الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
مقدمة
إذا كان فيلم «الحب في الزنزانة» قد ألقى الضوء على العلاقات العاطفية داخل السجون، ومدى أهميتها بالنسبة للمسجون، فإن فيلماً آخر للفنان الكبير عادل إمام قد أشار إلى موضوع الخلوة الشرعية. ففي أحد مشاهد فيلم «بوبوس»، والذي يجمع بين رجل الأعمال المحبوس محسن هنداوي (عادل إمام) ومأمور السجن والذي كان جالساً في مكتبه، حيث دار بينهما الحوار التالي:
محسن هنداوي: أنا عامل إضراب وبأبلغ حضرتك رسمياً بكده.
مأمور السجن مستغرباً: إضراب..
محسن هنداوي: اشمعنى أنا اللي مش هاعمل إضراب.
مأمور السجن: أي حد بيعمل إضراب بيبقى له طلبات.. إيه اللي ناقصك.
محسن هنداوي: يا سيدي.. الطلبات جاهزة.. ده قانون حق المسجون.. شوف يا سيدي.. أنا معلم عليه بالقلم الأحمر.. من حق أي مسجون متزوج أن يلتقي بزوجته اللقاء الشرعي مرة كل 45 يوم.. يعني 8 مرات في السنة.. انتوا لكم عندي 10 سنين سجن.. أنا لي 80 مرة.. احنا هنقسمهم بقى بدل ما بيقوا 80 مرة على 10 سنين.. نضربهم في شهر واحد ونخلص.. أنا هاروح فين.. ما أنا عندكم.
مأمور السجن: انت بتقول إيه.. ده سجن محترم.. مش شقة مفروشة.
محسن هنداوي: طيب.. أنا بحملكم المسئولية كاملة.. أنا هابلغ جميع جمعيات حقوق الإنسان.. هابلغ جمعيات الدفاع عن سجناء الرأي.. هاوصلها للأمم المتحدة.. هابلغ أوباما شخصياً.. حرام.. حرام عليكم.. أنا باعمل حاجات ما عملتهاش من أيام ما كنت في الإعدادية.. آه.. حرام.. من أيام ما كنت في الإعدادية.. ما كنتش باعمل الحاجات ديه.. كل يوم الصبح.. مش كده.
ورغم أن الفنان عادل إمام أشار في حواره إلى ما أطلق عليه «قانون حقوق المسجون»، مؤكداً أن «من حق أي مسجون متزوج أن يلتقي بزوجته اللقاء الشرعي مرة كل 45 يوم»، فإن هذا القول ليس له ما يدعمه ويفتقر إلى سند أو أساس في القوانين المصرية السارية حالياً، وذلك على الرغم من صدور بعض الفتاوى عن دار الإفتاء المصرية، والتي تؤكد على حق المسجون في الخلوة الشرعية.
أهمية الدراسة
الخلوة الشرعية داخل السجون بين السجناء (رجالاً ونساء)، واحدة من القضايا المثارة من وقت لآخر على ساحة الرأي العام في مصر، ووصلت إلى البرلمان في بعض الدورات التشريعية، ونقابة الأطباء وجمعيات حقوق الإنسان، خصوصاً أن دراسات أكدت أن عدم تمكين السجناء من هذا أدى إلى انتشار عدد كبير من الأمراض الخطيرة داخل السجون مثل الإيدز، نتيجة لانتشار الشذوذ الجنسي بين السجناء. كذلك، تناولت الأفلام السينمائية هذه المشكلة، بهدف تسليط الضوء عليها، وصولاً إلى إيجاد الحلول التشريعية لها.
ويقدر البعض عدد نزلاء السجون أو مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعي المصرية ببضع مئات الآلاف، يبلغ عدد المتزوجين منهم ما يزيد على الثلثين.
ولكل ما سبق، كان من الطبيعي أن يذهب البعض إلى القول إن «الخلوة الشرعية للسجناء قضية رأي عام في مصر» (راجع: جريدة إيلاف الالكترونية، الخميس الموافق 19 مارس 2009م). ومنظوراً إليها باعتبارها قضية رأي عام، فإن الجدل يثور حول إباحة الخلوة الشرعية في السجون أو في مراكز الإصلاح والتأهيل. ويحدث من وقت لآخر أن يتسرب هذا الجدل إلى وسائل الإعلام، وبحيث يحتل مساحة واسعة فيها (راجع: موقع العربية نت، دبي، 8 يوليو 2007م، تحقيق تحت عنوان «جدل حول إباحة الجنس الشرعي بالسجون المصرية بعد انتشار الشذوذ.. سجناء الجماعات الإسلامية ناموا مع زوجاتهم في غرف الزيارة).
خطة الدراسة
لإلقاء الضوء على الموضوع الذي نحن بصدده، وللإحاطة به من جوانبه كافة، نرى من الملائم تقسيم هذه الدراسة إلى مباحث ثلاثة، كما يلي:
المبحث الأول: رأي دار الإفتاء المصرية بشأن الخلوة الشرعية.
المبحث الثاني: الخلوة الشرعية في خطة التشريعات العربية.
المبحث الثالث: ضرورة تقنين الخلوة الشرعية.
المبحث الأول
رأي دار الإفتاء المصرية بشأن الخلوة الشرعية
تمهيد وتقسيم:
بالدخول على الموقع الالكتروني لدار الإفتاء المصرية، بتاريخ الرابع من شهر فبراير 2024م، وبالبحث في الفتاوى الصادرة بشأن «حق المسجون في الخلوة الشرعية»، تبين وجود ثلاثة فتاوى، كلها صادرة عن فضيلة مفتي الديار المصرية الأسبق الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد. وهذه الفتاوى الثلاثة جميعها تؤكد على أنه «ليس هناك مانعٌ شرعيٌّ من خلوة المسجون بزوجته أو العكس» (يمكن الاطلاع على النص الكامل للفتاوى سالفة الذكر ضمن الملحق الوثائقي لهذه الدراسة والوارد في نهاية البحث). ورغم عدم وجودها على الموقع الالكتروني لدار الإفتاء المصرية، يبدو أن مفتي مصر الأسبق الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل قد أصدر فتوى أثناء توليه منصبه، جاء فيها أن القيام بالعلاقة الزوجية حق لا ينبغي أن يحرم منه المسجونون، وأن حرمان المسجون من تحقيق الخلوة الشرعية بزوجته بمثابة عقاب للزوجة التي لم تقترف خطأ يدخلها السجن، ومع ذلك تحرم من حقها الشرعي في العلاقة الطبيعية مع زوجها».
وسنحاول إلقاء الضوء على الأسانيد التي استندت إليها الفتاوى الثلاثة المنشورة على موقع دار الإفتاء، الصادرة عن مفتي الديار المصرية السابق الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد، وذلك على النحو التالي:
مراعاة الإسلام إشباع حاجات الإنسان المادية والروحية
راعى الإسلام إشباع الحاجات المادية والروحية للحفاظ على أمن واستقرار المجتمع، وهذا من مظاهر الوسطية والتوازن في الشريعة الغراء. وقد جعل الشرع الشريف لكل من الزوجين حقوقاً وواجبات تجاه الآخر، ومن هذه الحقوق المعاشرة الزوجية بمعناها الخاص، فذهب جمهور الفقهاء إلى أن من حق الزوجة على زوجها أن يعاشرها مرة في كل طهر أو شهر على الأقل ما لم يكن عذر شرعي يحول بينه وبينها؛ لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 222]. وذهب الإمام الشافعي إلى أن ذلك حق له كسائر الحقوق لا يجب عليه.
وقدر الإمام أحمد بن حنبل زمن وجوب إتيان الزوجة بأربعة أشهر قياساً على الإيلاء الذي قال فيه تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۞ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 226-227]. فإذا كان الزوج في سفر، ولم يكن لديه عذر مانع من رجوعه إلى زوجته، فإن الإمام أحمد ذهب إلى توقيت إتيان الرجل زوجته في هذه الحالة بستة أشهر؛ فقد سئل: كم يغيب الرجل عن زوجته؟ قال: ستة أشهر يكتب إليه، فإن أبى أن يرجع إليها وعجزت هي عن الذهاب إليه مع محرم فرق الحاكم بينهما، وحجته في ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سأل ابنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها: كم تصبر المرأة على زوجها؟ فقالت: خمسة أشهر أو ستة أشهر. فوقَّت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهراً ويقيمون أربعة أشهر ويسيرون راجعين شهراً.
وفي جميع الأحوال، فإنه على الزوج شرعاً أن يحصِّن زوجته ويعفَّها حسب حاجتها في التحصين، وفي ذلك يقول الإمام الغزالي رحمه الله في «إحياء علوم الدين» (2/ 50): [وينبغي أن يأتيها في كل أربع ليالٍ مرةً، فهو أعدل؛ إذ عدد النساء أربعة، فجاز التأخير إلى هذا الحد. نعم، ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها في التحصين؛ فإن تحصينها واجب عليه] اهـ.
ولأهمية هذا الحق جعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات التي يثيب الله عليها، فقال: «وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَة»، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؛ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
عدم جواز حرمان الرجل من زوجته على سبيل التعزيز
نص الفقهاء على أن التعزير يكون بضرب أو صفع أو حبس أو نفي أو قيام من مجلس أو كشف رأس أو تسويد وجه أو حلق رأس لمن يكرهه أو إركاب الحمار منكوساً والدوران به على هذه الهيئة بين الناس أو تهديده بأنواع العقوبات، ولا يجوز التعزير بحلق اللحية أو قطع طرف أو جرح، وحصرهم هذا يبين إجماعهم على عدم جواز حرمان الرجل من أهله على سبيل التعزير.
وعلى ذلك، فليس هناك ما يمنع شرعاً من إجازة التقاء المسجون بزوجته أو العكس، ومدة البعد بين الزوجين التي تبيح طلب التطليق عند تضرر الزوجة هي سنة أو ما زاد عنها طبقاً للمعمول به أمام المحاكم المصرية، وليس هناك تعزير في الشريعة بحرمان الشخص من زوجته، حيث كان ذلك خاصّاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قصة المخلفين.
حرمان الزوجة من معاشرة زوجها السجين يتنافى مع شخصية العقوبة
إن شخصية العقوبة مبدأ من مبادئ الإسلام، فلا يؤخذ شخص بجريرة غيره، مهما كانت القرابة. وفي ذلك، يقول تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [فاطر: 18]. ويقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].
فالعقوبة إذن في الإسلام شخصية لا تتعدى الجاني إلى غيره. ومن ثم، ولما كانت العلاقة الجنسية تفترض وجود شخصين أو طرفين مختلفين، لذا فإن حرمان الزوجة من المعاشرة الجنسية مع زوجها السجين يتنافى مع مبدأ شخصية العقوبة. فالخلوة حقٌّ مشتركٌ بين الزوجين.
تنظيم الخلوة الشرعية راجع إلى ولي الأمر
رغم أن الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء تؤكد على عدم جواز حرمان الزوجة من المعاشرة الجنسية مع زوجها السجين، ورغم أن الفتاوى تؤكد عن عدم جواز حرمان الرجل من زوجته على سبيل التعزير، فإن هذه الفتاوى تؤكد على أن تنظيم الخلوة الشرعية راجع إلى ولي الأمر. بل إن الفتاوى وصلت إلى حد إجازة منع الخلوة الشرعية، بقولها إن «الأمر في ذلك راجع إلى جهة الإدارة لفعل ما تراه صالحاً للمجتمع من المنع أو الإباحة».
وتعليقاً على ذلك، نرى أن ثمة فارق كبير بين التنظيم والمنع. ومع ذلك، يمكن فهم كلمة «المنع» هنا بمعنى المنع في ظروف استثنائية معينة، وليس المنع المطلق.
المبحث الثاني
الخلوة الشرعية في خطة التشريعات العربية
تمهيد وتقسيم:
باستقراء خطة التشريعات العربية في الموضوع الذي نحن بصدده، يبدو سائغاً التمييز بين اتجاهات ثلاثة؛ أولها، يتوسع في تقنين الحق في العلاقة الجنسية الزوجية، مع استخدام مسميات وآليات أكثر إنسانية لاقتضاء المسجون حقه في العلاقة الجنسية مع زوجه. وثانيها، يقتصر على تقرير حق المسجون في الخلوة الشرعية أثناء زيارة الزوج أو الزوجة إلى مكان تنفيذ العقوبة السالبة للحرية. أما ثالثها، فقد ورد خلواً من النص على حق السجين في الخلوة الشرعية. بل إن النصوص ذات الصلة بالزيارة قد توحي بأن هذا الأمر غير مسموح به. وسنحاول إلقاء الضوء على الاتجاهات الثلاثة سالفة الذكر، وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: اتجاه التوسع في تقنين العلاقة الجنسية الزوجية.
المطلب الثاني: اتجاه تقنين الحق في الخلوة الشرعية داخل السجن.
المطلب الثالث: التشريعات الخالية من النص على الخلوة الشرعية.
المطلب الأول
اتجاه التوسع في تقنين العلاقة الجنسية الزوجية
تمهيد وتقسيم:
في المملكة العربية السعودية، وطبقاً للمادة الثانية عشرة من نظام السجن والتوقيف، الصادر المرسوم الملكي رقم م/31 بتاريخ 21/ 6/ 1398ه، «تحدد اللائحة التنفيذية قواعد زيارة المسجونين والموقوفين ومراسلاتهم كما تضع قواعد معاملة الموقوفين وجواز حصولهم على طعام على نفقتهم الخاصة وارتدائهم زيهم الخاص فضلا عما يتقرر لهم من حقوق ومزايا أخرى. ويجوز لوزير الداخلية أن يقرر منح كل أو بعض المزايا المقررة للموقوفين المحكوم عليهم بمدد لا تتجاوز سنة في جرائم لا تتسم بالخطورة». وبناء على التفويض التشريعي الوارد في هذا النص، تضمنت اللائحة التنفيذية والقرارات الوزارية التنفيذية الصادرة عن وزير الداخلية بعض الآليات التي تكفل حق المسجون في العلاقة الجنسية الزوجية، وبحيث يبدو سائغاً القول إن المشرع السعودي يتبنى اتجاه التوسع في تقنين الحق في العلاقة الجنسية الزوجية، مقرراً للمسجون ثلاث آليات مختلفة لاقتضاء هذا الحق، وهي:
زيارة الاختلاء الشرعي داخل السجن:
بموجب المادة الثانية عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام السجن والتوقيف الصادرة بالقرار رقم 3919 تاريخ 22/9/1398هـ، تقرر حق المحكوم عليه بالخلوة الشرعية مرة واحدة بالشهر. كذلك، فإن الفقرة (13) من المادة الأولى من تلك اللائحة والصادرة بالقرار الوزاري رقم (3919) في 22/ 9/ 1398هـ، تتيح للنزلاء الخلوة الشرعية.
وفي تاريخ لاحق، وبعد ثماني سنوات من تطبيق اللائحة، صدر قرار وزارة الداخلية رقم 3517 تاريخ 21/7/1406هـ بالاستمرار في تنفيذ المادة 12 من اللائحة التنفيذية لنظام السجن والتوقيف الصادرة بالقرار رقم 3919 تاريخ 22/9/1398هـ والخاصة بحق المحكوم عليه بالخلوة الشرعية مرة واحدة بالشهر. إذ ينص البند (أولاً) من القرار الوزاري المشار إليه على «استمرار تنفيذ المادة المذكورة التي تعطي للمحكوم والموقوف حق الخلوة الشرعية مرة واحدة في الشهر». ويحدد البند (ثانياً) من القرار الوزاري ذاته الحكم واجب الاتباع في حالة تعدد الزوجات، بنصه على أن «يحق لمن له أكثر من زوجة بالخلوة كل خمسة عشر يوماً بحيث لا يزيد اجتماعه بالواحدة منهن في الشهر عن مرة واحدة».
وسيراً في الاتجاه ذاته، تضمن قرار صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رقم (1745) وتاريخ 17/6/1411هـ أن يتاح للمحكوم عليهم والموقوفين الذين مضى عليهم في السجن ثلاثة أشهر فأكثر فرصة الاختلاء الشرعي بزوجاتهم مرة كل شهر لمدة ثلاث ساعات، مع تخصيص أماكن مناسبة للخلوة الشرعية منفصلة عن أنظار الزوار والمراجعين داخل السجن وتأثيثها بالأثاث المناسب.
إجازة الخلوة الشرعية خارج السجن:
بالإضافة إلى زيارة الاختلاء الشرعي داخل السجن، تضمن القرار الوزاري رقم (1745) وتاريخ 17/ 6/ 1411ه أنه يجوز منح السجين حسن السيرة والسلوك بعد مضي نصف محكوميته التي لا تقل عن سنة واحدة إجازة مدتها أربع وعشرون ساعة خارج السجن لغرض الخلوة الشرعية. وغني عن البيان في هذا الصدد أن أحد أهداف هذه الإجازة هو ربط السجين اجتماعيا بالأسرة والمجتمع.
زيارة اليوم العائلي داخل السجن:
تطبق السجون في المملكة العربية السعودية نظام زيارة اليوم العائلي داخل السجن، حيث تم إنشاء عدد من الوحدات السكنية خصصت لبرنامج زيارة اليوم العائلي مجهزة بكامل الخدمات المنزلية، حيث يستطيع السجين الاجتماع بعائلته كاملة (الزوجة والأولاد) في الوحدة السكنية من الصباح وحتى المساء، وكأنه في منزله([1]).
المطلب الثاني
اتجاه تقنين الحق في الخلوة الشرعية داخل السجن
خلافاً للاتجاه سالف الذكر، تبنت بعض التشريعات العربية اتجاه الاقتصار على تقنين الحق في الخلوة الشرعية داخل السجن. ففي مملكة البحرين، على سبيل المثال، وطبقاً للمادة الثانية والستين من قرار وزير الداخلية رقم 131 لسنة 2015 بشأن اللائحة التنفيذية لقانون مؤسسة الإصلاح والتأهيل الصادر بالقانون رقم 18 لسنة 2014م، «يجوز للنزيل المحكوم عليه بالسجن أو بالحبس لمدة سنة أو أكثر الاختلاء بزوجه الشرعي مرة كل شهر لمدة ثلاث ساعات، بشرط موافقة طبيب المركز والإخصائي الاجتماعي والزوج الشرعي على ذلك، وذلك في مكان منعزل يخصص لهذه الغاية في المركز وتتوافر فيه شروط الخلوة الشرعية، على ألا يترتب على الخلوة الشرعية الإضرار بالأمن العام أو بالصحة العامة داخل المركز. ويضع مدير المؤسسة بقية شروط وضوابط الخلوة الشرعية، كما يضع شروط ومدة وكافة ضوابط الخلوة الشرعية بالنسبة للمحكوم عليهم بالإعدام». وتنص المادة السابعة والثمانون من اللائحة ذاتها على أن «يكون في كل مركز السجلات الآتية بالنسبة للنزلاء والمحبوسين احتياطيًّا: … 27– سجل الخلوة الشرعية».
وفي دولة قطر، ووفقاً للمادة العشرين من اللائحة التنفيذية للقانون رقم (3) لسنة 2009 بتنظيم المؤسسات العقابية والاصلاحية، الصادرة بالقرار الوزاري رقم (11) لسنة 2012م، وتحت عنوان «الزيارة والمراسلة»، «مع مراعاة ما تقضي به المواد (48)، (49)، (50) من القانون، للمحبوس الحق في استقبال الزوار على النحو التالي: … 4– الزيارات الخاصة (الخلوة الشرعية) بواقع أربع زيارات في الشهر». وللتحقق من مدى التزام المؤسسات العقابية والإصلاحية بهذا الحق، تنص المادة الثلاثون من اللائحة ذاتها على أن يُحتفظ في المؤسسة بالسجلات الآتية، ويتولى الضابط الإشراف عليها، ويكون مسئولاً عن استيفاء بياناتها وحفظها: … 9– سجل الزيارات العادية والعائلية والخلوة الشرعية: ويُسجل فيه اسم المحبوس وأسماء الزوار وجنسياتهم، وصلة القرابة، وتاريخ الزيارة، ومدتها».
وفي الاتجاه ذاته، وطبقاً للمادة العشرين من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل الأردني رقم 9 لسنة 2004م، «لكل نزيل محكوم عليه مدة سنة أو أكثر الاختلاء بزوجه الشرعي في مكان في المركز يخصص لهذه الغاية تتوافر فيه شروط الخلوة الشرعية وفق تعليمات يصدرها المدير».
المطلب الثالث
التشريعات الخالية من النص على الخلوة الشرعية
تمهيد وتقسيم:
باستثناء تشريعات الدول العربية سالفة الذكر، تخلو معظم تشريعات الدول العربية من النص على حق السجين في الخلوة الشرعية. وإزاء خلو النصوص القانونية المنظمة للمنشآت العقابية والإصلاحية، فإن التساؤل يثور حول مدى حق المسجون في الخلوة الشرعية، وما إذا كانت القواعد العامة تسمح له بذلك أم لا. وفي الإجابة عن هذا التساؤل، وباستقراء واقع الحال في هذه الدول، يبدو سائغاً التمييز بين طائفتين: الأولى، يسير الواقع العملي بها في اتجاه الإقرار بحق السجين في الخلوة الشرعية. أما الطائفة الثانية، فيبدو فيها الأمر مختلفاً، من خلال التأكيد على عدم وجود مثل هذه الممارسة في الوقت الحالي، بل وإنكار وجود النية نحو الأخذ بها. ولعل ذلك يبدو جلياً من خلال العرض التالي:
تطبيق الخلوة الشرعية بدون نص قانوني
في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالاطلاع على القانون الاتحادي رقم (43) لسنة 1992 بشأن تنظيم المنشآت العقابية، ولائحته التنفيذية، يلاحظ خلو نصوصه من أدنى إشارة إلى الحق في الخلوة الشرعية. إذ تقتصر النصوص القانونية ذات الصلة على تقرير الحق في الزيارة. بيان ذلك أن المادة السابعة عشرة من القانون المشار إليه تنص على أن «يكون للمسجونين من الفئة (أ) ما يأتي: … 3– مقابلة زائريهم ومراسلة من يشاؤون وذلك ما لم يرد بأمر الإيداع ما يمنع ذلك، وتتم الزيارة تحت إشراف ضابط المنشأة أو من ينوب عنه. وتبين اللائحة التنفيذية مناسبات الزيارة والوقت المصرح فيه بها وطريقة قيد أسماء الزائرين…».
ورغم خلو القوانين من النص على الخلوة الشرعية، فإن بعض الأخبار الصحفية القديمة أشارت إلى عزم المنشآت العقابية والاصلاحية على توفير هذا الحق للسجناء. ففي الثاني من شهر سبتمبر سنة 2014م، وعلى صفحات جريدة الإمارات اليوم، ورد الخبر التالي: عقب الانتهاء من أعمال السجن الجديد.. تطبيق «الخلوة الشرعية» في سجون الشارقة قريباً. وفي تفاصيل هذا الخبر، كشف مدير إدارة المنشآت العقابية والإصلاحية في شرطة الشارقة آنذاك، أنه سيطبق، قريباً، نظام الخلوة الشرعية للنزلاء مع أسرهم، بعد الانتهاء من التجهيزات اللازمة للتنفيذ في السجن الجديد الجاري بناؤه، ليكون بديلاً عن السجن الحالي. وأضاف مدير إدارة المنشآت العقابية والإصلاحية أن من المقرر الانتهاء من المرحلة الأولى من السجن الجديد قبل نهاية العام 2014م، وسيكون وفق أفضل المواصفات والمعايير العالمية، المتماشية مع حقوق الإنسان، ويضم مباني مخصصة للخلوة الشرعية للنزلاء مع أسرهم، بها أماكن للعب الأطفال. وأشار مدير إدارة المنشآت العقابية والإصلاحية إلى أن تطبيق الخلوة الشرعية، جاء نتيجة فكرة طرحتها شرطة الشارقة، لما لها من آثار اجتماعية وسلوكية جيدة في أسرة النزيل والنزيل نفسه، وحفاظاً على ترابط الأسر وتماسكها وحماية للمجتمع، موضحاً أن ذلك سيتم وفق ضوابط محددة جارٍ دراستها.
وفي دولة الكويت، وبالاطلاع على القانون رقم 26 لسنة 1962 بتنظيم السجون، نجد أنه قد ورد خلواً من النص على الخلوة الشرعية، وبحيث جاء قاصراً على تقرير الحق في الزيارة العادية. إذ تنص المادة الثلاثون الفقرة الأولى من القانون المشار إليه على أن «يجوز للمسجونين من الفئة أ مقابلة زائريهم ومراسلة من يشاؤون في حدود احكام اللائحة الداخلية، وذلك ما لم يرد بأمر الحبس ما يمنع ذلك ويجب ان تكون الزيارة تحت اشراف ضابط السجن او من ينوب عنه». ورغم خلو القانون الكويتي من أدنى إشارة إلى الخلوة الشرعية، فإن ثمة أخبار صحفية منشورة مؤخراً تفيد باتجاه الحكومة نحو تطبيق نظام الخلوة الشرعية في السجون. ففي خبر منشور في جريدة القبس، بتاريخ الثلاثين من شهر ديسمبر 2020م، تحت عنوان «فندق للخلوة الشرعية في الكويت قريباً»، وردت تفاصيل الخبر على النحو التالي: أخيراً أصبح مطلب الخلوة الشرعية للسجناء بأزواجهم قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ، فبعد سنوات من المطالبة بهذا الحق من قبل نزلاء المؤسسات الإصلاحية والمنظمات والجمعيات الحقوقية في البلاد، باشرت 4 جهات حكومية وخيرية إجراءاتها لإنشاء «بيت العائلة» للموقوفين داخل السجن المركزي حيث سيسمح لهم استقبال عائلاتهم وتوفير الخلوة الشرعية بين الأزواج. وكشف رئيس مجلس إدارة الجمعية الكويتية للأسر المتعففة أن بيت العائلة الذي ستشرف على تنفيذه الجمعية تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع وزارة الداخلية وبتمويل سخيٍّ من الأمانة العامة للأوقاف يهدف لتعزيز المبادئ العامة لحقوق الإنسان، فضلاً عن إصلاح وتهذيب وتقويم سلوك النزلاء والنزيلات على السواء، وذلك مـن خلال تحقيق المناخ العائلي المناسب للنزلاء وأسرهم. وأوضح رئيس مجلس إدارة الجمعية الكويتية للأسر المتعففة أن الجهات الحكومية وعلى رأسها «الداخلية» تسعى من خلال بيت العائلة إلى توفير الأسباب للمِّ شمل الأسرة المكونة من النزيل والمسجون، وصنع الفرصة للأسرة مرة أخرى لتعيش بعض الوقت في جو أسري وعائلي يلتقي فيه الجد والجدة والأم والأب والأبناء والأحفاد في أجواء تسودها المحبة والوئام مع قريبهم أو قريبتهم النزيل أو النزيلة. وأضاف رئيس مجلس إدارة الجمعية الكويتية للأسر المتعففة: إن بيت العائلة سيوفر (الخلوة الشرعية) مع مراعاة الضوابط المحددة بالشريعة الإسلامية، وتوسيع التطبيقات الإنسانية بهذه الإضافة الرائدة في منطقة مجمع السجون بما يتوافق والتوصيات الصادرة عن البروتوكولات والمؤتمرات للهيئات والمنظمات الدولية الحقوقية.
وفي سلطنة عمان، أشارت بعض الأخبار الصحفية إلى حكم قضائي صادر عن القضاء الإداري حول خلوة السجين بزوجته. وتشير تفاصيل الخبر إلى أن الدائرة الاستئنافية بمحكمة القضاء الإداري أصدرت حكماً عُدَّ تاريخياً؛ حيث قضى بأحقية سجين بممارسة حقه الطبيعي في الالتقاء بزوجته لقاء الأزواج داخل السجن وهو ما يعرف بـ «الخلوة الشرعية». وتعود وقائع الحكم إلى أن إحدى الزوجات قامت برفع دعوى ضد شرطة عمان السلطانية، وآخرين، ملتمسة إيجاد حلول بتمكينها من الخلوة الشرعية مع زوجها، المحكوم عليه بأكثر من 10 سنوات، مؤكدة أنها ترفض الطلاق منه. وبدوره، قام الزوج السجين برفع دعوى مماثلة. وبالتوازي مع ذلك، تم تقديم طلب للجنة العمانية لحقوق الإنسان، وطلباً آخر للادعاء العام ولشرطة عمان السلطانية ولوزارة التنمية الاجتماعية، إلا أن هذه الجهات لم ترد على الطلب، مما دفع السجين وزوجته للتظلم وإقامة دعوى أمام القضاء لمخاصمة القرار السلبي كخصومة عينية للقرار دون مصدره. وتستند الدعوى إلى أن اختصاص القضاء الإداري مغاير لاختصاص القضاء العادي؛ لكونه قضاءً إنشائياً وابتداع الحلول وتم الاستناد للآراء الفقهية، وأحكام النظام الأساسي، وحقوق الإنسان، والمعاهدات الدولية، وحقوق المرأة. ولكن، محكمة أول درجة قضت بعدم قبول الدعوى، لانتفاء القرار الإداري لعدم وجود قانون ينظم ذلك. ولما لم يرتض رافع الدعوى الحكم، قام بالطعن عليه بالاستئناف، حيث قضت محكمة الاستئناف بإلغائه والقضاء مجدداً بإلزام الإدارة العامة للسجون، بتهيئة المكان المناسب للسجين للخلوة الشرعية مع زوجته بما يحفظ الكرامة الإنسانية([2]).
الانتقائية في تطبيق الخلوة الشرعية
بالاطلاع على القانون المصري رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون، المعدل اسمه بموجب القانون رقم 14 لسنة 2022م، بحيث غدا اسمه «في شأن تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعي»، نجد أنه قد ورد خلواً من النص على الخلوة الشرعية.
ورغم خلو القانون المصري من نص يقرر حق المسجون في الخلوة الشرعية، فقد شهد العقدين الأخيرين من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين بعض وقائع تطبيق الخلوة الشرعية. وبعبارة أخرى، ورغم الرفض المعلن من وزارة الداخلية، إلا أن الوقائع تؤكد أن الوزارة طبقت هذا الحق بشكل انتقائي داخل السجون. وللتدليل على ذلك، يكفي أن نشير إلى إحدى الوقائع الشهيرة، وهي واقعة زواج الشيخ عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي لتنظيم الجماعة الإسلامية في مستشفى سجن ليمان طره العام 1983م، ويذكر أن زوجة الشيخ أنجبت له ولده عمار أثناء سجنه. بل إن إدارة مصلحة السجون تنظم خلوة شرعية لبعض المساجين السياسيين مع زوجاتهم كمكافأة لهم حال تعاونهم مع السلطات، مثلما حدث بعد مبادرة الجماعة الإسلامية لوقف العنف العام 1997م. وتذكر بعض المصادر أن هذا النظام تم تطبيقه في سجون المنصورة والفيوم ووادي النطرون وطره، ويتم هذا إما في إحدى غرف عنبر مستشفى السجن، إذ توجد غرفة مغلقة يلتقي فيها الزوجان، وإما في خيمة تُقام في نهاية عنبر الزيارة إذ يختلي المسجون بزوجته لمدة محددة، يتبادل بعدها مسجونون آخرون المكان، ويكفي اليوم لستة مساجين للقاء زوجاتهم.
ونتيجة لهذه الانتقائية في تطبيق هذا المبدأ، زادت مطالبة منظمات حقوق السجناء، ومنظمات حقوق الإنسان بضرورة تطبيق هذا المبدأ، وبسرعة إصدار القانون الذي يسمح لكل السجناء بالخلوة الشرعية بنسائهم في السجون، ويعطي الحق نفسه للسجينات في لقاء أزواجهن أسوة بما يحدث في عدد من الدول العربية مثل السعودية والكويت والمغرب وموريتانيا.
ومن ناحية أخرى، ورغبة في الاستفادة من الميزة ذاتها، قام أحد المحامين المشهورين برفع ثلاث دعاوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري نيابة عن ثلاثة من زوجات السجناء السياسيين، يطالب فيها بمنحهن الحق في لقاء أزواجهن في السجون، واستندت هذه الدعاوى إلى الفتوى الدينية الصادرة عن مفتي الديار المصرية الأسبق، الدكتور نصر فريد واصل، وإحدى الفتاوى الثلاث التي أصدرها المفتي السابق الدكتور علي جمعة، والتي تبيح الخلوة الشرعية للسجناء مع زوجاتهم، بل إن الدكتور علي جمعة أباح في فتواه الزواج داخل السجن، واستندت الفتاوى إلى أن العقوبة في الإسلام شخصية لا تتعدى الجاني إلى غيره، وأكدت أن الخلوة بين المسجون وزوجته ليست ترفيهاً بل هي واجب كالصلاة والصيام، لأنها تحقق الغرض من الارتباط بالزواج وهو بناء أسرة سليمة اجتماعياً، ووجود نسل صالح مما يحقق هدفين، الأول هو توبة السجين توبة نصوحاً نظراً لارتباطه بأسرته، وبالتالي سيحرص على عدم العودة للسجن مرة أخرى، والثاني هو الحفاظ على الأسرة من التفكك والانحراف خصوصاً الزوجة الصغيرة.
وساند المجلس القومي لحقوق الإنسان تلك الدعاوى القضائية المطالبة بحق السجناء سواء كانوا رجالاً أم نساء في ممارسة حقهم في الخلوة الشرعية، وهو ما دفع أحد النواب إلى التقدم بمشروع قانون إلى البرلمان (مجلس الشعب آنذاك) للسماح للمسجونين الذين أمضوا أكثر من عام كامل في السجن بخلوة شرعية مع الزوج أو الزوجة في مكان خاص يعد لذلك داخل السجن مرة كل شهر، ووفقاً لضوابط تضعها إدارة السجن، إلا أن وزارة الداخلية المصرية اعترضت على هذا الاقتراح بأن تطبيق هذا المبدأ سيفرغ العقوبة السالبة للحرية من مضمونها الذي يعتمد على الإيلام والحرمان، إضافة إلى صعوبة توفير الأماكن المخصصة لهذه الخلوة، الطريف في الأمر أن وزارة الداخلية ناقشت فكرة تعدد زوجات السجين وتساءلت في ردها على نواب الشعب، هل ستحرص الداخلية على العدل بين الزوجات في هذا الحق؟ أم تترك مسألة العدل للزوج؟
بل إن وزارة الداخلية أكدت مؤخراً عبر وسائل الإعلام توقف ممارسة الخلوة الشرعية في السجون المصرية. إذ أكد أحد المسؤولين بوزارة الداخلية أن السجون خالية من الخلوة الشرعية منذ العام 2005م، لافتاً إلى أنه كانت هناك بعض المحاولات بتوفير خيم خلال زيارة الزوجة، ولكن تم منع هذا الأمر تماماً([3])، وذلك بالرغم من وجود العديد من الفتاوى الشرعية الصادرة عن دار الإفتاء المصرية في هذا الخصوص.
المبحث الثالث
ضرورة تقنين الخلوة الشرعية
تمهيد وتقسيم:
بعد استعراض خطة التشريعات العربية بشأن الخلوة الشرعية، وبعد بيان الاتجاهات التشريعية المختلفة في هذا الشأن، ولما كان فحوى الحرمان في العقوبة السالبة للحرية ينبغي أن يقتصر على حرية الغدو والرواح، دون أن يتعداها إلى غير ذلك من الحقوق والحريات، ما لم تكن هذه الحقوق والحريات مرتبطة على نحو وثيق وغير قابل للانفصال عن حرية الغدو والرواح، لذا نرى من الضروري منح السجناء حق الخلوة الشرعية، مع وضع التنظيم اللازم والمناسب لهذا الحق.
وعلى هذا النحو، تتضح خطة الدراسة في هذا المبحث، كما يلي:
المطلب الأول: الأسباب الداعية إلى تقنين الخلوة الشرعية.
المطلب الثاني: نطاق تطبيق نظام الخلوة الشرعية.
المطلب الثالث: عدد مرات الخلوة الشرعية.
المطلب الرابع: مدة الخلوة الشرعية.
المطلب الخامس: مكان تنفيذ الخلوة الشرعية.
المطلب السادس: مدى جواز الحرمان من الخلوة الشرعية كإجراء تأديبي للمسجون.
المطلب الأول
الأسباب الداعية إلى تقنين الخلوة الشرعية
تمهيد وتقسيم:
تستند الخلوة الشرعية إلى العديد من الضرورات والأسباب الداعية؛ تأهيلية، صحية، نفسية، اجتماعية، كما تستند إلى الاتجاهات الحديثة بشأن فلسفة العقوبة، الأمر الذي يبدو جلياً من خلال العرض التالي:
ضرورة تأهيلية
أصدر مركز ماعت للدراسات الحقوقية في القاهرة دراسة عن تقنين الخلوة الشرعية في ظل السياسات الإصلاحية في السجون المصرية، أكد فيه أن عدم تطبيق هذا النظام في السجون أدى إلى انتشار الشذوذ الجنسي بين السجناء، مما أدى بدوره إلى انتشار أمراض خطيرة بينهم أشهرها الإيدز. واعتبر التقرير إلى أن أحوال السجون في كثير من البلدان العربية، ومنها مصر تفتقر لأدنى المقومات الإنسانية، مما يفقدها دورها الرئيس كمؤسسة للإصلاح والتهذيب. كذلك، حذر تقرير أصدرته لجنه حقوق الإنسان البرلمانية في مجلس الشعب المصري من سوء الأوضاع داخل السجون، وانتشار مرض الإيدز فيها نتيجة للشذوذ الجنسي بين السجناء. وتتفق هذه الدراسات والدراسة التي أجراها من قبل الأستاذ في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتور أحمد المجدوب، أكد فيها أن نسبة الشذوذ في السجون تصل إلى 40% وكذلك دراسة أخرى أجراها الدكتور ظريف شوقي في المركز نفسه، أكدت أن الحرمان الجنسي للمسجونين يدفعهم إلى القيام بسلوكيات شاذة، وقد يُكره المسجون على ممارسة هذه الأفعال في البداية من خلال العنف أو التهديد، ولكنه يقبل عليها بعد ذلك، وتصبح مرضاً متمكناً منه، وأشارت الدراسة إلى أن هذا المرض يزداد بين السجناء بسبب الحرمان من النساء.
ضرورة صحية
في ندوة عقدتها نقابة الأطباء يوم السبت الموافق السابع من شهر يوليو سنة 2007م، تحت عنوان «الرعاية الصحية في السجون – الواقع والمأمول»، قال نقيب الأطباء آنذاك الدكتور حمدي السيد إن حرمان السجناء من العلاقات الجنسية المشروعة أدى إلى انتشار الأمراض بين السجناء، ومنها الإيدز نتيجة لانتشار الشذوذ الجنسي بينهم، مؤكداً أن هذه القضية إنسانية في المقام الأول، وأن النقابة ستظل تطالب بمنح السجين حقه في لقاء زوجته لمنع انتشار الأمراض بين السجناء، خصوصاً أن هناك عدداً كبيراً من الأمراض النفسية والعضوية تنتشر بين السجناء نتيجة لحرمانهم من ممارسة هذا الحق. ولم يكتف نقيب الأطباء المصريين ورئيس اللجنة الصحية بمجلس الشعب آنذاك بذلك، وإنما أثار الجدل مرة أخرى حول السماح بممارسة الخلوة الشرعية داخل السجون باعتباره وقاية صحية ونفسية وجنسية للسجناء وتفعيلا للطب الوقائي لمواجهة الأمراض التي باتت تهدد آلاف المساجين وأبرزها الإيدز بسبب انتشار الممارسات الجنسية الشاذة بينهم. وطالب الدكتور حمدي السيد طالب في الندوة، بضرورة السماح بممارسة العلاقة الزوجية للمسجونين داخل السجون، قائلا: نحن لا نتحدث عن أمور سياسية أو نناقش أسباب الاعتقال، لكننا أمام قضية إنسانية، ونخدم إخواننا في الإنسانية خلف الأسوار، ونقابة الأطباء على استعداد للمساهمة في تقديم المتخصصين وزيارة المسجونين والتطوع لعلاجهم.
ضرورة نفسية
يرى فقهاء علم النفس أن تطبيق الخلوة الشرعية للسجناء داخل السجون ضرورة نفسية، إذ إنه يساعد السجين على الإصلاح، كما أن ممارسة الجنس هي حاجة أساسية للإنسان كالطعام والشراب، وإحساس الإنسان بأنه محروم من ممارسة حقوقه الطبيعية يؤدي إلى عجزه عن التواصل مع الحياة فيما بعد، مما يجعله عرضة للإصابة بالأمراض النفسية ولا يتم إصلاحه على الإطلاق. وبالتالي يفقد السجن أحد أهم أهدافه، كما أنه قد يؤدي إلى إصابة السجين بالأمراض النفسية كالإحباط والاكتئاب، أو إصابته بالأمراض الجنسية المترتبة على الممارسات الشاذة، إضافة إلى انتشار مرض الإيدز، وهذه الآثار لن تصيب السجناء فقط بل إنها ستمتد إلى زوجاتهم، وأضاف أن هذه الخلوة تعتبر حصانة للسجين ولزوجته.
ضرورة اجتماعية
من الناحية الاجتماعية، يرى فقهاء علم الاجتماع ضرورة تطبيق الخلوة الشرعية في السجون، لما في ذلك من آثار اجتماعية جيدة، إذ أنها سيؤدي إلى تقليل معدلات طلاق الزوجات السجناء للضرر الواقع عليهن من السجن أو الاعتقال، وبالتالي ستقل معدلات التفكك الأسري، كذلك ستقل معدلات انحراف الزوجات. ووفقاً لرأي هؤلاء، فإن هذا الحق يعتبر حقاً شرعياً للسجناء، شأنه في ذلك شأن الطعام والشراب. فهل يحرم السجين من الطعام والشراب، حتى نحرمه من هذا الحق؟
ويضيف البعض أن حرمان السجين من الخلوة الشرعية الخلوة الشرعية وإصابته بالتالي ببعض الأمراض الجنسية والنفسية والبدنية الناجمة عن هذا الحرمان من شأنه أن يؤدي إلى فشل السجين في ممارسة حياته الطبيعية بعد الخروج من السجن، كما أن حرمان زوجة السجين من ممارسة حقها الشرعي مع زوجها يدفعها إلى طلب الطلاق، وبالتالي تنهار الأسرة كلها.
ضرورة فطرية
يرى البعض أن انتشار الشذوذ في السجون أمر معروف وليس جديداً، لكنه أقل بين السجينات عنه بين السجناء، لأن الاحتياج الذكوري للجنس أعلى ما بين عشرة وعشرين ضعفاً عن الاحتياج النسائي. وبسبب تدني سقف المستوى الأخلاقي والديني بين بعض المساجين، تحدث الممارسات الشاذة كثيراً جداً خصوصا مع الزحام في العنابر وما يتيحه من التلامس بينهم، وأحياناً يدخل الانسان إلى السجن سليماً ويخرج منه شاذاً جنسياً.
ووفقاً لهذا الرأي، تحدث في سجون النساء أيضا تلك الممارسات الجنسية الشاذة بشكل أقل، لأن الاحتياج عند المرأة هو عاطفي في المقام الأول، لكن ما يحدث أحيانا ان بعض السجينات يقمن بإثارة بعضهن البعض، أي تشجع الواحدة الأخرى على القيام بهذه الممارسة معها. ومن ثم، تنشأ احتمالات انتشار الايدز داخل سجون النساء بفعل هذا الشذوذ الجنسي رغم أنه لا يوجد اتصال جنسي مباشر، لأن الفيروس يتواجد داخل الغشاء المخاطي للقنوات التناسلية ويمكن انتقاله بواسطة الأصابع.
ضرورة شرعية
لكل ما سبق، ولأن القاعدة الشرعية تقول إنه حيثما توجد المصلحة فثم شرع الله، لذا فقد انعقد إجماع الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية على حق المسجون في الاختلاء بزوجته.
ومع ذلك، فإن بعض الفقهاء الشرعيين قد يتحفظون على منح هذه الحقوق الخاصة جداً أثناء فترة السجن، لأنها تعطي الفرصة لكشف العورات. وقد يذهب هؤلاء إلى حد القول إنه لا يوجد أصل في الشريعة الاسلامية يعطي الحق للسجناء لممارسة علاقاتهم الزوجية داخل السجن، ولكن الأمر منضبط بإنسانية الانسان، وأن العلاقة الجنسية الشرعية حق انساني مثل الطعام والشراب. ومع ذلك، يرد الرأي المتحفظ في شأن الخلوة الشرعية على ذلك بالقول إن هذه العلاقة لها قدسيتها. وممارستها داخل السجون في ظل ظروفها الحالية داخل بلاد إسلامية كثيرة، لا تمنع عنها هذه القدسية، وتعطي الفرصة لكشف العورات والأسرار وغير ذلك.
الخلوة وفلسفة العقوبة
قد لا يوافق البعض على الخلوة الشرعية في السجون، مستنداً في ذلك ومفترضاً أن العقوبة لها فلسفة تقوم على الردع والزجر، فإذا حققت مثل هذه الممارسات المتضمنة المتعة والإمتاع، فنحن بالتالي لا نعطي العقوبة فلسفتها المفروضة.
وفي المقابل، هناك أصوات أخرى كثيرة لا توافق على هذا الرأي، وحجتها في ذلك أن العقوبة لا يجب أن تلحق بزوج السجين، وأن إتاحة العلاقة الشرعية صيانة له من السقوط في الشذوذ.
والواقع أن تأهيل المحكوم عليه وإصلاحه يحتل أهمية كبيرة في الوقت الحاضر. وقد حرص المشرع الدستوري المصري على النص صراحة على ذلك. فوفقاً للمادة السادسة والخمسين من الدستور المصري لسنة 2014م، «السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر. وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم». وبدورها، تحظر المادة السابعة والعشرون من الدستور الإيطالي العقوبات المنطوية على معاملة مناقضة للشعور الإنساني، وتوجب أن تتجه المعاملة العقابية إلى إعادة تهذيب المحكوم عليهم. كذلك، فإن المادة الخامسة والعشرين من الدستور الإسباني تنص على ضرورة أن تتجه العقوبات السالبة للحرية إلى إعادة التكييف الاجتماعي للمحكوم عليهم.
وتحرص أغلب التشريعات الجنائية الحديثة على إقرار مبدأ تأهيل المحكوم عليه صراحة. فالمادة السابعة والثلاثين من قانون العقوبات السويسري توجب أن يكون تنفيذ عقوبتي السجن والحبس على نحو يكون من شأنه إخضاع المحكوم عليه لجهود تستهدف تهذيبه وتمهيد عودته إلى الحياة الحرة. وفي فرنسا، تحدد المادة الأولى من قانون 22 يونيو 1987 الخاص بالمؤسسات العقابية مهمة هذه المؤسسات بالسعي نحو تحقيق إعادة الاندماج الاجتماعي للمحكوم عليهم.
ولم يشذ القانون المصري عن هذا الاتجاه، وإن لم يتضمن نص تشريعي صريح يحدد وظيفة العقوبة ودورها في إصلاح وتأهيل المحكوم عليه. إذ يقتصر المشرع المصري على مجرد الإقرار الضمني لهذا الغرض، وذلك بالحرص على تنظيم أساليب المعاملة العقابية التي تكفل تحقيق إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم. ونقصد بذلك النصوص الواردة بقانون تنظيم رقم 396 لسنة 1956 والخاصة بعمل المحكوم عليهم وتعليم المسجونين وتثقيفهم دينياً وأخلاقياً واجتماعياً ورعايتهم صحياً. ويتأكد هذا المعنى بقراءة المذكرة الإيضاحية لهذا القانون والتي تحدد قصد أحكامه في «بث روح الفضيلة والسلوك القويم في نفوس المسجونين والنأي بهم عن المعاصي، وحمايتهم من المفاسد وتأهيلهم بسلوك الطريق القويم».
وقد تأكد هذا المعنى بصدور القانون رقم (14) لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون. بيان ذلك أنه، وبالاطلاع على نصوص هذا القانون، يمكن أن نستشف بوضوح الفلسفة العامة الحاكمة له والأهداف المرجوة منه، متمثلة في أنسنة المؤسسات العقابية والتعامل بروح من الإنسانية مع نزلاء هذه المؤسسات من المحكوم عليهم والمحبوسين احتياطياً. ويبدو ذلك بوضوح فيما يتعلق بالمصطلحات المستخدمة للدلالة على المؤسسات العقابية أو على نزلاء هذه المؤسسات. إذ تنص المادة الثانية من القانون سالف الذكر على استبدال عبارتي «مركز إصلاح وتأهيل» أو «مركز تأهيل» بلفظ «سجن»، بما مؤداه أن يتم استخدام العبارتين الأوليين بدلاً من لفظ «السجن» كمكان لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية. كذلك، ينص القانون على استبدال عبارتي «مركز إصلاح وتأهيل عمومي» أو «مراكز إصلاح وتأهيل عمومية» بمسميات «ليمان» أو «ليمانات» أو «سجن غير مركزي»، بما يعني العدول عن استخدام هذه الألفاظ الأخيرة، والتي شاع استخدامها خلال عقود عديدة مضت منذ صدور القانون رقم 396 لسنة 1956 وحتى تاريخ سريان القانون الجديد. ونص القانون كذلك على استبدال عبارتي «مركز الإصلاح الجغرافي» أو «مراكز الإصلاح الجغرافية» بعبارتي «سجن مركزي» أو «سجون مركزية».
وفيما يتعلق بالعنصر البشري العامل في هذه المؤسسات، نص القانون على استخدام عبارة «مدير مركز الإصلاح والتأهيل» أو «مدير مركز الإصلاح» بدلاً من مسمى «مأمور السجن». كذلك، يستخدم لفظ «المشرفين» و«المشرفات» بدلاً من مسمى «السجانين» أو «السجانات». أما الأشخاص المحكوم عليهم أنفسهم، المودعين في مراكز الإصلاح والتأهيل، فقد أطلق القانون عليهم لفظ «نزيل» بدلاً من «سجين» أو «مسجون»، كما أطلق لفظ «نزيلة» بدلاً من لفظي «سجينات» و«مسجونات».
والواقع أن الأمر لا يتعلق فحسب بمجرد استبدال ألفاظ بغيرها، وإنما يمتد إلى طريقة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية ذاتها، بحيث أصبح تنفيذها متسماً بالطابع الإنساني، وممزوجاً بالسمة التأهيلية الإصلاحية، وغدت متجهة نحو تأهيل المحكوم عليهم وإعادة إدماجهم أفراداً صالحين في المجتمع، بدلاً من عقابهم على جريمة اقترفوها في الماضي. ولعل ذلك يبدو جلياً من مطالعة المادة الأولى من القانون، والتي تحدد الهدف من تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، بنصها على أن «تنفذ العقوبات المقيدة للحرية في مراكز الإصلاح والتأهيل طبقاً لأحكام القانون، وتخضع للإشراف القضائي، وتهدف إلى رعاية وتأهيل المحكوم عليهم اجتماعياً وثقافياً، …». وتحقيقاً لهذا الهدف، فإن المادة الحادية والثلاثين من القانون، بعد تعديلها بمقتضى القانون رقم 14 لسنة 2022م، توجب «على إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل العمومية أن تشجع النزلاء على الاطلاع والتعلم وأن تيسر الاستذكار لمن لديهم الرغبة في استكمال الدراسة». وتحظر المادة الثانية الفقرة الثالثة من القانون «وضع القيد الحديدي في قدمي المحكوم عليه» داخل أو خارج مراكز الإصلاح والتأهيل، إلا إذا خيف هربه، وكان لهذا الخوف أسباب معقولة، ويصدر أمر وضع القيود من مساعد الوزير لقطاع الحماية المجتمعية أو مدير الأمن المختص، بحسب الأحوال، أو من يفوض في ذلك([4]).
ولم يقتصر تأكيد أهمية تأهيل المجرم وإصلاحه على الدساتير والقوانين الوطنية، وإنما امتد إلى المواثيق القانونية الدولية التي تحرص في أغلبها على تقرير هذا الغرض. نذكر من ذلك القاعدة 58 من مجموعة قواعد الحد الأدنى لمعاملة المسجونين التي أقرها المؤتمر الأول لمكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد بجنيف في 30 أغسطس 1955 بناءً على دعوة من هيئة الأمم المتحدة. وتنص المادة المذكورة على أن «غاية العقوبات والتدابير السالبة للحرية هي حماية المجتمع من الجريمة، ولا سبيل إلى بلوغ هذه الغاية إلا إذا استغلت، في أوسع نطاق ممكن، فترة سلب الحرية لجعل المحكوم عليه عند الإفراج عنه راغباً وأهلاً لأن يعيش في المجتمع محترماً للقانون ولأن يحصل فيه على ما يشبع به حاجاته». كذلك، فإن المادة العاشرة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 تحدد غرض النظام العقابي ومعاملة السجناء في إصلاحهم وإعادة تكيفهم اجتماعياً.
ومنظوراً إلى الأمور على هذا النحو، وانطلاقاً من اعتبار تأهيل وإعادة إدماج المحكوم عليه الهدف الأساسي للعقوبة، ولما كان حرمان النزلاء من العلاقات الجنسية المشروعة مع أزواجهم ضاراً بعملية تأهيلهم وإعادة إدماجهم، لذا يبدو سائغاً القول إن تخويل النزلاء الحق في الخلوة الشرعية أمراً واجباً وضرورياً.
المطلب الثاني
نطاق تطبيق نظام الخلوة الشرعية
تمهيد وتقسيم:
فيما يتعلق بنطاق تطبيق نظام الخلوة الشرعية، وباستقراء خطة التشريعات العربية التي تقرر حق المسجون في الخلوة الشرعية، يبدو سائغاً التمييز بين ثلاثة اتجاهات مختلفة، وذلك على النحو التالي:
اتجاه تخويل الخلوة الشرعية للمحبوس بوجه عام
يأخذ بهذا الاتجاه المشرع القطري، حيث ورد لفظ «المحبوس» عاماً مجرداً من أي قيد (المادة 20 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم (3) لسنة 2009 بتنظيم المؤسسات العقابية والاصلاحية، الصادرة بالقرار الوزاري رقم (11) لسنة 2012م).
اتجاه تخويل الخلوة الشرعية للمحكوم عليهم الذين مضى عليهم في السجن ثلاثة أشهر فأكثر
يأخذ بهذا الاتجاه المشرع السعودي (قرار صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رقم 1745 وتاريخ 17/ 6/ 1411ه). ولكن، يلزم حتى يتمتع النزيل بهذا الحق أن يكون قد مضى عليه في المنشأة العقابية ثلاثة أشهر فأكثر. ويعني ذلك بمفهوم المخالفة أن المحكوم عليهم بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر لا يجوز لهم الخلوة الشرعية بزواجاتهم. بل إن المحكوم عليهم لمدة تزيد على ثلاثة أشهر لا يجوز لهم الخلوة الشرعية إلا بعد مرور ثلاثة أشهر، وبحيث لا يبدأ تمتعهم بهذا الحق سوى بعد مرور هذه المدة.
اتجاه تخويل الخلوة الشرعية لكل نزيل محكوم عليه لمدة سنة أو أكثر
يأخذ بهذا الاتجاه كل من المشرع البحريني (المادة 62 من اللائحة التنفيذية لقانون مؤسسة الإصلاح والتأهيل) والمشرع الأردني (المادة العشرون من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل الأردني رقم 9 لسنة 2004م).
وقد يرى البعض أن هذه المدة ترجع إلى أن المرأة يجوز لها التفريق للحبس بعد مضي سنة من تاريخ حبس زوجها. فإذا انقضت هذه المدة، ولم ترغب في الطلاق، يكون من حقها وحق زوجها المسجون التمتع بالخلوة الشرعية داخل السجن.
والواقع أن هذه المدة طويلة جداً، ولا يمكن تبريرها، لاسيما وأن الأمر يتعلق أيضاً بالزوج أو الزوجة الموجودين خارج السجن. ونرى أنه لا وجه لتقرير الارتباط بين الخلوة الشرعية وبين التفريق بالحبس.
مدى تمتع المحبوسين احتياطياً بالحق في الخلوة الشرعية
على حد علمنا، يكاد ينفرد المشرع السعودي بتقرير حق المحبوسين احتياطياً في الخلوة الشرعية. فوفقاً لقرار صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رقم 1745 وتاريخ 17/ 6/ 1411ه، فإن الخلوة الشرعية لا تكون فقط للمحكوم عليهم، وإنما يمتد نطاق تطبيقها أيضاً إلى الموقوفين، بشرط أن يكونوا قد أمضوا في الحبس ثلاثة أشهر.
وقد يرى البعض تمتع المحبوسين احتياطياً بهذا الحق من باب أولى، ناظرين في ذلك إلى تمتع المحبوس احتياطياً بقرينة البراءة من جهة، وإلى أن إشباع الرغبة الجنسية فطرة إنسانية وحاجة غريزية لكل البشر.
وفي المقابل، قد يرى البعض أن الحبس الاحتياطي هو في الغالب إجراء مؤقت، لا يمتد فترة طويلة. ومن ثم، فإن الحاجة إلى الخلوة الشرعية تنتفي في معظم الحالات.
والواقع أن معظم التشريعات الجنائية الإجرائية العربية لم تضع للحبس الاحتياطي حد أقصى معين. وإذا كان المشرع المصري قد وضع حداً أقصى للحبس الاحتياطي كقاعدة عامة، فإن هذا الحد الأقصى قد يصل إلى سنتين بحسب نوع الجريمة والعقوبة المقررة لها. إذ تنص المادة 143 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أنه «وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهراً في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام». بل إن هذا الحد الأقصى ليس مطلقاً. إذ تنص المادة 143 الفقرة الرابعة من القانون ذاته على أنه «ومع ذلك فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادرا بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة خمسة وأربعين يوما قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في الفقرة السابقة».
ومن ثم، فإن حاجة المحبوس احتياطياً وزوجته إلى الخلوة الشرعية ثابتة، ولاسيما مع طول مدة الحبس الاحتياطي. وفي المقابل، فإن السماح للمحبوس احتياطياً بالاتصال بزوجته قد يخل بالمقتضيات والضرورة الداعية إلى الحبس الاحتياطي. ولذلك، فإن اجماع التشريعات الجنائية الإجرائية العربية منعقد على تخويل جهة التحقيق سلطة الأمر بمنع الزيارة عن المحبوس احتياطياً. فعلى سبيل المثال، ووفقاً للمادة 141 من قانون الإجراءات الجنائية المصري، «للنيابة العامة ولقاضي التحقيق في القضايا التي يُندب لتحقيقها في كل الأحوال أن يأمر بعدم اتصال المتهم المحبوس بغيره من المسجونين وبألا يزوره أحد وذلك بدون إخلال بحق المتهم بالاتصال دائماً بالمدافع عنه بدون حضور أحد». وفي الإطار ذاته، وتحت عنوان «اتصال المحبوس احتياطياً بالغير»، تنص المادة (106) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (38) لسنة 2022م، على أن «لعضو النيابة العامة إذا اقتضت ضرورة إجراءات التحقيق أن يأمر بعدم اتصال المتهم المحبوس احتياطياً بغيره من المحبوسين وألا يزوره أحد، وذلك بدون إخلال بحق المتهم في الاتصال دائماً بالمدافع عنه على انفراد».
وعلى هذا النحو، فإن صدور أمر من سلطة التحقيق بعدم اتصال المتهم المحبوس احتياطياً بغيره من المحبوسين وألا يزوره أحد، يؤدي إلى حرمانه بالتبعية من الحق في الخلوة الشرعية.
وفي اعتقادنا أن الأمر بالنسبة لحق المحبوس احتياطياً في الخلوة الشرعية يتوقف على سبب الحبس الاحتياطي. بيان ذلك أن المادة (134) من قانون الإجراءات الجنائية المصري تحدد أسباب ومبررات الحبس الاحتياطي، بنصها على أن «يجوز لقاضي التحقيق، بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه، إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة، والدلائل عليها كافية، أن يصدر أمراً بحبس المتهم احتياطياً، وذلك إذا توافرت إحدى الحالات أو الدواعي الآتية:
1 –إذا كانت الجريمة في حالة تلبس، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره.
2 –الخشية من هروب المتهم.
3 –خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجني عليه أو الشهود، أو بالعبث في الأدلة أو القرائن المادية، أو بإجراء اتفاقات مع باقي الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها.
4 –توقي الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذي قد يترتب على جسامة الجريمة.
ومع ذلك، يجوز حبس المتهم احتياطياً إذا لم يكن له محل إقامة ثابت معروف في مصر، وكانت الجريمة جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس».
وبإمعان النظر في أسباب الحبس الاحتياطي وما إذا كانت تبرر الأمر بعدم اتصال المحبوس احتياطياً بغيره من المسجونين أو بألا يزوره أحد، نرى أن ذلك يتحقق فحسب في حالة «خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجني عليه أو الشهود، أو بالعبث في الأدلة أو القرائن المادية، أو بإجراء اتفاقات مع باقي الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها». أما في غير هذه الحالة، فلا يوجد في اعتقادنا ما يبرر صدور الأمر بعدم اتصال المحبوس احتياطياً بغيره من المسجونين أو بألا يزوره أحد.
مدى تمتع المحكوم عليه بالإعدام بالحق في الخلوة الشرعية
على حد علمنا، يكاد ينفرد المشرع البحريني بتخويل المحكوم عليهم بالإعدام الحق في الخلوة الشرعية. إذ تخول المادة 62 من اللائحة التنفيذية لقانون مؤسسة الإصلاح والتأهيل لمدير المؤسسة أن يضع شروط ومدة وكافة ضوابط الخلوة الشرعية بالنسبة للمحكوم عليهم بالإعدام.
المطلب الثالث
عدد مرات الخلوة الشرعية
تمهيد وتقسيم:
فيما يتعلق بعدد مرات الخلوة الشرعية، وباستقراء خطة التشريعات العربية التي تقرر حق المسجون في الخلوة الشرعية، يبدو سائغاً التمييز بين اتجاهين مختلفين، وذلك على النحو التالي:
اتجاه منح الخلوة الشرعية مرة واحدة شهرياً
تقرر معظم التشريعات العربية التي تأخذ بالخلوة الشرعية للمسجون حق الاختلاء بزوجته وللمسجونة حق الخلوة بزوجها مرة واحدة شهرياً. وفي حالة تعدد الزوجات، يكون لكل زوجة هذا الحق مرة واحدة شهرياً، بما معناه أن السجين المتزوج بأكثر من زوجة يكون له الاختلاء الشرعي مرتين شهرياً، إذا كان متزوجاً من امرأتين.
اتجاه منح الخلوة الشرعية أربع مرات شهرياً
ينفرد المشرع القطري بتخويل السجين الحق في الخلوة الشرعية بواقع أربع مرات شهرياً. ويستفاد هذا التحديد من قراءة المادة العشرين من اللائحة التنفيذية للقانون رقم (3) لسنة 2009 بتنظيم المؤسسات العقابية والاصلاحية، الصادرة بالقرار الوزاري رقم (11) لسنة 2012م، والتي تنص على أنه «مع مراعاة ما تقضي به المواد (48)، (49)، (50) من القانون، للمحبوس الحق في استقبال الزوار على النحو التالي: … 4–الزيارات الخاصة (الخلوة الشرعية) بواقع أربع زيارات في الشهر».
المطلب الرابع
مدة الخلوة الشرعية
تمهيد وتقسيم:
فيما يتعلق بمدة الخلوة الشرعية، وباستقراء خطة التشريعات العربية التي تقرر حق المسجون في الخلوة الشرعية، يبدو سائغاً التمييز بين اتجاهين مختلفين، وذلك على النحو التالي:
ثلاث ساعات
تجعل بعض التشريعات العربية مدة الخلوة الشرعية ثلاث ساعات في المرة الواحدة. ففي مملكة البحرين، على سبيل المثال، وطبقاً للمادة الثانية والستين من قرار وزير الداخلية رقم 131 لسنة 2015 بشأن اللائحة التنفيذية لقانون مؤسسة الإصلاح والتأهيل الصادر بالقانون رقم 18 لسنة 2014م، «يجوز للنزيل المحكوم عليه بالسجن أو بالحبس لمدة سنة أو أكثر الاختلاء بزوجه الشرعي مرة كل شهر لمدة ثلاث ساعات، …».
اليوم العائلي
بالإضافة إلى الخلوة الشرعية داخل السجن المحددة ببضع ساعات، يتمتع السجين في المنشآت العقابية السعودية بميزة أخرى، وهي برنامج اليوم العائلي داخل السجن وزيارة الخلوة الشرعية خارج السجن. وتكون زيارة الخلوة الشرعية خارج السجن لمدة أربع وعشرين ساعة. أما برنامج اليوم العائلي داخل السجن، فيكون طوال اليوم من الصباح إلى المساء. وهذه المزايا لا تكون سوى للسجين حسن السيرة والسلوك، ويبدأ التمتع بها بعد مضي نصف محكوميته التي لا تقل عن سنة واحدة.
المطلب الخامس
مكان تنفيذ الخلوة الشرعية
يستلزم المشرع الأردني أن تكون الخلوة الشرعية في مكان في المركز يخصص لهذه الغاية تتوافر فيه شروط الخلوة الشرعية وفق تعليمات يصدرها المدير (المادة العشرون من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل الأردني رقم 9 لسنة 2004م).
وبدوره، يستوجب المشرع البحريني أن تتم الخلوة الشرعية «في مكان منعزل يخصص لهذه الغاية في المركز وتتوافر فيه شروط الخلوة الشرعية، على ألا يترتب على الخلوة الشرعية الإضرار بالأمن العام أو بالصحة العامة داخل المركز» (المادة 62 من قرار وزير الداخلية رقم 131 لسنة 2015 بشأن اللائحة التنفيذية لقانون مؤسسة الإصلاح والتأهيل الصادر بالقانون رقم 18 لسنة 2014م).
وفي الحالة المصرية، وفيما يتعلق بالسجناء الذين تم السماح لهم بممارسة الخلوة الشرعية، يؤكد البعض أنه، وبسبب عدم توافر اماكن للخلوة داخل السجون، فإنها كانت تمارس بشكل لا آدمي في بعض الحالات داخل غرفة الزيارة، حيث يصنع للسجين وزوجته خباء من الملايات (القماش) كساتر لهما، وبعد ذلك نقلت الخلوة إلى عنبر مستشفى السجن، حيث توجد غرف مغلقة يمكن أن يدخلها الزوجان دون أن يشعرا بالحرج الذي يجدانه في خباءات غرفة الزيارة داخل السجن.
ولا مراء في أن تقنين نظام الخلوة الشرعية ينبغي أن يتم في إطار تطبيق الشروط الشرعية التي تحفظ خصوصية الأزواج وتبعد عنهم أي مراقبة، وهنا يصبح ذلك مفيداً جداً ويمنع الانحرافات الأخلاقية والشذوذ.
المطلب السادس
مدى جواز الحرمان من الخلوة الشرعية كإجراء تأديبي للمسجون
فيما يتعلق بالحالة المصرية، يؤكد البعض أنه طوال سنوات اعتقال أعضاء الجماعات الإسلامية، كانت الخلوة الشرعية متاحة لهم بزوجاتهم بعد انتهاء التحقيقات في السجون، إلى أن حدث هروب القيادي عصام القمري، فبدأ التشديد على هذه الخلوات ثم منعت، وعادت مرة ثانية بعد مبادرة الجماعة الاسلامية بوقف العنف 1997م.
وبوجه عام، قد يطالب البعض بأن يتم تقنين الحق في الخلوة الشرعية، بحيث يسمح للسجين إذا ثبت حسن سيره وسلوكه طوال فترة السجن أن يخرج في إجازة يقضيها مع أسرته، ويمارس حقه الشرعي مع زوجته سواء في السجن أو في المنزل، وبذلك يمكننا ربط السجين بالمجتمع مرة أخرى، وتشجيع باقي السجناء على الالتزام وحسن السير والسلوك.
خاتمة
تناولنا في هذه الدراسة موضوع «حق المسجون في الخلوة الشرعية». وقد تبين لنا عبر صفحات هذا البحث مدى الأهمية التي يحظى بها هذا الموضوع، ناظرين في ذلك إلى عظم الأضرار المترتبة على حرمان النزلاء والنزيلات من الحق في العلاقات الجنسية المشروعة مع أزواجهم، وناظرين في ذلك أيضاً إلى ندرة الدراسات المتعلقة بالموضوع، وناظرين في ذلك كذلك إلى تعدد الإشكاليات التي يثيرها البحث في هذا الموضوع.
وفي ختام هذه الدراسة، نوصي بأن يبادر المشرع المصري والمشرع في العديد من الدول العربية الأخرى إلى تقنين الخلوة الشرعية، مع منح هذا الحق لكل من يمضي في المنشأة العقابية أكثر من ثلاثة أشهر، وبحيث يكون ذلك في مكان تتوافر فيه اعتبارات الخصوصية والحفاظ على قدسية العلاقة الجنسية.