهمين هي جريمة عمدية تتطلب توجبه إرادة الفاعل إلى ارتكاب الأمر المكون للجريمة عالما بعناصرها القانونية. وهو ما لم يقدم الاتهام دليلاً عليه بل إن الأوراق تنفيه إذ يبين من الاطلاع على أوراق الدعوى ومذكرات الخصوم فيها واتفاق الصلح المقدم من المدعين بالحقوق المدنية أن المستأنفين لم يتعمدا عدم دفع فروق إعانة الغلاء إلى العمال بل إن الخلاف بينهم كان يدور حول تفسير المادة الثالثة من الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 وهل يستحق هؤلاء العمال نصف إعانة الغلاء على أساسه على اعتبار أنه صدر لفترة محددة تنتهي بتاريخ نفاذه، أو أنهم يستحقون إعانة غلاء كاملة على أساس أنه غير مقيد بفترة محددة – كما كان يدور الخلاف أيضا حول حق المتهمين في إحتساب الزيادة في الأجور التي منحها المتهمان لهم إعانة غلاء أو علاوة دورية. وقد أقر العمال في اتفاق الصلح أن المتهمين لم يتعمدا عدم منحهم فروق إعانة الغلاء بل أقروا أنهم استولوا عليها طبقا للقانون وأنه كان من حق المتهمين دائما أن يدفعا لهم نصف فئات غلاء المعيشة المقررة بالأمر 99 لسنة 1950 وذلك بالتطبيق لنص المادة الثالثة من الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 – وهو التفسير الذي انتهت إليه المحكمة وجاء مؤيدا لوجهة نظر المتهمين، وفضلاً عما تقدم فإن تأويل المتهمين (باعتبارهما صاحبي عمل) لنص المادة الثالثة من الأمر 358 لسنة 1942 وهي يسري على العمال الذين عينوا بعد 30 يونيه سنة 1941 حتى 9 ديسمبر سنة 1942 فقط أو أنه غير مقيد بفترة محددة، وهل الزيادة التي أخذها العمال تعتبر إعانة غلاء أو علاوة دورية. كل هذا إنما هو دعوى بجهل مركب من جهل بقاعدة مقررة في هذا الأمر وبالواقع في وقت واحد مما يجب قانونا في المسائل الجنائية اعتباره في جملته جهلاً بالواقع. ودلالة هذا كله تؤدي اتجاه المتهمين إلى الرأي الذي تمسكا به وهو انتفاء القصد الجنائي لديهما فوق دلالته على انتفاء الركن المادي في الجريمة.
وحيث إنه لما تقدم، يكون الحكم المستأنف في غير محله، ويتعين إلغاؤه وبراءة المتهمين من التهمة المسندة إليهما، وذلك عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية مع إلزام المدعين بالحقوق المدنية بمصاريف الدعوى المدنية، وذلك عملاً بالمادة 319 من ذلك القانون.