مقدمة
Introduction au livre
جلست ذات يوم أفكر في العبث.. في لا شيء مُمسكًا بيدي ورقة صغيرة كانت بيضاء وقلمًا شبه مقصوف، وظللت أمرُ على هذه الورقة طولاً وعرضًا.. يمينًا ويسارًا.. وظهرت أشكال احترت في تفسيرها.. أشكال لم تتضح معالمها بعد، وعلى الرغم من أن معالمها لم تكن واضحة كما ذكرت إلا أنني حاولت الربط بين هذه الخطوط لمعرفة إلى أين ستنتهي وبالفعل انتهت، ولكن انتهت إلى حيث كنت لا أبغي، فوجدت كلمة أسرة، ولكنها هذه المرة كانت تختلف عما كانت عليه سابقًا، فهي أسرة مهشمة محاطة بأسلاك النفقات وعقبات الطاعة.. وجدتها أسرة بلا مسكن يأويها تبحث عنه بين جدران النيابات في محاولات عدة للتمكن منه، وجدتها أسرة اتفق ركناها على هدم جدرانها على رؤوس من تأويهم.. اثنان فقدا صواب الإختيار فوقعا في سلة مهملات الكيد.. “Deux ont perdu le bon choix et sont tombés dans la corbeille de l’intrigue “ولم يُدركا المخاطر، ولكنني أدركتها، وعقدت العزم على البحث في أصول المشكلات، ووجدت الأمر ليس بالهين وسوف يأخذ من الوقت طويلاً، احتسيت فنجانًا من القهوة.. وأوقفت عقارب ساعاتي غير عابئ بمرور الزمن من حولي ، وبدأ القلم يكتُب، مُعرفًا الأسرة ، باحثًا عنها في الدساتير، والقوانين، وكُتب الفقه والقانون الكنسي ، تلك المصادر التي بلورت المعنى جليًا مختصرًا في أن الأسرة (Famille) هي نواة المجتمع ، والأسرة في المسيحية (Famill chrétienne) تقوم باتحاد الرجل والمرأة في سر الزيجة المقدس الذي يباركه السيد المسيح (Christ )، وينمي المحبة فيه، ومن ثم يأتي الأولاد كثمرة لهذا الحب، ولكي ينمو الأطفال في بيئة أسرية صالحة يجب أن تنشأ الأسرة كجسد واحد في محبه ، وتناغم، وتفاهم، واحترام ،وطاعة، وشعور بالمسئولية، ويعرف ويتعلم الأباء والأمهات أسس التربية وعلم النفس، ويتفقا على الأسلوب السليم في التربية والتفاهم والحوار بين أفراد الأسرة لنمو المحبة والإقناع الفكري[1].
ولأهمية مكانة الأسرة اهتمت الدساتير (Constitutions) في مختلف دول العالم بأن أفردت لها مواد خاصة تضمن حمايتها ورعاية شئونها، فنصت على سبيل المثال المادة 6 من الدستور الألماني (La Constitution allemand) على أنه “1- يحظى الزواج وشئون الأسرة بحماية خاصة من قبل الدولة، 2- رعاية الأطفال وتربيتهم حق طبيعي للأبوين، وواجب يقع في المقام الأول على عاتقهما. وتعني الدولة بمراقبة قيامهما بذلك، 3- لا يجوز فصل الأطفال عن عائلاتهم ضد إرادة أبويهم أو أوصيائهم إلا بموجب قانون، وإلا إذا فشل أولياء أمور الأطفال أو أوصيائهم في واجباتهم، أو أصبح الأطفال معرضين لخطر الإهمال الجسيم. 4- كل أم لها الحق في أن يقدم المجتمع لها الحماية والرعاية. 5- تتاح للأطفال المولودين خارج إطار الزوجية من خلال التشريعات نفس الظروف التي تتهيأ لغيرهم من الأطفال المولودين في إطار الزوجية للتطور بدنيا ونفسيا، والتمتع بمكانتهم في المجتمع.
Le mariage et les affaires familiales bénéficient d’une protection spéciale de la part de l’État.
– La garde et l’éducation des enfants est un droit naturel des parents et un devoir qui incombe principalement à leurs épaules. L’État doit surveiller leur exécution.
– Les enfants ne peuvent être séparés de leur famille contre la volonté de leurs parents ou tuteurs, sauf par la loi, à moins que les parents ou tuteurs des enfants ne manquent à leurs devoirs ou que les enfants risquent d’être gravement négligés. .
– Chaque mère a le droit d’être protégée et soignée par la société.
– Les enfants nés hors mariage doivent bénéficier par la législation des mêmes conditions que celles qui assurent aux autres enfants nés dans le mariage de se développer physiquement et psychologiquement et de jouir de leur position dans la société.
في حين نصت المادة 14 من الدستور السويسري La Constitution suisse على أنه “يكفل الدستور حق الزواج والحق في تكوين الأسرة “.
La constitution garantit le droit de se marier et le droit de fonder une famille.
وكذلك اهتمت الدساتير المصرية Constitutions égyptiennes المتعاقبة بالأسرة فنجد الدستور الصادر في 1956 نص في المادة 5 على أن ” الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية”.
La famille est la base de la société, fondée sur la religion, la morale et le patriotisme”.
ونصت المادة 7 من الدستور الصادر في 1964 على ذات المعنى، فيما التزم الدستور الصادر في 1971 بهذا الدور وحرص عليه، فنصت المادة 9 منه على أن “الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد، مع تأكيد هذا الطابع وتثمينه في العلاقات داخل المجتمع المصري “.
La famille est la base d’une société fondée sur la religion, la morale et le patriotisme, et l’État tient à préserver le caractère original de la famille égyptienne et les valeurs et traditions qu’elle incarne, tout en soulignant et en valorisant ce caractère dans les relations au sein de la société égyptienne.
فيما نصت المادة 10 من دستور 2012 على ” أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية. وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها؛ وذلك على النحو الذي ينظمه القانون، وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام. وتولى الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة.
La famille est le fondement de la société, fondée sur la religion, la morale et le patriotisme. L’État et la société tiennent à préserver le caractère authentique de la famille égyptienne, sa cohésion et sa stabilité, ainsi que la consolidation et la protection de ses valeurs morales. Ceci est de la manière réglementée par la loi, et l’État garantit des services gratuits de maternité et d’enfance, et concilie les devoirs des femmes envers leur famille et leur travail public. L’État accorde une attention et une protection particulières aux personnes à charge, aux femmes’ divorcées et aux veuves.
ونصت المادة 10 من دستور 2014 على أن ” الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها”.
La famille est la base de la société. Elle est fondée sur la religion, la morale et le patriotisme. L’État est soucieux de sa cohésion, de sa stabilité et de la consolidation de ses valeurs.
ومقتضى ما نصت عليه المادة 10 من الدستور القائم (2014) أن الدستور أقام من الدين والأخلاق والوطنية بمثلها وفضائلها ومكارمها ، إطارًا للأسرة ، ويؤكد طبعها الأصيل، ويعكس ملامحها، فلا تنفصل في تراثها وتقاليدها ومناحي سلوكها عن دورها الإجتماعي ، وألا تتراجع عن القيم العليا للدين ، بل تنهل منها تأسيسًا بها ، والتزامها بالخلق القويم لا ينعزل عن وجدانها ، بل يمتد لأعماقها ويحيط بها ليهيمن على طرائقها في الحياة ؛ والأسرة بذلك لا تقوم على التباغض أو التناحر ، سواء بالنظر الى خصائصها أو توجهاتها ، ولكنها تحمل من القوة أسبابها ، فلا تكون حركتها انفلاتًا يئيسًا ، ولا حريتها نهيًا لقهر أو طغيان ، ولا حقوقها انطلاقًا بلا قيد، ولا واجباتها تسهبًا بهواها ، بل يظللها حياؤها وأدبها ، تعصمها صلابة الضمير ، ويقوي ائتلافها بنيان من الفضائل ، يراعي التكافل الاجتماعي بين احادها ، وأن صيانة الطابع الأصيل للأسرة مؤداه أنه لا يصلحها شقاق استفحل مداه ، ومزق تماسكها ووحدتها ، ودهمها بالتالي تباغض يُشقيها بما يصد عنها تراحمها وتناصفها ، فلا يرسيها على الدين القويم[2] .
وعَرفت المادة 34 من القانون المدني المصري Droit civil égyptien تكوين الأسرة فنصت [3] على أنه ” 1– تتكون أسرة الشخص من ذوي قرباه، ۲ – ويعتبر من ذوي القربى كل من يجمعهم أصل مشترك، وبينت مذكرة المشروع التمهيدي للقانون المدني مضمون نص المادة 34 المار بيانه بأن ” أسرة الشخص هم ذوو قرباه. ويعتبر قريبًا للشخص من يجمعه به أصل مشترك ذكرًا كان أو أنثى، والقرابة إما قرابة مباشرة أو قرابة حواش. فتكون القرابة المباشرة بين شخصين إذا تسلسل أحدهما من الآخر كما هو الأمر بين الأصول والفروع، وقرابة الحواشي لا تسلسل فيها وإن كان يجمع الشخصين أصل مشترك، فالأب قریب مباشر وكذلك أبو الأب وإن علا وأم الأب وإن علت. والأم قريب مباشر وكذلك أبو الأم وإن علا وأم الأم وإن علت، وكل أصل من هؤلاء يعتبر كل من أبيه وأمه أصلاً أي قريبة مباشرًا ، والأخ والأخت من الحواشي وفرعهما وإن نزل، كذلك يكونون من الحواشي العم والعمة وفرعهما وإن نزل، وعم وعمة الأب والجد وإن علا وفرع هؤلاء وإن نزل، وما ذكر عن العم والعمة يصح في الخال والخالة وهكذا، وينتسب للشخص من جهة أبيه فروع أبيه وفروع أبي أبيه وفروع أم أبيه وفروع كل أب وأم لكل أصل من أصول أبيه، وينتسب له من جهة أمه فروع أمه وفروع أبي أمه وفروع أم أمه وفروع كل أب وأم لكل أصل من أصول أمه.
والحق في تكوين الأسرة لا ينفصل بالضرورة عن الحق في صونها، بما يكفل تنشئة أطفالها وتقويمهم وتحمل مسئولياتهم صحيًا وتعليمًا وتربويًّا. وكان دستور سنة 1971 قد نص في المواد (9، 10، 12)، المقابلة للمادتين (10، 11) من دستور سنة 2014، على أن الأسرة أساس المجتمع، وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية – وما تتمثل فيه من قيم وتقاليد Valeurs et traditions هو ما ينبغي الحفاظ عليه، وتوكيده وتنميته في العلائق داخل مجتمعها، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة، ورعايتها ضرورة تقدمها. وكان الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق – ومن ذلك من له حق حضانة الصغير – أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقرر أنه أنسب لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها، محققًا لما يهدف إليه ذلك التنظيم لتحقيق المصالح المشروعة التي توخاها، بما ليس فيه تضييق على الناس أو يرهقهم.
وحيث إن الدستور -وفى إطار المقومات الأساسية للمجتمع التي تنتظم المصريين جميعًا، فلا يتوجهون لغيرها أو ينعزلون عنها- قد أورد أحكامًا رئيسية Principales dispositions ترعى الأسرة المصرية – سواء في خصائصها، أو على صعيد الأفراد الذين يكونونها وقد دل بها على أن الحق في تكوين الأسرة لا ينفصل عن الحق في صونها على امتداد مراحل بقائها، لتأمينها مما يخل بوحدتها، أو يؤثر سلباً في ترابطها، أو في القيم والتقاليد التي تنصهر فيها، بل يزكيها كافلاً لبنيها تراحما أوثق، ولأطفالها إشرابهم مبادئها، ومعاونتهم على صون أعراضهم وعقولهم وأموالهم وأبدانهم وعقيدتهم مما ينال منها أو يقوضها، وكذلك اختيار أنماط من الحياة يتعايشون معها، فلا تتفرق الأسرة التي تضمهم -وهى بنيان مجتمعهم- ولا تتنصل من واجباتها قبلهم، بل تتحمل مسئوليتها عنهم صحيًا وتعليميًا وتربويًا ، بل إن الأسرة في توجهاتها لا تعمل بعيدًا عن الدين ولا عن الأخلاق أو الوطنية ، ولكنها تنميها -وعلى ضوء أعمق مستوياتها وأجلها شأنًا- من خلال روافد لا انقطاع لجريانها، يتصدرها إرساء أمومتها وطفولتها بما يحفظها ويرعاها، والتوفيق بين عمل المرأة في مجتمعها وواجباتها في نطاق أسرتها، وبمراعاة طابعها الأصيل بوصفها الوحدة الأولى التي تصون لمجتمعها تلك القيم والتقاليد التي يؤمن بها، تثبيتاً لها وتمكيناً منها[4].
والأسرة القبطية -فيما خلا الأصول الكلية لعقيدتها- هي ذاتها الأسرة المسلمة ، إلى مجتمعها تفئ ؛ وبقيمه وتقاليده تستظل ؛ ويؤيد ذلك أن الدستور قد أورد الأحكام التي تكفل رعاية الأسرة المصرية ، وقد دل بها على أن الحق في تكوين الأسرة –أيًا كان معتقدها الديني – لا ينفصل عن الحق في وجوب صونها على امتداد مراحل بقائها، وإقامة الأمومة والطفولة على أسس قويمة تكفل رعايتها، وتنمية ملكاتها[5]، فللجماعة مقوماتها الأساسية التي لا يجوز أن ينعزل بنيان الأسرة عنها، باعتبار أن تكوينها وصونها على امتداد مراحل بقائها، أكفل لوحدتها، وأدعى لاتصال أفرادها ببعض من خلال روافد لا انقطاع لجريانها يتصدرها إرساء أمومتها وطفولتها بما يحفظها ويرعاها.
وحرصًا من المُشرع المصري Projet égyptien لتحقيق المبادئ الدستورية المار بيانها فقد استن القانون 10 لسنة 2004 بإنشاء محاكم الأسرة بغاية سرعة حسم المنازعات المتصلة بالأسرة؛ لما تتسم به هذه المنازعات من طبيعة خاصة تتعلق، في جوهرها، بأخص أمور العلاقات الإنسانية، والقضاء على تكدس القضايا بالمحاكم وتوفير جهد القضاة، ورفع العنت عن كاهل الزوجة لضمان استقرار الأسرة، وتحقيق مصالح الصغار بوجه خاص وتجنيبهم – كضحايا للخلافات الزوجية – الكثير من المعاناة في أروقة المحاكم، وفض تعارض الأحكام والقرارات التي تصدر عن المحاكم بدرجاتها في مسائل الأحوال الشخصية، وفى سبيل ذلك؛ عمد المشرع إلى استحداث نظام قضائي Le système judiciaire متكامل يجمع منازعات الأسرة أمام محكمة واحدة تتمتع بالخبرة والتخصص؛ تشكل من ثلاثة قضاة؛ أحدهم على الأقل بدرجة رئيس محكمة، وتختص بمسائل كان ينفرد بنظر العديد منها قاض فردى، وتستأنف أحكامها أمام دائرة من دوائر محكمة الاستئناف المشكلة من ثلاثة مستشارين؛ أحدهم على الأقل بدرجة رئيس محكمة استئناف، على حين كانت أحكام المحاكم الجزئية – قبل العمل بقانون إنشاء محاكم الأسرة المشار إليه – تستأنف أمام إحدى دوائر المحكمة الابتدائية التي تُشكل من ثلاثة قضاة. كما أضفى المشرع على محاكم الأسرة مكنة تحقيق الصلح بين أفراد الأسرة الواحدة بما يُسمى بالبعد الاجتماعي لدور محكمة الموضوع، عن طريق معاونتها بنيابة متخصصة في شئون الأسرة؛ تتولى تهيئة الدعوى، ومكتب لتسوية المنازعات الأسرية، وفريق من الإخصائيين في المجالين الاجتماعي والنفسي، مما أدى بالمشرع إلى الاستغناء عن طريق طعن غير عادى – يتمثل في الطعن بالنقض – يكون من شأنه إطالة أمد النزاع وزعزعة المراكز القانونية لأفراد الأسرة، واكتفى في حسم تلك المنازعات بقضاء محاكم الاستئناف المشكلة من عناصر تتمتع بالخبرة الطويلة والتخصص.
ويعاون المحكمة – في هذا الأمر كما ذكرنا – خبيران أحدهما من الأخصائيين الاجتماعيين ، والآخر من الأخصائيين النفسيين، يكون أحدهما على الأقل من النساء، ويكون حضورهما جلسات محكمة الأسرة وجوبيًا في دعاوى الطلاق والتطليق والتفريق الجسماني والفسخ وبطلان الزواج وحضانة الصغير ومسكن حضانته وحفظه ورؤيته وضمه والانتقال به، وكذلك في دعاوى النسب والطاعة، كما يكون للمحكمة أن تستعين بهما في غير ذلك من مسائل الأحوال الشخصية إذا رأت ضرورة لذلك، ويبدأ دورهما بعد أن فشلت محاولات الصلح في مكتب تسوية المنازعات الأسرية بالمحكمة، وأضحى لزامًا تسوية النزاع قضائيًا، فيقع على عاتقهما عبء معاونة القضاة؛ عن طريق بحث الحالة الاجتماعية والنفسية للطفل المحضون والأطراف المتنازعة على حضانته، وكذلك في المنازعات الأخرى المشار إليها ويقدم كل منهما تقريرًا إلى المحكمة بما أسفر عنه بحثه للحالة المعروضة، ولا يعدو هذا التقرير كونه تقريرًا استرشاديًا ، كما أن وجوب حضورهما جلسات المحكمة يُقصد منه تقديم الخبرة والمشورة الفنية المتخصصة – كل في مجاله – من أجل معاونة القضاة في الإحاطة بجوانب النزاع، دون أن يندرجا في تشكيل محكمة الأسرة, ودون أن تلتزم المحكمة برأي أي منهما، حيث يكون لها وحدها القول الفصل فيما تسطره في حكمها، ودون أن يؤثر في ذلك كون الخبير رجلاً أم امرأة ، بيد أن ما أوجبه المشرع – بالقانون 10 لسنة 2004 – من أن يكون أحد الخبيرين على الأقل من النساء؛ مرجعه أن منازعات الأسرة تدور في أغلبها حول النساء والأطفال ،حيث يكون لرأي المرأة فيها أهمية بالغة؛ باعتبارها – بطبيعتها – الأكثر تفهمًا في هذا المجال، وعلى أساس أن بعض مسائل الأحوال الشخصية لا يُقبل فيها شرعًا إلا قول النساء، ولا يُقبل فيها قول الرجال مثل العدة والحيض وما إلى ذلك ، وهو ما يُعد قاعدة موضوعية تبرر تفضيل المرأة في هذا الصدد.
وكذلك اهتمت الشرائع السماوية Lois célestes بالأسرة وأفرادها ، ووضعت لذلك مناهجCurricula لأتباعها يلتزمون بها لإقامة مجتمعات سوية، فليس الزواج مُجرد علاقة اجتماعية أو عاطفية بين رجل وامرأة، فلا نستطيع أن نتصور أسرة من طرفين اثنين فقط (رجل وامرأة) ، إنما كل أسرة تتكون أولًا من ثلاثة أطراف ، الرجل والمرأة ومعهما الله، فلذلك هي مسئولية responsabilité ، إنه تكوين لأسرة ورعاية لأطفال يربون في مخافة الله، وينشئون تنشئة صالحة، لتكوين مجتمع صالح، ووطن متماسك، وحقًا : فها هي أمانة الجيل المقبل، توضع في أيدي الأزواج والزوجات.
هذه لمحات عن الأسرة في الدساتير المختلفة، والقوانين الوضعية، والمعنى الروحي لها لإيضاح أهمية تلك النواة في نشأة مجتمع صحي، على أن نُفرد مساحات في الأبواب والفصول التالية من هذا المؤلَف للوقوف على صحة الزواج المسيحي وشرائط انعقاده صحيحًا، وأثر توافر مانع من موانعه على استمرار العلاقة، وأسباب حَلِها المختلفة، أملين أن يوفقنا الله في تفنيد هذه العناصر بإيضاح يُيَسر على المهتمين عناء البحث بإذن الله
[1] – في هذا المعنى نظمي نشأت – جريدة وطني – 3 سبتمبر 2018.
[2] – الدعوى الدستورية رقم 175 لسنة 30ق دستورية – جلسة 17/5/2021.
[3] -وأيضًا نصت المادة ٣٥ على أنه – (١) القرابة المباشرة هي الصلة ما بين الأصول والفروع ، (2) وقرابة الحواشي هي الرابطة ما بين أشخاص يجمعهم أصل مشترك، دون أن يكون أحدهم فرعا للآخر، ونصت المادة ٣٦ على انه ” يراعى في حساب درجة القرابة المباشرة، اعتبار كل فرع درجة عند الصعود للأصل بخروج هذا الأصل، وعند حساب درجة الحواشي تُعد الدرجات صعودًا من الفرع للأصل المشترك، ثم نزولاً منه إلى الفرع الآخر، وكل فرع فيما عدا الأصل المشترك يعتبر درجة ، ونصت المادة ٣٧ على أنه ” أقارب أحد الزوجين يعتبرون في نفس القرابة والدرجة بالنسبة إلى الزوج الآخر.
[4] – الحكم رقم 74 لسنة 17 قضائية “دستورية – جلسة 1/3/1997.
[5] – في هذا المعنى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 151 لسنة 20 قضائية “دستورية – جلسة 3/6/2000، وأيضا قضي بإن” الأسرة القبطية هي ذاتها الأسرة المسلمة فيما خلا الأصول الكلية لعقيدة كل منهما، تجمعهما القيم والتقاليد عينها، وإلى مجتمعهم يفيئون تقيدًا بالأسس التي يقوم عليها في مقوماتها وخصائصها، وتعبيرًا عن انصهارهم في إطار أمتهم، ونأيهم عن اصطناع الفواصل التي تفرقهم أو الدعوة إليها، فقد صار أمرًا محتومًا ألا يمايز المشرع بينهم في مجال الولاية على النفس التي تتحد مراكزهم بشأنها سواء في موجباتها أو حد انتهائها، وإلا كان هذا التمييز منفلتًا عن الحدود المنطقية التي ينبغي أن يترسمها، ومخالفًا بالتالي لنص المادة (40) من الدستور، ومجاوزًا كذلك الحق في الحرية الشخصية التي يكون التماس وسائلها – ويندرج انتهاء الولاية على النفس تحتها – مطلبًا لكل مواطن وفقًا لنص المادة (41) من الدستور( القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 79 لسنة 18 قضائية “دستورية “– جلسة 6/12/1997).